کتابخانه
233

لا تتوضّأ ولا تغتسل من جنابة، قال: «لا بأس، تغسل يديها»[1].

ومعتبرة العيص، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن مؤاكلة اليهوديّ والنصرانيّ والمجوسي؟ فقال: «إذا كان من طعامك وتوضَّأَ فلا بأس»[2].

فإنّ الظاهر منها- خصوصاً الاولى- التسليم بالسراية والانفعال، مع أنّ يد الكتابيّ ليست عين النجاسة، وإلّا لم يجب غسلها، ولا يحتمل أن يكون الأمر بغسلها بلحاظ الحزازة المعنوية؛ لأنّها لا ترتفع عن جسم الكافر بالغسل، فمثل هذه الروايات تدلّ على منجّسية المتنجّس.

هذا، ولكن يمكن أن يقال: إنّ غاية ما يستفاد منها المفروغية عن ثبوت محذور السراية في فرض عدم غسل الكتابيّ ليده، لكن ما هو هذا المحذور؟

وهل هو منجّسيته لكلّ ما يلاقيه، أو لخصوص المائعات والأطعمة المائعة، والتي هي في معرض مساورة الجارية أو المؤاكل المشارك للإنسان في طعامه وشرابه؟

فلا يمكن إثبات الأوّل من هذين الوجهين بالتمسّك بالإطلاق؛ لعدم تصدّي الروايات المذكورة لإثبات التنجيس ليتمسّك بإطلاقها لإثبات التنجيس المطلق، وإنّما يفهم منها أنّ الجارية أو المؤاكل في معرض التنجيس، وإنّ ذلك هو نكتة أمرهما بغسل اليد، ويكفي في صدق هذه المعرضية كون المتنجّس منجِّساً للمائع والأطعمة المائعة، حيث إنّ خدمة الجارية تستدعي عادةً الإتيان بماء الوضوء ونحو ذلك، ومؤاكلة الكتابيّ تستدعي التناول من كلّ ما على المائدة المشتملة غالباً على بعض المائعات.

ومن جملة الروايات: رواية حكم بن حكيم، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام- في‏

 

[1] وسائل الشيعة 3: 422، الباب 14 من أبواب النجاسات، الحديث 11.

[2] وسائل الشيعة 3: 497، الباب 54 من أبواب النجاسات، الحديث 1.

232

ومن جملة الروايات: ما ورد فيها [النهي‏] عن مصافحة الكتابيّ والأمر بغسل اليد منها[1].

وتقريب الاستدلال بها: أ نّها إذا حملت على النجاسة الذاتية للكافر- كما عليه المشهور- فهي أجنبية عن محلّ الكلام، ولكن لو فرض تقديم مادلّ على الطهارة الذاتية تعيَّن حمل هذه الروايات: إمّا على أصالة النجاسة العَرَضية في الكافر، أو على التنزّه الاستحبابي؛ لاحتمال النجاسة، وعلى كلا التقديرين يتمّ الاستدلال في المقام.

أمّا على الأوّل فلأنّ المتنجّس الأوّل لو لم يكن منجّساً لم يكن فرض النجاسة العَرَضية للكافر يستتبع نجاسة الملاقي.

وأمّا على الثاني فلأنّ التنزّه المذكور معناه عرفاً رعاية احتمال السراية من باب الاحتياط؛ للشكّ في تنجّس الكافر دائماً، فلو لم يكن المتنجّس منجّساً لم يكن معنىً لهذا التنزّه.

ويمكن الجواب على ذلك: بأنّ هذا فرع أن نستظهر كون المحذور الملحوظ لزومياً أو تنزيهياً هو النجاسة بالمعنى المقصود في المقام، وأمّا إذا احتملنا عرفاً أنّ الأمر بالاجتناب وغسل اليد تنزيه بلحاظ حزازةٍ معنويةٍ فلا ينعقد للأمر بالغسل ظهور في الإرشاد إلى النجاسة كي يدلّ على المقصود في المقام.

وهناك طائفة من روايات مساورة الكتابيّ لا يتطرّق إليها هذا الإيراد، وهي التي امر فيها الكتابيّ نفسه بأن يغسل يده، كمعتبرة إبراهيم بن أبي محمود، قال: قلت للرضا عليه السلام: الجارية النصرانية تخدمك وأنت تعلم أ نّها نصرانية

 

[1] وسائل الشيعة 3: 420، الباب 14 من أبواب النجاسات، الحديث 5.

231

ولعلّ هذه الرواية من أقوى روايات الباب، مع أنّني لم أرَ من استدلّ بها في المقام، وفقرة الاستدلال فيها الجزء الأخير منها، حيث حكم الإمام عليه السلام بعدم الصلاة على الموضع القذر مع رطوبة الرِجل أو غير ذلك، حتّى لو كان الموضع قد يبس، ولكن بغير الشمس، ويتعيّن محذور ذلك في السراية، وحيث إنّ المفروض جفاف البول المساوق لزوال عين النجاسة فالسراية حينئذٍ تعني تنجيس المتنجّس الخالي من عين النجس إذا كان ملاقيه مرطوباً، وهو المقصود في المقام، وهذا الاستدلال تامّ، بل يمكن أن يقال بدلالة الرواية على تنجيس المتنجّس مطلقاً ولو كان متنجّساً بالواسطة، تمسّكاً بإطلاق قوله: «أو غير ذلك».
وبعبارةٍ اخرى: أنّ المراد ب «غير ذلك» ما كان منجّساً بالملاقاة، وحيث إنّ الرواية تثبت بالبيان السابق أنّ المتنجّس الأوّل ينجِّس فيكون لقوله:
«أو غير ذلك» إطلاق للمتنجّس الأوّل، فيثبت بالإطلاق أنّ الموضع القذر بملاقاة المتنجّس الأوّل منجّس أيضاً، وهو معنى أنّ المتنجّس الثاني منجّس أيضاً، وهكذا …
ولكن يندفع ذلك: بأنّ «غير ذلك» لا إطلاق فيه للمتنجّس الجامد الخالي من عين النجاسة؛ لأنّ الجامع المأخوذ هو القذر، حيث قال: «قذراً من البول أو غير ذلك»، وكون الموضع قذراً لا يشمل صورة ملاقاة الموضع لليد المتنجّسة الخالية من عين النجاسة حتّى لو قيل بالسراية؛ لأنّ السراية الحكمية لا تحقّق عنوان القذارة عرفاً، وحمل القذارة في قوله: «قذراً» على القذارة الحكمية عناية محتاجة إلى القرينة، خصوصاً أنّ مناسبات العاطف والمعطوف حين يذكر البول ويقال: «أو غير ذلك» تناسب أن يراد ما هو من قبيل البول من القذارات العينية، ولا أقلّ من احتمال ذلك بنحوٍ يوجب الإجمال، وعدم تعيّن إرادة مطلق النجس من كلمة «الغير» بعد وضوح عدم إرادة الغير على إطلاقه.

230

اليبوسة بالشمس أو بغيرها، فهذه صور أربع منفيّ عنها البأس بالمنطوق. وتدلّ مفهوماً على البأس في الصلاة على البارية غير اليابسة، سواء السجود عليها أو بدونه، وما هو لازم بلحاظ دليل بطلان السجود على النجس تقييد إطلاق المنطوق بإخراج صورةٍ واحدةٍ من الصور الأربع، وهي صورة السجود على البارية مع كون اليبوسة بغير الشمس، وما هو محطّ الاستدلال إطلاق المفهوم لصورة الصلاة على البارية غير اليابسة من دون سجودٍ عليها، فلا موجب لسقوط دلالة الرواية.

قلنا: إنّ عنوان الصلاة على البارية ظاهر في الصلاة المشتملة على السجود عليها أيضاً، لا في مجرّد اتّخاذها موقفاً، ولو سلّم الإطلاق فليس ما ذكر من لزوم الاقتصار في التصرّف على إخراج صورةٍ واحدةٍ من الصور الأربع للمنطوق صحيحاً؛ لأنّ هذا معناه: أنّ الصور الثلاث الباقية تحت إطلاق الرواية لا يكون الحكم بنفي البأس فيها ثابتاً بلحاظ عنوانٍ كلّيٍّ واحد، بل نفي البأس في صورة الصلاة بلا سجودٍ بلحاظ مطلق الجفاف، ونفيه في صورة الصلاة مع السجود بلحاظ الجفاف بالشمس، وليس هذا من التقييد العرفيّ بشي‏ء، وهذا بخلاف ما إذا قيِّدت اليبوسة باليبوسة بالشمس بلحاظ تمام مورد السؤال، ومعه يسقط الاستدلال.

ومن جملة روايات التنجيس: معتبرة عمّار، وقد جاء فيها: «إذا كان الموضع قذراً من البول أوغير ذلك فأصابته الشمس ثمّ يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة، وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطباً فلا يجوز الصلاة حتّى ييبس، وإن كانت رجلك رطبةً وجبهتك رطبةً أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصلِّ على ذلك الموضع حتّى ييبس، وإن كان غير الشمس أصابه حتّى ييبس فإنّه لا يجوز ذلك»[1].

 

[1] وسائل الشيعة 3: 452، الباب 29 من أبواب النجاسات، الحديث 4.

229

ولا إشكال في دلالتها- كما تقدّم‏[1]– على منجّسية المائع القذر، وأمّا دلالتها على منجّسية الجامد المتنجّس فقد تدّعى‏ بتقريب: أنّ الجواب يدلّ بمفهومه على البأس في الصلاة على البارية المذكورة مع عدم الجفاف، ولا وجه لذلك إلّا السراية والتنجيس؛ لأنّ الصلاة على البارية أعمّ من السجود عليها، فحمل البأس على محذور نجاسة موضع الجبهة خلاف إطلاق العنوان، فتدلّ الرواية على منجّسية البارية.

والتحقيق: أنّ عنوان «أيصلّى عليه»: تارةً يقال بأ نّه ظاهر في إيقاع الصلاة بتمامها عليه بما فيها السجود. واخرى يقال بأ نّه ظاهر في اتّخاذه مكاناً للمصلّي، ومطلق من حيث إنّه يسجد عليه أوْ لا.

فعلى الأوّل يتعيّن تقييد اليبوسة في جواب الإمام عليه السلام بالجفاف الناشئ من الشمس؛ لئلّا يلزم الترخيص في السجود على النجس الجافّ، ومعه يسقط الاستدلال بالمفهوم؛ لأنّ البأس في المفهوم يكون بلحاظ وقوع السجود على النجس.

وعلى الثاني قد يقال بأنّ الأمر دائر بين تقييد العنوان المذكور في السؤال بفرض عدم السجود على البارية، أو تقييد اليبوسة في الجواب باليبوسة بالشمس، إذ مع عدم التقييدين يلزم جواز السجود على النجس، والاستدلال إنّما يتمّ لو قدِّم التقييد الأوّل على الثاني، مع أ نّه بلا موجب، فيسقط الاستدلال بالرواية.

فإن قيل: إنّ الرواية لو خلّيت ونفسها تدلّ منطوقاً على نفي البأس في الصلاة على البارية اليابسة، سواء مع السجود عليها أو بدونه، وسواء كانت‏

 

[1] تقدّم في الصفحة 218.

228

ملاقيه، وأولوية الفرض الأوّل بالتنجيس كما عليه السيّد الاستاذ، بل المفروغية عنه فلا يمكن الاستدلال بالرواية على التنجيس في فرض جفاف المتنجّس ورطوبة الملاقي، وعلى أيّ حالٍ فالرواية ساقطة سنداً ولا يمكن التعويل عليها.

ومن جملة الروايات: معتبرة الأحول، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف، ثمّ يطأ بعده مكاناً نظيفاً، قال: «لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعاً أو نحو ذلك»[1]. ومثلها روايات اخرى في نفس الباب.

وتقريب الاستدلال بها: أ نّها دلّت على تنجّس الرِجل بالأرض المتنجّسة التي عبّر عنها بالموضع الذي ليس بنظيف، وهو عنوان يشمل المتنجّس الخالي من عين النجس، بل طبيعيّ المتنجّس، ولو بالمتنجّس لصدق عنوان «ليس بنظيف» على ذلك جميعاً.

ويرد عليه- بعد تسليم أنّ النظافة هنا في مقابل القذارة الحكمية لا العينية-: أنّ الرواية سؤالًا وجواباً ليست ناظرةً إلى أصل سراية النجاسة من المتنجّس الجامد إلى ملاقيه إثباتاً ونفياً ليتمسّك بإطلاقها لفرض المتنجّس الخالي من عين النجس، بل قد فرض فيها الفراغ عن سراية النجاسة من الأرض المتنجّسة إلى الرِجل، وتمام النظر متّجه إلى مسألة مطهّرية الأرض النظيفة وحدودها، ولهذا تصدّى الإمام عليه السلام إلى بيان الحدّ الذي يحصل به التطهير.

ومن جملة الروايات: روايات بلِّ القصب التي تقدّم الاستدلال بها في الجهة الاولى، كمعتبرة عليّ بن جعفر: سألته عن البواري يبلّ قصبها بماءٍ قذرٍ أيصلّى‏ عليه قال: «إذا يبست فلا بأس»[2].

 

[1] وسائل الشيعة 3: 457، الباب 32 من أبواب النجاسات، الحديث 1.

[2] وسائل الشيعة 3: 453- 454، الباب 30 من أبواب النجاسات، الحديث 2.

227

يصنع بهما وهو ثخين كثير الحشو؟ قال: «يغسل ما ظهر منه في وجهه»[1].

وتقريب الاستدلال كما تقدّم في الطائفة السابقة، حيث إنّ الفراش المتنجّس لو لم يكن موجباً للتنجيس لم يكن هناك موجب للاهتمام بتطهيره.

ويمكن أن يناقش: بأنّ الحيثية الموجبة للاهتمام لم تذكر في هذه الروايات، وإنّما فرغ عن وجود داعٍ للتطهير، وبيّنت كيفيته، فلعلّه لأجل التحفّظ على طهارة مكان المصلّي، وهي إن لم تكن شرطاً في مكان المصلّي بعنوانها- كما ذهب إلى ذلك فقهاء العامّة في الجملة- فلا شكّ في كونها أدباً من الآداب المركوزة في أذهان المتشرّعة، إذ يهتمّون بالصلاة في مكانٍ نظيفٍ بقطع النظر عن محذور السراية.

ومن جملة ما يستدلّ به في المقام أيضاً: رواية معلّى بن خنيس المتقدّمة[2] في الجهة الاولى إذا حمل الضمير في قوله: «أمرّ عليه حافياً»، أي على الطريق، لا على الماء، إذ على الثاني تدلّ على تنجيس المائع المتنجّس كما تقدّم. وأمّا على الأوّل فتدلّ على تنجيس الجامد: إمّا لاستظهار كون المنجّس نفس العنوان المأخوذ في السؤال وهو الطريق، أو لإطلاقه لفرض امتصاص الطريق للماء وعدم بقاء عينه مع وجود النداوة.

وقد يعيّن الأوّل بقرينة قوله عليه السلام: «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً»، فإنّ هذا التعليل وإن كان لا يخلو من إجمالٍ ولكن بعد حمله على أنّ الأرض يطهّر بعضها ما يتنجّس بالبعض الآخر يناسب الاحتمال الأوّل حينئذٍ.

ولكن إذا احتمل الفرق في تنجيس المتنجّس بين فرض الرطوبة فيه أو في‏

 

[1] وسائل الشيعة 3: 400، الباب 5 من أبواب النجاسات، الحديث 1.

[2] وسائل الشيعة 3: 458، الباب 32 من أبواب النجاسات، الحديث 3.

226

مفروغ عنه، حيث فرغنا في الجهة السابقة عن أنّ المائع مطلقاً، أو خصوص غير الماء المطلق منه يتنجّس بالمتنجّس، وإنّما البحث الآن في منجّسية المتنجّس الجامد للجامد، فيكفي فائدةً لأوامر غسل الآنية التخلّص عن محذور السراية في المائعات التي توضع في الإناء ويلاقيها، والذي هو أمر شائع في استعمالات الأواني في الأمراق ونحوها.

الوجه الثاني: لو قطعنا النظر عمّا تقدّم وافترضنا أنّ الآنية في معرض الملاقاة مع الجوامد لا المائعات فيمكن القول أيضاً بأنّ هذه الروايات لا تدلّ على أنّ الآنية تنجّس الجامد مطلقاً، بل تدلّ على أنّ التنجيس بمقدارٍ مصحّح للفائدة من الأمر بالغسل عرفاً، ويكفي لذلك افتراض التنجيس في حالة كون الرطوبة في نفس الآنية، بناءً على ما نقلناه عن السيّد الاستاذ[1] من: أنّ التنجيس في هذا الفرض مفروغ عنه، فاذا كان مفروغاً عنه حقّاً فليكن هذا المقدار كافياً لإخراج الأمر بغسل الآنية عن اللغوية، فلا موجب لإثبات التنجيس في فرض كون الرطوبة في الملاقي، الذي ادّعي أ نّه هو محلّ الكلام. نعم، إذا بني على عدم احتمال الفرق بين الصورتين عرفاً لم يتمَّ هذا البيان.

ومن جملة الروايات التي قد يستدلّ بها لإثبات تنجيس المتنجّس الجامد:

ما ورد من الأخبار في بيان كيفية غسل الفراش، من قبيل معتبرة إبراهيم بن أبي محمود، قال: قلت للرضا عليه السلام: الطنفسة[2] والفراش يصيبهما البول كيف‏

 

[1] التنقيح 2: 227، وراجع الصفحة 223 من هذا الجزء.

[2] الطِنْفِسة- بكسرتين في اللغة العالية، واقتصر عليها جماعة منهم ابن السكِّيت، وفي لغةٍبفتحتين-، وهي بساط له خمل رقيق، وقيل: هو ما يجعل تحت الرحل على كتفي البعير، والجمع طنافس، المصباح المنير( مادة الطنفسة).

225

أمّا أوّلًا: فلأنّ بعض القذارات المفروضة في مورد هذه الأوامر ليس ممّا تبقى‏ منه أجزاءٌ في الإناء عادةً، من قبيل الميتة الملاقية للإناء مثلًا.

وثانياً: لأنّ بعض هذه الروايات قد أمرت بالغسل مراراً، مع أ نّه لو كان النظر إلى مجرّد إزالة عين النجس وأجزائه، لا زوال النجاسة الحكمية، كفى‏ في ذلك الغسل مرّةً واحدة، حيث لا تبقى الأجزاء العينية العرفية عادةً بعد الغسلة الاولى.

وثالثاً: أنّ هذا على خلاف موضوعية عنوان الغسل، الذي هو الميزان دائماً لاستفادة النجاسة الحكمية، فإنّ حمل هذا العنوان على أ نّه مجرّد طريقٍ إلى إزالة الأجزاء العينية خلاف المتفاهم العرفيّ والفقهي.

هذا، ولكنّ التحقيق مع ذلك عدم تمامية الاستدلال بهذه الطائفة من الأخبار على منجّسية المتنجّس الأوّل الجامد؛ وذلك لوجهين، يتمّ أحدهما مطلقاً وعلى جميع المباني، ويتمّ الآخر على مباني بعض الفقهاء كالسيّد الاستاذ[1]، على الرغم من استدلاله بتلك الطائفة.

أمّا الوجه الأوّل فحاصله: أنّ إثبات تنجيس الآنية بهذه الطائفة لم يكن بدلالةٍ لفظيةٍ كإطلاقٍ أو عمومٍ حتّى يتمسّك به، وإنّما كان بلحاظ قرينة الاقتضاء وصون كلام الشارع عن اللغوية العرفية.

ومن الواضح أنّ قرينة اللغوية ودلالة الاقتضاء لا تثبت المنجّسية المطلقة، بل مطلق المنجّسية، أي القضية المهملة التي هي في قوّة الجزئية، إذ يكفي ثبوت القضية الجزئية لإشباع هذه الدلالة.

وعندئذٍ نقول: إنّ ثبوت منجّسية الآنية في المقام بنحو القضية الجزئية

 

[1] التنقيح 2: 227.