کتابخانه
437

فهرس المصادر

1- القرآن الكريم.
2- الأسفار الأربعة (صدر الدين الشيرازي- صدر المتأ لّهين).
3- أفلاطون (د. مصطفى غالب) دار ومكتبة الهلال، 1988 م.
4- اسس الفلسفة (د. توفيق الطويل) دار النهضة العربيّة، القاهرة، الطبعة الرابعة 1964 م.
5- الإشارات والتنبيهات (ابن سينا) طهران، الطبعة الثانية 1403 ه.
6- الاسس المنطقيّة للاستقراء (السيّد الشهيد محمّد باقر الصدر).
7- اقتصادنا (السيّد الشهيد محمّد باقر الصدر).
8- اسس اللينينيّة (ستالين) طبع دار دمشق، نشر المكتبة الاشتراكيّة، سوريا.
9- أفلاطون (فالتزر) ترجمة: لجنة ترجمة دائرة المعارف الإسلاميّة، طبعة دار الكتاب اللبناني.
10- البيان الشيوعي (ماركس وأنجلس).
11- تاريخ الفلسفة اليونانيّة (يوسف كرم) دار القلم، بيروت- لبنان.
12- تاريخ الفلسفة الحديثة (يوسف كرم) دار المعارف- مصر 1966 م.
13- تاريخ العلوم عند العرب (عمر فرّوخ) دار العلم للملايين، بيروت. 1390 ه- 1970 م.

436

ومشاعرهم- بصورة آلية- عن طريق المنبّهات الخارجية.
نعم إنّ الإنسان قد يكيّف أفكاره تكييفاً اختيارياً بالبيئة والمحيط، كما نادت بذلك المدرسة الوظيفية في علم النفس تأثّراً بنظرية التطوّر عند (لامارك) في البيولوجيا، فكما أنّ الكائن الحيّ يتكيّف عضوياً تبعاً لمحيطه، كذلك الأمر في حياته الفكرية.
ولكنّا يجب أن نعلم:
أوّلًا- أنّ هذا التكيّف يوجد في الأفكار العملية التي وظيفتها تنظيم الحياة الخارجية، ولا يمكن أن يوجد في الأفكار التأمّلية التي وظيفتها الكشف عن الواقع. فالمبادئ المنطقية، أو الرياضية، وغيرهما من الأفكار التأمّلية، تنبع من العقل، ولا تتكيّف بمقتضيات البيئة الاجتماعية، وإلّا لكان مصير ذلك إلى الشكّ الفلسفي المطلق في كلّ حقيقة؛ إذ لو كانت الأفكار التأمّلية جميعاً تتكيّف بعوامل المحيط، وتتغيّر تبعاً لها، لم يؤمن على أيّ فكرة أو حقيقة من التغيّر والتبدّل.
ثانياً- أنّ تكيّف الأفكار العملية بمقتضيات البيئة وظروفها ليس آلياً، بل هو تكيّف اختياري، ينشأ من دوافع إرادية في الإنسان، تسوقه إلى جعل النظام المنسجم مع محيطه وبيئته، وبذلك يزول التعارض- تماماً- بين المدرسة الوظيفية، والمدرسة الغرضية في علم النفس.
وسوف ندرس في (مجتمعنا) طبيعة هذا التكيّف وحدوده في ضوء مفاهيم الإسلام عن المجتمع والدولة؛ لأنّه من القضايا الرئيسية في دراسة المجتمع وتحليله. وفي تلك الدراسة سنستوفي بتفصيل كلّ النواحي التي اختصرنا الحديث عنها في بحث الإدراك هذا.
وآخر دعوانا أنِ الحمد للَّه‏ربّ العالمين.

435

فلماذا لا يتذكّران الآن جميع أحاديثهما التي تبادلاها؟! ولماذا لا تقوم تلك الأحاديث بدور التنبيه والاستثارة؟!

ومثال آخر: تخرج من البيت وقد وضعت رسالة في حقيبتك، عازماً على وضعها في صندوق البريد، وأنت تتّجه نحو المدرسة، فتصادف في طريقك صندوقاً للبريد، فتدرك فوراً أنّ الكتاب لا بدّ من وضعه فيه، فتضعه فيه. ثمّ قد تمرّ بعد ذلك على عدّة صناديق للبريد فلا تسترعي انتباهك مطلقاً، فما هو المنبّه المثير لإدراكك عند رؤية أوّل صندوق للبريد؟! وقد تقول: إنّ المثير هو رؤية الصندوق نفسه، باعتبار أ نّك أشرطته بالمنبّه الطبيعي، فهو منبّه شرطي. ولكن كيف نفسّر غفلتنا عن الصناديق الاخرى؟! ولماذا زال الإشراط فوراً بمجرّد قضاء حاجتنا؟!

ففي ضوء الأمثلة تعرف أنّ الفكر نشاط إيجابي فعّال للنفس، وليس رهن ردود الفعل الفيزيولوجية، كما أ نّه ليس هو الواقع المباشر للّغة، كما زعمت الماركسية، بل اللغة أداة لتبادل الأفكار، وليست هي المكوّنة لتلك الأفكار، ولذا قد نفكّر في شي‏ء، ونفتّش طويلًا عن اللفظ المناسب له؛ للتعبير به عنه، وقد نفكّر في موضوع، في نفس الوقت الذي نتكلّم فيه عن موضوع آخر[1].

فالحياة الاجتماعية والظروف المادّية- إذن- لا تحدّد أفكار الناس‏

 

[1] وقد قمنا في دراستنا الموسّعة للمادّية التأريخية في كتاب( اقتصادنا) بنقد مستوعب لنظريات الماركسية عن الإدراك البشري من ناحية علاقته بالظروف الاجتماعية والمادّية، وتفسيره على أساس الظروف الاقتصادية، كما تناولنا بتفصيل الرأي الماركسي القائل: بانبثاق الفكر من اللغة وارتباطه بها. ولأجل هذا نكتفي هنا بما جاء في الطبعة الاولى من هذا الكتاب استغناءً بدراستنا الموسّعة في الحلقة الثانية( اقتصادنا).( المؤلّف قدس سره)

434

فلم يكن من الممكن أن توجد للإنسان فكرة عن شي‏ء ما لم تقم أداة كاللغة بدور المنبّه الشرطي.

قال ستالين:

«يقال: إنّ الأفكار تأتي في روح الإنسان قبل أن تعبّر عن نفسها في الحديث، وإنّها تولد دون أدوات اللغة. إلّاأنّ هذا خطأ تماماً، فمهما كانت الأفكار التي تأتي في روح الإنسان، فلا يمكن أن تولد أو توجّه إلّاعلى أساس أدوات اللغة … فاللغة هي الواقع المباشر للفكر»[1].

ونحن نختلف عن الماركسية في كلا الرأيين، ولا نقرّ الآلية في الإدراك البشري، فليست الأفكار والإدراكات مجرّد ردود فعل منعكسة عن المحيط الخارجي، كما تدّعي السلوكية، وليست- أيضاً- حصيلة تلك الردود المحدّدة من قبلها، والمتطوّرة بتبعها، كما تعتقد الماركسية.

ولنوضّح المسألة في المثال التالي: يلتقي زيد وعمرو يوم السبت، فيأخذان بالحديث مدّة، ثمّ يحاولان الافتراق، فيقول زيد لعمرو: انتظرني في صباح الجمعة الآتية في بيتك. ويفترقان بعد ذلك. وينصرف كلّ منهما إلى حياته الاعتيادية، وتمرّ الأيام حتّى يحين الموعد المحدّد للزيارة، فيستذكر كلّ من الشخصين موعده، ويدرك موقفه بصورة مختلفة عن إدراك الآخر، فيبقى عمرو في بيته ينتظر، ويخرج زيد من بيته متوجّهاً إلى زيارته. فما هو المنبّه الشرطي الخارجي الذي أثار فيهما الإدراكين المختلفين بعد مرور عدّة أيام على الميعاد السابق، وفي هذه الساعة بالذات؟! وإذا كان الكلام السابق كافياً للتنبيه الآن،

 

[1] المادّية والمثالية في الفلسفة: 77

433

والحالات الجسمية المجزّأة؟

وبكلمة اخرى: أنّ الأشياء الخارجية قد تقذف إلى الدماغ برسائل متفرّقة، وهي: استجاباتنا للمنبّهات الخارجية في عرف السلوكية، وقد يحلو للسلوكية أن تقول: إنّ هذه الاستجابات والرسائل المادّية التي تمرّ في الأعصاب إلى المخّ هي وحدها المحتوى الحقيقي لإدراكنا، ولكن ماذا تقول عن إدراكنا لنظام من العلاقات بين الأشياء يجعلنا نحسّ أوّلًا بالكلّ الموحّد وفقاً لتلك العلاقات؟ مع أنّ نظام العلاقات هذا ليس شيئاً مادّياً ليثير انفعالًا مادّياً في جسم المفكّر واستجابة أو حالة جسمية معيّنة، فلا يمكننا أن نفسّر إدراكنا لهذا النظام، وبالتالي إدراكنا للأشياء ضمنه على أساس سلوكي بحت.

وأمّا الماركسية فقد أخذت بنظريات (بافلوف) ورتّبت عليه:

أوّلًا- أنّ الشعور البشري يتطوّر طبقاً للظروف الخارجية؛ وذلك لأنّه حصيلة الأعمال المنعكسة الشرطية التي تثيرها المنبّهات الخارجية.

قال جورج بوليتزير:

«وبهذه الطريقة أثبت (بافلوف) أنّ ما يُحدّد أساساً شعور الإنسان ليس جهازه العضوي … بل يحدّده على عكس ذلك المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان، والمعرفة التي يحصل عليها منه. فالظروف الاجتماعية للحياة هي المنظّم الحقيقي للحياة العضوية الذهنية»[1].

ثانياً- أنّ ولادة اللغة كانت هي الحدث الأساسي الذي نقل البشر إلى مرحلة الفكر؛ لأنّ فكرة الشي‏ء في الذهن إنّما تنجم عن منبّه خارجي شرطي،

 

[1] المادّية والمثالية في الفلسفة: 78- 79

432

الإدراك تفسيراً كاملًا- أن نؤمن بالعقل ودوره الإيجابي الفعّال وراء الانفعالات والاستجابات العصبية التي تثيرها المنبّهات.
ولنأخذ الإدراك الحسّي مثلًا، فقد أثبتت تجارب الجشطالت أنّ رؤيتنا لألوان الأشياء وخصائصها تعتمد إلى حدّ بعيد على الموقف العام الذي نجابهه في إبصارنا، وعلى الأرضية التي تحيط بتلك الأشياء، فقد نرى الخطّين متوازيين أو متساويين ضمن مجموعة من الخطوط، نواجهها كموقف وكلّ مترابط الأجزاء، ثمّ نراهما ضمن مجموعة اخرى غير متوازيين أو متساويين؛ لأنّ الموقف العام الذي يواجهه إدراكنا البصري اختلف عن الموقف السابق، وهذا يوضح: أنّ إدراكنا ينصبّ أوّلًا على الكلّ، وندرك الأجزاء بأبصارنا ضمن إدراكنا للكلّ، ولذا يختلف إدراكنا الحسّي للجزء باختلاف الكلّ أو المجموع الذي يندرج فيه.
فهناك- إذن- نظام للعلاقات بين الأشياء يفرزها إلى مجاميع، ويحدّد لكلّ شي‏ء موضعه من مجموعته الخاصّة، ويطوّر نظرتنا إليه تبعاً للمجموعة التي ينتمي إليها، وإدراكنا للأشياء ضمن هذا النظام لا يقبل التفسير السلوكي، ولا يمكن القول: بأ نّه استجابة مادّية وحالة جسمية ناشئة من منبّه خاصّ؛ إذ لو كان حالة جسمية وظاهرة مادّية منبثقة عن الدماغ، لما اتيح لنا أن ندرك الأشياء بأبصارنا ككلّ منظّم ترتبط أجزاؤه ارتباطاً خاصّاً- حتّى إنّ إدراكنا لها يختلف إذا أبصرناها ضمن علاقات اخرى- لأنّ جميع ما يصل إلى الدماغ في الإدراك يتأ لّف من مجموعة من الرسائل ترد إلى المخّ من مختلف أعضاء الجسم مجزّأة ضمن عدد من الدوافع العصبية المتفرّقة، فكيف اتيح لنا أن ندرك نظام العلاقات بين الأشياء؟ وكيف اتيح للإدراك أن ينصبّ أوّلًا على الكلّ، فلا ندرك الأشياء إلّا ضمن كلّ مترابط بدلًا عن إدراك الأشياء متفرّقة كما تنتقل إلى الدماغ؟ كيف أمكن ذلك كلّه لو لم يكن هناك دور إيجابي فعّال للعقل وراء الانفعالات‏

431

والواقع: هو عكس ما رامته السلوكية تماماً، فليس الإدراك والفكر فعلًا فيزيولوجياً ينعكس عن منبّه شرطي نظير إفراز اللعاب، كما يزعم السلوكيون، بل نفس إفراز اللعاب هذا يعني شيئاً غير مجرّد ردّ الفعل المنعكس، يعني إدراكاً، وهذا الإدراك هو السبب في إثارة المنبّه الشرطي للاستجابة المنعكسة. فالإدراك هو الحقيقة التي نتبيّنها وراء ردود فعل المنبّه الشرطي، وليس لوناً من ألوان تلك الردود، ونعني بهذا: أنّ إفراز الكلب لعابه عند حدوث المنبّه الشرطي لم يكن مجرّد فعل آلي بحت، كما تعتقد السلوكية، بل كان نتيجة إدراك الكلب مدلول المنبّه الشرطي. فخطوات الخادم باقترانها مع مجي‏ء الطعام في تجارب متكرّرة أصبحت تدلّ على مجيئه، وأصبح الكلب يدرك مجي‏ء الطعام عند سماعها، فيفرز لعابه استعداداً للموقف الذي يبشّر به المنبّه الشرطي. وكذلك الطفل إذ يبدو عليه شي‏ء من الارتياح عند تهيّؤ مرضعته لإرضاعه، بل عند إخباره بمجيئها إذا كان يملك فهماً لغوياً؛ فإنّ هذا الارتياح ليس مجرّد فعل فيزيولوجي منعكس عن شي‏ء خارجي ارتبط بالمثير الطبيعي، بل هو منبثق عن إدراك الطفل مدلول المنبّه الشرطي، إذ يستعدّ- حينئذٍ- للارتضاع، ويشعر بارتياح، ولذا نجد فرقاً في درجات الارتياح بين الارتياح الذي يثيره نفس المنبّه الطبيعي، وبين الارتياح الذي تثيره المنبّهات الشرطية؛ لأجل أنّ ذاك ارتياح أصيل، وهذا ارتياح الأمل والترقّب.
ويمكننا أن نبرهن علمياً على عدم كفاية التفسير السلوكي للتفكير عن طريق التجارب التي قام على أساسها مذهب (الجشطالت) في علم النفس؛ إذ برهنت هذه التجارب على أنّ من المستحيل أن نفسّر حقائق الإدراك على أساس سلوكي بحت، وبوصفها مجرّد استجابات للمنبّهات المادّية التي يتلقّى الدماغ رسائلها في صورة عدد من الدوافع العصبية المتفرّقة، بل يجب- لكي نفسّر حقائق‏

430

الثانوية في النظام الإشاري الثاني.
هذه هي نظرية العالم الفيزيولوجي (بافلوف). وقد استغلّته السلوكية، فزعمت أنّ الحياة العقلية لا تعدو أن تكون عبارة عن أفعال منعكسة. فالتفكير يتركّب من استجابات كلامية باطنة، يثيرها منبّه خارجي. وهكذا فسّرت الفكر كما تفسّر عملية إفراز الكلب لعابه عند سماعه خطوات الخادم، فكما أنّ الإفراز ردّ الفعل الفيزيولوجي لمنبّه شرطي، وهو خطى الخادم، كذلك الفكر هو ردّ الفعل الفيزيولوجي لمنبّه شرطي، كاللغة التي اشرطت بالمنبّه الطبيعي مثلًا.
ولكن من الواضح: أنّ التجارب الفيزيولوجية على الفعل المنعكس الشرطي لا يمكنها أن تبرهن على أنّ الفعل المنعكس هو حقيقة الإدراك، والمحتوى الحقيقي للعمليات، ما دام من الجائز أن يكون للإدراك حقيقة وراء حدود التجربة.
أضف إلى ذلك أنّ السلوكية في رأيها هذا- القائل بأنّ الأفكار استجابات شرطية- تقضي على نفسها وتنزع القدرة على الكشف عن الواقع والقيمة الموضوعية، لا من سائر الأفكار فحسب، بل من السلوكية ذاتها- أيضاً- بوصفها فكرة تخضع للتفسير السلوكي؛ لأنّ تفسير السلوكية للفكر الإنساني له أثره الخطير في نظرية المعرفة، وتقدير قيمتها، ومدى قدرتها على استكشاف الواقع. فالمعرفة- كلّ معرفة- لا تعدو وفقاً للتفسير السلوكي أن تكون استجابة حتمية لمنبّه شرطي كسيلان اللعاب من فم الكلب في تجارب بافلوف، وليست نتيجة للاستدلال والبرهان، وبالتالي تصبح كلّ معرفة تعبيراً عن وجود منبّه شرطي لها لا عن وجود مضمونها في الواقع الخارجي، والفكرة السلوكية نفسها لا تشذّ عن هذه القاعدة العامّة، ولا تختلف عن كلّ الأفكار الاخرى في تأثّرها بالتفسير السلوكي، وسقوط قيمتها، وعدم إمكان دراستها بأيّ لون من الألوان.

429

علمية، فأقامها على أساس الفعل المنعكس الشرطي. ولكي نفهم ذلك جيّداً يجب أن نقول كلمة عن الفعل المنعكس الشرطي الذي اكتشفه (بافلوف) إذ حاول مرّة أن يجمع لعاب الكلب من إحدى الغدد اللعابية، فأعدّ جهازاً لذلك، وأعطى الحيوان طعاماً لإثارة مجرى اللعاب، فلاحظ أنّ اللعاب بدأ يسيل من كلب متمرّن قبل أن يوضع الطعام في فمه بالفعل؛ لمجرّد رؤية الطبق الذي فيه الطعام، أو الإحساس باقتراب الخادم الذي تعوّد إحضاره.
ومن الواضح: أنّ رؤية الشخص أو خطواته لا يمكن اعتبارها منبّهاً طبيعياً لهذه الاستجابة، كما ينبّهها وضع الطعام في الفم، بل لا بدّ أن تكون هذه الأشياء قد ارتبطت بالاستجابة الطبيعية في مجرى التجربة الطويل حتّى استخدمت كعلامة مبدئية على المنبّه الفعلي.
وعلى هذا يكون إفراز اللعاب عند وضع الطعام في الفم فعلًا منعكساً طبيعياً، يثيره منبّه طبيعي. وأمّا إفراز اللعاب عند اقتراب الخادم أو رؤيته، فهو فعل منعكس شرطي، اثير بسبب منبّه مشروط، يستعمل كعلامة على المنبّه الطبيعي، ولولا إشراطه بالمنبّه الطبيعي، لما وجدت استجابة بسببه.
وبسبب عمليات إشراط كهذا وجد أوّل نظام إشاري لدى الكائن الحي، تلعب فيه المنبّهات المشروطة دوراً في الإشارة إلى المنبّه الطبيعي، واستثارة الاستجابة التي يستحقّها. وبعد ذلك وجد النظام الإشاري الثاني الذي عوّض فيه عن المنبّهات الشرطية في النظام الأوّل، بإشارات ثانوية إلى تلك المنبّهات الشرطية التي اشرطت هذه الإشارات الثانوية بها في تجارب متكرّرة، وأصبح من الممكن الحصول على الاستجابة، أو الفعل المنعكس بالإشارة الثانوية بسبب إشراطها بالإشارة الأوّلية، كما أتاح النظام الإشاري الأوّل الحصول عليها بالإشارة الأوّلية بسبب إشراطها بالمنبّه الطبيعي، وتعتبر اللغة هي الإشارات‏