کتابخانه
199
                        الفصل الرابع‏آداب الإحرام ومستحبّاته (56)
تقدم ما يجب على المحرِم مراعاته في إحرامه. وفيما يلي نستعرض جملةً من آداب الإحرام المستحبة:
مقدّماته العامة
يستحبّ تمهيداً للإحرام:
أوّلًا: أن يوفِّر الرجل شعر رأسه منذ بداية شهر ذي القعدة فلا يأخذ منه شيئاً إذا كان من قصده الحجّ منذ ذلك الحين.
ثانياً: أن ينظِّف الإنسان جسده، ويقلِّم أظافره، ويزيل الشعر عن الإبطين والعانة، ويأخذ من شاربه، وينظِّف أسنانه بالسواك.
ثالثاً: أن يغتسل غسل الإحرام، وقد تقدم بيان أحكامه في فصل كيفية الإحرام، وقد قدّمناه هناك لمزيد أهمّيته.
ومن المأثور أن يدعو المكلف عند الغسل بهذا الدعاء: «باسمِ اللَّهِ وباللَّهِ اللهُمَّ اجعَلهُ لي نُوراً وطَهُوراً وحِرزاً وأمْناً مِن كُلِّ خَوفٍ، وشِفاءً مِن كلِّ داءٍ وسُقْم.
اللهُمَّ طَهِّرني وطَهِّر قَلبي، واشرح لي صدري، وأجر على لساني محبّتَك ومِدحَتك والثناءَ عليكَ، فإنَّه لا قُوَّة لي إلّابكَ، وقد عَلِمْتُ أنّ قوامَ دِيني التَسليمُ لكَ والاتّباعُ لسنّة نبيِّك صلواتُكَ عليه وآله».
198

الفقرة (51) في تلك الملابس الاعتيادية التي تُحرِم فيها بما فيها عدم كون الثياب من الحرير، بل الأحوط أن لا تلبس شيئاً من الحرير الخالص في جميع أحوال الإحرام.
(53) يجوز للمحرِم أن يزيد على الثوبين ويلبس غيرهما ممّا يصلح للمحرِم أن يلبسه في ابتداء الإحرام وفي أثنائه، كما يجوز له تبديل الثوبين بآخرَين واجدَين لنفس الشرائط. ويجوز للمحرِم بعد عقد الإحرام والتلبية التجرّد منهما بدون بديلٍ مع الأمن من الناظر أو كون العورة مستورةً بشي‏ءٍ آخر.
(54) إذا تنجّس أحد الثوبين أو كلاهما بعد صيرورته محرِماً فالأحوط المبادرة إلى التبديل أو التطهير.
(55) يكره الإحرام في الثياب الوسخة وفي الثوب الأسود، ويستحبّ أن يكون ثوبا الإحرام من القطن.

197
                        الفصل الثالث‏ما يجب على المُحرِم (49)
يجب على المحرِم الرجل أن يحرِم في ثوبين وهما الإزار والرداء، ويكفي منهما ما يصدق عليه الاسم عرفاً. ولا خلاف في صدق الإزار على ماكان ساتراً بين السُرّة والركبتين، وصدق الرداء على ما كان ساتراً للمنكبين، ولا بأس بزيادتهما على الحدّ المذكور. فالمحرم الرجل يتجرّد عن ملابسه الاعتيادية ويتّزر بقطعة قماشٍ غير مخيطةٍ يستر بها مابين السُرّة والركبة، ويرتدي قطعة قماشٍ كذلك يستر بها ما بين المنكبين، ويحرِم في حالة لبسه لهذين الثوبين، ويطلق عليهما اسم «ثوبي الإحرام».
 (50) الأقرب أنّ لبس ثوبي الإحرام ليس شرطاً في صحة الإحرام، وإنما هو واجب على من يحرم، فمن ترك لبسهما وأحرم بدونهما صحّ إحرامه وحرمت عليه الأشياء التي تَحرم على المحرِم وإن كان آثماً بتركه لبس الثوبين.
 (51) يعتبر في ثوبي الإحرام نفس الشروط المعتبرة في لباس المصلي، فيلزم أن لا يكونا من الحرير الخالص، ولا من أجزاء ما لا يؤكل لحمه، ولا من الذهب على نحو يكون لِبساً للذهب ويلزم طهارتهما. نعم، لا بأس بتنجّسهما بنجاسةٍ معفوٍّ عنها في الصلاة. ويعتبر في الثوبين على الأحوط أن يكونا من المنسوج، أي من قبيل القماش لا الجلد، وأن يكونا ساترَين للبشرة غير حاكيَين عنها.
 (52) وجوب لبس ثوبي الإحرام مختصّ بالرجال، فالمرأة يجوز لها أن تحرِم في ملابسها الاعتيادية، والأحوط لها مراعاة الشروط التي تقدّمت في‏
196

فاذا نوى ولم يلبِّ لم ينعقد إحرامه شرعاً، ولم يَحرم عليه ما يَحرم على المُحرِم. وأمّا إذا نوى ولبّى فقد انعقد إحرامه وأصبح محرماً.
(43) على المكلف أن يتعلّم ألفاظ التلبية ويُحسِن أداءها بصورةٍ صحيحة، ويكفي في أدائها أن يقوم شخص بتلقينه بهذه الكلمات بأن يتابعه في النطق بها، فاذا لم يُتَح له أن يتعلّم تلك الألفاظ ولم يتيسّر له التلقين وجب عليه التلفّظ بما تيسّر له منها، والأحوط أن يأتي إضافةً إلى ذلك بما يدلّ على معاني تلك الألفاظ، والأحوط الأولى أن يستنيب أيضاً مَن يُحسِن التلبية كاملةً لأدائها نيابةً عنه.
(44) لا تشترط الطهارة من الحدث الأصغر أو الأكبر في صحة الإحرام، فيصحّ الإحرام ممّن جاء من الغائط ولم يتوضّأ، وكذلك من الجُنُب والحائض والنفساء.
(45) لا يشترط في صحّة الإحرام العزم من المحرِم حين النية على عدم ارتكاب ما يَحرم على المحرم على ما تقدم في الفقرة (36)، وقد يستثنى من ذلك الجماع والاستمناء، فيقال باعتبار العزم على تركهما عند النية في صحة الإحرام، والأقرب أ نّهما كسائر المحرّمات.
(46) لا يجب في النية إخطار الصورة التفصيلية لفريضة حجّ التمتّع، بل له أن يقصد الإتيان بواجباتها إجمالًا، ثمّ يتعلّمها ويأتي بها بالتدريج. كما لا يجب الإشارة إلى الوجوب أو الاستحباب.
(47) إذا شكّ في أ نّه لبّى أوْ لا: فإن كان قد تجاوز الميقات لم يعتنِ بشكّه، وإلّا وجبت عليه التلبية. وإذا لبّى وشكّ في صحة تلبيته بنى على الصحة.
(48) يستحبّ الغسل في الإحرام للميقات، ويصحّ من الحائض والنفساء أيضاً على الأظهر. وإذا خشي المسافر عدم تيسّر الماء في الميقات جاز له أن يغتسل قبل ذلك، فإن وجد الماء في الميقات أعاد. وإذا اغتسل ثمّ أحدث بالأصغر، أو أكل أو لبس ما يَحرم على المحرِم قبل أن يُحرِم أعاد غسله.

195
                        الفصل الثاني‏كيفية الإحرام (42)
قد عرفت أنّ الإحرام هو تحريم الإنسان على نفسه الأشياء المعيَّنة التي سوف يأتي تفصيلها، وبذلك يتّضح: أنّ حقيقة الإحرام هي النية المشتملة على هذا التحريم، ولا يلزم فيها تصور تلك الأشياء تفصيلًا، بل تكفي نية تحريمها على وجه الإجمال، ويجب أن تتوفّر إلى جانب هذه النية الامور التالية لكي يصبح المكلف محرماً لعمرة التمتّع إحراماً صحيحاً:
1- أن يعيِّن المكلف غرضه من الإحرام، وينوي أ نّه يُحرِم لأداء عمرة التمتّع من فريضة حجّ التمتّع. فإذا أتى بنيّة الإحرام من دون تعيينٍ لا يصحّ، ولا يجب عليه التلفّظ بالنية والنطق بما ينويه وإن جاز له ذلك، بل استحبّ بأن يقول مثلًا: «احرم لعمرة التمتّع من حجة الإسلام قربة إلى اللَّه تعالى». وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه. وإذا كانت الحجّة مستحبةً أسقط كلمة حجّة الإسلام. وإذا كان الحجّ واجباً بالنذر ونحوه أو بالإفساد قصد الحجّ الواجب بالنذر أو بالإفساد بدلًا عن قصد حجّة الإسلام.
2- أن يقصد القربة بإحرامه وعمرته وحجّه الذي يعتبر ذلك الإحرام بدايةً له.
3- أن يلبّي، أي يقول: «لَبَّيكَ اللهُمّ لَبّيكَ، لَبَّيكَ لا شريكَ لَكَ لَبّيكَ».
والأحوط استحباباً أن يضيف إلى ماتقدم جملةً اخرى بهذه الصيغة: «إنَّ الحَمْدَ والنِعمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لا شَريكَ لَكَ لَبَّيكَ»، أو بهذه الصيغة: «إنَّ الحَمْدَ وَالنعمَة لَكَ وَالمُلْك لَكَ، لَا شَريكَ لَكَ لَبَّيكَ».
194

الثانية: أن يكون في الحرم ولا يمكنه الرجوع إلى الميقات، غير أ نّه يتمكّن من الرجوع إلى خارج الحرم، وعليه حينئذٍ الرجوع إلى الخارج، والأحوط استحباباً الابتعاد عن الحرم بالمقدار الذي يمكنه ثمّ الإحرام من هناك، بل هو الأحوط وجوباً في الجاهل بالحكم.
الثالثة: أن يكون في الحرم ولا يمكنه الرجوع إلى الخارج، وعليه في هذه الصورة أن يحرم من مكانه وإن كان قد دخل مكة.
الرابعة: أن يكون خارج الحرم ولا يمكنه الرجوع إلى الميقات أو ما يحاذيه، وعليه حينئذٍ أن يحرم من محلّه مع ملاحظة الاحتياط السابق بالابتعاد عن الحرم بالمقدار الممكن.

193

الامور فيصحّ إحرامه وإن كان آثماً بارتكابه تلك المحرّمات، ومثال ذلك: من يحرم وهو عازم على التظليل.
(37) يجوز للجنب والحائض أن يحرما في مسجد الشجرة حال الاجتياز، كما يجوز لهما الإحرام خارج المسجد بالمحاذاة بأن يجعلا المسجد عن يمينهما أو يسارهما في حالة اتّجاههما إلى جهة مكة المكرمة ويحرما، ولا يجوز لهما المكث في المسجد لأجل الإحرام فيه ما لم يتطهّر الجنب أو تغتسل الحائض بعد نقائها.
(38) من ترك الإحرام لعمرة التمتّع عالماً عامداً وأتى بسائر أعمال العمرة بدون إحرامٍ كانت عمرته باطلة.
(39) إذا ترك المكلف الإحرام من الميقات والمحاذي له عن علمٍ وعمدٍ حتّى تجاوزه: فإن أمكنه الرجوع إلى الميقات أو المحاذي وجب، فإذا رجع وأحرم صحّ عمله، وأمّا إذا لم يكن متمكّناً من الرجوع كذلك فهل يكفي في وقوع العمرة صحيحةً أن يرجع إلى أدنى الحلّ فيحرم، أو أن يحرم من مكانه إذا كان بعدُ لم يصل إلى الحرم، أو تعذّر عليه الرجوع؟ وجهان، والأحوط وجوباً عدم صحة العمرة حينئذٍ.
(40) من أتى بعمرة التمتّع بدون إحرام لجهلٍ أو نسيانٍ صحت عمرته عند جمعٍ من الفقهاء. وهذا القول وإن كان لا يخلو عن وجه غير أنّ الاحتياط بعدم الاعتداد بتلك العمرة لا يترك.
(41) إذا ترك الإحرام في الميقات عن نسيانٍ أو إغماءٍ أو ما شاكل ذلك، أو تركه عن جهلٍ بالحكم أو جهل بالميقات وانتبه بعد ذلك فللمسألة صور:
الاولى: أن يتمكّن من الرجوع إلى الميقات أو المكان المحاذي له فيرجع ويحرم من هناك.

192

الاولى: أن يقصد المسافر الذهاب من جدّة إلى أحد المواقيت فيحرم منها، كالجحفة وقرن المنازل، أو يذهب إلى المدينة ليحرم من مسجد الشجرة.
الثانية: في حالة تعذّر ذهابه إلى أحد المواقيت يمكنه أن ينذر الإحرام من جدّة فيحرم منها، ويعتبر إحرامه حينئذٍ صحيحاً.
الثالثة: أن ينذر الإحرام من مطار بلده مثلًا. هذا فيما إذا كان المحرم امرأةً أو كان رجلًا قد ضاق عليه الوقت ويخشى من تأخير الإحرام، فيحرم ويكفّر كفّارة التظليل لركوبه الطائرة محرماً ولا إثم عليه، وإذا صنع الرجل ذلك بدون خوفٍ وعذرٍ فحجّه صحيح وعليه كفّارة التظليل، ويعتبر مقصِّراً إذا كان متمكّناً من عدم التظليل بعد الإحرام.
الرابعة: أن ينذر الإحرام من منتصف الطريق وهو في الطائرة فيحرم ويصحّ حجّه، ولا شي‏ء على المرأة ولا شي‏ء على الرجل سوى أن يكفّر كفّارة التظليل.
(35) المسافر الذي يرد إلى المدينة رأساً هل يجوز له وهو في المدينة أن ينذر الإحرام من جدّة فيسافر إلى جدّة مُحلّاً ويحرم هناك ويسافر من جدّة محرماً إلى مكّة؟ الظاهر أ نّه لا يصحّ منه ذلك. كما أ نّه إذا كان يرغب في السفر بالطائرة من المدينة إلى جدّة فلا يسعه الإحرام من مسجد الشجرة، إذ لو أحرم من هناك حرم عليه التظليل وركوب الطائرة، فلابدّ له أن يؤجِّل إحرامه إلى ما بعد وصول جدّة. وهل يجوز له حينئذٍ أن يحرم من جدة بالنذر بعد الوصول إليها؟ فيه إشكال، والأقرب عدم الجواز، فعليه أن يذهب إلى أحد المواقيت، أو يحاذيه ويحرم منه مع التمكن.
(36) سوف تعرف في الفصول الآتية أنّ المكلف إذا أحرم حرمت عليه امور عديدة، وقد يتّفق أن يحرم المكلف وهو عازم على ارتكاب بعض تلك‏

191

الأول: أن يقدّم إحرامه على الميقات بنذرٍ شرعيٍّ على النحو المتقدم في الفقرة (29) بأن ينذر الإحرام من مكانٍ على النحو الذي يعلم بأ نّه قبل المواقيت أو يعلم بأ نّه كذلك أو محاذٍ لأحدها.
الثاني: أن يلبس ثوبي الإحرام ويشرع في التلبية من أول نقطةٍ يحتمل فيها المحاذاة ويستمرّ على ذلك إلى آخر نقطةٍ يحتمل فيها الخروج منها، وتكون نيته هي الإحرام من النقطة المحاذية الواقعية. أمّا كيفية التلبية وصيغتها فستأتيك في الفصول الآتية إن شاء اللَّه تعالى.
هذا كلّه فيما إذا علم بأنّ المحاذاة- بالمعنى المتقدم في الفقرة (25)- تقع قبل الدخول في الحرم، وأمّا إذا احتمل أ نّها تتحقّق في نقطةٍ لا يصل إليها إلّابعد دخوله في الحرم فلا أثر لها، ولا يمكن التعويل عليها.
(34) المسافرون إلى الحجّ برّاً السائرون إلى الطائف ومنه إلى مكة المكرمة يمكنهم الإحرام من قرن المنازل أو من النقطة المحاذية له، كالنقطة التي شيِّد عليها مسجد يقع على الطريق العام. والمسافرون إلى الحجّ برّاً الذين يبدأون بالمدينة المنوّرة يمكنهم أن يحرموا لعمرة التمتّع من مسجد الشجرة أو ما يحاذيه، على ما تقدم، كما يمكنهم أن يحرموا من المدينة نفسها بالنذر، بأن ينذر الإنسان الإحرام من المدينة ثمّ يُحرِم منها، ويَحرم عليه حينئذٍ التظليل مهما أمكن. وإذا ظلّل بأن ركب الطائرة من المدينة إلى جدّة محرِماً قاصداً مكة صحّ حجّه وكان عليه أن يكفِّر، على ما يأتي في كفارة التظليل.
والمسافرون بالطائرة إلى جدّة يشكل إحرامهم من جدّة بدون نذر، أو مع النذر أيضاً مع التمكّن من الذهاب إلى أحد المواقيت. وكذلك عندي إشكال في إحرامهم من أدنى الحلّ، كما تقدم في الفقرة (28). وهناك صور يصحّ لهم اختيار أيّ واحدةٍ منها: