کتابخانه
134

وهذا البيان بكلا تقريبيه إنّما يتعقّل فيما إذا سقطت الدلالة المطابقية عن الحجّية من أجل وجود حجّةٍ معارضة، أو للعلم ببطلان المدلول المطابقيّ، لا فيما إذا كان عدم ثبوت المدلول المطابقيّ لقصورٍ في نفس دليل الحجّية عن إثباته وشموله، كما في المقام، حيث إنّ موضوع دليل الحجّية عنوان البيّنة، وما أخبر به الشاهدان، وكلّ من المدلولين المطابقيّين في الفرض لم يخبر به الشاهدان، فعدم ثبوته لعدم صدق عنوان الحجّة وهو البيّنة على كلٍّ من الدلالتين المطابقيّتين، وفي مثل ذلك لا يبقى محذور في تطبيق دليل الحجّية على المدلول الالتزاميّ إذا صدق عنوان الحجّة عليه بسبب كونه محكيّاً بكلتا الشهادتين ولو التزاماً.

وأمّا الثاني فلأنّ المدلول المطابقيّ للبيّنة- بما هي بيّنة- ليس إلّاالمدلول التحليليّ المشترك، فهو إنّما يكون ضمنياً بلحاظ كلّ خبرٍ بخصوصه، مع أنّ الحجّة ليس إلّااجتماع الخبرين، وهما لم يجتمعا إلّاعليه، فهو تمام المدلول للبيّنة بما هي بيّنة.

ومع كلّ هذا يمكن أن يقال: بأنّ المستفاد عرفاً من دليل حجّية البيّنة اشتراط وحدة الواقعة الحسّية، على الرغم من أنّ الجمود على إطلاقه قد يقتضي ما هو أوسع من ذلك، والنكتة في فهم الاشتراط المذكور من الدليل: أنّ المنسبق عرفاً منه أنّ التعدّد المقوّم للبيّنة إنّما يلحظ بالنسبة إلى ما تكون الشهادة حجّةً فيه بالذات، بمعنى أنّ مصبّ التعدّد هو نفس مصبّ الحجّية بالذات، ومصبّ حجّية الشهادة بالذات إنّما هو الواقعة الحسّية نفسها، فالشهادة بنجاسة الثوب إنّما تكون حجّةً بما هي إخبار عن واقعةٍ حسّية، وهي ملاقاة الدم للثوب، لا بما هي إخبار عن الحكم الشرعيّ بالنجاسة، كما تقدّم في المسألة الرابعة[1].

 

[1] تقدّم في الصفحة 124.

133

ليست إلّاشهادة شخصين بشي‏ءٍ، فلو فرض اشتراك الشهادتين في إثبات شي‏ءٍ- ولو تحليلًا وضمناً، أو التزاماً- فقد تمّت البيّنة عليه.
وإن كان من أجل أنّ البيّنة متقوّمة بالتعدّد المؤثّر في تقوية الكاشفية، وتعدّد الشهادة مع تغاير الواقعة لا يؤثّر في ذلك فيرد عليه: ما تقدّم من أ نّه يؤثّر في تقوية الكاشفية في الجملة وإن كانت التقوية مع وحدة الواقعة أكبر، ومن أجل ذلك كان التواتر اللفظيّ أقوى من المعنوي، والمعنويّ أقوى‏ من الإجماليّ.
وإن كان من أجل أنّ المدلول التحليليّ والضمنيّ والالتزاميّ لا تكون الأمارة حجّةً فيه إلّابتبع حجّيتها في المدلول المطابقيّ، ومع تعدّد الواقعة لا تكون كلّ من الشهادتين حجّةً في المدلول المطابقيّ فلا حجّية بالنسبة إلى المدلول الضمنيّ أيضاً فيرد عليه:
أوّلًا: أنّ تبعيّة الدلالة الالتزامية والضمنية للمطابقية في الحجّية ليست مدلولًا لدليلٍ بهذا العنوان، وإنّما هي بنكتة، فلابدّ من ملاحظة أنّ تلك النكتة تنطبق على محلّ الكلام، أو لا؟
وثانياً: أ نّه لو سلّم أ نّها مدلول دليلٍ بهذا العنوان لم يكن هذا الدليل منطبقاً على محلّ الكلام أيضاً.
أمّا الأوّل فحاصله: أنّ نكتة تبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية في الحجّية أنّ المدلول الالتزاميّ هو الحصّة الخاصّة الملازمة للمدلول المطابقيّ، فما يكون معارضاً للمدلول المطابقيّ ومسقطاً للدلالة المطابقية عن الحجّية يكون معارضاً لا محالة للمدلول الالتزاميّ، ومسقطاً للدلالة الالتزامية عن الحجّية.
أو بتعبيرٍ آخر: أ نّه إذا فرض خطأ المخبر في المدلول المطابقيّ فلا يلزم من فرض بطلان المدلول الالتزاميّ خطأ آخر لينفي بأصالة عدم الخطأ الزائد كذباً أو اشتباهاً.

132

ومن هنا يظهر الوجه في المصير إلى انعقاد البيّنة مع وجود مشتركٍ بين الشهادتين ولو ضمناً أو تحليلًا؛ لأنّ إناطة انعقادها على شي‏ءٍ بكونه مدلولًا مطابقياً للشهادة في مرحلة الكلام خُلْفُ كون الكلام ملحوظاً بما هو طريق إلى اعتقاد الشاهد، وأنّ تمام الموضوع للحجّية هو اعتقاد الشاهد المكتشف بحكايته عنه بكلامه.
وإناطة انعقادها على شي‏ءٍ بكونه مدلولًا مطابقياً للشهادة في مرحلة اعتقاد الشاهد، بحيث يكون المعتَقَد به للشاهدين معاً شيئاً واحداً فهذا معناه اشتراط وحدة الواقعة الحسّية، وقد عرفت عدم ملائمته للنصوص والفتاوى‏.
فلابدّ من المصير إذن إلى كفاية كون الشي‏ء مدلولًا تحليلياً للبيّنة في انعقادها بالنسبة إليه، وبذلك يتّجه ما افيد في المتن من ثبوت النجاسة مع اختلاف الواقعة الحسّيّة المشهود بها في كلام الشاهدين؛ لأنّ النجاسة مدلول تحليليّ مشترك.
وقد يقال: إنّ المرتكز عرفاً أنّ اشتراط التعدّد في البيّنة إنّما هو من أجل تأكيد الطريقية والكاشفية، ومع تعدّد الواقعة الحسّية لا يكون للتعدّد أثر في تأكيد الطريقية، فمثل هذا التعدّد تنصرف عنه أدلّة حجّية البيّنة المنزَّلة على المرتكز العرفي.
والجواب على ذلك: أنّ التعدّد يؤثّر بحساب الاحتمال في تقوية احتمال المدلول المشترك حتّى مع افتراض تعدّد الواقعة الحسّية؛ لوضوح أنّ احتمال الخطأ أو الكذب بالنسبة إلى المدلول المشترك يكون أضعف ممّا لو لم تتوفّر إلّا شهادة واحدة عليه.
ومحصّل الكلام: أنّ عدم شمول دليل حجّية البيّنة للبيّنة بلحاظ مدلول تحليليّ مشترك: إن كان من أجل عدم صدق عنوان البيّنة فيرد عليه: أنّ البيّنة

131

بدعوى: أنّ الطبيعيّ الواقع محلّاً لشهادتهما معاً واحد، وهو مدلول مطابقيّ لكلٍّ من الشهادتين، لا التزاميّ أو تحليليّ، فيثبت، بخلاف ما إذا اختلف الشاهدان في الخصوصيّات في مقام أداء الشهادة فإنّ الطبيعيّ حينئذٍ مدلول ضمنيّ أو تحليليّ للبيّنة، وليس مدلولًا مطابقياً.
غير أنّ هذا يرد عليه: أ نّه في فرض تعدّد الواقعة لا فرق من حيث الكاشفية والطريقية بين أن يكون العنوان المأخوذ في مقام الشهادة واحداً أو لا.
فإمّا أن نقول بالحجّية فيهما معاً فيرجع إلى القول بكفاية وحدة المصبّ بلحاظ الحكم الشرعيّ.
وإمّا أن نقول بعدم الحجّية فيهما معاً فيرجع إلى‏ القول باشتراط وحدة الواقعة الحسّيّة.
وإمّا أن نقول بالحجّية فيما إذا كان العنوان واحداً، وبعدمها فيما إذا لم يكن واحداً مع العلم من الخارج بتعدّد الواقعة في كلتا الصورتين، فهذا خلاف الفهم العرفيّ في باب الحجج والأمارات القاضي بأنّ اعتبارها بلحاظ كاشفيتها وطريقيتها.
ودعوى: أ نّه إذا كان العنوان المشهود به واحداً فالطبيعيّ مدلول مطابقيّ للبيّنة، ومجرّد العلم من الخارج بتعدّد الواقعة لا يخرج الطبيعيّ عن كونه مدلولًا مطابقياً في عالم الشهادة مدفوعة: بأنّ الشهادة إنّما تكون حجّةً بحسب المرتكز العرفيّ للطريقية، باعتبارها كاشفة عن اعتقاد الشاهد.
ولهذا لو فرض أ نّنا أحرزنا الاعتقاد الحسّيّ للشاهد من دون أن يخبر لكان حجّةً بلا إشكال، وفي مرحلة اعتقاد الشاهد لا يكون الطبيعيّ مدلولًا مطابقياً، بل تضمّنياً في حالة تعدّد الواقعة على أيّ حال، سواء تغاير العنوان المصرّح به في مقام الشهادة أو لا.

130

المصبّ بلحاظ الواقعة الحسّية، وعدم الاكتفاء بوحدته بلحاظ الأثر الشرعيّ وموضوعه، وإلّا لزم الاكتفاء في هذا المثال.

وقد حاول بعض المحقّقين- كالنراقيّ قدس سره في مستنده‏[1]– أن يضبط الفروع المختلفة بضابطٍ كلّي، حاصله: أ نّه يكتفى‏ بوحدة المصبّ ولو بلحاظ اللازم، على أن يكون لِلّازم المشترك وجود مستقلّ مشخص، كما في مثال الإقرار، فلا يكفي أن يكون لكلٍّ من الأمرين لازم، واللازمان متغايران وجوداً، ولكنّهما مشتركان في جزءٍ تحليليّ.

وبعبارةٍ اخرى: أنّ الاشتراك في جزءٍ تحليليٍّ لا يكفي على مستوى المدلول المطابقيّ فضلًا عن الالتزاميّ، والاشتراك في وجودٍ مشخّصٍ كافٍ، سواء كان مدلولًا مطابقياً أو التزامياً.

ولكنّ هذا الضابط لا يفسّر كلّ مواقفهم؛ لأنّه يقتضي في مثال الغصب قبول البيّنة.

كما أنّ اشتراط وحدة المصبّ بلحاظ الواقعة الحسّية كأ نّه لا يتناسب مع الفتاوى‏ والنصوص عموماً، إذ يلزم من ذلك عدم قبول البيّنة في جلّ الموارد عملياً؛ لتطرّق احتمال اختلاف الواقعة الحسّية المشهود بها، والاحتياج إلى سؤال كلٍّ من الشاهدين عن الزمان والمكان والخصوصيّات من أجل إحراز وحدة الواقعة، مع أنّ بناء النصوص والفتاوى‏ ليس على ذلك جزماً.

وأمّا الاكتفاء بوحدة العنوان المشهود به فقد يراد به الاكتفاء بذلك، حتّى مع العلم من الخارج بتعدّد الواقعة المقصودة للشاهدين، بحيث يكون الميزان التطابق بلحاظ المقدار المصرّح به في الشهادة.

 

[1] مستند الشيعة 2: 681، ط حجريّة.

129

البيع ولكنّ أحدهما شهد بوقوع البيع في المسجد، والآخر شهد بوقوع البيع في البيت لم تتحقّق البيّنة؛ لتعدّد الواقعة الحسّية، بل وكذلك لو شهدا على وجه الإهمال؛ لأنّ احتمال التعدّد يكفي لعدم إحراز كون البيّنة حجّة، أو يعتبر وحدة المركز بلحاظ ما هو موضوع الحكم الشرعي، ففي المثال السابق تقبل البيّنة؛ لأنّ ما هو موضوع الحكم ذات البيع، والشهادتان متّفقتان عليه. نعم لو شهد أحدهما بالهبة والآخر بالصلح بلا عوضٍ لم تتمّ البيّنة؛ لأنّ كلّاً منهما موضوع مستقلّ.
أو يعتبر وحدة المركز بلحاظ نفس الأثر الشرعيّ الملحوظ، ففي المثال المشار إليه أخيراً تتمّ البيّنة؛ لأنّ الهبة والصلح بلاعوضٍ لهما أثر شرعيّ واحد وهو التملك المجّانيّ مثلًا. نعم، لو شهد أحدهما بالهبة والآخر بالبيع لم تتمّ البيّنة؛ لأنّ أثر أحدهما التملّك المجّانيّ وأثر الآخر التملّك بعوض، وهما متغايران وإن كان بينهما جامع انتزاعيّ أو تحليلي وهو أصل الملكية.
أو يعتبر وحدة المشهود به بلحاظ العنوان المأخوذ في كلام الشاهد، فلو شهدا معاً بأنّ هذا المال ملك لزيدٍ قُبِلَ، ولو كان أحدهما يرى أنّ هذا التملّك بسبب البيع والآخر يراه بسبب الهبة، ما داما متطابقين في العنوان المأخوذ في مقام الشهادة؟
وكلمات الفقهاء لا تخلو من تهافت، كما يظهر من ملاحظة الفروع التي تعرّضوا لها، ففي فرض شهادة أحد الشاهدين على شخصٍ بأ نّه أقرّ بالعربية وشهادة الآخر بأ نّه أقرّ بالفارسية مع وحدة المقرّ به يظهر منهم قبول البيّنة، وهذا يناسب الاكتفاء بوحدة المصبّ، بلحاظ ماوراء الواقعة الحسّية من الأثر الشرعي ونحوه، وإن تعدّدت الواقعة الحسّية المشهود بها.
وفي فرض شهادة أحدهما بأنّ المال غصب منه في المسجد وشهادة الآخر بأ نّه غصب منه في البيت يظهر منهم عدم قبول البيّنة، وهذا يناسب اشتراط وحدة

128

بناءً على انحصار الحجّية بالبيّنة، وفي الآخر بناءً على حجّية خبر الواحد في‏الموضوعات أيضاً.

أمّا المقام الأوّل فيقع الكلام فيه في جهتين:

الاولى: فيما إذا اختلف المستند من دون افتراض التعارض.

والاخرى: في أنّ افتراض التعارض هل يغيّر من الحكم شيئاً، أوْ لا؟

أمّا الجهة الاولى فقد عرفت ذهاب الماتن إلى حجّية البيّنة، وأنّ السيّد الاستاذ استشكل في ذلك كما مرّ في النقطة الاولى من كلامه ومثله جملة من الفقهاء[1]، بدعوى عدم وحدة الواقعة المشهود بها.

والتحقيق: أنّ الإخبار له عدّة مراكز:

منها: الأثر الشرعيّ الملحوظ المراد إثباته، كالنجاسة أو الملكية.

ومنها: موضوع الأثر، كالهبة أو الصلح بلا عوض، اللذَين هما موضوعان لتملّك الآخر للمال مجاناً.

ومنها: الواقعة الحسّية التي أحسّ بها الشاهد وعلى أساسها يشهد، كعقد الهبة الخاصّ الذي وقع في مشهدٍ من السامع في زمانٍ مخصوصٍ ومكانٍ مخصوص.

فالكلام يقع في أنّ البيّنة بعد الفراغ عن لزوم أن تنصبّ الشهادتان فيها على مصبٍّ واحدٍ هل يعتبر فيها وحدة المركز بلحاظ الواقعة الحسّية، فلو شهدا معاً بعقد

 

[1] مثل الإصفهاني في كشف اللثام 1: 377، وصاحب الجواهر في جواهر الكلام 6: 175 حيث قال: العلم يحصل لو لم يختلفا بالمشهود به، والسيّد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى 1: 456، وراجع للتفصيل تعليقة الفقهاء العظام ذيل المسألة المطبوعة في حاشية العروة الوثقى 1: 157- 158.

127

النجاسة.

وقد علّق السيّد الاستاذ[1]– دام ظلّه- على ذلك بما يمكن تلخيصه في ثلاث نقاط:

الاولى: أنّ من شروط حجّية البيّنة: أن تتعلّق بواقعةٍ واحدة، وإلّا لم يصدق عنوان البيّنة، ومع اختلاف المستند تتعدّد الواقعة لا محالة. نعم، بينهما أمرٌ مشترك، غير أ نّه جامع انتزاعيّ ومدلول التزاميّ أو تحليليّ، والمحقَّق في محلّه: أنّ حجّية مثل هذا المدلول تابعة لحجّية الدلالة المطابقية وساقطة بسقوطها.

الثانية: أنّ التفصيل بين فرضي التكاذب وعدمه لا وجه له؛ لأنّه إن بني على‏ عدم استقلال الدلالة الالتزامية في الحجّية تعيّن المصير إلى‏ عدم الحجّية، حتّى‏ في فرض عدم التعارض، كما تقدّم. وإن بني على‏ استقلالها أمكن الالتزام بحجّية البيّنة بلحاظ المدلول الالتزاميّ المشترك حتّى‏ مع فرض التعارض؛ لأنّ التعارض إنّما هو بالنسبة إلى‏ الخصوصية، لا إلى‏ ذلك المدلول المشترك.

الثالثة: أنّ الاختلاف في الخصوصيّة إنّما يضرّ بالحجّية فيما إذا كان اختلافاً في ما لَه دخل في موضوع الحكم الشرعي، بأن شهد هذا بقطرة بولٍ وذاك بقطرة دم، لا فيما إذا كان في خصوصياتٍ لا دخل لها في الحكم، كما إذا شهد هذا بقطرة دمٍ أسود وذاك بقطرة دمٍ أحمر؛ لأنّ اللون لا دخل له، فلا تعارض بينهما بلحاظ ما هو موضوع الأثر.

وتفصيل الكلام في هذه المسألة يقتضي عقد مقامين، نتكلّم في أحدهما

 

[1] التنقيح 2: 180.

126

مسألة (5): إذا لم يشهدا بالنجاسة بل بموجبها كفى‏ وإن لم يكن موجباً عندهما أو أحدهما، فلو قالا: إنّ هذا الثوب لاقى‏ عرق المجنب من حرامٍ أو ماء الغسالة كفى عند من يقول بنجاستهما وإن لم يكن مذهبهما النجاسة (1).
مسألة (6): إذا شهدا بالنجاسة واختلف مستندهما كفى‏ في ثبوتها وإن لم تثبت الخصوصية، كما إذا قال أحدهما: إنّ هذا الشي‏ء لاقى‏ البول، وقال الآخر: إنّه لاقى الدم، فيحكم بنجاسته، لكن لا تثبت النجاسة البولية ولا الدَمِية، بل القدر المشترك بينهما، لكنّ هذا إذا لم ينفِ كلّ منهما قول الآخر بأن اتّفقا على أصل النجاسة، وأمّا إذا نفاه- كما إذا قال أحدهما: إنّه لاقى البول، وقال الآخر: لا، بل لاقى‏ الدم- ففي الحكم بالنجاسة إشكال (2).
————-
(1) وذلك لأنّ شهادة البيّنة إنّما تكون حجّةً لا في إثبات النجاسة بعنوانها بما هي حكم شرعيّ ليقال: إنّها لا تشهد في هذا الفرض بالنجاسة، بل في إثبات الصغرى، وهي ذات الملاقاة، وأمّا حكم الملاقاة فيجب أن يرجع فيه كلّ من الشاهد والمشهود له إلى مبانيه اجتهاداً أو تقليداً، ويكفي في جعل الحجّية كون الخبر قابلًا للتنجّز بلحاظ من تجعل الحجّية عليه، ويكفي في ذلك أن يكون المشهود به ذا أثرٍ إلزاميٍّ بالنسبة إليه، فلا موجب للتشكيك في حجّية البيّنة في الفرض المذكور.
(1) فصَّل السيّد الماتن قدس سره في صورة اختلاف مستند الشاهدين بالنجاسة بين فرضي التكاذب وعدمه، ففي فرض عدم التكاذب ذهب إلى ثبوت أصل النجاسة وإن لم تثبت الخصوصية، وفي فرض التكاذب استشكل في ثبوت أصل‏