کتابخانه
152

في البحث المتقدّم عن حجّية خبر صاحب اليد.
(4) وقد تقدّم تحقيق ذلك في الجهة الثالثة المشار إليها آنفاً.
مسألة (14): لا يعتبر في قبول قول صاحب اليد أن يكون قبل الاستعمال، كما قد يقال، فلو توضّأ شخص بماءٍ- مثلًا- وبعده أخبر ذو اليد بنجاسته يحكم ببطلان وضوئه. وكذا لا يعتبر أن يكون ذلك حين كونه في يده، فلو أخبر بعد خروجه عن يده بنجاسته حين كان في يده يحكم عليه بالنجاسة في ذلك الزمان، ومع الشكّ في زوالها تستصحب (1).
————-

(1) وقد مرّ تحقيق الكلام عن ذلك في الجهة الثانية من تلك الجهات التي تقدمت في البحث عن حجّية خبر صاحب اليد.

151

مسألة (11): إذا كان الشي‏ء بيد شخصين كالشريكين يسمع قول كلٍّ منهما في نجاسته (1).

نعم. لو قال أحدهما: «إنّه طاهر» وقال الآخر: «إنّه نجس» تساقطا. كما أنّ البيّنة تسقط مع التعارض، ومع معارضتها بقول صاحب اليد تُقدَّم عليه (2).

مسألة (12): لا فرق في اعتبار قول ذي اليد بالنجاسة بين أن يكون فاسقاً أو عادلًا، بل مسلماً أو كافراً (3).

مسألة (13): في اعتبار قول صاحب اليد إذا كان صبيّاً إشكال، وإن كان لا يبعد إذا كان مراهقاً (4).

————-

(1) وقد تقدّم في الجهة الثانية[1] المشار إليها في التعليقة السابقة ما يوضّح ذلك.

(2) تقدّم الحديث عن التعارض بين البيّنة وخبر صاحب اليد في الجزء الثاني من هذا الشرح‏[2].

(3) وقد تقدّم تحقيق الكلام عن ذلك في الجهة الثالثة[3] من جهات التفصيل‏

 

[1] تقدّم في الصفحة 89.

[2] راجع الجزء الثاني: 132.

[3] تقدّم في الصفحة 95.

150

مسألة (10): إذا أخبرت الزوجة أو الخادمة أو المملوكة بنجاسة ما في يدها من ثياب الزوج أو ظروف البيت كفى‏ في الحكم بالنجاسة، وكذا إذا أخبرت المربّية للطفل أو المجنون بنجاسته، أو نجاسة ثيابه، بل وكذا لو أخبر المولى بنجاسة بدن العبد، أو الجارية، أو ثوبهما مع كونهما عنده أو في بيته (1).

—————

إحدى الشهادتين إلى الاخرى فيه يبعِّد الجامع المطلوب إثباته بالبينة بمقدار ما يقرِّبه، فلاحظ.

وأمّا إذا قيل بحجّية خبر الثقة: فإن فرضت وحدة الواقعة المشهودة بها لكلا الشاهدين فالحكم هو ما سبق من ثبوتها بالبينة، إذ لا تعارض بين الشاهدين بالنسبة إليها، وجريان استصحاب النجاسة الثابتة بسبب تلك الواقعة، إذ ليس في مقابل هذا الاستصحاب إلّاشهادة أحد الشاهدين بالطهارة فعلًا، وهي معارضة بشهادة الآخر بالنجاسة كذلك، فلا حاكم على استصحاب ما هو مفاد البيّنة.

وإن فرض اختلاف الشاهدين في الواقعة فلا يحكم بالنجاسة فعلًا؛ لتعارض الشهادتين بلحاظ الزمان الفعلي، وعدم ثبوت جامع النجاسة لكي يجري استصحابه.

***

(1) على ما يظهر بمراجعة الجهة الثانية من جهات التفصيل في بحثنا المتقدّم عن حجّية خبر صاحب اليد[1].

 

[1] تقدّم في الصفحة 89.

149

ينفي النجاسة فعلًا، وعلى هذا الأساس حكم قدس سره بعدم ثبوت النجاسة بمثل ذلك.

وتحقيق الحال في هذه المسألة- بناءً على انحصار الحجّية بالبينة- أنّ الشاهدين: إن فرض اتّفاقهما على واقعةٍ حسّيةٍ واحدة- وهي ملاقاة الدم للثوب قبل ساعة مثلًا، غاية الأمر أنّ أحدهما يدّعي طروّ المطهّر، والآخر يدّعي عدمه، ولهذا يشهد بالنجاسة الفعلية- فتثبت تلك الواقعة بالبينة، ويجري استصحاب عدم وطروّ المطهّر بناءً على اختصاص الحجّية بالبينة، إذ لا بيّنة على طروئه.

وإن فرض عدم وحدة الواقعة، وأنّ أحدهما يخبر عن ملاقاةٍ سابقةٍ للنجس وطهارةٍ فعلية، والآخر يخبر عن ملاقاةٍ فعليةٍ للنجس- مثلًا- فلا تتمّ البيّنة.

أمّا بناءً على اشتراط وحدة الواقعة فواضح، وأمّا بناءً على عدم اشتراط ذلك، وكفاية كون الأثر الشرعيّ الملحوظ واحداً فإنّما يمكن تتميم البيّنة لو كان الشاهد بالملاقاة السابقة ساكتاً عن الملاقاة الفعلية التي يشهد بها الشاهد الآخر.

وأمّا إذا كان ينفيها فلا يكون مجموع الشهادتين مشمولًا لدليل حجّية البيّنة، نظير ما تقدّم في فرعٍ سابق، وهو: أن يشهد أحدهما بالملاقاة مع البول دون الدم، والآخر بالعكس وإن كان التنافي في المقام من طرفٍ واحدٍ فقط، حيث إنّ الشاهد الحالي لا ينفي الملاقاة السابقة.

وقد تقدّم‏[1] توجيه عدم شمول دليل حجّية البيّنة لأمثال المقام ممّا كان ضم‏

 

[1] راجع الصفحة 128- 129 و 134.

148

مسألة (9): لو قال أحدهما: «إنّه نجس» وقال الآخر: «إنّه كان نجساً والآن طاهر» فالظاهر عدم الكفاية، وعدم الحكم بالنجاسة (1).
—————
زمانها، وكلّ من الواقعة وزمانها له إدراك خاصّ لا يساوق الخطأ في أحدهما الخطأ في الآخر.
وقد عرفت أنّ الميزان في صحّة التحليل وثبوت بعض مدلول الشهادة ورفض البعض أن يكون كلّ من البعضين مستقلّاً في مقام الإدراك والشهادة ثبوتاً، ولو كانا ضمنيّين في مقام التعبير وأداء الشهادة.
وعليه فإن كان طروّ المطهّر معلوم العدم ثبتت النجاسة فعلًا بنفس البيّنة بلا حاجةٍ إلى الاستصحاب؛ لأنّ النجاسة الفعلية تكون مدلولًا مطابقياً لإحدى الشهادتين، والتزامياً للُاخرى.
وإن كان طروّ المطهّر بين زماني الشهادتين محتملًا جرى الاستصحاب الحكميّ أو الموضوعي، وإن كان معلوماً كان من موارد تعارض الحالتين، فيكون استصحاب النجاسة الثابتة عند حدوث الواقعة المتّفق عليها معارضاً باستصحاب الطهارة الثابتة عند العلم بطروء المطهّر.
هذا كلّه بناءً على اختصاص الحجّية بالبينة، وأمّا بناءً على حجّية خبر الثقة فلا إشكال في ثبوت النجاسة فعلًا في الصور الثلاث.
أمّا في الاولى والثالثة فبنفس شهادة الثقة، وأمّا في الصورة الثانية فبضمّ الاستصحاب إذا احتمل طروّ المطهّر، وبدون ضمّه مع عدم احتمال طروئه.
***
(1) أضاف السيّد الماتن قدس سره في هذه المسألة عنصراً جديداً على ما هو المفترض في المسألة السابقة، وهو: أنّ الشاهد على النجاسة السابقة

147

الماء للشي‏ء المشهود بنجاسته سابقاً، فإنّ أركان الاستصحاب في عدم الإصابة ثابتة وجداناً، والحكم بالنجاسة فعلًا مترتّب شرعاً على موضوعٍ مركّبٍ من جزءين: أحدهما حدوث الملاقاة للنجس، والآخر عدم طروّ المطهّر، والأوّل يثبت بالبيّنة، والثاني بالاستصحاب.

وثانياً: بالتمسّك باستصحاب النجاسة الظاهرية المجعولة على طبق البيّنة، بناءً على أنّ مفاد دليل الحجّية جعل الحكم المماثل، فإنّ هذه النجاسة الظاهرية معلومة الحدوث وجداناً، وليست مقطوعة الارتفاع؛ لأنّ الحكم الظاهريّ يجعل بمقدارٍ مطابقٍ مع مقدار الحكم الواقعيّ المؤدّى‏ والمحكيّ بالأمارة، والبيّنة في المقام تحكي عن حدوث نجاسةٍ مستمرّةٍ إلى حين طروّ المطهّر، فالمجعول على طبقها نجاسة ظاهرية كذلك، فاذا شكّ في طروّ المطهّر فقد شكّ في بقاء تلك النجاسة المجعولة على طبق البيّنة، فيجري استصحابها.

وثالثاً: بإنكار موضوعية اليقين بالحدوث للاستصحاب، واستظهار كفاية نفس الحدوث في جريانه، على ما يظهر من التعليل في معتبرة عبد اللَّه بن سنان‏[1]. وتفصيل ذلك موكول إلى بحث الاستصحاب.

وأمّا الصورة الثالثة[2] فينبغي أن يفصّل فيها بين أن يكون الاختلاف في الزمان ناشئاً من تعدّد الواقعة المشهود بها، أو من الاختلاف في استذكار زمانها مع الاتّفاق على واقعةٍ واحدة.

ففي الحالة الاولى لا تثبت البيّنة على ما تقدّم، وفي الحالة الثانية تثبت بالبيّنة الواقعة الحسّية المدّعاة لكلا الشاهدين؛ لأنّ التعارض إنّما هو في استذكار

 

[1] وسائل الشيعة 3: 521، الباب 74 من أبواب النجاسات، الحديث 1.

[2] وهي صورة شهادة أحد الشاهدين بالنجاسة فعلًا، والآخر بالنجاسة سابقاً.

146

مسألة (8): لو شهد أحدهما بنجاسة الشي‏ء فعلًا والآخر بنجاسته سابقاً مع الجهل بحاله فعلًا فالظاهر وجوب الاجتناب، وكذا إذا شهدا معاً بالنجاسة السابقة لجريان الاستصحاب (1).

————-

(1) وتوضيح الحال في ذلك بناءً على اختصاص الحجّية بالبينة: أنّ الشاهدين: تارةً يشهدان بالنجاسة في الزمان الفعلي، واخرى بالنجاسة في وقتٍ معيّنٍ سابق، وثالثةً يشهد أحدهما بالنجاسة فعلًا والآخر بالنجاسة سابقاً.

ولا إشكال في الصورة الاولى. وأمّا الصورة الثانية فلا إشكال في ثبوت النجاسة السابقة بالبينة، وحينئذٍ: فإن كان عدم طروّ المطهّر معلوماً ثبتت النجاسة الفعلية بها؛ لكونه مدلولًا التزاماً. وإن كان مشكوكاً جرى الاستصحاب.

وقد يستشكل بأنّ النجاسة الواقعية غير متيقّنة الحدوث لتستصحب، والنجاسة الظاهرية المجعولة بلسان الأمر بتصديق البيّنة غير محتملة البقاء؛ لعدم نظر البيّنة إلى نفي المطهّر.

ويجاب من قبل مدرسة المحقّق النائيني قدس سره‏[1] عادةً: بأنّ الأمارة تقوم مقام العلم بالحدوث، فيجري استصحاب النجاسة الواقعية بهذا اللحاظ، حيث إنّ المجعول في دليل حجّية الأمارة الطريقية والكاشفية.

والتحقيق: أنّ دفع الاستشكال المذكور لا يتوقّف على الالتزام بهذا المبنى‏، بل يمكن دفعه بقطع النظر عن المبنى‏ المذكور من قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي؛ وذلك:

أوّلًا: بالتمسّك بالاستصحاب الموضوعي، وهو استصحاب عدم إصابة

 

[1] فوائد الاصول 3: 108 و 123.

145

على واقعةٍ حسّيةٍ واحدةٍ بأن ادّعيا معاً أ نّهما أبصرا قطرة دمٍ واحدةٍ بعينها، غير أنّ أحدهما يخبر بأ نّها وقعت في المعيّن، والآخر لم يستطع أن يميّز موضع وقوعها من الإناءين فالظاهر حجّية هذه البيّنة في إثبات تلك الواقعة الحسّية، وبهذا يثبت لدينا وقوع قطرة دمٍ في أحد الإناءين، ولا يثبت وقوعها في المعيّن خاصّة؛ لعدم قيام البيّنة على ذلك، بناءً على اختصاص الحجّية بالبيّنة كما هو مفروض المسألة، فيجب الاجتناب عن كلا الإناءين.
ودعوى: أنّ النجاسة بمقدار الجامع مدلول تحليليّ لا استقلاليّ للشاهد بالتفصيل، فلا تثبت بشهادته مدفوعة: بأنّ الميزان في الاستقلالية والتحليلية ليس هو عالم التعبير واللفظ، بل عالم الشهادة والإحساس، فاذا فرضنا الاستقلالية بلحاظ عالم الشهود كفى ذلك وإن كان لفظ الشاهد دالّاً عليه بالتضمّن والتحليل، والمفروض في المقام أنّ الشاهد بالتفصيل يعبّر بشهادته عن واقعتين حسّيتين اتجاه القطرة نحو الإناءين، ووقوعها في هذا المعيّن، وأنّ الآخر يشهد بإحداهما دون الاخرى، فيثبت ما اتّفقا عليه من واقعة.
وأمّا إذا لم يكن الأمر كذلك بأن كانت الواقعة مختلفةً، أو احتمل اختلافها فلا يجب الاجتناب عن شي‏ءٍ منهما، ولا تجري مع احتمال الاختلاف أصالة وحدة الواقعة؛ لأنّ المتيقّن من موردها ما إذا احرز كون المحلّ واحداً، ولم يكن في نفس كلام الشاهدين ما يوجب احتمال التعدّد.
هذا كلّه بناءً على انحصار الحجّية بالبينة. وأمّا لو قيل بحجّية خبر الواحد أيضاً فلا إشكال في ثبوت نجاسة المعيّن لشهادة أحدهما بذلك تعييناً، وأمّا الآخر فلا يجب الاجتناب عنه، إلّاإذا شكّلت الشهادة الإجمالية الاخرى علماً إجمالياً تعبّدياً غير منحلٍّ حكماً بلحاظ تلك الشهادة التفصيلية وفق قواعد الانحلال في باب العلم الإجمالي.

144

وأمّا لو شهد أحدهما بالإجمال والآخر بالتعيين، كما إذا قال أحدهما: «أحد هذين نجس» وقال الآخر: «هذا معيّناً نجس» ففي المسألة وجوه: وجوب الاجتناب عنهما، ووجوبه عن المعيَّن فقط، وعدم الوجوب أصلًا (1).

————-

(1) أمّا وجوب الاجتناب عن المعيَّن فقط فبدعوى: أنّ المعيَّن قامت البيّنة على وجوب الاجتناب عنه، فإنّ أحد الشاهدين شهد بنجاسته، والآخر شهد بنجاسة أحدهما، وهذا يستتبع وجوب الاجتناب عنهما معاً، فوجوب الاجتناب عن المعيَّن متّفق عليه بين الشاهدين، بخلاف الآخر.

ويرد عليه: أنّ وجوب الاجتناب الواقعيّ عن المعيَّن لا تستدعيه شهادة الشاهد بالإجمال أصلًا، ووجوب الاجتناب العقليّ بملاك المنجّزية عنه فرع تمامية البيّنة وقيامها على الوجوب الواقعي، فلا يمكن أن يكون مدلولًا لها ومحكيّاً بها.

وأمّا وجوب الاجتناب عنهما معاً فلأنّ الجامع مشهود به لأحدهما استقلالًا، وللآخر ضمناً، فتثبت النجاسة بمقدار الجامع، فيجب الاجتناب عن كلا الطرفين بمقتضى قوانين العلم الإجمالي.

وقد اعترض عليه السيّد الاستاذ[1]– دام ظلّه-: بأنّ الشاهد بالتفصيل شهادته على الجامع ضمنية تحليلية، وهي لا تكون معتبرةً بعد سقوط اعتبارها في المدلول المطابقي، ومنه يتّضح وجه القول بعدم وجوب الاجتناب عنهما معاً.

غير أنّ الصحيح هو التفصيل في المقام؛ ذلك لأنّ الشاهدين: إن كانا متّفقين‏

 

[1] التنقيح 2: 186- 187.