«الانتصار»- معرّضاً بابن الجنيد- قائلًا: «إنّما عوّل ابن الجنيد في هذه المسألة على ضربٍ من الرأي والاجتهاد، وخطؤه ظاهر»[1]. وقال في مسألة مسح الرجلين في فصل الطهارة من كتاب الانتصار: «إنّا لا نرى الاجتهاد ولا نقول به»[2].
واستمرّ هذا الاصطلاح في كلمة «الاجتهاد» بعد ذلك أيضاً، فالشيخ الطوسي الذي توفّي في أواسط القرن الخامس يكتب في كتاب العدّة قائلًا: «أمّا القياس والاجتهاد فعندنا أ نّهما ليسا بدليلين، بل محظور استعمالهما»[3].
وفي أواخر القرن السادس يستعرض ابن إدريس في مسألة تعارض البيّنتين من كتابه «السرائر» عدداً من المرجّحات لإحدى البيّنتين على الاخرى، ثمّ يعقّب ذلك قائلًا: «ولا ترجيح بغير ذلك عند أصحابنا، والقياس والاستحسان والاجتهاد باطل عندنا»[4].
وهكذا تدلّ هذه النصوص بتعاقبها التأريخي المتتابع على أنّ كلمة «الاجتهاد» كانت تعبيراً عن ذلك المبدأ الفقهي المتقدّم إلى أوائل القرن السابع، وعلى هذا الأساس اكتسبت الكلمة لوناً مقيتاً وطابعاً من الكراهية والاشمئزاز في الذهنية الفقهية الإمامية؛ نتيجةً لمعارضة ذلك المبدأ والإيمان ببطلانه.
ولكنّ كلمة «الاجتهاد» تطوّرت بعد ذلك في مصطلح فقهائنا، ولا يوجد لدينا الآن نصّ شيعي يعكس هذا التطور أقدم تأريخاً من كتاب المعارج للمحقّق
[1] الانتصار: 488، المسألة 271
[2] لم نعثر على العبارة بعينها، وحكاها المحقّق الإصفهاني في هداية المسترشدين: 482، راجع الانتصار: 113، المسألة 14
[3] عدّة الاصول 1: 39
[4] السرائر 2: 170