نفهم هذا القول بصورةٍ مماثلةٍ لفهمنا القول بأنّ صيغة الأمر تدلّ على الوجوب، فإنّ النهي يشكِّل جملةً مفيدةً ويشتمل لأجل ذلك على نسبةٍ تامة، وتعتبر الجملة التي يشكِّلها جملةً إنشائيةً لا إخبارية، فأنت حين تقول: «لا تذهب» لا تريد أن تخبر عن عدم الذهاب، وإنّما تريد أن تمنع المخاطب عن الذهاب وتمسكه عن ذلك، فصيغة الأمر والنهي متّفقتان في كلّ هذا، ولكنّهما تختلفان في الإرسال والإمساك؛ لأنّ صيغة الأمر تدلّ على نسبةٍ إرساليةٍ كما سبق، وأمّا صيغة النهي فتدلّ على نسبةٍ إمساكية، أي أنّا حين نسمع جملة «اذهب» نتصور نسبةً بين الذهاب والمخاطب، ونتصور أنّ المتكلِّم يرسل المخاطب نحوها ويبعثه الى تحقيقها كما يرسل الصياد كلبه نحو الفريسة، وأمّا حين نسمع جملة «لا تذهب» فنتصور نسبةً بين الذهاب والمخاطب، ونتصور أنّ المتكلِّم يمسك مخاطبه عن تلك النسبة ويزجره عنها، كما لو حاول كلب الصيد أن يطارد الفريسة فأمسك به الصياد، ولهذا نطلق عليها اسم «النسبة الإمساكية».
وتدخل الحرمة في مدلول النهي بالطريقة التي دخل بها الوجوب الى مدلول الأمر، ولنرجع بهذا الصدد الى مثال الصياد، فإنّا نجد أنّ الصياد حين يمسك كلبه عن تتبّع الفريسة قد يكون إمساكه هذا ناتجاً عن كراهة تتبّع الكلب للفريسة بدرجةٍ شديدة، وقد ينتج عن كراهة ذلك بدرجةٍ ضعيفة. ونظير هذا تماماً نتصوره في النسبة الإمساكية التي نتحدّث عنها، فإنّا قد نتصورها ناتجةً عن كراهةٍ شديدةٍ للمنهيِّ عنه، وقد نتصورها ناتجةً عن كراهةٍ ضعيفة.
ومعنى القول بأنّ صيغة النهي تدلّ على الحرمة في هذا الضوء: أنّ الصيغة موضوعة للنسبة الإمساكية بوصفها ناتجةً عن كراهةٍ شديدةٍ وهي الحرمة، فتدخل الحرمة ضمن الصورة التي نتصور بها المعنى اللغوي لصيغة النهي عند سماعها.
وفي نفس الوقت قد تستعمل صيغة النهي في موارد الكراهة فُينهى عن