الفقه العناصر الخاصّة ليكمل بذلك عملية الاستنباط؛ إذ قد يتصور البعض أ نّا إذا درسنا في علم الاصول العناصر المشتركة في عملية الاستنباط وعرفنا- مثلًا- حجّية الخبر وحجّية الظهور العرفي وما إليهما من العناصر الاصولية فلا يبقى علينا بعد ذلك أيّ جهدٍ علمي، إذ لا نحتاج ما دمنا نملك تلك العناصر إلّاإلى مجرّد استخراج الروايات والنصوص من مواضعها، نظير مَن يستخرج تأريخ غزوة خيبر أو روايات الهجرة من تأريخ السيرة النبوية، وبهذا يكون عمل الفقيه في علم الفقه مقتصراً على مجرّد التفتيش عن العناصر الخاصّة من الروايات والنصوص؛ لكي تضاف إلى العناصر المشتركة ويستنبط منها الحكم الشرعي، وهو عمل سهل يسير بطبيعته لا يشتمل على جهدٍ علمي، ونتيجة ذلك أنّ الجهد العلمي الذي يبذله المجتهد في عملية الاستنباط يتمثّل في وضع العناصر المشتركة وتنظيمها ودراستها في علم الاصول، لا في جمع العناصر الخاصّة من النصوص والروايات وغيرها في علم الفقه.
ولكنّ هذا التصوّر خاطئ إلى درجةٍ كبيرة؛ لأنّ المجتهد إذا درس العناصر المشتركة لعملية الاستنباط وحدّدها في علم الاصول لا يكتفي بعد ذلك بتجميعٍ أعمى للعناصر الخاصّة من كتب الأحاديث والروايات مثلًا، بل يبقى عليه أن يمارس في علم الفقه تطبيق تلك العناصر المشتركة ونظرياتها العامة على العناصر الخاصّة. والتطبيق مهمّة فكرية بطبيعتها تحتاج إلى درسٍ وتمحيص، ولا يغني الجهد العلمي المبذول اصولياً في دراسة العناصر المشتركة وتحديد نظرياتها العامة عن بذل جهدٍ جديدٍ في التطبيق.
ولا نستطيع الآن أن نضرب الأمثلة المتنوّعة لتوضيح دقّة التطبيق؛ لأنّ فهم الأمثلة يتوقّف على اطّلاعٍ مسبقٍ على النظريات الاصولية العامة. ولهذا نكتفي بمثالٍ واحدٍ بسيط، فنفرض أنّ المجتهد آمن في علم الاصول بحجّية الظهور