الاسس المنطقية للاستقراء
13

العلميّة القيّمة على هذا الكتاب، التي تستهدف- في الغالب- تلبية الحاجات الضروريّة لتوضيح ما جاء ذكره في متن الكتاب، أو لتحصيل مفادٍ علميٍّ جديد، وبعضها يحمل طابع النقد والنقاش أيضاً، وقد وردت هذه التعليقات في هامش الكتاب مذيّلةً باسم (الحائري) تمييزاً لها عن الهوامش الصادرة من المؤلّف نفسه التي ذُيّلت باسم (المؤلّف قدس سره).
وقد استعانت لجنة التحقيق بسماحته أيضاً في تشخيص جملةٍ من الأخطاء الواقعة في الطبعة الاولى من غير ما جاء ذكره في جدول الخطأ والصواب المطبوع في حياة المؤلّف قدس سره، فجزاه اللَّه عن ذلك خير الجزاء.
2- اضيفت تعليقات علميّة اخرى في هامش الكتاب مذيّلةً باسم (لجنة التحقيق) في مواردَ عديدةٍ استجابةً للحاجة الضروريّة فيها إلى التوضيح والتبسيط حسب تشخيص اللجنة، ومن أهمّها التعليقات التي وُضعت- بالاسم المذكور- في بحث نظريّة (برنولي) الذي هو من أدقّ الأبحاث العلميّة في نظريّة الاحتمال، وذلك لتوضيح مراحل البحث المطروح في هذه النظريّة، وتقسيم كلّ مرحلةٍ منها إلى عدّة خطوات، لتسهيل الأمر على الباحثين.
3- تمّ تنظيم العناوين الرئيسيّة لأقسام الكتاب وفصوله- خصوصاً في القسم الثالث الذي هو القسم الموسّع والأساس منه- على طبق التقسيمات الواردة لمحتويات الكتاب في المقدّمة التي وضعها المؤلّف نفسه قدس سره، رغم أنّ تنظيمها الشكلي في الطبعة الاولى- وفي باقي الطبعات أيضاً- لا يتطابق تماماً مع ما جاء في تلك التقسيمات، فما يراه القارئ الكريم في هذه الطبعة من تغيير وتفاوت في هذا المجال عن ما جاء في الطبعات السابقة إنّما ينبع من اهتمام لجنة التحقيق وحرصها على إيجاد التطابق الفنّي بين عناوين الفصول وبين التقسيمات الواردة

12

بضمّها أخطاءَ كثيرةً اخرى إلى تلك الأخطاء[1].

ونحن إذا ضممنا كثرةَ الأخطاء هذه إلى ما أشرنا إليه من المستوى العلمي الرفيع لهذا الكتاب، والتفتنا أيضاً إلى أنّ كثيراً من الأخطاء لا يمكن تشخيصه إلّا بالفهم الدقيق للمعنى المراد بالعبارة، فسنعرف بذلك مدى خطورة التحقيق في هذا الكتاب، خصوصاً مع كثرة ما فيه من المعادلات الرياضيّة المبنيّة على لغة الرموز، والتي تستغرق جهوداً مضاعفة في مجال الضبط والتحقيق.

ولهذا قامت لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر قدس سره- بالإضافة إلى الجهود العامّة التي تبذلها في تحقيق جميع مؤلّفات هذا الإمام الشهيد رحمه الله- باهتمامٍ خاصٍّ بهذا الكتاب وعنايةٍ خاصّةٍ في تحقيقه.

ونحن حين نضع حصيلة الجهود المكثّفة والعناية الخاصّة المبذولة في المجال المذكور، بين يدي أرباب الفضيلة من قرّاء هذا الكتاب، نسترعي انتباهَهم إلى ما نعتقد ضرورة التفاتهم إليه في هذا المجال:

1- تمّت الاستفادة في مجال تحقيق هذا الكتاب- بقدر ما أمكن- من سماحة آية اللَّه السيّد كاظم الحسيني الحائري (حفظه اللَّه) الذي هو من أبرز تلامذة المؤلّف قدس سره، وكان مشاركاً له في معاناة اكتشاف الاسس المنطقيّة للاستقراء، كما صرّح به المؤلّف في إحدى رسائله الخطّية[2]، وقد أتحفنا بتعليقاته‏

 

[1] من قبيل ما وقع في طبعة« دار التعارف» من سقط ثلاثة أسطر كاملة من نهاية صفحة 193، والانتقال الغريب الحاصل لسطرٍ كامل من بداية صفحة 239 إلى أوّل صفحة 149، وغير ذلك

[2] شهيد الامّة وشاهدها 1: 152، الوثيقة 18

11

المنطقيّة للاستقراء) الذي يُعدّ دراسةً جديدة للاستقراء تستهدف اكتشاف الأساس المنطقي المشترك للعلوم الطبيعيّة وللإيمان باللَّه تبارك وتعالى، ويحمل خصائص وسمات تميّزه عن باقي مؤلّفات السيّد الشهيد قدس سره وآثاره القيّمة، وتفضي بنا إلى الإيمان بالأهميّة الخاصّة لهذا الكتاب.

ويؤكّد ما ذكرناه أنّ هذا الكتاب يبلور الإبداع الفكري الرفيع الذي توصّل إليه المؤلّف قدس سره من خلال دراسة المشاكل المنطقيّة والفلسفيّة التي تحوم حول «الاستقراء» وانتهى به إلى تأسيس اتّجاهٍ جديد في نظريّة المعرفة يختلف عن كلٍّ من الاتّجاهين التقليديّين اللذين يتمثّلان في «المذهب العقلي» و «المذهب التجريبي»، وقد سمّى ذلك ب «المذهب الذاتي للمعرفة» تمييزاً له عن المذهبين الآخرين، وحاول فيه إعادةَ بناء نظريّة المعرفة على أساسٍ جديد، ودراسةَ نقاطها الأساسيّة في ضوءٍ يختلف اختلافاً جذريّاً عمّا قدّمه في كتاب «فلسفتنا».

وكان الاستاذ الشهيد رحمه الله يعتزّ كثيراً بهذا الكتاب من بين كتبه الاخرى، ويراه معبّراً عن مستواه العلمي والفكري وحصيلةً لجهودٍ علميّةٍ مكثّفةٍ كان يعبّر عنها بحصيلة العمر[1].

وقد مُني هذا الكتاب- مع شديد الأسف- بكثرة الأخطاء المطبعيّة الواقعة فيه، حتّى بلغت الأخطاء الواقعة في الطبعة الاولى منه حوالي تسعين مورداً أكثرها من غير الأخطاء الواردة في جدول الخطأ والصواب المطبوع في حياة المؤلّف قدس سره، وفيها أخطاء مهمّة جدّاً من قبيل: سقط جملة، وسقط سطرٍ كامل، وزيادة عدّة أسطر، وغير ذلك. وأمّا الطبعات الاخرى فقد زادت في الطين بلّة

 

[1] شهيد الامّة وشاهدها 1: 96

10

5- استخراج المصادر التي استند إليها السيّد الشهيد بتسجيل أقربها إلى مرامه وأكثرها مطابقة مع النصّ؛ ذلك لأنّ المؤلّف يستخدم النقل بالمعنى- في عددٍ من كتبه وآثاره- معتمداً على ما اختزنته ذاكرته من معلومات أو على نوع من التلفيق بين مطالب عديدة في مواضع متفرّقة من المصدر المنقول عنه، وربما يكون بعض المصادر مترجماً وله عدة ترجمات؛ ولهذا تُعدّ هذه المرحلة من أشقّ المراحل.
6- إضافة بعض الملاحظات في الهامش للتنبيه على اختلاف النسخ أو تصحيح النصّ أو غير ذلك، وتُختم هوامش السيّد الشهيد بعبارة: (المؤلف قدس سره) تمييزاً لها عن هوامش التحقيق.
وكقاعدة عامّة- لها استثناءات في بعض المؤلّفات- يُحاول الابتعاد عن وضع الهوامش التي تتولّى عرض مطالب إضافيّة أو شرح وبيان فكرةٍ مّا أو تقييمها ودعمها بالأدلّة أو نقدها وردّها.
7- تزويد كلّ كتاب بفهرس موضوعاته، وإلحاق بعض المؤلفات بثبت خاص لفهرس المصادر الواردة فيها.
وقد بسطت الجهود التحقيقيّة ذراعيها على كلّ ما أمكن العثور عليه من نتاجات هذا العالم الجليل، فشملت: كتبه، وما جاد به قلمه مقدمةً أو خاتمةً لكتب غيره ثم طُبع مستقلًاّ في مرحلة متأخرة، ومقالاته المنشورة في مجلّات فكريّة وثقافيّة مختلفة، ومحاضراته ودروسه في موضوعات شتّى، وتعليقاته على بعض الكتب الفقهيّة، ونتاجاته المتفرّقة الاخرى، ثمّ نُظّمت بطريقة فنيّة واعيد طبعها في مجلّدات أنيقة متناسقة.
ومن جملة الكتب التي شملتها الجهود التحقيقيّة المذكورة كتاب (الاسس‏

9

ومن هنا كان في طليعة أعمال المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر إحياء تراثه العلمي والفكري بشكل يتناسب مع شأن هذا التراث القيّم.
وتدور هذه المهمّة الخطيرة- مع وجود الكمّ الكبير من التراث المطبوع للشهيد الصدر- في محورين:
أحدهما: ترجمته إلى ما تيسّر من اللغات الحيّة بدقّة وأمانة عاليتين.
والآخر: إعادة تحقيقه للتوصّل إلى النصّ الأصلي للمؤلّف منزّهاً من الأخطاء التي وقعت فيه بأنواعها من التصرّف والتلاعب والسقط … نتيجة كثرة الطبعات وعدم دقّة المتصدّين لها وأمانتهم، ثمّ طبعه من جديد بمواصفات راقية.
ونظراً إلى أنّ التركة الفكرية الزاخرة للسيّد الشهيد الصدر قدس سره شملت العلوم والاختصاصات المتنوّعة للمعارف الإسلاميّة وبمختلف المستويات الفكريّة، لذلك أوكل المؤتمر العالمي للشهيد الصدر مهمّة التحقيق فيها إلى لجنة علمية تحت إشراف علماء متخصّصين في شتّى فروع الفكر الإسلامي من تلامذته وغيرهم، وقد وُفّقت اللجنة في عرض هذا التراث بمستوى رفيع من الاتقان والأمانة العلميّة، ولخّصت منهجيّة عملها بالخطوات التالية:
1- مقابلة النسخ والطبعات المختلفة.
2- تصحيح الأخطاء السارية من الطبعات الاولى أو المستجدة في الطبعات اللاحقة، ومعالجة موارد السقط والتصرّف.
3- تقطيع النصوص وتقويمها دون أدنى تغيير في الاسلوب والمحتوى، أمّا الموارد النادرة التي تستدعي إضافة كلمة أو أكثر لاستقامة المعنى فيوضع المضاف بين معقوفتين.
4- تنظيم العناوين السابقة، وإضافة عناوين اخرى بين معقوفتين.

8

ويشقّ لها الطريق نحو نهضة فكرية إسلاميّة شاملة، وسط ركام هائل من التيّارات الفكرية المستوردة التي تنافست في الهيمنة على مصادر القرار الفكري والثقافي في المجتمعات الإسلاميّة، وتزاحمت للسيطرة على عقول مفكّريها وقلوب أبنائها المثقّفين.
لقد استطاع الإمام الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر قدس سره بكفاءةٍ عديمة النظير أن ينازل بفكره الإسلامي البديع عمالقة الحضارة الماديّة الحديثة ونوابغها الفكريّين، وأن يكشف للعقول المتحرّرة عن قيود التبعيّة الفكريّة والتقليد الأعمى، زيف الفكر الإلحادي، وخواء الحضارة الماديّة في اسسها العقائديّة ودعائمها النظريّة، وأن يثبت فاعليّة الفكر الإسلامي وقدرته العديمة النظير على حلّ مشاكل المجتمع الإنساني المعاصر، والاضطلاع بمهمّة إدارة الحياة الجديدة بما يضمن للبشريّة السعادة والعدل والخير والرفاه.
ثم إنّ الإبداع الفكري الذي حقّقته مدرسة الإمام الشهيد الصدر، لم ينحصر في إطار معيّن، فقد طال الفكر الإسلامي في مجاله العام، وفي مجالاته الاختصاصيّة الحديثة كالاقتصاد الإسلامي والفلسفة المقارنة والمنطق الجديد، وشمل الفكر الإسلامي الكلاسيكي أيضاً، كالفقه والاصول والفلسفة والمنطق والكلام والتفسير والتاريخ، فأحدث في كل فرع من هذه الفروع ثورةً فكريّة نقلت البحث العلمي فيه إلى مرحلة جديدة متميّزة سواء في المنهج أو المضمون.
ورغم مضيّ عقدين على استشهاد الإمام الصدر، ما زالت مراكز العلم ومعاهد البحث والتحقيق تستلهم فكره وعلمه، وما زالت الساحة الفكريّة تشعر بأمسّ الحاجة إلى آثاره العلميّة وإبداعاته في مختلف مجالات البحث والتحقيق العلمي.

7

كلمة المؤتمر:

بسم اللّه الرّحمن الرحيم‏

الحمد للَّه‏رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
منذ منتصف القرن العشرين، وبعد ليل طويل نشر أجنحته السوداء على سماء الامة الإسلامية لعدة قرون، فلفّها في ظلام حالك من التخلّف والانحطاط والجمود، بدأت بشائر الحياة الجديدة تلوح في افق الامّة، وانطلق الكيان الإسلامي العملاق- الذي بات يرزح تحت قيود المستكبرين والظالمين مدى قرون- يستعيد قواه حتى انتصب حيّاً فاعلًا قويّاً شامخاً بانتصار الثورة الإسلاميّة في إيران تحت قيادة الإمام الخميني قدس سره يقضّ مضاجع المستكبرين، ويبدّد أحلام الطامعين والمستعمرين.
ولئن أضحت الامّة الإسلاميّة مدينة في حياتها الجديدة على مستوى التطبيق للإمام الخميني قدس سره فهي بدون شك مدينة في حياتها الجديدة على المستوى الفكري والنظري للإمام الشهيد الصدر قدس سره، فقد كان المنظّر الرائد بلا منازع للنهضة الجديدة؛ إذ استطاع من خلال كتاباته وأفكاره التي تميّزت بالجدة والإبداع من جهة، والعمق والشمول من جهة اخرى، أن يمهّد السبيل للُامّة

6

5