مستهلّ هذا الفصل- بين الماركسيّة والرأسماليّة، إذ تختلف العلاقة بين الجانب العلمي والجانب المذهبي من الماركسيّة اختلافاً أساسيّاً عن العلاقة بين الاقتصاد العلمي والاقتصاد المذهبي للرأسماليّة، فإنّ الماركسيّة المذهبيّة التي تتمثّل في الاشتراكيّة والشيوعيّة تعتبر نتيجة حتميّة لقوانين المادّية التاريخيّة التي تعبّر عن القوانين الطبيعيّة للتاريخ من وجهة رأي الماركسيّة، فإذا كانت المادّية التاريخيّة على صواب في تفسير التاريخ فهي تبرهن على الجانب المذهبي من الماركسيّة؛ ولذلك يعتبر درس الجانب العلمي من الماركسيّة أساساً لدرس الجانب المذهبي منها، وشرطاً ضروريّاً للحكم في صالح المذهب الماركسي أو ضدّه. ولا يمكن لباحث مذهبي أن ينقد الاشتراكيّة والشيوعيّة بصورة مستقلّة عن أساسها العلمي عن المادّية التاريخيّة.
وأمّا الرأسماليّة المذهبيّة فليست هي نتيجة لعلم الاقتصاد الذي شاده الرأسماليّون، ولا يرتبط مصيرها بمدى نجاح الجانب العلمي للرأسماليّة في تفسير الواقع الموضوعي، وإنّما ترتكز الرأسماليّة المذهبيّة على قِيَم وأفكار خُلُقيّة وعمليّة معيّنة يجب أن تعتبر هي المقياس للحكم في حقّ المذهب الرأسمالي.
وهكذا يتّضح أنّ موقفنا- بوصفنا نؤمن بمذهب اقتصادي يتميّز عن الرأسماليّة والماركسيّة- تجاه الماركسيّة يختلف عن موقفنا من الرأسماليّة، فنحن تجاه الماركسيّة أمام مذهب اقتصادي يزعم: أ نّه يرتكز على قوانين علم التاريخ (المادّية التاريخيّة) فمن الضروري لنقد هذا المذهب أن نتناول تلك القوانين العلميّة المزعومة بالدرس والتمحيص؛ ولأجل ذلك عرضنا المادّية التاريخيّة بمفاهيمها ومراحلها تمهيداً إلى إصدار الحكم في حقّ المذهب الماركسي نفسه.
وأمّا بالنسبة إلى موقفنا تجاه الرأسماليّة المذهبيّة- أي الحرّيات الرأسماليّة- فنحن نواجه مذهباً لا يستمدّ كيانه من القوانين العلميّة ليكون المنهج الضروري