کتابخانه
157

إلى حدّ يجعله ينطبق على المفهوم المعارض له وينسجم معه لا يعني إلّاتخلّيه عن واقعه الفلسفي الخاصّ، وعجزه عن الردّ على ما يعارضه من مفاهيم.
أضف إلى ذلك أنّ المادّية الجدلية لا تسمح للينين أن يعترف بحقيقة مطلقة؛ لأنّ ذلك يتنافى مع الجدل القائل بتطوّر جميع الحقائق طبقاً للتناقضات المحتواة فيها، فهل الخاصّة الأساسية للمادّة في مفهومها اللينيني الجديد خاصّة مطلقة لا تتطوّر ولا تخضع لقانون الجدل وتناقضاته؟ فإن كانت كذلك فقد وجدت- إذن- الحقيقة المطلقة التي يرفضها الديالكتيك ولا تقرّها اصول الجدل الماركسي. وإن كانت هذه الخاصّة خاصّة جدلية ومحتوية على التناقضات الدافعة لها إلى التطوّر والتغيّر كسائر حقائق العالم، فمعنى ذلك: أنّ المادّية تشكو هي- أيضاً- من التناقض، وتضطرّ لأجل ذلك إلى التغيّر والتبدّل ونزع الصفة الأساسية للمادّة عنها.
والنتيجة التي نخرج بها هي: أنّ النزعة المثالية عند الفيزيائيين نشأت عن عدم التمييز بين المسألتين الفلسفيتين اللتين شرحناهما، وليست وليدة الأدلّة العلمية بصورة مباشرة.
ومع هذا فيجب أن نشير إلى عامل آخر لعب دوراً مهمّاً في زعزعة يقين العلماء بالواقع الموضوعي، وهو: انهيار المسلّمات العلمية في الميدان العلمي الحديث، فبينما كانت تعتبر تلك المسلّمات حقائق قاطعة لا تقبل الشكّ، استطاع العلم أن يزيّفها ويبرهن على خطأها فذابت في لحظة ذرّات (جون دالتون) وتزعزع قانون عدم فناء المادّة، ودلّلت التجارب على أنّ المادّة وَهم عاش فيه البشر آلاف السنين، فكان ردّ الفعل لذلك أن ثار الشكّ من جديد وطغى على أفكار عدّة من العلماء، فإذا كانت مسلّمات العلم بالأمس أخطاء اليوم فلماذا

156

يزعزعها أيّ تغيّر في المفهوم العلمي لخصائص المادّة، وليس ذلك لأنّ المدرك الفلسفي عن المادّة يكون دون علاقة بمدرك علمي مزعوم، وإنّما لأنّ المادّة لا يمكن أن تفقد هذه الخاصّة الأساسية من خصائصها، وهي: كونها- أي المادّة- حقيقة واقعية موضوعية» «1».
بهذا أراد لينين أن يزيّف المثالية الفيزيائية، ويدعم مفهومه المادّي.
ويبدو واضحاً من كلامه تجاهله لكلّ فلسفة واقعية عدا الواقعية القائمة على أساس مادّي، ولأجل أن يحلّ التناقض بين المفهوم المادّي وحقائق العلم والفيزياء شرح مفهوم المادّة شرحاً غريباً، وأعطاه من السعة والشمول ما جعله يعبّر عن الواقع الموضوعي المستقلّ بالمادّة، محاولًا بذلك أن يقدّم المادّية كحلّ فلسفي وحيد لمسألة وجود العالم في مقابل المثالية. ومن الواضح: أنّ المادّة إذا كانت تعبيراً مساوياً للواقع الموضوعي المستقلّ، وكانت خصيصتها الوحيدة اللازمة لها هي موضوعيّتها ووجودها بصور مستقلّة عن وعينا، فالفلسفة الميتافيزيقية الإلهية تكون فلسفة مادّية تماماً باعتبار هذا المفهوم الجديد للمادّة، ويرتفع التعارض نهائياً بين الفلسفة الميتافيزيقية والفلسفة المادّية ومفهومها عن العالم.
فالفيلسوف الإلهي الذي يؤمن بما وراء الطبيعة يقول نفس الكلمة تماماً عن العالم. فالعالم عنده واقع موضوعي مستقلّ عن وعينا، وليس المبدأ الإلهي الذي تعتقد به الفلسفة الميتافيزيقية إلّاواقعاً موضوعياً مستقلًا عن وعينا.
والحقيقة: أنّ التلاعب بالألفاظ لا يجدي شيئاً، فتوسعة المفهوم المادّي‏

155

خالية من المادّة، إذا صحّ ذلك كلّه فلن يغيّر ذلك من موقفنا تجاه السؤال الأوّل شيئاً؛ لأنّنا نؤمن على كلّ تقدير بأنّ الحقيقة ليست نتائج الشعور فحسب، بل هي وليدة الواقع المستقلّ.

وإنّما يكون لهذه النظريات العلمية تأثير إذا فرغنا عن الإجابة على السؤال الأوّل، وتناولنا السؤال الثاني لنعرف كيف هو العالم.

وبهذا نعرف أنّ كشوف العلم الحديث لا تردّ على الواقعية بشي‏ء، وإنّما تردّ على المادّية التي تزعم أنّ المادّية هي الوصف اللازم لذلك الواقع بصورة عامّة.

ومن الغريب محاولة بعض المادّيين الاحتفاظ للمادّية بمقامها، والردّ على البراهين العلمية والتجريبية بأ نّها لا تبرهن على سلب الصفة المادّية عن العالم، وإنّما تكون سبباً في تعمّق فهمنا للمادّة وخصائصها.

قال لينين:

«إنّ تلاشي المادّة يعني أنّ الحدّ الذي وصلت إليه معرفتنا بالمادّة يتلاشى‏، وإنّ وعينا يتعمّق، فثمّة خصائص للمادّة- كعدم قابليتها للاختراق وعدم الحركة والكتلة- كانت تبدو لنا من قبل مطلقة ثابتة أوّلية وهي تتلاشى‏ الآن، وقد عرفت بأ نّها نسبية ملازمة فقط لبعض حالات المادّة؛ ذلك أنّ الخاصّة الوحيدة للمادّة التي يحدّد التسليم بها المادّية الفلسفية إنّما هي: كونها- أي المادّة- حقيقة موضوعية، وأ نّها موجودة خارج وعينا»[1].

«إنّ دعائم المفهوم المادّي عن العالم لا يمكن أن‏

 

[1] ما هي المادّية؟: 20- 21

154

الواقع الموضوعي المستقلّ هل هو المادّة أو القوّة أو الحركة أو الموج الكهربائي …
فذلك سؤال آخر يجب على الواقعية التي آمنت بالعالم الموضوعي أن تجيب عنه على ضوء العلم والاكتشافات التجريبية.
ومتى فرّقنا بين المسألتين تفريقاً تاماً استطعنا أن نردّ الاتّجاه المثالي السابق الذكر إلى الخطأ الذي يرتكز عليه.
فقد عرفنا أنّ السؤال الأوّل هو: هل للعالم واقع مستقلّ عن الذهن البشري؟
والإجابتان عن هذا السؤال هما للمثالية والواقعية. فالمثالية تجيب بالنفي والواقعية تجيب بالإثبات. وكلتا الإجابتين يجب ارتكازهما على أساس فلسفي بحت، ولا كلمة للعلم والتجربة في هذا الموضوع.
والسؤال الآخر: ما هو الواقع الموضوعي المستقلّ؟ وهل تلزمه خصائص المادّة وصفاتها أو لا؟ وهذا السؤال إنّما يتّجه إلى الواقعية، ولا مجال له على أساس المفهوم المثالي. ويجيب بعض الواقعيين عن هذا السؤال بإعطاء المفهوم المادّي للواقع الموضوعي المستقلّ، ويجيب الآخرون بإعطاء مفاهيم اخرى، وللعلم في هذه الإجابات كلمته، فالتجارب والكشوف العلمية هي التي تكوِّن المفهوم العلمي للواقعيين عن العالم الموضوعي.
فإذا أبطل العلم المفهوم المادّي للعالم، فهو لا يعني أنّ العلم رفض الواقعية وصار مثالياً؛ لأنّ الكشف العلمي لم يبرهن على عدم وجود الواقع الموضوعي المستقلّ، وإنّما دلّل على عدم لزوم الصفة المادّية له. فليكن مردّ العالم إلى القوّة أو إلى الحركة أو إلى أيّ شي‏ء آخر غير المادّة؛ فإنّ ذلك لا يضرّ بالواقعية، ولا يبرهن على المثالية ما دام لذلك الشي‏ء واقع موضوعي موجود بصورة مستقلّة عن الذهن والشعور، فالمادّة إذا تبخّرت كهرباء على ضوء العلم، والكتلة إذا تحوّلت إلى طاقة، والطاقة إذا تحوّلت إلى كتلة، والطبيعة إذا كانت تعبّر عن حركة

153

دقيقة- الشي‏ء نفسه الذي نضيفه إلى الكون ليصبح مفهوماً».

وأعرب بعد ذلك عن أمله في:

«أن يعرف في السنوات القريبة القادمة ما كان خبيئاً في النواة الذرّية رغم ما ينشأ في أذهاننا من ظنّ بأنّ هذا قد خبئ من قبلنا»[1].

والواقع: أنّ الاتّجاه المثالي عند هؤلاء الفيزيائيين ناتج عن خطأ في التفكير الفلسفي لا عن برهان فيزيائي في المجال العلمي؛ ذلك أنّ المسألة الأساسية في الفلسفة التي انقسم الفلاسفة في الجواب عنها إلى مثاليين وواقعيين بدت لهم مغلوطة.

فالمسألة الأساسية هي: مسألة ما إذا كان للعالم واقع موضوعي مستقلّ عن ذهننا وشعورنا، وقد فهمها اولئك الفيزيائيون على أ نّها لا تقبل سوى إجابتين على الوجه الآتي فقط:

إمّا أنّ مردّ العالم إلى الذهن والشعور، فلا وجود له بصورة موضوعية، وإمّا أنّ العالم واقع مادّي موجود خارج الذهن والشعور.

فإذا استبعدنا الإجابة الثانية بالبراهين والتجارب العلمية التي دلّت على أنّ المادّية ليست إلّاقناعاً للحقيقة التي ينطوي عليها العالم، لزمنا الأخذ بالإجابة الاولى والاعتقاد بالمفهوم المثالي البحت للعالم.

ولكنّ الحقيقة: أنّ الإجابتين لم توضعا وضعاً صحيحاً فيما سبق؛ ذلك أنّ تقديم إجابة تناقض الإجابة المثالية لا تحتّم علينا الإيمان بلزوم الصفة المادّية للواقع الموضوعي؛ فإنّ الواقعية التي تخالف المثالية بصورة متقابلة لا تعني أكثر من الاعتراف بوجود واقع موضوعي مستقلّ عن الذهن والشعور، وأمّا أنّ هذا

 

[1] لم نعثر عليه

152

فقد قال (اوزوالد):

«إنّ العصا التي تضرب (سكابان) لا تنهض على وجود العالم الخارجي، هذه العصا ليست موجودة، وليس موجوداً إلّاطاقتها الحركية»[1].

وقال (كارل بيرسون):

«المادّة هي اللامادّي الذي هو في حركة»[2].

وفي غمرة هذه الكشوف الجديدة- التي زعزعت الكيان المادّي وأظهرت أنّ المادّة هي الوهم البشري العامّ عن العالم، لا المفهوم العلمي المطابق للعالم- ظهر الاتّجاه المثالي في الفيزياء، واستهوى كثيراً من الفيزيائيين، فقالوا: ما دام العلم يُقدّم في كلّ يوم براهين جديدة ضدّ القيمة الموضوعية للمعرفة البشرية، وضدّ الصفة المادّية للعالم، فليست الذرّات أو البنيات الأساسية للمادّة- بعد أن تبخّرت على ضوء العلم- إلّاطُرُقاً مناسبة للتعبير عن الفكر، واستعارات وإشارات لا تتضمّن من الحقيقة الواقعية شيئاً.

قال ادينغتون:

«ليس ثَمَّة في منظومة قوانين علم الطبيعة كلّها شي‏ء واحد لا يمكن استنتاجه بوضوح من اعتبارات نظرية المعرفة الشاملة المطلقة وتأمّلاتها، والدماغ الذي يكون غير عالم بكوننا ولكنّه يعرف نظام التفكير الذي يفسّر بوساطته العقل البشري تجربته الحسّية، يكون بمقدوره أن يبلغ جميع معارف علم الطبيعة المحصّلة من طريق التجربة، وفي النهاية أقول: إنّ ما أدركه عن الكون هو- تماماً وبصورة صحيحة

 

[1] لم نعثر عليه

[2] لم نعثر عليه

151

عدّة مهام كانتشار الضوء الذي افترض الأثير حاملًا له عند انتقاله من بعض الأجسام إلى بعض، كما يحمل- أيضاً- الحرارة والكهرباء ونحوها من قوى الطبيعة.
ويتلخّص هذا العرض في أنّ الطبيعة واقع موضوعي مادّي يحكمه نظام آلي كامل.
ولم يستطع هذا المفهوم الفيزيائي أن يصمد للكشوف الحديثة التي فرضت على العلماء أن يقلبوا نظرياتهم عن الطبيعة رأساً على عقب، وبرهنت لهم على أنّ العقل العلمي لا يزال في البداية، وكان من أهمّ تلك الكشوف العلمية اكتشاف الكهارب الذي دلّ على وجود بنية مركّبة للذرّة واكتشاف انحلالها الإشعاعي.
فبينما كانت الذرّة هي الوحدة المادّية الأساسية التي تأتلف منها الطبيعة، عادت بدورها مركّبة، ولم تقف القصّة عند هذا الحدّ بل أصبح من الممكن أن تتبخّر كهرباء. وبينما كانت الحركة محدودة في حدود الحركات الميكانيكية التي تتّسق مع التفسير الآلي للطبيعة، اكتشفت ألوان اخرى من الحركة. وبينما كان الرأي السائد يزعم أنّ كتلة المادّة- وهي التعبير الرياضي عن الجوهر المادّي- دائمة وغير قابلة للتغيير، ثبت في البرهان العلمي أ نّها ليست ثابتة، بل هي نسبية ولا تعبّر في مفهومها الواقعي إلّاعن طاقة مكتنزة، ولذا تختلف كتلة الجسم باختلاف حركته.
وهكذا بدا للفيزيائيين واضحاً أنّ المادّية قد ماتت، وأنّ المفهوم المادّي للعالم أصبح يتعارض مع العلم والبراهين التجريبية.
ولأجل ذلك استطاع العلماء أن يكوّنوا عن العالم مفهوماً جوهرياً أعمق من المفهوم المادّي، وليست المادّية إلّاوجهاً من وجوه هذا المفهوم الجديد، بل ذهب بعض الفيزيائيين إلى أكثر من ذلك، فزعم أنّ مردّ العالم إلى حركة خالصة محاولًا الاستغناء عن إضافة أيّ حقيقة جوهرية إليها.

150

من مناقشاتنا للمثالية الفلسفية إلى أنّ الواقعية ترتكز على أساسين:
الأوّل- الإيمان بوجود كشف ذاتي للمعارف التصديقية.
الثاني- الاعتقاد بقاعدة أساسية للمعرفة البشرية مضمونة الصدق بصورة ضرورية.
وكلا هذين الأساسين قد وجدنا (باركلي) مضطرّاً إلى الاعتراف بهما؛ فإنّه لولا الكشف الذاتي للمعرفة التصديقية، لما عرف الأشخاص الآخرين، ولما كيّف حياته على أساس وجودهم، ولولا وجود معارف مضمونة الصدق في التفكير البشري، لما أمكنه أن يستدلّ على مزاعمه المثالية.

ب- المثالية الفيزيائية:

كانت الفيزياء قبل قرن من الزمان تُفسِّر الطبيعة تفسيراً واقعياً مادّياً تحكمه قوانين الميكانيك العامّة. فالطبيعة واقعية عند الفيزيائيين، بمعنى: أ نّها موجودة بصورة مستقلّة عن الذهن والشعور، وهي مادّية أيضاً؛ لأنّ مردّ الطبيعة في تحليلهم العلمي إلى جزئيات صلبة صغيرة لا تقبل التغيّر ولا الانقسام، وهي الجواهر المفردة التي نادى بها ديموقريطس في الفلسفة اليونانية. وهذه الجزئيات أو الكتل الأوّلية للطبيعة في حركة مستمرّة، فالمادّة هي مجموع تلك الجزئيات، والظاهرات الطبيعية فيها ناتجة عن انتقال تلك الكتل وحركتها في المكان.
ولمّا كانت هذه الحركة بحاجة إلى تفسير من العلم، فقد فسّرتها الفيزياء تفسيراً آليّاً كما تفسِّر الحركة في رقّاص الساعة أو الأمواج الصوتية، وافترض وجود قوىً في الكتل أو علاقات خاصّة بين تلك الكتل؛ لمحاولة تكميل التفسير الآلي لظواهر الطبيعة. وهذه القوى والعلاقات بدورها يجب أن تخضع للتفسير الآلي أيضاً، فنشأ من ذلك في الفيزياء المفهوم الفرضي ل (الأثير)، واسندت إليه‏

149

قد يقع فيها الخطأ.
فنحن- إذن- مهما شككنا لا نستطيع أن نشكّ في تلك القاعدة؛ لأنّها مضمونة الصدق بصورة ضرورية.
ونريد أن نتبيّن الآن ما إذا كان في وسع الفيلسوف المثالي (باركلي) أن ينكر تلك القاعدة المضمونة، ولا يقرّ بوجود معارف ضرورية فوق الخطأ والاشتباه أو لا؟
ولا شكّ في أنّ الجواب هو النفي؛ فإنّه مضطرّ إلى الاعتراف بوجود معارف مضمونة الصدق ما دام قد حاول الاستدلال على مثاليّته بالأدلّة السابقة؛ فإنّ الإنسان لا يمكنه أن يستدلّ على شي‏ء ما لم يركّز استدلاله على اصول وقواعد مضمونة الصدق عنده، ونحن إذا لاحظنا أدلّة (باركلي) وجدناه مضطرّاً إلى الاعتراف:
أوّلًا- بمبدأ عدم التناقض الذي ارتكز عليه الدليل الأوّل؛ فإنّ التناقض إذا كان ممكناً فلا يصحّ أن يستنتج من تناقض الإحساسات عدم موضوعيتها.
وثانياً- بمبدأ العلّية والضرورة، فهو لو لم يكن يعترف بهذا المبدأ لكان استدلاله عبثاً؛ لأنّ الإنسان إنّما يقيم دليلًا على رأيه لإيمانه بأنّ الدليل علّة ضرورية للعلم بصحّة ذلك الرأي. فإذا لم يكن يعتقد بمبدأ العلّية والضرورة جاز أن يكون الدليل صحيحاً، ومع ذلك لا يثبت به الرأي المطلوب.
وإذا ثبت وجود معارف مضمونة الصدق في التفكير البشري، فلا شكّ في أنّ من تلك المعارف معرفتنا بوجود العالم الموضوعي المستقلّ عنّا؛ فإنّ العقل يجد نفسه مضطرّاً إلى التصديق بوجود عالم خارجي على سبيل الإجمال ورفض كلّ شكّ في ذلك، مهما وقعت من مفارقات بين حسّه والواقع، أو بين فكره والحقيقة، بل يُعدّ التشكيك في وجود العالم المستقلّ ضرباً من الجنون. ونخلص‏