کتابخانه
18

الاستنباطي.
وفي قولنا الثاني، استنتجنا أنّ الحيوان- أيّ حيوان- يموت بطريقة استنباطيّة. وهذه النتيجة مساوية للمقدّمة التي ساهمت في تكوين الدليل عليها، القائلة: الصامت يموت، والناطق يموت؛ لأنّ الصامت والناطق هما كلّ الحيوان بموجب المقدّمة الاخرى القائلة: الحيوان إمّا صامت وإمّا ناطق.
ونريد بالاستقراء: كلّ استدلال تجي‏ء النتيجة فيه أكبر من المقدّمات التي ساهمت في تكوين ذلك الاستدلال، فيقال مثلًا: «هذه القطعة من الحديد تتمدّد بالحرارة، وتلك تتمدّد بالحرارة، وهذه القطعة الثالثة تتمدّد بالحرارة أيضاً، إذن كلّ حديد يتمدّد بالحرارة». وهذه النتيجة أكبر من المقدّمات؛ لأنّ المقدّمات لم تتناول إلّاكميّة محدودة من قطع الحديد: ثلاثة أو أربعة … أو ملايين، بينما النتيجة تناولت كلّ حديد وحكمت أ نّه يتمدّد بالحرارة، وبذلك شملت القِطع الحديديّة التي لم تدخل في المقدّمات ولم يجر عليها الفحص.
ومن أجل هذا يعتبر السير الفكري في الدليل الاستقرائي معاكساً للسير في الدليل الاستنباطي الذي يصطنع الطريقة القياسيّة، فبينما يسير الدليل الاستنباطي- وفق الطريقة القياسيّة- من العامّ إلى الخاص عادة، يسير الدليل الاستقرائي- خلافاً لذلك- من الخاصّ إلى العام.
ومنذ بدأ الإنسان يدرس مناهج الاستدلال والتفكير ويحاول تنظيمها منطقيّاً، طرح على نفسه السؤال التالي:
هب أنّ المقدّمات التي تقرّرها في الدليل الاستنباطي أو الدليل الاستقرائي، صحيحة حقّاً فكيف يتاح لك أن تخرج منها بنتيجة، وتتّخذ من تلك المقدّمات سبباً كافياً لتبرير الاعتقاد بهذه النتيجة؟
وقد أدرك الإنسان لدى مواجهة هذا السؤال، فارقاً أساسيّاً بين الاستنباط

17

[كلمة المؤلّف:]

هذا الكتاب‏

يقسّم الاستدلال الذي يمارسه الفكر البشري عادةً إلى قسمين رئيسيّين:
أحدهما: الاستنباط، والآخر: الاستقراء. ولكلّ من الدليل الاستنباطي والدليل الاستقرائي منهجه الخاصّ وطريقه المتميّز.
ونريد بالاستنباط: كلّ استدلال لا تكبر نتيجته المقدّمات التي تكوّن منها ذلك الاستدلال. ففي كلّ دليل استنباطي تجي‏ء النتيجة دائماً مساوية أو أصغر من مقدّماتها، فيقال مثلًا: محمّد إنسان، وكلّ إنسان يموت، فمحمّد يموت. ويقال أيضاً: الحيوان إمّا صامت وإمّا ناطق، والصامت يموت، والناطق يموت، فالحيوان يموت.
ففي قولنا الأوّل، استنتجنا أنّ محمّداً يموت بطريقة استنباطيّة، وهذه النتيجة أصغر من مقدّماتها؛ لأنّها تخصّ فرداً من الإنسان وهو محمّد، بينما المقدّمة القائلة: كلّ إنسان يموت تشمل الأفراد جميعاً. وبذلك يتّخذ التفكير في هذا الاستدلال طريقه من العامّ إلى الخاصّ، فهو يسير من الكلّي إلى الفرد، ومن المبدأ العامّ إلى التطبيقات الخاصّة.
ويطلق المنطق الأرسطي على الطريقة التي انتهجها الدليل الاستنباطي في هذا المثال اسم القياس، ويعتبر الطريقة القياسيّة هي الصورة النموذجيّة للدليل‏

16

15

الاسس المنطقيّة للاستقراء

الاستقراء والمذهب العقلي للمعرفة.
الاستقراء والمذهب التجريبي للمعرفة.
الاستقراء والمذهب الذاتي للمعرفة.
المعرفة البشريّة في ضوء المذهب الذاتي.

14

في مقدّمة الكتاب.
4- ولأجل حفظ الأمانة العلميّة لا بدّ لنا أن نشير إلى التصرّف الذي أدخلته لجنة التحقيق في أحد الرموز المستخدمة في الكتاب بحسب الطبعة الاولى، وهو النون المحوّلة إلى جهة اليسار () أو المقلوبة إلى الأسفل تماماً () فقد ارتأت اللجنة تحويلها إلى حرف نون المتعارفة (ن) بعد التأكّد من عدم تأثير ذلك على المعنى المنظور بهذا الرمز في جميع الموارد المستخدم فيها.
هذا، ولا يفوتنا أن نشيد بالموقف النبيل لورثة الشهيد كافّة، سيّما نجله البارّ (سماحة الحجّة السيّد جعفر الصدر حفظه اللَّه) في دعم المؤتمر وإعطائهم الإذن الخاصّ في نشر وإحياء التراث العلمي للشهيد الصدر قدس سره.
وأخيراً نرى لزاماً علينا أن نتقدّم بالشكر الجزيل إلى اللجنة المشرفة على تحقيق تراث الإمام الشهيد، والعلماء والباحثين كافّة الذين ساهموا في إعداد هذا التراث وعرضه بالاسلوب العلمي اللائق، سائلين المولى عزّ وجلّ أن يتقبّل جُهدهم، وأن يمنّ عليهم وعلينا جميعاً بالأجر والثواب، إنّه سميع مجيب.

المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر قدس سره‏
أمانة الهيئة العلميّة

13

العلميّة القيّمة على هذا الكتاب، التي تستهدف- في الغالب- تلبية الحاجات الضروريّة لتوضيح ما جاء ذكره في متن الكتاب، أو لتحصيل مفادٍ علميٍّ جديد، وبعضها يحمل طابع النقد والنقاش أيضاً، وقد وردت هذه التعليقات في هامش الكتاب مذيّلةً باسم (الحائري) تمييزاً لها عن الهوامش الصادرة من المؤلّف نفسه التي ذُيّلت باسم (المؤلّف قدس سره).
وقد استعانت لجنة التحقيق بسماحته أيضاً في تشخيص جملةٍ من الأخطاء الواقعة في الطبعة الاولى من غير ما جاء ذكره في جدول الخطأ والصواب المطبوع في حياة المؤلّف قدس سره، فجزاه اللَّه عن ذلك خير الجزاء.
2- اضيفت تعليقات علميّة اخرى في هامش الكتاب مذيّلةً باسم (لجنة التحقيق) في مواردَ عديدةٍ استجابةً للحاجة الضروريّة فيها إلى التوضيح والتبسيط حسب تشخيص اللجنة، ومن أهمّها التعليقات التي وُضعت- بالاسم المذكور- في بحث نظريّة (برنولي) الذي هو من أدقّ الأبحاث العلميّة في نظريّة الاحتمال، وذلك لتوضيح مراحل البحث المطروح في هذه النظريّة، وتقسيم كلّ مرحلةٍ منها إلى عدّة خطوات، لتسهيل الأمر على الباحثين.
3- تمّ تنظيم العناوين الرئيسيّة لأقسام الكتاب وفصوله- خصوصاً في القسم الثالث الذي هو القسم الموسّع والأساس منه- على طبق التقسيمات الواردة لمحتويات الكتاب في المقدّمة التي وضعها المؤلّف نفسه قدس سره، رغم أنّ تنظيمها الشكلي في الطبعة الاولى- وفي باقي الطبعات أيضاً- لا يتطابق تماماً مع ما جاء في تلك التقسيمات، فما يراه القارئ الكريم في هذه الطبعة من تغيير وتفاوت في هذا المجال عن ما جاء في الطبعات السابقة إنّما ينبع من اهتمام لجنة التحقيق وحرصها على إيجاد التطابق الفنّي بين عناوين الفصول وبين التقسيمات الواردة

12

بضمّها أخطاءَ كثيرةً اخرى إلى تلك الأخطاء[1].

ونحن إذا ضممنا كثرةَ الأخطاء هذه إلى ما أشرنا إليه من المستوى العلمي الرفيع لهذا الكتاب، والتفتنا أيضاً إلى أنّ كثيراً من الأخطاء لا يمكن تشخيصه إلّا بالفهم الدقيق للمعنى المراد بالعبارة، فسنعرف بذلك مدى خطورة التحقيق في هذا الكتاب، خصوصاً مع كثرة ما فيه من المعادلات الرياضيّة المبنيّة على لغة الرموز، والتي تستغرق جهوداً مضاعفة في مجال الضبط والتحقيق.

ولهذا قامت لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر قدس سره- بالإضافة إلى الجهود العامّة التي تبذلها في تحقيق جميع مؤلّفات هذا الإمام الشهيد رحمه الله- باهتمامٍ خاصٍّ بهذا الكتاب وعنايةٍ خاصّةٍ في تحقيقه.

ونحن حين نضع حصيلة الجهود المكثّفة والعناية الخاصّة المبذولة في المجال المذكور، بين يدي أرباب الفضيلة من قرّاء هذا الكتاب، نسترعي انتباهَهم إلى ما نعتقد ضرورة التفاتهم إليه في هذا المجال:

1- تمّت الاستفادة في مجال تحقيق هذا الكتاب- بقدر ما أمكن- من سماحة آية اللَّه السيّد كاظم الحسيني الحائري (حفظه اللَّه) الذي هو من أبرز تلامذة المؤلّف قدس سره، وكان مشاركاً له في معاناة اكتشاف الاسس المنطقيّة للاستقراء، كما صرّح به المؤلّف في إحدى رسائله الخطّية[2]، وقد أتحفنا بتعليقاته‏

 

[1] من قبيل ما وقع في طبعة« دار التعارف» من سقط ثلاثة أسطر كاملة من نهاية صفحة 193، والانتقال الغريب الحاصل لسطرٍ كامل من بداية صفحة 239 إلى أوّل صفحة 149، وغير ذلك

[2] شهيد الامّة وشاهدها 1: 152، الوثيقة 18

11

المنطقيّة للاستقراء) الذي يُعدّ دراسةً جديدة للاستقراء تستهدف اكتشاف الأساس المنطقي المشترك للعلوم الطبيعيّة وللإيمان باللَّه تبارك وتعالى، ويحمل خصائص وسمات تميّزه عن باقي مؤلّفات السيّد الشهيد قدس سره وآثاره القيّمة، وتفضي بنا إلى الإيمان بالأهميّة الخاصّة لهذا الكتاب.

ويؤكّد ما ذكرناه أنّ هذا الكتاب يبلور الإبداع الفكري الرفيع الذي توصّل إليه المؤلّف قدس سره من خلال دراسة المشاكل المنطقيّة والفلسفيّة التي تحوم حول «الاستقراء» وانتهى به إلى تأسيس اتّجاهٍ جديد في نظريّة المعرفة يختلف عن كلٍّ من الاتّجاهين التقليديّين اللذين يتمثّلان في «المذهب العقلي» و «المذهب التجريبي»، وقد سمّى ذلك ب «المذهب الذاتي للمعرفة» تمييزاً له عن المذهبين الآخرين، وحاول فيه إعادةَ بناء نظريّة المعرفة على أساسٍ جديد، ودراسةَ نقاطها الأساسيّة في ضوءٍ يختلف اختلافاً جذريّاً عمّا قدّمه في كتاب «فلسفتنا».

وكان الاستاذ الشهيد رحمه الله يعتزّ كثيراً بهذا الكتاب من بين كتبه الاخرى، ويراه معبّراً عن مستواه العلمي والفكري وحصيلةً لجهودٍ علميّةٍ مكثّفةٍ كان يعبّر عنها بحصيلة العمر[1].

وقد مُني هذا الكتاب- مع شديد الأسف- بكثرة الأخطاء المطبعيّة الواقعة فيه، حتّى بلغت الأخطاء الواقعة في الطبعة الاولى منه حوالي تسعين مورداً أكثرها من غير الأخطاء الواردة في جدول الخطأ والصواب المطبوع في حياة المؤلّف قدس سره، وفيها أخطاء مهمّة جدّاً من قبيل: سقط جملة، وسقط سطرٍ كامل، وزيادة عدّة أسطر، وغير ذلك. وأمّا الطبعات الاخرى فقد زادت في الطين بلّة

 

[1] شهيد الامّة وشاهدها 1: 96

10

5- استخراج المصادر التي استند إليها السيّد الشهيد بتسجيل أقربها إلى مرامه وأكثرها مطابقة مع النصّ؛ ذلك لأنّ المؤلّف يستخدم النقل بالمعنى- في عددٍ من كتبه وآثاره- معتمداً على ما اختزنته ذاكرته من معلومات أو على نوع من التلفيق بين مطالب عديدة في مواضع متفرّقة من المصدر المنقول عنه، وربما يكون بعض المصادر مترجماً وله عدة ترجمات؛ ولهذا تُعدّ هذه المرحلة من أشقّ المراحل.
6- إضافة بعض الملاحظات في الهامش للتنبيه على اختلاف النسخ أو تصحيح النصّ أو غير ذلك، وتُختم هوامش السيّد الشهيد بعبارة: (المؤلف قدس سره) تمييزاً لها عن هوامش التحقيق.
وكقاعدة عامّة- لها استثناءات في بعض المؤلّفات- يُحاول الابتعاد عن وضع الهوامش التي تتولّى عرض مطالب إضافيّة أو شرح وبيان فكرةٍ مّا أو تقييمها ودعمها بالأدلّة أو نقدها وردّها.
7- تزويد كلّ كتاب بفهرس موضوعاته، وإلحاق بعض المؤلفات بثبت خاص لفهرس المصادر الواردة فيها.
وقد بسطت الجهود التحقيقيّة ذراعيها على كلّ ما أمكن العثور عليه من نتاجات هذا العالم الجليل، فشملت: كتبه، وما جاد به قلمه مقدمةً أو خاتمةً لكتب غيره ثم طُبع مستقلًاّ في مرحلة متأخرة، ومقالاته المنشورة في مجلّات فكريّة وثقافيّة مختلفة، ومحاضراته ودروسه في موضوعات شتّى، وتعليقاته على بعض الكتب الفقهيّة، ونتاجاته المتفرّقة الاخرى، ثمّ نُظّمت بطريقة فنيّة واعيد طبعها في مجلّدات أنيقة متناسقة.
ومن جملة الكتب التي شملتها الجهود التحقيقيّة المذكورة كتاب (الاسس‏