کتابخانه
143

وإن اعتبرت وحدةالواقعة الحسّية وبني على أصالة وحدة الواقعة في موارد احتمال الاختلاف فقد يقال بأنّ المتيقّن من هذا الأصل غير ما يحتمل فيه تغاير المحلّ رأساً، أو ما يكون احتمال التعدّد فيه ناشئاً من خصوصيّات كلام الشاهدين.
ثم إنّه متى ما قيل بتحقّق البيّنة القائمة على نجاسة العنوان الإجمالي وحجّيتها كانت منجّزةً لاحتمال النجاسة في الطرفين بقوانين العلم الإجمالي، إذ لا فرق في التنجيز بين العلم الإجماليّ الوجداني، والحجّة الإجمالية.
ولكن قد يقال في مثل المقام بأنّ هذه الأمارة القائمة على النجاسة بمقدار الجامع لا يمكن أن تكون حاكمةً على أصل الطهارة في كلٍّ من الطرفين بعنوانه، إذ أ نّها إنّما تكون علماً بالتعبّد بمقدار موردها، وهو الجامع، فكلّ من الطرفين بخصوصه ليس معلوم النجاسة ولو تعبّداً، فيكون مشمولًا لدليل قاعدة الطهارة، وبهذا تحصل المعارضة بين إطلاق دليل قاعدة الطهارة للطرفين معاً، وإطلاق دليل الحجّية للبيّنة القائمة على العنوان الإجمالي.
ولا يتوهّم أنّ حال الطرفين في المقام حال طرفي العلم الإجماليّ الوجدانيّ بالنجاسة؛ وذلك لأنّ الاصول المؤمِّنة لا يمكنها أن تعارض مع قانون تنجيز العلم الإجماليّ الوجداني؛ لكونه عقلياً، ولا أن تزيل نفس العلم الوجداني؛ لكونه تكوينياً، وهذا بخلافه في المقام فإنّ حجّية البيّنة بنفسها حكم شرعيّ ظاهريّ كقاعدة الطهارة، وبعد فرض عدم حكومة أحد دليلهما على الآخر يتعارضان.
وهذه الشبهة إنّما ترد لو قيل بأنّ مدرك تقديم دليل حجّية البيّنة أو الخبر على دليل القاعدة هو الحكومة فقط، وأمّا لو قيل بالأخصّية عرفاً فمن الواضح أنّ إطلاق الأخصّ مقدَّم على إطلاق الأعمِّ دائماً.

142

مسألة (7): الشهادة بالإجمال كافية أيضاً، كما إذا قالا: «أحد هذين نجس» فيجب الاجتناب عنهما (1).
————-
فعلى الأوّل يكون المعارض للمدلول المطابقيّ معارضاً للمدلول الالتزاميّ لا محالة.
وعلى الثاني يكون المجموع من نفي الأوّل للدم ونفي الثاني للبول معارضاً للمدلول الالتزامي؛ لأنّ الجامع إنّما يوجد بسبب أحد هذين الأمرين، فحجّية كلٍّ من الخبرين في مدلوله الالتزاميّ يقابلها حجّية مجموع الخبرين في إثبات مجموع النفيين، وإذ لا مرجّح تسقط جميع تلك الدلالات عن الحجّية.
فالصحيح في المقام: أن يفصّل- نظير ما سبق- فيقال: إن كان إدراك ما يستتبع الأثر الشرعيّ ويستلزمه عين الإدراك الذي وقع موقع التكذيب من قبل الشاهد الآخر فيسقط عن الحجّية، وإن كانا إدراكين على نحوٍ لو تخلّفا معاً عن الواقع لكانا خطأين أو كذبين، لا خطأً واحداً أو كذباً واحداً، فلا مانع من شمول دليل الحجّية للخبر بلحاظ الإدراك الأوّل وإثبات صحّته، سواء كان المدرك بهذا الإدراك بنفسه موضوعاً للحكم الشرعي، أومستلزماً له بوجهٍ من الوجوه.
***
(1) وهذا فيما إذا احرز أ نّهما معاً يشيران بهذا العنوان الإجماليّ إلى واقعٍ واحدٍ لا إشكال فيه؛ لشمول دليل حجّية البيّنة حينئذ. وأمّا إذا لم يحرز ذلك بأن احتمل تعدّد الإناء المشار إليه بالعنوان الإجمالي لكلٍّ منهما: فإن اكتفي في صدق البيّنة بوحدة العنوان المشهود به في مقام أداء الشهادة فلا يضرّ الاحتمال المذكور في الحجّية؛ لوجود الوحدة المذكورة.

141

دم أحمر، والآخر يقول: إنّها دم أسود، فيقال بالحجّية في الثاني دون الأوّل.
فإنّ مجرّد كون الخصوصيّة المختلف فيها غير دخيلةٍ في موضوع الحكم الشرعيّ لا يكفي في حجّية البيّنة إذا كان إدراكها الحسّيّ بنفس إدراك ما هو موضوع الحكم الشرعي، بحيث تكون التخطئة في إدراك الخصوصية، مساويةً للتخطئة في إدراك موضوع الحكم، إذ في هذه الحالة ينفي كلّ من الشاهدين إدراك الآخر لموضوع الحكم، وإن كان لا ينفي موضوع الحكم نفسه.
وبذلك تكون طريقية كلٍّ من الشهادتين مبتلاةً بالمزاحم، ولا يكون ضمّ إحداهما إلى الاخرى موجباً لتقوّي الطريقية، ومثل ذلك لا يشمله إطلاق دليل حجّية البيّنة، كما عرفت سابقاً.
هذا كلّه بناءً على انحصار الحجّية بالبيّنة.
وأمّا المقام الثاني- وهو الكلام على تقدير القول بحجّية خبر الواحد الثقة- فلا إشكال في الحجّية مع فرض عدم التعارض.
وأمّا مع فرض التعارض فقد يقال بأنّ المسألة مبنية على مسألة تبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية في الحجّية، فإن قلنا بالتبعية لم يثبت شي‏ء في المقام، وإلّا كانت كلّ من الشهادتين حجّةً في إثبات المدلول الالتزامي، فاذا قال أحدهما: إنّ البول لاقى‏ هذا الماء لا الدم، وقال الآخر عكس ذلك ثبتت النجاسة باعتبارها مدلولًا التزامياً لخبر الثقة.
ولكنّ الصحيح: عدم إمكان إثبات المدلول الالتزاميّ في المقام، حتّى بناءً على القول بعدم التبعية.
وتوضيحه: أنّ المدلول الالتزاميّ للشاهد بملاقاة البول- مثلًا- إمّا أن يكون هو الحصّة الخاصّة من النجاسة الناشئة من البول، كما يدّعي القائل بالتبعية.
وإمّا أن يكون هو جامع النجاسة.

140

ثمّ إنّ هذا التعارض الذي فرضناه في هذه الجهة حتّى الآن قصدنا به التعارض على نحوٍ تكون الواقعة الخارجية متعدّدة، ويثبت كلّ من الشاهدين واقعةً وينفي الواقعة الاخرى.

وأمّا إذا كانت الواقعة المشهودة للشاهدين واحدة، وقد تعارضا فيها بأن ادّعيا معاً أنّهما رأيا قطرة دمٍ تقع في الإناء، غير أنّ أحدهما قال بأ نّها جاءت من هذه الجهة، والآخر قال بأ نّها جاءت من تلك الجهة، أو ادّعيا معاً أنّ شيئاً وقع في الماء، غير أنّ أحدهما قال: إنّه دم، والآخر قال: إنّه قطعة ميتة فتحقيق الكلام في ذلك: أنّ المقدار الذي اتّفق عليه كلا الشاهدين: تارةً يفرض أ نّه قابل للإدراك الحسّيّ بشكلٍ منفصلٍ مستقلٍّ عن إدراك الخصوصيّات المختلف فيها، كما في المثال الأوّل. واخرى يفرض أ نّه غير قابلٍ لذلك، كما في المثال الثاني.

ففي الفرض الأوّل يلتزم بحجّية البيّنة، ولا يضرّ وقوع التعارض؛ لأنّ إدراك الواقعة الحسّية المتّفق عليها لا تكاذب فيه، وإنّما التكاذب في الإحساس الزائد.

وفي الفرض الثاني يلتزم بعدم الحجّية، إذ لا يوجد إدراك حسّيّ متّفق عليه، والجامع بين البول والميتة ليس إدراكه واقعةً حسّيةً مستقلّة، بل هو: إمّا في ضمن إدراك البول، أو في ضمن إدراك الميتة، وكلّ منهما مورد للتخطئة بين الشاهدين.

وبذلك يتّضح أنّ الميزان في الحجّية وجود واقعةٍ حسّيةٍ واحدةٍ متّفقٍ عليها بين الشاهدين، لا كون الاختلاف في خصوصيّةٍ غير دخيلةٍ في موضوع الحكم، كما مرّ نقله عن السيّد الاستاذ- دام ظلّه- في النقطة الثالثة[1]، ففصَّل بين أن يقول أحدهما: إنّها قطرة بول، والآخر يقول: إنّها قطرة دم، وبين أن يقول أحدهما: إنّها

 

[1] تقدّم في الصفحة 127.

139

خبر الثقة على وزان أدلّة الشرطية.
ومن الواضح أنّ أدلة الشرطية لا تشمل إلّاما يشمله دليل المشروط؛ لأنّها ناظرة إليه ومحدّدة لموضوعه، فلو قيل مثلًا: «لا صلاة إلّابطهورٍ» لا يراد بذلك تأسيس صلاةٍ جديدةٍ تصحّ مع الطهارة وبدون استقبالٍ مثلًا، بل ينظر إلى نفس الموضوع المشمول لدليل الصلاة، ويثبت فيه شرطاً جديداً.
وعلى هذا الأساس نقول: بأ نّه لو لم يكن تعارض بين الشهادتين في المستند فهما مشمولتان في نفسيهما لدليل حجّية خبر الثقة، فيشملهما دليل الشرطية، وهو دليل حجّية البيّنة أيضاً.
وأمّا اذا كانت الشهادتان متعارضتين في ذاتيهما فهما لا تكونان مشمولتين لدليل حجّية خبر الثقة، في نفسيهما باعتبار التعارض، وسريان التعارض إلى المدلول الالتزامي بحسب الفرض، فلا يشملهما دليل الشرطية أيضاً؛ لأنّه إنّما يثبت نفس الحكم المشروط في المورد الذي يشمله دليل المشروط، لكنّه يثبته مع الاشتراط، لا أ نّه يثبت الحكم لموضوعٍ لم يكن مشمولًا في نفسه لدليل المشروط.
فإن قيل: إذا بني على تبعية الدلالة الالتزامية فلا تكون البيّنة حجّةً عند الاختلاف في السبب مطلقاً، وإذا بني على عدم التبعية فحتّى مع التعارض يكون كلّ من الخبرين مشمولًا في نفسه بلحاظ المدلول الالتزاميّ لدليل حجّية الخبر، فلا مانع من إطلاق دليل حجّية البيّنة له، فلا يتمّ التفصيل.
كان الجواب: ما عرفت من أنّ تبعية الدلالة الالتزامية بمعنى سراية التعارض إليها من الدلالة المطابقية لا يستدعي عدم حجّية البيّنة في موارد الاختلاف في السبب مطلقاً؛ لأنّ عدم حجّية الدلالة المطابقية في هذه الموارد ليس من أجل التعارض ليسري إلى الدلالة الالتزامية.

138

الطريقية.
وعلى هذا الأساس يكون المستفاد من دليل حجّية البيّنة المستبطنة للتعدّد أنّ اجتماع الشهادتين يكون حجّة فيما إذا كان تعدّد الشهادة سبباً في قوة احتمال المطابقة للواقع، فإذا شهد شاهد بالنجاسة من أجل الدم وآخر بالنجاسة من أجل البول ولم ينفِ كلّ منهما ما حكاه الآخر فالتعدّد هنا بلحاظ الإخبار بأصل النجاسة حاصل، ولا شكّ أ نّه يوجب تقوّي احتمال النجاسة في نفسه، فقد يفترض من أجل ذلك شمول دليل حجّية البيّنة لهذا.
وأمّا إذا تعارض هذان الشاهدان فلن يكون للتعدّد الحاصل من ضمّ شهادة أحدهما إلى الآخر تأثير في قوة احتمال النجاسة؛ لأنّ كلّاً من الشهادتين بمقدار ما تقرّب النجاسة من ناحية المستند الذي تشهد به تُبعِّدها بنفيها لمستند الشهادة الاخرى، وما دام التبعيد مكافئاً للتقريب فيكون هذا التعدّد بحكم العدم، فلا يشمله إطلاق دليل حجّية البيّنة المستبطنة للتعدّد بملاك زيادة الكشف، إذ لا زيادة في الكشف بهذا التعدّد، بخلافه في فرض عدم التعارض مع اختلاف المستند.
ورابعاً: أنّ بالإمكان توجيه التفصيل المذكور بين فرضي التعارض وعدمه بوجهٍ آخر، على القول بتبعية الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية في السقوط عند التعارض.
وحاصله: أ نّا لو تنزّلنا عن التقريب السابق للتفصيل، وافترضنا أنّ التعدّد المأخوذ في البيّنة من باب التعبّد الصرف فمع هذا نقول: إنّ دليل حجّية البيّنة ليس دليلًا تأسيسياً يثبت الحجّية للبيّنة ابتداءً، وإنّما هو روحاً ولبّاً تخصيص في أدلّة حجّية خبر الثقة العامّة للشبهات الحكمية والموضوعية، حيث يخصّصها في خصوص الشبهات الموضوعية باشتراط التعدّد، فهو بالنسبة إلى دليل حجّية

137

الحجّية للدلالة المطابقية لا تجعل للدلالة الالتزامية أيضاً، بل يراد بها: أ نّه متى ماسقطت الدلالة المطابقية عن الحجّية للعلم ببطلان المدلول المطابقيّ، أو لوجود حجّةٍ معارضةٍ نافيةٍ للمدلول المطابقيّ سقطت أيضاً الدلالة الالتزامية؛ لأنّ مفادها- مثلًا- الحصّة الخاصّة الملازمة للمدلول المطابقيّ، فتسري إليها نفس نكتة السقوط.
وهذا لا ينطبق على محلّ الكلام، فإنّ الكلام في أنّ نكتة عدم حجّية الدلالة المطابقية هنا لا تسري إلى الدلالة الالتزامية، وهذه النكتة هي عدم تعدّد الإخبار بالنسبة إلى المدلول المطابقي، فقد يقال بحجّية الدلالة الالتزامية حينئذٍ؛ لأنّ المدلول الالتزاميّ قد اجتمع عليه إخباران، فالقول بتبعية الدلالة الالتزامية لا يستلزم القول بعدم حجّية البيّنة في موارد اختلاف السبب مطلقاً.
وثانياً: أنّ القول بعدم تبعية الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية في الحجّية لا يكفي مبنىً لحجّية البيّنة في موارد اختلاف الشاهدين في السبب؛ لِمَا تقدّم في الجهة السابقة من إمكان استظهار أنّ التعدّد المعتبر في البيّنة بمعنى ورود الشهادتين على شي‏ءٍ واحدٍ بما هما شهادتان، وكلّ من الإخبارين إذا لوحظ بما هو شهادة فلا ينسب إلّاإلى الواقعة الحسّية التي يخبر عنها، ولا تعدّد في الإخبار عنها.
وثالثاً: أ نّه إذا قيل بحجّية البيّنة في موارد اختلاف الشاهدين في السبب مع عدم التعارض لوجهٍ من الوجوه فلا يلزم من ذلك القول بحجّيتها في موارد اختلاف الشاهدين مع التعارض؛ لإمكان التفصيل بين فرضي التعارض وعدمه.
وذلك بأن يقال: إنّ اشتراط التعدّد في البيّنة ليس تعبّدياً صرفاً، بل هو بنكتة كونه مؤثراً في قوة احتمال المطابقة للواقع والكشف عنه؛ لأنّ هذا هو الملاك النوعيّ العامّ في باب الطرق والأمارات عموماً، القاضي بأنّ حجّيتها باعتبار

136

والفرق بين هذين التقديرين يظهر في مثل إخبار الشاهدين بالنجاسة مع السكوت عن ذكر السبب، واحتمال اختلافهما لو طلب منهما ذكر السبب، فإنّه على الأوّل يؤخذ بهذه البيّنة، وعلى الثاني لا يؤخذ بها؛ لأنّ الملاقاة واقعة قابلة للتكرّر والتنوّع خارجاً، فليس صدق الشاهدين مساوقاً لوحدة الواقعة حينئذٍ.

وعلى أيّ حالٍ فلا تكون البيّنة تامّةً عند اختلاف الشاهدين في السبب؛ لثبوت تعدّد الواقعة الحسّية.

هذا كلّه في الجهة الاولى، أي في حكم اختلاف الشاهدين في الواقعة الحسّية مع عدم التعارض بينهما.

وأمّا الجهة الثانية- وهي في تحقيق حال التعارض بين الشاهدين- فقد فصَّل السيّد الماتن قدس سره بين فرضَي التعارض وعدمه، فالتزم بحجّية البيّنة في فرض عدم التعارض ولو مع الاختلاف في الواقعة، وبعدم حجّيتها مع التعارض.

واعترض عليه السيّد الاستاذ- دام ظلّه- بما تقدّمت الإشارة إليه‏[1]، من أنّ مبنى الحجّية ثبوتاً ونفياً استقلال الدلالة الالتزامية في الحجّية وتبعيتها، فعلى الأوّل يقال بالحجّية حتّى مع فرض التعارض، إذ لا تعارض بلحاظ المدلول الالتزاميّ، وعلى الثاني لا يقال بالحجّية حتّى مع عدم التعارض، فالتفصيل لا وجه له.

ويرد عليه:

أوّلًا: أنّ تبعية الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية في السقوط عن الحجّية ليست هي مبنى‏ عدم الحجّية في موارد اختلاف الشاهدين في السبب؛ لِمَا أوضحناه في الجهة السابقة من: أنّ هذه التبعية لا يراد بها أ نّه متى لا تجعل‏

 

[1] تقدّم في الصفحة 127.

135

فإذا دلّ الدليل على إناطة حجّية الشهادة بالتعدّد فُهِمَ منه عرفاً اعتبار تعدّد الشهادة بلحاظ نفس مصبّ الحجّية بالذات، أي الواقعة الحسّية.
وإن شئت قلت: إنّ البيّنة ليست مجرّد إخبار شخصين بشي‏ءٍ حتى يقال بشموله لإخبار شخصين عن مدلولٍ التزاميٍّ مشتركٍ مع اختلاف الواقعة الحسّية، بل هي شهادة شخصين بشي‏ء، والشهادة إنّما تصدق بالنسبة إلى الواقعة الحسّية؛ لأ نّها هي المشهودة دون لوازمها، فمتى ما حصلت شهادتان بواقعةٍ حسّيةٍ واحدةٍ صدقت البيّنة، وثبتت تلك الواقعة بكلّ ما يرى المشهود لديه لها من لوازم.
وأمّا إذا أخبر أحد الشخصين بنجاسة الثوب بالدم وأخبر الآخر بنجاسته بالبول فلم تجتمع شهادتان على شي‏ءٍ واحدٍ، وإن تحقّق إخباران بشي‏ءٍ واحد؛ لأنّ النجاسة وإن أخبر بها الاثنان ولكنّها ليست هي الواقعة المشهودة، فلا يسمّى‏ الإخبار بها شهادةً بما هو إخبار بها، والملاقاة للبول والملاقاة للدم واقعتان حسّيتان لم يتعلّق بكلٍّ منهما إلّاشهادة واحدة، وعلى هذا الأساس فلا إطلاق في دليل حجّية البيّنة لموارد اختلاف الشاهدين في الواقعة الحسّية.
غير أ نّا لا نضايق في إمكان الالتزام بأصالة وحدة الواقعة الحسّية- بمعنى البناء عقلائياً أو شرعياً على أنّ الواقعة الحسّية المنظورة للشاهدين واحدة- ما لم تقم قرينة في نفس الشهادتين على التغيّر، أو تحصل تهمة معيّنة تستدعي الاستنطاق.
وهذا البناء على وحدة الواقعة الحسّية: إمّا أن يلتزم به مطلقاً كلّما احتمل ذلك وأمكن افتراض انطباق الشهادتين على مصداقٍ واحد، أو يلتزم به في خصوص الحالات التي يعلم فيها من الخارج عادةً بأ نّه على تقدير صدق الشاهدين معاً فالواقعة واحدة، كما في الامور التي لا يحتمل تكرّرها عقلًا أو عادة، كما لو شهد اثنان بوفاة إنسان، أو ببيع الدار من زيد.