کتابخانه
271

أدوار حتّى ينتهي إلى (الرصاص). فهذا واقع موضوعي يشرحه العلم، ونكوّن على ضوئه مفهومنا الخاصّ عنه، فماذا تعني الماركسية بتطوّر المفهوم الذهني أو (الحقيقة) ديالكتيكياً طبقاً لتطوّر الواقع؟ فإن كانت تعني بذلك: أنّ نفس مفهومنا العلمي عن (اليورانيوم) يتطوّر تطوّراً ديالكتيكياً وطبيعياً تبعاً لتطوّر اليورانيوم نفسه، فيشعّ أشعّته الخاصّة، ويتحوّل في نهاية المطاف إلى رصاص، فهذا أقرب إلى حديث الظرف والفكاهة منه إلى الحديث الفلسفي المعقول.
وإن أرادت الماركسية: أنّ الإنسان يجب أن لا ينظر إلى اليورانيوم كعنصر جامد لا يتحرّك، بل يتابع سيره وحركته، ويكوّن مفهوماً عنه في كلّ مرحلة من مراحله، فليس في ذلك موضع للنقاش، ولا يعني حركة ديالكتيكية في الحقائق والمفاهيم؛ فإنّ كلّ مفهوم نكوّنه عن مرحلة معيّنة من مراحل تطوّر اليورانيوم، ثابت ولا يتطوّر ديالكتيكياً إلى مفهوم آخر، وإنّما يضاف إليه مفهوم جديد. وفي نهاية المطاف نملك عدّة من المفاهيم والحقائق الثابتة، يصوّر كلّ منها درجة خاصّة من الواقع الموضوعي، فأين الجدل والديالكتيك في الفكر؟! وأين ذلك المفهوم الذي يتطوّر طبيعياً تبعاً لتطوّر الواقع الخارجي؟!
هذا كلّ ما يتّصل بالمحاولة الماركسية الاولى وتفنيدها.
المحاولة الثانية- التي اتّخذتها الماركسية للتدليل على ديالكتيك الفكر وتطوّره هي: أنّ الفكر أو الإدراك ظاهرة من ظواهر الطبيعة، ونتاج عالٍ للمادّة، وبالتالي جزء من الطبيعة، فتحكمه نفس القوانين التي تسيطر على الطبيعة، ويتحرّك وينمو ديالكتيكياً، كما تتحرّك وتنمو جميع ظواهر الطبيعة.
ويلزمنا أن ننبّه على أنّ هذا الدليل يختلف عن الدليل السابق: ففي المحاولة السابقة كانت الماركسية تبرهن على وجود الحركة في الفكر عن طريق كونه انعكاساً للواقع المتحرّك، والانعكاس لا يحصل بصورة تامّة إذا لم ينعكس‏

270

الميتا فيزيقيين إذا كوّنوا مفهوماً عن الطبيعة في مرحلة من مراحلها جمّدوا أفكارهم، وأوقفوا بحوثهم، واعتبروا ذلك المفهوم كافياً لاستكناه أسرار الطبيعة في شتّى مراحلها، فإنّا لا نعرف عاقلًا يكتفي- مثلًا- بالمفهوم العلمي الذي يكوّنه عن البويض، فلا يتابع سير الكائن الحيّ في المرحلة الثانية، ويكتفي بما كوّنه من المفهوم العلمي عنه في تلك المرحلة المعيّنة.
فنحن- إذن- نؤمن بتطوّر الطبيعة، ونرى من الضروري دراستها في كلّ دور من أدوار نموّها وحركتها، وتكوين مفهوم عنه، وليس هذا من مختصّات الديالكتيك. وإنّما الذي يرفضه التفكير الميتافيزيقي هو: وجود حركة ديناميكية طبيعية في كلّ مفهوم ذهني. فالميتا فيزيقية تطالب بالتمييز بين البويض، ومفهومنا العلمي عنه: فالبويض يتطوّر وينمو طبيعياً، فيغدو نطفة ثمّ جنيناً. وأمّا مفهومنا الذهني عنه، فهو مفهوم ثابت لا يمكن أن ينمو ويصير نطفة في حال من الأحوال، وإنّما يجب لأجل معرفة (ما هي النطفة؟) أن نكوّن مفهوماً آخر على ضوء مراقبة البويض في مرحلة جديدة. فمثل التفكير في ذلك كمثل الشريط السينمائي الذي يلتقط عدداً من الصور المتلاحقة، فليست الصورة الاولى في الشريط هي التي تتطوّر وتتحرّك، وإنّما التتابع بين الصور هو الذي يشكّل الشريط السينمائي.
وعلى هذا فالإدراك البشري لا يعكس الواقع، إلّاكما يعكس الشريط ألوان الحركة والنشاط التي يحفل بها الفيلم السينمائي. فالإدراك لا يتطوّر ولا ينمو ديالكتيكياً تبعاً للواقع المنعكس، وإنّما يجب تكوين إدراك ثابت في كلّ مرحلة من مراحل الواقع.
ولنأخذ مثالًا آخر من عنصر (اليورانيوم) الذي يشعّ بأشعّة (ألفا) و (بيتا) و (جاما)، ويتحوّل بالتدريج إلى عنصر آخر أخفّ منه في وزنه الذرّي، وهو:

عنصر (الراديوم) الذي يتحوّل بدوره وبالتدريج إلى عنصر أخفّ منه، ويمرّ في‏

269

الأشياء الموضوعية مفاهيمها وماهياتها، والمفهوم الذي ينعكس فيه عن تلك الأشياء يختلف عن الواقع الخارجي في الوجود والخصائص.
فالعالِم يمكنه أن يكوّن فكرة علمية دقيقة عن الميكروب وتركيبه، ونشاطه الخاصّ وتفاعلاته مع جسم الإنسان، ولكنّ الفكرة مهما كانت دقيقة ومفصّلة، لا توجد فيها خواصّ الميكروب الخارجي، ولا يمكنها أن تؤدّي نفس الدور الذي يؤدّيه واقعها الموضوعي. والفيزيائي قد يكتسب مفهوماً علمياً دقيقاً عن ذرّة الراديوم، ويحدّد وزنها الذرّي، وعدد ما تحويه من كهارب، وشحنات سالبة وموجبة، وكمّية الإشعاع الذي ينبثق عنها، ونسبته العلمية الدقيقة إلى الإشعاع الذي ترسله ذرّات الاورانيوم، إلى غير ذلك من المعلومات والتفاصيل … غير أنّ هذا المفهوم مهما تعمّقنا فيه، أو تعمّق في الكشف عن أسرار عنصر الراديوم، لن يكتسب خواصّ الواقع الموضوعي، أي: خواصّ الراديوم، ولن يشعَّ الإشعاع الذي تولده ذرّات هذا العنصر، وبالتالي لن يتطوّر مفهومنا عن الذرّة إلى إشعاع، كما تتطوّر بعض الذرّات في المجال الخارجي.
وهكذا يتّضح: أنّ قوانين الواقع الموضوعي وخواصّه، لا توجد في الفكرة ذاتها. ومن تلك القوانين والخواصّ: الحركة، فهي وإن كانت من الخواصّ العامّة للمادّة، ومن قوانينها الثابتة، ولكنّ الحقيقة في ذهننا، أو الفكرة التي تعكس الطبيعة، لا توجد فيها تلك الخاصّية، فلا يجب في الفكرة الصحيحة أن تعكس الواقع الموضوعي بخصائصه وألوان نشاطه المختلفة، وإلّا لم نكن نملك فكرة حقيقية في جميع أفكارنا.
فالميتا فيزيقية، مع إيمانها بأنّ الطبيعة هي عالم الحركة والتطوّر الدائم، تختلف عن الديالكتيك، وترفض عموم قانون الحركة للمفاهيم الذهنية؛ لأنّها لا يمكن أن تتوفّر فيها جميع خصائص الواقع الموضوعي. وليس معنى هذا: أن‏

268

يدرسه من وجهة نظر تأريخية، من حيث هو عملية نموّ تطوّرية، إنّه يطابق التأريخ العامّ للمعرفة، يطابق تأريخ العلوم»[1].

ولا ريب أنّ الفكر والإدراك يصوّر الواقع الموضوعي لوناً من ألوان التصوير، ولكن هذا لا يعني أن تنعكس فيه حركة الواقع الموضوعي، فينمو ويتحرّك تبعاً له؛ وذلك:

أوّلًا: أنّ عالم الطبيعة- عالم التغيّر، والتجدّد، والحركة- يحتوي حتماً على قوانين عامّة ثابتة. وهذا ما لا يمكن لأيّ منطق إنكاره، إلّاإذا أنكر نفسه؛ لأنّ المنطق لا يمكن أن يكون منطقاً إلّاإذا أقام طريقته في التفكير، وفهم العالم على قوانين معيّنة ثابتة، وحتّى الديالكتيك يعتبر عدّة قوانين تسيطر على الطبيعة وتتحكّم فيها بصورة دائمة، ومنها قانون الحركة. فعالم الطبيعة- إذن- سواءٌ صحّ عليه المنطق البشري العامّ، أم منطق الديالكتيك والجدل، توجد فيه قوانين ثابتة تعكس حقائق ثابتة في دنيا الفكر وحقل المعرفة البشرية.

و الديالكتيكيون إزاء هذا الاعتراض بين أمرين: إمّا أن يعتبروا قانون الحركة ثابتاً ودائماً، فقد وجدت الحقيقة الدائمة إذن. وإمّا أن يكون نفس هذا القانون متغيّراً، فمعنى هذا: أنّ الحركة ليست دائمة، وأ نّها قد تتبدّل إلى ثبات، وتعود الحقائق ثابتة بعد أن كانت متحرّكة. وعلى كلا الحالين يكون الديالكتيك مرغماً على الاعتراف بوجود حقيقة ثابتة.

ثانياً: أنّ الفكر أو الإدراك أو الحقيقة لا تعكس الخصائص الواقعية للطبيعة، فقد سبق أن أوضحنا في (نظرية المعرفة) أنّ الذهن البشري يدرِك من‏

 

[1] المنطق الشكلي والمنطق الديالكتي: 12

267

المحاولة الاولى- أنّ الفكر أو الإدراك انعكاس للواقع الموضوعي، ولأجل أن يكون مطابقاً له يجب أن يعكس قوانينه وتطوّره وحركته. فالطبيعة تتطوّر وتتغيّر باستمرار طبقاً لقانون الحركة، ولا يمكن للحقيقة أن تصوِّرها في الذهن البشري إذا كانت مجمّدة ساكنة، وإنّما توجد الحقيقة في أفكارنا إذا اخذت هذه الأفكار على اعتبار أ نّها تنمو وتتطوّر ديالكتيكياً؛ لتكون مفاهيمنا عن الأشياء مواكبة للأشياء ذاتها.

ويحسن أن نلاحظ في هذا المجال النصوص الآتية:

«إنّ الواقع ينمو، والمعرفة التي تنشأ من هذا الواقع تعكسه وتنمو مثله، وتصبح عنصراً فعّالًا من عناصر نموّه. إنّ الفكر لا يُحدِث موضوعه، وإنّما الفكر يعكس الواقع الموضوعي ويطوِّره باكتشاف قوانين نموّه»[1].

«إنّ الفرق بين المنطق الشكلي والمنطق الديالكتي، ينحصر في واقع: أ نّهما يواجهان بصورة مختلفة المسألة الأساسية للمنطق، وهي: مسألة (الحقيقة). فمن وجهة نظر المنطق الديالكتي ليست (الحقيقة) شيئاً معطى مرّة واحدة لا غير، ليست شيئاً مكتملًا محدّداً مجمّداً ساكناً، بل الأمر خلاف ذلك. ف (الحقيقة) هي: عملية نموّ معرفة الإنسان للعالم الموضوعي»[2].

«يتناول المنطق الديالكتي الماركسي الشي‏ء الذي‏

 

[1] ما هي المادّية؟: 56

[2] المنطق الشكلي والمنطق الديالكتي: 9

266

الماركسيين؛ إذ لا تناقض ولا صراع، فيجب أن يوجد التعليل، وأن يكون التعليل بشي‏ء خارج حدود الطبيعة؛ لأنّ أيّ شي‏ء موجود في الطبيعة فوجوده حركة وتدرّج؛ إذ لا ثبات في عالم الطبيعة بموجب قانون الحركة العامّة، فلا يمكن أن نقف بالتعليل عند شي‏ء طبيعي.

النقطة الثانية- أنّ الحركة في الرأي الماركسي لا تقف عند حدود الواقع الموضوعي للطبيعة، بل تعمّ الحقائق والأفكار البشرية أيضاً. فكما يتطوّر الواقع الخارجي للمادّة وينمو، كذلك تخضع الحقيقة والإدراكات الذهنية لنفس قوانين التطوّر والنموّ التي تجري على دنيا الطبيعة، وعلى هذا الأساس لا توجد في المفهوم الماركسي للفكرة حقائق مطلقة.

قال لينين:

«فالديالكتيك هو إذن- في نظر ماركس- علم القوانين العامّة للحركة، سواءٌ في العالم الخارجي أم الفكر البشري»[1].

وعلى العكس من ذلك قانون الحركة العامّة في رأينا؛ فإنّه قانون طبيعي يسود عالم المادّة، ولا يشمل دنيا الفكر والمعرفة. فالحقيقة أو المعرفة لا يوجد فيها ولا يمكن أن يوجد فيها تطوّر بمعناه الفلسفي الدقيق، كما أوضحنا ذلك بكلّ جلاء في المسألة الاولى (نظرية المعرفة).

 

[محاولات الماركسيّة للاستدلال على ديالكتيك الفكر:]

 

وما نرمي إليه الآن من درس الحركة الديالكتيكية المزعومة في المعرفة أو الحقيقة، هو: استعراض المحاولات الرئيسية التي اتّخذتها الماركسية للاستدلال على ديالكتيك الفكر وحركته. وتتلخّص في ثلاث محاولات:

 

[1] ماركس، أنجلس والماركسية: 24

265

غير معقول؛ لأنّه يؤدّي إلى لون من التناقض‏[1]. وقد أوضح المحقّقون من الفلاسفة أ نّها نشأت من عدم الوعي الصحيح لمعنى التدرّج والوجود التدريجي‏[2].

ولمّا كنّا نعرف- الآن- بكلّ وضوح أنّ الحركة ليست صراعاً بين فعليات متناقضة دائماً، بل هي تشابك بين القوّة والفعل، وخروج تدريجي للشي‏ء من أحدهما إلى الآخر، نستطيع أن ندرك أنّ الحركة لا يمكن أن تكتفي ذاتياً عن السبب، وأنّ الوجود المتطوّر لا يخرج من القوّة إلى الفعل إلّالسبب خارجي، وليس الصراع بين التناقضات هو العلّة الداخلية لذلك؛ إذ ليست في الحركة وحدة للتناقضات والأضداد لتنجم الحركة عن الصراع بينها. فما دام الوجود المتطوّر في لحظة انطلاق الحركة خالياً من الدرجات أو النوعيات التي سوف يحصل عليها في مراحل الحركة، ولم يكن في محتواه الداخلي إلّاإمكان تلك الدرجات، والاستعداد لها، فيجب أن يوجد سبب لإخراجه من القوّة إلى الفعل، لتبديل الإمكان الثابت في محتواه الداخلي إلى حقيقة.

وبهذا نعرف أنّ قانون الحركة العامّة في الطبيعة يبرهن بنفسه على ضرورة وجود مبدأ خارج حدودها المادّية؛ ذلك أنّ الحركة بموجب هذا القانون هي:

كيفية وجود الطبيعة. فوجود الطبيعة عبارة اخرى عن حركتها وتدرّجها، وخروجها المستمرّ من الإمكان إلى الفعلية. وقد انهارت لدينا نظرية الاستغناء الذاتي للحركة بتناقضاتها الداخلية التي تنبثق الحركة عن الصراع بينها في زعم‏

 

[1] المباحث المشرقيّة 1: 549- 450، لفخر الدين الرازي

[2] الأسفار الأربعة 3: 26

264

إمكان الاجتماع بين النقائض والمتقابلات، الذي يفرض على الموجود المتطوّر التغيّر المستمرّ لدرجته وحدّه. وليس التناقض أو الديالكتيك المزعوم في الحركة إلّا باعتبار الخلط بين القوّة والفعل.
فالحركة في كلّ مرحلة لا تحتوي على درجتين، أو فعليتين متناقضتين، وإنّما تحتوي على درجة خاصّة بالفعل، وعلى درجة اخرى بالقوّة؛ ولذلك كانت الحركة خروجاً تدريجياً من القوّة إلى الفعل.
ولكنّ عدم الوعي الفلسفي الكامل هو الذي صار سبباً في تزوير مفهوم الحركة.
وهكذا يتّضح: أنّ قانون (نقض النقض)، وتفسير الحركة به، وكلّ ما احيط به ذلك من ضوضاء وضجيج وصخب وسخرية بالأفكار الميتافيزيقية التي تؤمن بمبدأ (عدم التناقض)، إنّ كلّ ذلك مردّه إلى المفهوم الفلسفي الذي عرضناه للحركة، والذي أساءت الماركسية فهمه، فاعتبرت تشابك القوّة والفعل أو اتّحادهما في جميع مراحل الحركة، عبارة عن اجتماع فعليات متقابلة، وتناقض مستمرّ، وصراع بين المتناقضات، فرفضت لأجل ذلك مبدأ (عدم التناقض)، وأطاحت بالمنطق العام كلّه.
وليست هذه المحاولة الماركسية هي الاولى في بابها؛ فإنّ بعض المفكّرين الميتا فيزيقيين حاولوا شيئاً من ذلك في التأريخ الفلسفي القديم مع فارق واحد، وهو: أنّ الماركسية أرادت أن تبرّر التناقض بهذه المحاولة، وأمّا اولئك فحاولوا أن يبرهنوا على سلبية إمكان الحركة، باعتبار انطوائها على التناقض.
وللفخر الرازي محاولة من هذا القبيل أيضاً، ذكر فيها: أنّ الحركة عبارة عن التدرّج، أي: وجود الشي‏ء على سبيل التدريج، وزعم أنّ التدرّج في الوجود

263

هذه النظرة بأ نّنا مغمورون في التناقضات، فالحركة نفسها هي تناقض. إنّ أبسط تغيّر ميكانيكي في المكان لا يمكن أن يحدث إلّابواسطة كينونة جسم ما، في مكان ما، في لحظة ما، وفي نفس تلك اللحظة كذلك، في غير ذلك المكان، أي:

كينونته وعدم كينونته معاً في مكان واحد، في نفس اللحظة الواحدة، فتتابع هذا التناقض تتابعاً مستمرّاً، وحلّ هذا التناقض حلًا متواقتاً مع هذا التتابع، هو ما يسمّى بالحركة»[1].

انظروا ما أسخف مفهوم الحركة في المادّية الجدلية، هذا المفهوم الذي يشرحه (أنجلز) على أساس (التناقض)، وهو لا يعلم أنّ درجتين من الحركة لو كانتا موجودتين بالفعل في مرحلة معيّنة منها، لما أمكن التطوّر، وبالتالي لجمدت الحركة؛ لأنّ الحركة انتقال للموجود من درجة إلى درجة، ومن حدّ إلى حدّ، فلو كانت الحدود والنقاط كلّها مجتمعة بالفعل، لما وجدت حركة، فمن الضروري أن لا تُفسَّر الحركة إلّاعلى ضوء مبدأ (عدم التناقض)، وإلّا- لو جاز التناقض- فمن حقّنا أن نتساءل: هل إنّ الحركة تنطوي على التغيّر في درجات الشي‏ء المتطوّر، والتبدّل في حدوده ونوعيّته أو لا؟ فإن لم يكن فيها شي‏ء من التغيّر والتجدّد، فليست هي حركة، بل هي جمود وثبات. وإن اعترفت الماركسية بالتجدّد والتغيّر في الحركة فلماذا هذا التجدّد إذا كانت المتناقضات كلّها موجودة بالفعل ولم يكن بينها تعارض؟

إنّ أبسط تحليل للحركة يطلعنا على أ نّها مظهر من مظاهر التمانع، وعدم‏

 

[1] ضد دوهرنك: 202