ثالثاً: المقياس العمليّ العامّ الذي بَشَّر به الإسلام على أساس نظرته العامّة للحياة والكون، فما دام الإنسان مرتبطاً بخالقٍ وهبه الحياة وكلّ محتوياتها وإطاراتها المادية والمعنوية يجب أن يكون مقياسه في الحياة هو رضا اللَّه تعالى بأن يكيّف حياته طبقاً لرضاه جل شأنه: «وَ اتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ»[1]. وهذا المقياس العمليّ يشمل جميع الميادين العملية للإنسان من فرديةٍ أو اجتماعية، ويشمل مختلف الحقول الإجتماعية من سياسيةٍ واقتصاديةٍ وأخلاقية.
فالإسلام يحتِّم على الإنسان أن يسير في كلّ هذه المجالات طبقاً لرضا اللَّه سبحانه وتوجيهه. ويمتاز هذا المقياس عن أيّ مقياسٍ آخر يقدِّمه فلاسفة الأخلاق عادةً بمميّزاتٍ أساسية، فهو مقياس من النظرة الروحية العامة إلى الحياة والكون وليس مقياساً مرتجلًا، كما أ نّه يزيل كلّ تناقضٍ من الصعيد العملي، على عكس كثيرٍ من المقاييس التي يقدِّمها فلاسفة الأخلاق كاللذّة أو المنفعة ونحوهما من مفاهيم غائمةٍ أو غير محدّدة، فإنّ الناس في المجتمع الواحد يتناقضون في لذّاتهم ومنافعهم. كما تتناقض المجتمعات البشرية المختلفة في هذه المقاييس أيضاً، فما كان فيه منفعة فردٍ أو مجتمع أو كان ملذّاً لهما قد يكون مضرّاً بفردٍ أو بمجتمعٍ آخر. وإيمان الإنسانية بهذه المقاييس الخلقية الناقصة هو الذي جرّ عليها كثيراً من ألوان البلاء وألقى بها في دوامةٍ من الصراع والنزاع. وأمّا حين تأخذ الإنسانية بالمقياس العمليّ الذي ينادي به الإسلام فسوف يزول كلّ لونٍ من ألوان الصراع والتناقض، لأنّ رضا اللَّه تعالى لا يتناقض ولا يختلف.
وبهذا المقياس وحده يمكن إنشاء المجتمع المطمئن المتعاون الذي إن ساده شيء من روح التنافس فإنّما يوجد هذا التنافس على مقدار ما يحصل عليه من رضا اللَّه، وليس على مقدار ما يكسبه من المصالح الخاصّة والمنافع المادية.
[1] آل عمران: 174