کتابخانه
21

4- النظام الإسلامي.
ويتقاسم العالم اليوم اثنان من هذه الأنظمة الأربعة: فالنظام الديمقراطي الرأسمالي هو أساس الحكم في بقعة كبيرة من الأرض، والنظام الاشتراكي هو السائد في بقعة كبيرة اخرى. وكلٌّ من النظامين يملك كياناً سياسيّاً عظيماً، يحميه في صراعه مع الآخر، ويسلِّحه في معركته الجبّارة التي يخوضها أبطاله في سبيل الحصول على قيادة العالم، وتوحيد النظام الاجتماعي فيه.
وأمّا النظام الشيوعي والإسلامي فوجودهما بالفعل فكري خالص. غير أنّ النظام الإسلامي مرّ بتجربة من أروع تجارب النُّظُم الاجتماعية وأنجحها، ثمّ عصفت به العواصف بعد أن خلا الميدان من القادة المبدئيّين أو كاد، وبقيت التجربة في رحمة اناس لم ينضج الإسلام في نفوسهم، ولم يملأ أرواحهم بروحه وجوهره، فعجزت عن الصمود والبقاء، فتقوَّض الكيان الإسلامي، وبقي نظام الإسلام فكرةً في ذهن الامّة الإسلامية، وعقيدةً في قلوب المسلمين، وأملًا يسعى إلى تحقيقه أبناؤه المجاهدون. وأمّا النظام الشيوعي فهو فكرة غير مُجرَّبة حتّى الآن تجربة كاملة، وإنّما تتّجه قيادة المعسكر الاشتراكي اليوم إلى تهيئة جوٍّ اجتماعي له، بعد أن عجزت عن تطبيقه حين ملكت زمام الحكم، فأعلنت النظام الاشتراكي، وطبّقته كخطوة إلى الشيوعية الحقيقية.
فما هو موضعنا من هذه الأنظمة؟
وما هي قضيّتنا التي يجب أن ننذر حياتنا لها، ونقود السفينة إلى شاطئها؟

20

البشري التي ترمي إلى إقامة البناء الاجتماعي وهندسته، ورسم خططه، ووضع ركائزه، وكان جهاداً مُرهِقاً يضجُّ بالمآسي والمظالم، ويزخر بالضحكات والدموع، وتقترن فيه السعادة مع الشقاء؛ كلّ ذلك لما كان يتمثّل في تلك الألوان الاجتماعية من مظاهر الشذوذ والانحراف عن الوضع الاجتماعي الصحيح.
ولولا ومضات شعَّت في لحظات من تأريخ هذا الكوكب، لكان المجتمع الإنساني يعيش في مأساة مستمرّة، وسبح دائم في الأمواج الزاخرة.
ولا نريد أن نستعرض الآن أشواط الجهاد الإنساني في الميدان الاجتماعي؛ لأنّنا لا نقصد بهذه الدراسة أن نؤرّخ للإنسانية المعذَّبة، وأجوائها التي تقلّبت فيها منذ الآماد البعيدة، وإنّما نريد أن نواكب الإنسانية في واقعها الحاضر، وفي أشواطها التي انتهت إليها؛ لنعرف الغاية التي يجب أن ينتهي إليها الشوط، والساحل الطبيعي الذي لا بدّ للسفينة أن تشقّ طريقها إليه، وترسو عنده؛ لتصل إلى السلام والخير، وتؤوب إلى حياة مستقرّة، يعمرها العدل والسعادة، بعد جهد وعناء طويلين، وبعد تطواف عريض في شتّى النواحي ومختلف الاتّجاهات.

المذاهب الاجتماعية:

إنّ أهمّ المذاهب الاجتماعية التي تسود الذهنية الإنسانية العامّة اليوم، ويقوم بينها الصراع الفكري أو السياسي على اختلاف مدى‏ وجودها الاجتماعي في حياة الإنسان، هي مذاهب أربعة:
1- النظام الديمقراطي الرأسمالي.
2- النظام الاشتراكي.
3- النظام الشيوعي.

19

المسألة الاجتماعية

مشكلة العالم التي تملأ فكر الإنسانية اليوم وتمسُّ واقعها بالصميم هي:
مشكلة النظام الاجتماعي التي تتلخّص في محاولة إعطاء أصدق إجابة عن السؤال الآتي:
ما هو النظام الذي يصلح للإنسانية، وتسعد به في حياتها الاجتماعية؟
ومن الطبيعي أن تحتلّ هذه المشكلة مقامها الخطير، وأن تكون في تعقيدها وتنوّع ألوان الاجتهاد في حلّها مصدراً للخطر على الإنسانية ذاتها؛ لأنّ النظام داخل في حساب الحياة الإنسانية، ومؤثِّر في كيانها الاجتماعي في الصميم.
وهذه المشكلة عميقة الجذور في الأغوار البعيدة من تأريخ البشرية، وقد واجهها الإنسان منذ نشأت في واقعه الحياة الاجتماعية، وانبثقت الإنسانية الجماعية تتمثّل في عِدّة أفراد تجمعهم علاقات وروابط مشتركة. فإنّ هذه العلاقات التي تكوّنت تحقيقاً لمتطلّبات الفطرة والطبيعة، في حاجة- بطبيعة الحال- إلى توجيه وتنظيم، وعلى مدى انسجام هذا التنظيم مع الواقع الإنساني ومصالحه يتوقّف استقرار المجتمع وسعادته.
وقد دفعت هذه المشكلة بالإنسانية في ميادينها الفكرية والسياسية إلى خوض جهاد طويل، وكفاح حافل بمختلف ألوان الصراع، وبشتّى مذاهب العقل‏

18

17

تمهيد

المسألة الاجتماعيّة.
الديمقراطيّة الرأسماليّة.
الاشتراكيّة والشيوعيّة.
الإسلام والمشكلة الاجتماعيّة.

16

15

ضوء القوانين الفلسفية، وفي ضوء مختلف العلوم الطبيعية والإنسانية.
وأمّا الحلقة الأخيرة فندرس فيها مشكلة من أهمّ المشاكل الفلسفية، وهي:
«الإدراك»، الذي يمثّل ميداناً مُهِمّاً من ميادين الصراع بين المادّية و الميتا فيزيقية. وقد عولج البحثُ [فيها] على أساسٍ فلسفيٍّ، وفي ضوء مختلف العلوم ذات الصلة بالموضوع: من طبيعية، وفسيولوجية، وسيكولوجية.
هذا هو الكتاب في مخطّط إجمالي عامّ، تجده الآن بين يديك نتيجة جهود متظافرة طيلة عشرة أشهر، أدّت إلى إخراجه كما ترى. وكلُّ أملي أن يكون قد أدّى‏ شيئاً من الرسالة المقدّسة بأمان وإخلاص.
وأرجو من القارئ العزيز أن يدرس بحوث الكتاب دراسة موضوعية بكلّ إمعان وتدبُّر، تاركاً الحكم له أو عليه إلى ما يملك من المقاييس الفلسفية والعلمية الدقيقة، لا إلى الرغبة والعاطفة. ولا احبّ له أن يطالع الكتاب كما يطالع كتاباً روائيّاً، أو لوناً من ألوان الترف العقلي والأدبي، فليس الكتاب رواية ولا أدباً أو ترفاً عقليّاً، وإنّما هو في الصميم من مشاكل الإنسانية المفكِّرة.
وما توفيقي إلّاباللَّه عليه توكّلت وإليه انيب.

محمّد باقر الصدر
النجف الأشرف‏
29 ربيع الثاني 1379 ه

14

وهدفنا الأساسي من هذا البحث هو: تحديد منهج الكتاب في المسألة الثانية؛ لأنّ وضع مفهوم عامّ للعالم يتوقّف- قبل كلّ شي‏ء- على تحديد الطريقة الرئيسية في التفكير، والمقياس العامّ للمعرفة الصحيحة، ومدى قيمتها؛ ولهذا كانت المسألة الاولى في الحقيقة بحثاً تمهيديّاً للمسألة الثانية. والمسألة الثانية هي المسألة الأساسية في الكتاب التي نلفت القارئ إلى الاهتمام بها بصورة خاصّة.
والبحث في المسألة الثانية يتسلسل في حلقات خمس:
ففي الحلقة الاولى نعرض المفاهيم الفلسفية المتصارعة في الميدان، وحدودها. ونقدّم بعض الإيضاحات عنها.
وفي الحلقة الثانية نتناول الديالكتيك بصفته أشهر منطق ترتكز عليه المادّية الحديثة اليوم، فندرسه دراسة موضوعية مفصّلة بكلِّ خطوطه العريضة التي رسمها هيجل وكارل ماركس الفيلسوفان الديالكتيكيان.
وفي الحلقة الثالثة ندرس مبدأ العلّية وقوانينها التي تسيطر على العالم، وما تقدّمه لنا من تفسير فلسفي شامل له، ونعالج عدّة شكوك فلسفية نشأت في ضوء التطوّرات العلمية الحديثة.
وننتقل بعد ذلك إلى الحلقة الرابعة: المادّة أو اللَّه، وهو البحث في المرحلة النهائية من مراحل الصراع بين المادّية والإلهية، لنصوغ مفهومنا الإلهي للعالم في‏

13

بسم اللَّه الرحمن الرحيم‏

كلمة المؤلّف‏

فلسفتنا هو: مجموعة مفاهيمنا الأساسية عن العالم، وطريقة التفكير فيه؛ ولهذا كان الكتاب- باستثناء التمهيد- ينقسم إلى بحثين: أحدهما نظرية المعرفة، والآخر المفهوم الفلسفي للعالم.

ومسؤولية البحث الأوّل في الكتاب تتلخّص فيما يلي:

أوّلًا- الاستدلال على المنطق العقلي القائل بصحّة الطريقة العقلية في التفكير، وإنّ العقل بما يملك من معارف ضرورية فوق التجربة، هو المقياس الأوّل في التفكير البشري، ولا يمكن أن توجد فكرة فلسفية أو علمية دون إخضاعها لهذا المقياس العامّ، وحتّى التجربة التي يزعم التجريبيّون أ نّها المقياس الأوّل، ليست في الحقيقة إلّاأداة لتطبيق المقياس العقلي، ولا غنى للنظرية التجريبية عن الرصيد العقلي.

وثانياً- درس قيمة المعرفة البشرية، والتدليل على أنّ المعرفة إنّما يمكن التسليم لها بقيمة على أساس المنطق العقلي، لا المنطق الديالكتيكي الذي يعجز عن إيجاد قيمة صحيحة للمعرفة[1].

 

[1] ولا يخفى أنّ المؤلّف قدس سره تكاملت أفكاره في بحث« نظريّة المعرفة» بعد تأليفه لهذا– الكتاب، وانتهى إلى تأسيس اتّجاه جديد في نظريّة المعرفة يختلف عن كلّ من الاتّجاهين التقليديّين اللذين يتمثّلان في« المذهب العقلي» و« المذهب التجريبي»، وقد عرض هذا الاتّجاه الجديد في كتابه القيّم« الاسس المنطقيّة للاستقراء»، وسمّى ذلك ب« المذهب الذاتي للمعرفة» تمييزاً له عن المذهبين الآخرين، وحاول فيه إعادةَ بناء نظريّة المعرفة على أساس جديد، ودراسةَ نقاطها الأساسيّة في ضوءٍ يختلف اختلافاً جذريّاً عمّا قدّمه في القسم الأوّل من هذا الكتاب.( لجنة التحقيق)