بالأحرى دعوة إلى عقيدةٍ بكلّ ما تتطلّبه من مفاهيم وعواطف، وليست دعوةً فكريةً خالصةً تستهدف تطوير العقيدة طبقاً لها وتقف عند هذا الحدّ كالمذاهب الفلسفية المجرّدة، كما أ نّها ليست في مستوى الدعوات العاطفية المنخفضة التي تستغلّ العاطفة فحسب وتعني بتربيتها دون أن تقوم على اسسٍ فكريةٍ خاصّة، بل للدعوة الإسلامية طريقتها الخاصّة في مزج الفكرة بالعاطفة، وتفجير العواطف على أساسٍ فكري، وبذلك تبقى محتفظة بالطابع الفكري بالرغم من اهتمامها بالجانب العاطفي وتنميته في الشخصية الإسلامية، لأنّها تستوحي كلّ عاطفةٍ من مفهومٍ معيّنٍ من مفاهيمها عن الحياة، والكون والإنسان.
فالعواطف الإسلامية دائماً نتيجة المفاهيم والأفكار الإسلامية وانعكاسات انفعالية لها. ولهذا نجد أنّ الإسلام يهيّئ كلّ عقيدةٍ من عقائده وكلّ مفهومٍ من مفاهيمه ليكون ينبوعاً لعاطفةٍ خاصّةٍ تنسجم مع ذلك المفهوم أو تلك العقيدة وتتّفق وإيّاهما، كما وجدنا في الآية الكريمة كيف ربط بين الإيمان بالشريعة الحقّة والخشوع لها، هذا الخشوع الذي هو لون من الانفعال العاطفي يتطلّبه ذلك الإيمان ويصبح بدونه مجرّداً عن أيّة فعاليةٍ إيجابية.
والسبب في هذا الربط بين المفاهيم والعواطف في الإسلام واضح كلّ الوضوح؛ لأنّ الإسلام لا يريد المفاهيم والأفكار بمعزلٍ عن العمل والتطبيق، وإنّما يريدها قوىً دافعةً لبناء حياةٍ كاملةٍ في إطارها وضمن حدودها، ومن الواضح أنّ الأفكار والمفاهيم لا تصبح كذلك إلّاحين تتّخذ أشكالًا عاطفية، وحين تخلق الإنفعالات التي تناسبها والعواطف التي تساندها تتّخذ هذه العواطف موقفاً إيجابياً في توجيه الحياة العملية والسلوك العامّ. فمفهوم المساواة- مثلًا- الذي هو من أهمّ المفاهيم التي بشَّر بها الإسلام لا يمكن أن يثمر في الحقل العملي المثمر المطلوب ما لم تنبثق من هذا المفهوم عاطفة كعاطفة الاخوّة العامّة التي‏