کتابخانه
161

فركٍ وعصرٍ لنفوذ النجاسة فيه، بخلاف البدن.

ويشهد لذلك: تعليل الاكتفاء بالصبّ بأنّ البول ماء، بمعنى أ نّه ليس شيئاً لزجاً محتاجاً إلى الفرك والدلك كالمنيّ مثلًا، وعليه فمجرّد جعل الصبّ في مقابل الغسل في المقام لا يكون قرينةً على عدم إرادة التطهير بالصبّ.

الخامس: الروايات الآمرة بالنضح عند اليبوسة، كرواية حريز، عمّن أخبره، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا مسّ ثوبك كلب: فإن كان يابساً فانضحه، وإن كان رطباً فاغسله»[1].

ومعتبرة عليّ بن محمّد[2]، قال: سألته عن خنزيرٍ أصاب ثوباً وهو جافّ هل تصلح الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال: «نعم، ينضحه بالماء ثمّ يصلّي فيه»[3].

وغيرهما[4].

وتقريب الاستدلال بها: أنّ النضح لمّا كان لا يحقّق الغسل المطهّر فالأمر به في حالة الجفاف كاشف عن عدم السراية، وكونه لمجرّد التنزّه، ويؤيّد ذلك ورود الأمر بالنضح في جملةٍ من موارد التنزّه‏[5].

السادس: معتبرة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام، قال: سألته عن الرجل يقع ثوبه على حمارٍ ميّتٍ هل يصلح له الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال:

«ليس عليه غسله، وليصلِّ فيه، ولا بأس»[6].

 

[1] وسائل الشيعة 3: 441، الباب 26 من أبواب النجاسات، الحديث 3.

[2] الأظهر أنّ الرواية لعليّ بن جعفر، لا لعليّ بن محمّد.

[3] المصدر السابق: 442، الحديث 6.

[4] المصدر السابق: 417، الباب 12 من أبواب النجاسات، الحديث 11.

[5] وسائل الشيعة 3: 426، الباب 17 من أبواب النجاسات، الحديث 2.

[6] وسائل الشيعة 3: 442، الباب 26 من أبواب النجاسات، الحديث 5.

160

بين أجزاء الكلام يولّد نحواً من الإجمال الذي قد يمنع من التعويل عليه.

الرابع: معتبرة الفضل أبي العباس، قال: قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله، وإن مسّه جافاً فاصبب عليه الماء …»[1].

وقد استدلّ بها في المستمسك‏[2] على عدم السراية مع الجفاف، حيث لم يأمر الإمام عليه السلام بالغسل في فرض الجفاف، وكأنّ الاستدلال بها على ذلك مبنيّ على افتراض أنّ الصبّ بقرينة مقابلته للغسل المتقوّم باستيلاء الماء على الشي‏ء يراد به مرتبةً أدنى من الاستيلاء، وهي غير مطهّرة، فالأمر بها في فرض الجفاف دالّ على عدم السراية.

ويرد على ذلك: أنّ مقابلة الصبّ للغسل لا ينحصر وجهها بما ذكر، بل قد يكون بلحاظ اشتمال الغسل على شي‏ءٍ من الفرك والعصر، بخلاف الصبّ، بعد الفراغ عن كونهما معاً مساوقين لاستيلاء الماء؛ لأنّ ما هو أدنى‏ من ذلك لا يسمّى غسلًا ولا صبّاً للماء، ومن أجل ذلك أمر بالصبّ، وجعل مقابلًا للغسل في موارد لا شكّ في أنّ الشي‏ء الذي أمر بصبّ الماء عليه متنجّس، كما في معتبرة الحسين بن أبي العلاء، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن البول يصيب الجسد، قال: «صُبَّ عليه الماء مرّتين فإنّما هو ماء»، وسألته عن الثوب يصيبه البول، قال: «اغسله مرّتين»[3].

فأنت ترى أ نّه قوبل الصبّ على‏ البدن بالغسل في الثوب، مع أ نّهما نجسان معاً، ولابدّ من استيلاء الماء عليهما، وليس ذلك إلّابعناية أنّ الثوب بحاجةٍ إلى‏

 

[1] وسائل الشيعة 3: 414، الباب 12 من أبواب النجاسات، الحديث 1.

[2] مستمسك العروة الوثقى 1: 466.

[3] وسائل الشيعة 3: 395، الباب 1 من أبواب النجاسات، الحديث 4.

159

وغير ملازمٍ لها.

وأمّا عدم افتراض السائل ملاقاة العضو الممسوح لشي‏ءٍ آخر فهو قد يكون باعتبار كونه افتراضاً مفهوماً ضمناً من فرض أصل المسألة، كما هو واضح، وعليه فلا يبعد دلالة الخبر المذكور على ما هو المطلوب، غير أ نّه لا يخلو من إشكالٍ سَنَدي، وذلك باعتبار محمّد بن خالد الواقع في السند[1].

الثالث: معتبرة محمّد بن مسلم، قال: كنت مع أبي جعفر عليه السلام، إذ مرَّ على عذرةٍ يابسةٍ فوطأ عليها فأصابت ثوبه، فقلت: جعلت فداك، قد وطأت على عذرةٍ فأصابت ثوبك، فقال: «أليس هي يابسة؟!» فقلت: بلى، فقال:

«لا بأس ..»[2].

والاستدلال بها واضح، باعتبار أنّ نفي البأس عن ملاقاة العذرة اليابسة مع الثوب معلّلًا بأ نّها يابسة ظاهر في إعطاء قاعدةٍ كلّية، وهي عدم السراية مع الجفاف.

غير أنّ الرواية ذكرت في الوسائل تحت عنوان المسألة المبحوث عنها مقطوعة عن ذيلها[3]، وهو قوله: «فإنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً»، وهذا الذيل يوجب نحواً من الإجمال في الرواية، إذ لا تعرف كيفية تطبيق كبرى مطهّرية الأرض في المقام، مع وضوح أنّ الثوب ليس ممّا يطهر بالأرض، فعدم الاتّساق‏

 

[1] في السند يروي محمّد بن خالد، عن عبد اللَّه بن بكير، ومحمّد بن خالد مردّد بين محمّد ابن خالد البرقي الثقة، ومحمّد بن خالد الأصمّ المجهول، وكلاهما رويا عن عبد اللَّه بن بكير، فلا مميّز بينهما.

[2] وسائل الشيعة 3: 457، الباب 32 من أبواب النجاسات، الحديث 2.

[3] ذكرها كذلك في وسائل الشيعة 3: 444، الباب 26 من أبواب النجاسات، الحديث 14.

158

الملاقي، لا في النجس، مع أ نّه في هذا الفرض كثيراً ما لا ينتقل من النجس أثر عينيّ إلى الملاقي، بل ينتقل من الملاقي إلى النجس، فلو كان فرض الغسل مختصّاً بفرض أثرٍ عينيٍّ من النجس على المغسول لمَا صحّ هذا الإطلاق.
وأمّا الجهة الثانية فهي في البحث عن المقيّد بعد فرض تمامية الإطلاق.
فما يدّعى‏ كونه مقيّداً أحد امور:
الأوّل: ارتكاز عدم السراية بدون رطوبة، وهذا الارتكاز باعتباره كالقرينة المتّصلة لبّاً يكون مقيّداً للإطلاق، حيث تكون الدلالة على السراية في صورة الجفاف بالإطلاق، ويكون قرينةً لحمل الأمر بالغسل على التنزّه، حيث يكون الأمر بالغسل وارداً في موضوعٍ لا يمكن تقييده بفرض الرطوبة؛ لكونه فرضاً نادراً، كما في مثل مصافحة الكتابيّ مثلًا «1»، ويكون قرينةً على افتراض الرطوبة في كلام السائل حين يسأل عن السراية من دون أن يفرض الرطوبة صريحاً؛ لأنّ وضوح عدم السراية بدون رطوبةٍ عرفاً يوجب انصراف السؤال إلى‏ فرض الرطوبة، فلا يبقى حينئذٍ في جواب الإمام عليه السلام إطلاق لفرض الجفاف.
وهذا التقريب للتقييد والتصرّف في المطلقات تامّ، وعليه المعوّل في عدم السراية في حالات الجفاف.
الثاني: رواية عبد اللَّه بن بكير، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: الرجل يبول ولا يكون عنده الماء، فيمسح ذكره بالحائط، قال: «كلّ شي‏ءٍ يابس ذكيّ» «2».
والاستدلال بها يتوقّف على أنّ المراد بكون اليابس ذكيّاً أ نّه ذكيّ في مقام‏

157

الملاقي، لا في النجس، مع أ نّه في هذا الفرض كثيراً ما لا ينتقل من النجس أثر عينيّ إلى الملاقي، بل ينتقل من الملاقي إلى النجس، فلو كان فرض الغسل مختصّاً بفرض أثرٍ عينيٍّ من النجس على المغسول لمَا صحّ هذا الإطلاق.

وأمّا الجهة الثانية فهي في البحث عن المقيّد بعد فرض تمامية الإطلاق.

فما يدّعى‏ كونه مقيّداً أحد امور:

الأوّل: ارتكاز عدم السراية بدون رطوبة، وهذا الارتكاز باعتباره كالقرينة المتّصلة لبّاً يكون مقيّداً للإطلاق، حيث تكون الدلالة على السراية في صورة الجفاف بالإطلاق، ويكون قرينةً لحمل الأمر بالغسل على التنزّه، حيث يكون الأمر بالغسل وارداً في موضوعٍ لا يمكن تقييده بفرض الرطوبة؛ لكونه فرضاً نادراً، كما في مثل مصافحة الكتابيّ مثلًا[1]، ويكون قرينةً على افتراض الرطوبة في كلام السائل حين يسأل عن السراية من دون أن يفرض الرطوبة صريحاً؛ لأنّ وضوح عدم السراية بدون رطوبةٍ عرفاً يوجب انصراف السؤال إلى‏ فرض الرطوبة، فلا يبقى حينئذٍ في جواب الإمام عليه السلام إطلاق لفرض الجفاف.

وهذا التقريب للتقييد والتصرّف في المطلقات تامّ، وعليه المعوّل في عدم السراية في حالات الجفاف.

الثاني: رواية عبد اللَّه بن بكير، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: الرجل يبول ولا يكون عنده الماء، فيمسح ذكره بالحائط، قال: «كلّ شي‏ءٍ يابس ذكيّ»[2].

والاستدلال بها يتوقّف على أنّ المراد بكون اليابس ذكيّاً أ نّه ذكيّ في مقام‏

 

[1] وسائل الشيعة 3: 420، الباب 14 من أبواب النجاسات، الحديث 5.

[2] وسائل الشيعة 1: 351، الباب 31 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 5.

156

أو الملاقي المائع لا إشكال في عدم إطلاقها لمحلّ الكلام، وإنّما الذي قد يدّعى إطلاقه ما دلّ على الانفعال في غير المائع، من قبيل ما يدلّ على الأمر بغسل ما يمسّ الكلب‏[1]، إذ يتمسّك بإطلاقه لإثبات السراية في فرض الجفاف أيضاً.

وقد ناقش السيّد الاستاذ- دام ظلّه- في إطلاق الانفعال: بأنّ الغسل عبارة عن إزالة الأثر، والأثر إنّما يتحقّق بملاقاة النجس مع الرطوبة المسرية، فالأمر بالغسل لا إطلاق فيه لصورة الجفاف‏[2].

ويرد على هذه المناقشة:

أوّلًا: بأنّ أدلّة الانفعال لا تنحصر بلسان الأمر بالغسل ليستظهر من مادّة الغسل افتراض أثرٍ للنجس في الملاقي، بل قد يكون دليل الانفعال بلسان النهي عن الصلاة في الثوب‏[3] ونحو ذلك.

وثانياً: بأنّ مجرّد الأمر بالغسل لا يدلّ على افتراض أثرٍ عينيٍّ في الشي‏ء الذي يؤمر بغسله إذا كان الغسل مضافاً إلى نفس الثوب، لا إلى ما أصاب الثوب من النجاسة، بل يكفي لتصحيح الأمر بالغسل وجود أثرٍ حكميٍّ يتوقّف زواله على إيصال الماء إلى المتنجّس، ولولا عدم توقّف الغسل على وجود أثرٍ عينيٍّ للزم عدم وجود إطلاقٍ في أدلّة الأمر بالغسل؛ لفرض جفاف النجاسة وزوال أثرها عن المتنجّس بالمسح، مع أ نّه لا إشكال في إطلاق الأمر بالغسل لما بعد المسح، وبمثل هذا الإطلاق نثبت عدم مطهّرية المسح.

كما أ نّه لا إشكال في إطلاق أدلّة الغسل لفرض الملاقاة مع الرطوبة في‏

 

[1] وسائل الشيعة 3: 416، الباب 12 من أبواب النجاسات، الحديث 9.

[2] التنقيح 2: 198.

[3] وسائل الشيعة 3: 475، الباب 40 من أبواب النجاسات، الحديث 5.

155
                        فصل‏
في كيفيّة تنجّس المتنجِّسات‏
يشترط في تنجّس الملاقي للنجس أو المتنجّس أن يكون فيهما أو في أحدهما رطوبة مسرية، فإذا كانا جافّين لم ينجس (1).
—————

 [شروط تنجّس الملاقي:]

 (1) الكلام في اشتراط الرطوبة في سراية النجاسة يقع في مقامين:
أحدهما: في أصل اشتراطها.
والثاني: في المقدار المشترط منها، بعد الفراغ عن أصل الاشتراط.
أمّا المقام الأوّل فلا شكّ في أنّ مقتضى الاصول العملية المؤمّنة عدم سراية النجاسة في فرض عدم الرطوبة؛ لأصالة الطهارة واستصحابها، فلابدّ للقول بالسراية مع عدم الرطوبة من مخرجٍ عن هذه الاصول.
وما يدّعى‏ كونه كذلك هو الإطلاقات، ومن هنا يقع الكلام: تارةً في أصل تمامية الإطلاقات في نفسها، واخرى في وجود المقيّد لها وعدمه. فهنا جهتان:
أمّا الجهة الاولى فيقال: إنّ أدلّة الانفعال الواردة في النجس المائع‏
154

153

                        كيفيّة تنجّس المتنجّسات‏

شروط تنجّس الملاقي.
المتنجّس لا يتنجّس ثانياً.
تنجيس المتنجّس.