کتابخانه
390

يردّدها أعداء العالم الاشتراكي عنه.
فمن الناحية النظريّة لا يمكن للاقتصاد الاشتراكي الماركسي أن يفسّر حقّ الفئة الثالثة في الحياة، ويبرّر حصولها على نصيب من الناتج العامّ في عمليّة التوزيع؛ لأنّ التوزيع لا يقوم في رأي الماركسيّة على أساس خُلُقي ثابت، وإنّما يحدّد وفقاً لحالة الصراع الطبقي في المجتمع التي يمليها شكل الإنتاج السائد، ولذلك تؤمن الماركسيّة: أنّ الرقّ وموت الرقيق تحت السياط وحرمانه من ثمرات عمله … كان شيئاً سائغاً في ظروف الصراع الطبقي بين السادة والعبيد.
وعلى هذا الأساس الماركسي يجب أن يدرس حظّ الفئة الثالثة من التوزيع في ضوء مركزها الطبقي ما دامت حظوظ الأفراد في التوزيع تحدّد وفقاً لمراكزهم الطبقيّة في المعترك الاجتماعي.
ولمّا كانت الفئة الثالثة مجرّدة عن ملكيّة وسائل الإنتاج وعن طاقة العمل المنتج فهي لا تندرج ضمن إحدى الطبقتين المتصارعتين: الطبقة الرأسماليّة والطبقة العاملة، ولا تشكّل جزءاً من الطبقة العاملة في دور انتصار العمّال وإنشاء المجتمع الاشتراكي.
وإذا كان الأفراد العاجزون بطبيعتهم عن العمل منفصلين عن الصراع الطبقي بين الرأسماليّين والعمّال، وبالتالي عن الطبقة العاملة التي تسيطر على وسائل الإنتاج في المرحلة الاشتراكيّة فلا يوجد أيّ تفسير علمي على الطريقة الماركسيّة يبرّر نصيب هؤلاء من التوزيع وحقّهم في الحياة وفي الثروة التي سيطرت عليها الطبقة العاملة ما داموا خارج نطاق الصراع الطبقي. وهكذا لا تستطيع الماركسيّة أن تبرّر بطريقتها الخاصّة ضمان حياة الفئة الثالثة ومعيشتها في المرحلة الاشتراكيّة.
وأمّا الإسلام فهو لا يحدّد عمليّة التوزيع على أساس الصراع الطبقي في‏

389

زادت عن حاجته غير أ نّها سبب فعّال في التوزيع بالنسبة إلى الفئة الثانية من فئات المجتمع التي استعرضناها قبل دقائق، وهي الفئة التي لا تملك من القدرة الفكريّة والجسديّة إلّاالدرجة التي تسمح لها بالحصول على الحدّ الأدنى من ضرورات الحياة، فإنّ هذه الفئة- على الاسس الاشتراكيّة الماركسيّة للاقتصاد- يجب أن تقنع بثمار عملها الضئيلة، وتستسيغ الفوارق الكبيرة بين مستوى معيشتها ومستوى المعيشة العامّ للفئة الاولى القادرة على كسب العيش المرفّه؛ لأنّ العمل وحده هو الذي يمارس التوزيع في ظلّ الاشتراكيّة، فلا يمكن للعامل أن يطمع بأكثر من العيش الذي يرشّحه له عمله. وأمّا في ظلّ الاقتصاد الإسلامي فالأمر يختلف؛ لأنّ الإسلام لم يكتفِ بالعمل وحده لتنظيم جهاز التوزيع بين العاملين، بل جعل للحاجة نصيباً من ذلك، واعتبر عجز الفئة الثانية عن تحقيق المستوى العامّ للرفاه لوناً من الحاجة، ووضع الأساليب والطرق المعيّنة لمعالجة هذه الحاجة. فالعامل الموهوب الطيّب الحظّ لن يحرم ممّا زاد على حاجته من نتاج عمله، ولكنّ العامل الذي لم يمنح إلّاالحدّ الأدنى من الطاقة العمليّة سوف يحصل على نصيب أكبر من نتاجه.
وهناك نقطة خلاف فكري اخرى بين الإسلام والاشتراكيّة الماركسيّة حول الفئة الثالثة من فئات المجتمع الثلاث التي حُرمت من العمل بسبب طبيعة تكوينها الفكري والجسدي، والاختلاف بين الإسلام والاشتراكيّة الماركسيّة حول هذه الفئة المحرومة ينبع من تناقض مفاهيمهما عن علاقات التوزيع.
وأنا لا اريد أن أتناول بهذا الصدد موقف العالم الاشتراكي اليوم من الفئة الثالثة، ولا احاول أن اكرّر المزاعم القائلة: إنّ الفرد العاجز عن العمل محكوم عليه في المجتمعات الاشتراكيّة بالموت جوعاً؛ لأنّني اريد أن أدرس المسألة من الوجهة النظريّة لا التطبيقيّة، ولا اريد أن أتحمّل مسؤوليّة تلك المزاعم التي‏

14

وإعطائهم الإذن الخاصّ في نشر وإحياء التراث العلمي للشهيد الصدر قدس سره.
وأخيراً نرى‏ لزاماً علينا أن نتقدّم بالشكر الجزيل إلى اللجنة المشرفة على تحقيق تراث الإمام الشهيد، والعلماء والباحثين كافّة الذين ساهموا في إعداد هذا التراث وعرضه بالاسلوب العلمي اللائق، سائلين المولى‏ عزّ وجلّ أن يتقبّل جهدهم، وأن يمنّ عليهم وعلينا جميعاً بالأجر والثواب، إنّه سميع مجيب.

المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر قدس سره‏
أمانة الهيئة العلميّة

13

النسخ الأصليّة مع المطبوعة، والتصحيح على ضوء ذلك.
ثانياً: سلسلة «المدرسة الإسلامية» التي أصدرها السيّد الشهيد قدس سره بهدف عرض الفكر الإسلامي ومفاهيمه الأساسيّة في المستوى المدرسي العام بعد أن لمس التفاوت الكبير بين طرح الفكر الإسلامي في مستواه العالي الملحوظ في كتابي (فلسفتنا واقتصادنا) وبين الواقع الثقافي البسيط الذي تعيشه قطاعات واسعة من الامّة آنذاك، سيّما وقد قارن ذلك مطالبة القرّاء المؤكّدة بضرورة تبسيط كتاب (فلسفتنا)، فكان جلّ ما في العدد الأوّل- الإسلام والمشكلة الاجتماعية- مستلهماً من تمهيد كتاب (فلسفتنا). وأمّا العدد الثاني- ماذا تعرف عن الاقتصاد الإسلامي- فقد ضمّنه المفاهيم الأساسيّة حول الاقتصاد الإسلامي والذي عالجه القسم الثاني من كتاب (اقتصادنا)، ولم يستمرّ في إصدار باقي حلقات هذه السلسلة.
ثالثاً: مجموعة مقالات طبعت تحت عنوان «رسالتنا»، وهي عبارة عن كلمات افتتاحية تصدّرت مجلّة (الأضواء) التي كانت تصدر في العقد الخامس الميلادي من قِبَل جماعة العلماء في النجف الأشرف، وحيث أنّ تلك الكلمات لم تكن كلّها بقلم السيّد الشهيد قدس سره فقد اقتصرنا على عرض ما ثبتت نسبته إليه.
ولا يفوتنا أن نشيد بالموقف النبيل لورثة السيّد الشهيد كافّة سيّما نجله البارّ (سماحة الحجّة السيّد جعفر الصدر حفظه اللَّه) في دعم المؤتمر

12

إجماليّة عن القضايا المهمّة التي تواجهها الامّة في مرحلة ما بعد الثورة وممارسة السلطة.
ففي الحلقة الاولى اقترح اطروحة متينة- وتعدّ الاولى من نوعها- لمشروع دستور الجمهورية الإسلامية، ووضع اللبنات الأساسيّة لنظام الحكم والإدارة.
وفي الحلقة الثانية رسم صورة كلّية لاقتصاد المجتمع الإسلامي.
وبيّن تفاصيل ذلك في الحلقة الثالثة.
وأمّا الحلقة الرابعة فبيّن فيها دور الإنسان والامّة في الحياة السياسيّة.
وحاول في الحلقة الخامسة أن يبيّن منابع القدرة السياسية ويفتح أمام الطلائع الرسالية- امّةً وقيادة- آفاق التحرّك ومنطلقاته الموضوعية في البناء والتنمية وتعزيز الثقة بالنفس.
وكانت الحلقة السادسة هي آخر ما خطّه قلمه، وقد خصّصها لبيان المعالم الرئيسية للبنك في المجتمع الإسلامي بشكل عامّ، وكان على أمل أن يواصل أبحاثه لاحقاً ويبحث تلك الاسس على مستوى التفاصيل، ولكن …
ومن حسن التوفيق حصولنا على النسخ الأصليّة- المعتمدة في الطبعة الاولى- للحلقات: الاولى والثانية والرابعة مع صورة فوتوغرافيّة عن الحلقة الثالثة، وقد قامت لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر بمقابلة هذه‏

11

أو تصحيح النصّ أو غير ذلك، وتُختم هوامش السيّد الشهيد بعبارة:
(المؤلف قدس سره) تمييزاً لها عن هوامش التحقيق.
وكقاعدة عامّة- لها استثناءات في بعض المؤلّفات- يُحاول الابتعاد عن وضع الهوامش التي تتولّى عرض مطالب إضافيّة أو شرح وبيان فكرةٍ مّا أو تقييمها ودعمها بالأدلّة أو نقدها وردّها.
7- تزويد كلّ كتاب بفهرس موضوعاته، وإلحاق بعض المؤلفات بثبت خاص لفهرس المصادر الواردة فيها.
وقد بسطت الجهود التحقيقيّة ذراعيها على كلّ ما أمكن العثور عليه من نتاجات هذا العالم الجليل، فشملت: كتبه، وما جاد به قلمه مقدمةً أو خاتمةً لكتب غيره ثم طُبع مستقلًاّ في مرحلة متأخرة، ومقالاته المنشورة في مجلّات فكريّة وثقافيّة مختلفة، ومحاضراته ودروسه في موضوعات شتّى، وتعليقاته على بعض الكتب الفقهيّة، ونتاجاته المتفرّقة الاخرى، ثمّ نُظّمت بطريقة فنيّة واعيد طبعها في مجلّدات أنيقة متناسقة.
والمجلّد الذي بين يدي القارئ الكريم يشتمل على ثلاث مجموعات من آثاره القيّمة، هي:
أوّلًا: سلسلة «الإسلام يقود الحياة» التي تتضمّن ستّ حلقات، كتبها السيّد الشهيد قدس سره أواخر عمره الشريف وبعد انتصار الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وكان قدس سره ناظراً إلى الحاجات الفكريّة والثقافية للمجتمع الإسلامي في ظلّ حاكميّة الإسلام، فقدّم في هذه الكتيبات صورة

10

الفكريّة، لذلك أوكل المؤتمر العالمي للشهيد الصدر مهمّة التحقيق فيها إلى لجنة علمية تحت إشراف علماء متخصّصين في شتّى فروع الفكر الإسلامي من تلامذته وغيرهم، وقد وُفّقت اللجنة في عرض هذا التراث بمستوى رفيع من الاتقان والأمانة العلميّة، ولخّصت منهجيّة عملها بالخطوات التالية:
1- مقابلة النسخ والطبعات المختلفة.
2- تصحيح الأخطاء السارية من الطبعات الاولى أو المستجدة في الطبعات اللاحقة، ومعالجة موارد السقط والتصرّف.
3- تقطيع النصوص وتقويمها دون أدنى تغيير في الاسلوب والمحتوى، أمّا الموارد النادرة التي تستدعي إضافة كلمة أو أكثر لاستقامة المعنى فيوضع المضاف بين معقوفتين.
4- تنظيم العناوين السابقة، وإضافة عناوين اخرى بين معقوفتين.
5- استخراج المصادر التي استند إليها السيّد الشهيد بتسجيل أقربها إلى مرامه وأكثرها مطابقة مع النصّ؛ ذلك لأنّ المؤلّف يستخدم النقل بالمعنى- في عددٍ من كتبه وآثاره- معتمداً على ما اختزنته ذاكرته من معلومات أو على نوع من التلفيق بين مطالب عديدة في مواضع متفرّقة من المصدر المنقول عنه، وربما يكون بعض المصادر مترجماً وله عدة ترجمات؛ ولهذا تُعدّ هذه المرحلة من أشقّ المراحل.
6- إضافة بعض الملاحظات في الهامش للتنبيه على اختلاف النسخ‏

9

والاصول والفلسفة والمنطق والكلام والتفسير والتاريخ، فأحدث في كل فرع من هذه الفروع ثورةً فكريّة نقلت البحث العلمي فيه إلى مرحلة جديدة متميّزة سواء في المنهج أو المضمون.
ورغم مضيّ عقدين على استشهاد الإمام الصدر، ما زالت مراكز العلم ومعاهد البحث والتحقيق تستلهم فكره وعلمه، وما زالت الساحة الفكريّة تشعر بأمسّ الحاجة إلى آثاره العلميّة وإبداعاته في مختلف مجالات البحث والتحقيق العلمي.
ومن هنا كان في طليعة أعمال المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر إحياء تراثه العلمي والفكري بشكل يتناسب مع شأن هذا التراث القيّم.
وتدور هذه المهمّة الخطيرة- مع وجود الكمّ الكبير من التراث المطبوع للشهيد الصدر- في محورين:
أحدهما: ترجمته إلى ما تيسّر من اللغات الحيّة بدقّة وأمانة عاليتين.
والآخر: إعادة تحقيقه للتوصّل إلى النصّ الأصلي للمؤلّف منزّهاً من الأخطاء التي وقعت فيه بأنواعها من التصرّف والتلاعب والسقط … نتيجة كثرة الطبعات وعدم دقّة المتصدّين لها وأمانتهم، ثمّ طبعه من جديد بمواصفات راقية.
ونظراً إلى أنّ التركة الفكرية الزاخرة للسيّد الشهيد الصدر قدس سره شملت العلوم والاختصاصات المتنوّعة للمعارف الإسلاميّة وبمختلف المستويات‏

8

الجديدة على المستوى الفكري والنظري للإمام الشهيد الصدر قدس سره، فقد كان المنظّر الرائد بلا منازع للنهضة الجديدة؛ إذ استطاع من خلال كتاباته وأفكاره التي تميّزت بالجدة والإبداع من جهة، والعمق والشمول من جهة اخرى، أن يمهّد السبيل للُامّة ويشقّ لها الطريق نحو نهضة فكرية إسلاميّة شاملة، وسط ركام هائل من التيّارات الفكرية المستوردة التي تنافست في الهيمنة على مصادر القرار الفكري والثقافي في المجتمعات الإسلاميّة، وتزاحمت للسيطرة على عقول مفكّريها وقلوب أبنائها المثقّفين.
لقد استطاع الإمام الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر قدس سره بكفاءةٍ عديمة النظير أن ينازل بفكره الإسلامي البديع عمالقة الحضارة الماديّة الحديثة ونوابغها الفكريّين، وأن يكشف للعقول المتحرّرة عن قيود التبعيّة الفكريّة والتقليد الأعمى، زيف الفكر الإلحادي، وخواء الحضارة الماديّة في اسسها العقائديّة ودعائمها النظريّة، وأن يثبت فاعليّة الفكر الإسلامي وقدرته العديمة النظير على حلّ مشاكل المجتمع الإنساني المعاصر، والاضطلاع بمهمّة إدارة الحياة الجديدة بما يضمن للبشريّة السعادة والعدل والخير والرفاه.
ثم إنّ الإبداع الفكري الذي حقّقته مدرسة الإمام الشهيد الصدر، لم ينحصر في إطار معيّن، فقد طال الفكر الإسلامي في مجاله العام، وفي مجالاته الاختصاصيّة الحديثة كالاقتصاد الإسلامي والفلسفة المقارنة والمنطق الجديد، وشمل الفكر الإسلامي الكلاسيكي أيضاً، كالفقه‏