کتابخانه
408

بتفصيل في بحث مقبل.
وثالثاً: أعطى لوليّ الأمر صلاحيّات تجعل له الحقّ في الرقابة الكاملة على سير التداول والإشراف على الأسواق؛ للحيلولة دون أيّ تصرّف يؤدّي إلى الضرر وزعزعة الحياة الاقتصاديّة، أو يمهّد للتحكّم الفردي غير المشروع في السوق وفي مجال التداول.
وسوف نشرح هذه النقاط وندرسها بصورة موسّعة في البحوث المقبلة من الكتاب، التي نعرض فيها لتفاصيل الاقتصاد الإسلامي.

الكتاب الثاني‏

المقدّمة.
عمليّة اكتشاف المذهب الاقتصادي.
نظريّة توزيع ما قبل الإنتاج.
نظريّة توزيع ما بعد الإنتاج.
نظريّة الإنتاج.
مسؤوليّة الدولة في الاقتصاد الإسلامي.
الملاحق.

407

الضريبة الواجبة شرعاً؛ لأنّ هذه الضريبة لدى أدائها لا تفسح مجالًا أمام النقد للتجمّع والاكتناز، فلا غرو إذا هدّد القرآن الذين يكنزون الذهب والفضّة وتوعّدهم بالنار قائلًا: «وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ وَ لا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ‏* يَوْمَ يُحْمى‏ عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى‏ بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ»[1].

وعن هذا الطريق ضمن الإسلام بقاء المال في مجالات الإنتاج والتبادل والاستهلاك، وحال دون تسلّله إلى صناديق الاكتناز والادّخار.

وثانياً: حرّم الإسلام الربا تحريماً قاطعاً لا هوادة فيه‏[2]، وبذلك قضى على الفائدة ونتائجها الخطيرة في مجال التوزيع وما تؤدّي إليه من إخلال بالتوازن الاقتصادي العامّ، وانتزع من النقد دوره بوصفه أداة تنمية للملك مستقلّة بذاتها، وردّه إلى دوره الطبيعي الذي يباشره بوصفه وكيلًا عامّاً عن السلع، وأداة لقياس قيمتها وتسهيل تداولها.

وقد يظنّ كثير ممّن عاش التجربة الرأسماليّة وألِف ألوانها وأشكالها: أنّ القضاء على الفائدة يعني القضاء على البنوك والمصارف، وتعطيل أجهزة الحياة الاقتصاديّة وشلّ كلّ أعصابها وأوردتها التي تموّنها تلك البنوك والمصارف.

ولكنّ هذا الظنّ إنّما ينشأ عند هؤلاء نتيجة للجهل بواقع الدور الذي تؤدّيه البنوك والمصارف في الحياة الاقتصاديّة، وبواقع الصورة الإسلاميّة للتنظيم الاقتصادي الكفيل بعلاج سائر المشاكل التي تنجم عن القضاء على الفائدة، وهذا ما سندرسه‏

 

[1] سورة التوبة: 34- 35

[2] قال تعالى:« أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا»، سورة البقرة: 275. ووسائل الشيعة 18: 117، الباب الأوّل من أبواب الربا

406

الصيارفة بدلًا عن استخدامها في الإنتاج المثمر، وقامت على أساس هذا التجمّع المصارف والبيوت الماليّة الكبيرة التي امتلكت زمام الثروة في البلاد، وقضت على أيّ مظهر من مظاهر التوازن في الحياة الاقتصادية.

[الموقف الإسلامي من مشاكل التداول بالنقد:]

هذا عرض سريع لمشاكل التداول أو المبادلة، وهو يوضّح بجلاء أنّ هذه المشاكل قد نبعت كلّها من النقد وسوء استخدامه في مجال التداول، إذ اتُّخذ أداة اكتناز وبالتالي أداة تنمية للملك.

وقد يلقي هذا ضوءاً على ما جاء في الحديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أ نّه قال:

«الدنانير الصفر والدراهم البيض مهلكاكم، كما أهلكا من كان قبلكم»[1].

وعلى أيّ حال فقد عالج الإسلام هذه المشاكل النابعة من النقد، واستطاع أن يعيد إلى التداول وضعه الطبيعي ودوره الوسيط بين الإنتاج والاستهلاك.

وتتلخّص النقاط الرئيسيّة في الموقف الإسلامي من مشاكل التداول فيما يلي:

أوّلًا: منع الإسلام من اكتناز النقد، وذلك عن طريق فرض ضريبة الزكاة على النقد المجمّد بصورة تتكرّر في كلّ عام، حتّى تستوعب النقد المكتنز كلّه تقريباً إذا طال اكتنازه عدّة سنين‏[2]. ولهذا يعتبر القرآن اكتناز الذهب والفضّة جريمة يعاقب عليها بالنار؛ لأنّ الاكتناز يعني بطبيعة الحال التخلّف عن أداء

 

[1] الاصول من الكافي 2: 316، الحديث 6، مع اختلافٍ في اللفظ

[2] وسائل الشيعة 9: 166، الباب 13 من أبواب زكاة النقدين مع الشرائط في كلّ سنة وإن بقي المال بعينه …، الحديث الأوّل

405

ثمّ ماذا بعد ذلك؟! ليس بعد ذلك إلّاأن نرى الأقوياء في الحقل الاقتصادي يغتنمون هذه الفرص التي أتاحها لهم النقد، فيتّجهون نحو الاكتناز بكلّ قواهم نحو البيع لأجل الادّخار، فيظلّون ينتجون ويبيعون ليسحبوا النقد المتداول في المجتمع إلى كنوزهم، ويمتصّوه بالتدريج، ويعطّلوا وظيفة المبادلة كواسطة بين الإنتاج والاستهلاك، ويضطرّوا الكثرة الكاثرة إلى مهاوي البؤس والفقر، وبالتالي يتوقّف الاستهلاك نظراً إلى انخفاض المستوى الاقتصادي للجمهور وعجزهم عن الشراء، كما تتعطّل حركة الإنتاج؛ لأنّ انعدام القدرة الشرائيّة عند المستهلكين أو انخفاضها يجرّد الإنتاج من أرباحه، ويعمّ الكساد شُعَب الحياة الاقتصاديّة كلّها.
ولا تقف مشاكل النقد عند هذا الحدّ، بل إنّ النقد قد أدّى إلى مشكلة قد تكون أخطر من المشاكل التي عرضناها، فلم يقتصر النقد على أن يكون أداة اكتناز، بل أصبح أداة تنمية للمال عن طريق الفائدة التي يتقاضاها الدائنون من مدينيهم، أو يتقاضاها أصحاب الأموال من المصارف الرأسماليّة التي يودعون أموالهم فيها، وهكذا أصبح الاكتناز في البيئة الرأسماليّة سبباً لتنمية الثروة بدلًا عن الإنتاج، وانسحبت بذلك رؤوس أموال كثيرة من حقل الإنتاج إلى صناديق الادّخار في المصارف، وأصبح التاجر لا يقدم على مشروع من مشاريع الإنتاج والتجارة إلّاإذا اطمأنّ إلى أنّ الربح الذي يدرّه المشروع عادة أكثر من الفائدة التي يمكن أن يحصل عليها عن طريق إقراض ماله أو إيداعه في المصارف.
وأخذت الأموال على أساس الفائدة الربويّة تتسرّب إلى الصيارفة منذ بداية العصر الرأسمالي، حيث أخذ هؤلاء يجذبون الكمّيات المكتنزة من النقد عند مختلف الأفراد عن طريق إغرائهم بالفائدة السنويّة التي يتقاضاها زبائن المصرف عن أموالهم التي يودعونها فيه، فتجمّعت تلك الكمّيات المختلفة في كنوز

404

الاقتصاديّة كواسطة بين الإنتاج والاستهلاك، وأصبحت واسطة بين الإنتاج والادّخار. فالبائع ينتج ويبيع ويبادل منتوجه بنقد ليدّخر هذا النقد ويضمّه إلى ثروته المكتنزة، والمشتري يقدّم النقد إلى البائع ليحصل على السلعة التي يبيعها، ثمّ لا يتمكّن هو بعد ذلك أن يبيع منتوجه بدوره؛ لأنّ البائع اكتنز النقد وسحبه من مجال التداول.
ونتج عن ذلك أيضاً اختلال كبير في التوازن بين كمّية العرض وكمّية الطلب؛ ذلك أنّ العرض والطلب كانا يميلان إلى التساوي في عصر المقايضة؛ لأنّ كلّ منتج كان ينتج لإشباع حاجاته واستبدال الفائض عن حاجته بسلع اخرى يحتاجها في حياته من غير النوع الذي ينتجه. فالمنتوج دائماً يوازي حاجته، أي أنّ العرض دائماً يجد طلباً مساوياً له، وبذلك تتّجه أثمان السوق إلى درجتها الطبيعيّة التي تعبّر عن القِيَم الحقيقيّة للسلع وأهمّيتها الواقعيّة في حياة المستهلكين.
وبعد أن بدأ عصر النقد وسيطر النقد على التجارة واتّجه الإنتاج والبيع اتّجاهاً جديداً حتّى أصبح الإنتاج والبيع لأجل اكتناز النقد وتنمية الملك لا لأجل إشباع الحاجة، عند ذلك يختلّ طبعاً التوازن بين العرض والطلب، وتلعب دواعي الاحتكار دورها الخطير في تعميق هذا التناقض بين العرض والطلب، حتّى أنّ المحتكر قد يخلق طلباً كاذباً، فيشتري كلّ أفراد السلعة من السوق لا لحاجته إليها بل ليرفع ثمنها، أو يعرض السلعة بأثمان دون كلفتها بقصد إلجاء المنتجين والبائعين الآخرين إلى الانسحاب من ميدان التنافس وإعلان الإفلاس. وهكذا تتّخذ الأثمان وضعاً غير طبيعي، ويصبح السوق تحت سيطرة الاحتكار، ويتهاوى آلاف البائعين والمنتجين الصغار كلّ حين بين أيدي المحتكرين الكبار الذين سيطروا على السوق.

403

المجال لتأخير الشراء عن البيع، فالبائع لم يعد مضطرّاً لكي يبيع حنطته أن يشتري من الآخر ما ينتجه من القطن، بل يمكنه أن يبيع حنطته نظير نقد معيّن ويحتفظ بالنقد لنفسه، ويؤجّل شراء القطن إلى وقت آخر.
وهذه الفرصة الجديدة التي وجدها البائعون بخدمتهم- فرصة تأخير الشراء عن البيع- غيّرت الطابع العامّ للبيوع والمبادلات، فبينما كان البيع في عصر المقايضة يُستهدف منه دائماً شراء سلعة من السلع التي يحتاجها البائع أصبح للبيع في عصر النقد هدف جديد، فالبائع يتخلّص من سلعته في المبادلة لا ليظفر بسلعة اخرى، بل ليحصل على مزيد من النقد بوصفه الوكيل العامّ عن السلع الذي يجعل بإمكانه شراء أيّ سلعة شاء في كلّ حين. وهكذا تحوّل البيع للشراء إلى البيع لامتصاص النقود. ونشأت عن ذلك ظاهرة اكتناز المال وتجميده مجسّداً في تلك النقود؛ لأنّ النقد- ونعني بوجه خاصّ النقود المعدنيّة والورقيّة- يمتاز على سائر السلع، فإنّ أيّة سلعة اخرى لم يكن يجدي اكتنازها؛ لأنّ أكثر السلع تنقص قيمتها على مرّ الزمن، وقد يتطلّب الاحتفاظ بها وبجدّتها إلى نفقات عديدة، ومن ناحية اخرى قد لا يتيسّر لمالك تلك السلعة المكتنزة الظفر بما يطلبه المكتنز من سلع اخرى في وقت الحاجة، فلا يكون في اكتنازها ضمان الحصول على شتّى الطلبات في كلّ حين.
وعلى العكس من ذلك كلّه النقد فإنّه قابل للبقاء والادّخار، ولا يكلّف اكتنازه شيئاً من النفقات، كما أ نّه بوصفه الوكيل العامّ عن السلع يضمن للمكتنز قدرته على شراء أيّ سلعة شاء في كلّ وقت.
وهكذا توفّرت دواعي الاكتناز لدى المجتمعات التي بدأت المبادلة فيها تقوم على أساس النقود، وعلى أساس النقود الذهبيّة والفضّية بوجه خاصّ.
ونجم عن ذلك: أن تخلّت المبادلة عن وظيفتها الصالحة في الحياة

402

والاستغلال التي مهّدت لها وكالة النقد عن السلعة في مجالات التداول.
ولكي نعرف ذلك يجب أن نلاحظ التطوّرات التي حصلت في عمليّات المبادلة نتيجة لتبدّل شكلها، وقيامها على أساس النقد بدلًا عن قيامها على أساس المقايضة المباشرة.
ففي المبادلة القائمة على أساس المقايضة لم يكن يوجد حدّ فاصل بين البائع والمشتري، فقد كان كلّ من المتعاقدين بائعاً ومشترياً في نفس الوقت؛ لأنّه يدفع سلعة إلى صاحبه ويتسلّم نظيرها سلعة أيضاً. ولهذا كانت المقايضة تشبع بصورة مباشرة حاجة المتعاقدين معاً، فيخرجان من عمليّة التداول وقد حصل كلّ منهما على السلعة التي يحتاجها في استهلاكه أو إنتاجه، كالحنطة أو المحراث.
وفي هذا الضوء نعرف: أنّ الشخص في عصر المقايضة لم يكن يتاح له أن يتقمّص شخصيّة البائع دون أن يكون مشترياً في نفس الوقت، فلا بيع بدون شراء. والبائع يدفع بإحدى يديه سلعته إلى المشتري بوصفه بائعاً ليستلم منه بيده الاخرى سلعة جديدة بوصفه مشترياً. والبيع والشراء مزدوجان في عمليّة واحدة.
وأمّا في المبادلات القائمة على أساس النقد فالأمر يختلف اختلافاً كبيراً؛ لأنّ النقد يضع حدّاً فاصلًا بين البائع والمشتري، فالبائع هو صاحب السلعة، والمشتري هو الذي يبذل نقداً إزاء تلك السلعة. والبائع الذي يبيع حنطة ليحصل على قطن، بينما كان يستطيع أن يبيع حنطة ويحصل على حاجته من القطن في مبادلة واحدة على أساس المقايضة يصبح مضطرّاً الآن إلى القيام بمبادلتين ليحصل على طلبته، يقوم في إحداهما بدور البائع فيبيع حنطته بنقد معيّن، ويقوم في الاخرى بدور المشتري فيشتري قطناً بذلك النقد، وهذا يعني فصل البيع عن الشراء بينما كانا مزدوجين في المقايضة.
وفصل البيع عن الشراء في عمليّات المبادلة القائمة على أساس النقد فسح‏

401

مثالنا- بتقديم الفاكهة إلى صاحب القطن نظير القطن الذي يشتريه منه يصبح بإمكانه أن يبيع حنطته نظير نقد، ثمّ يشتري بالنقد القطن الذي يرغب فيه، وصاحب القطن بدوره يشتري الفاكهة التي يطلبها بما حصل عليه من نقود.

[آثار وكالة النقد عن السلعة في التداول:]

ووكالة النقد عن السلعة في عمليّات التداول كفلت حلّ المشاكل التي نجمت عن المقايضة وتذليل صعوباتها.
فصعوبة التوافق بين حاجة المشتري وحاجة البائع زالت؛ إذ لم يعد من الضروري للمشتري أن يقدّم إلى البائع السلعة التي يحتاجها، وإنّما يكفي أن يقدّم له النقد الذي يمكّنه من شراء تلك السلعة من منتجيها بعد ذلك.
وصعوبة التوافق بين قِيَم الأشياء قد ذلّلت؛ لأنّ قيمة كلّ سلعة أصبحت تقدّر بالنسبة للنقود وهي قابلة للقسمة.
كما أصبح من الميسور تقدير قِيم الأشياء بسهولة؛ لأنّها تقدّر كلّها بالنسبة لسلعة واحدة، وهي النقد بوصفه المقياس العامّ للقيمة.
وكلّ هذه التسهيلات نتجت من وكالة النقد عن السلعة في مجالات التداول.
وهذا هو الجانب المضي‏ء المشرق من وكالة النقد عن السلعة الذي يشرح:
كيف تؤدّي الوكالة وظيفتها الاجتماعيّة التي خلقت لأجلها، وهي تيسير عمليّات التداول؟
ولكن هذه الوكالة لم تقف عند هذا الحدّ على مرّ الزمن، بل أخذت تلعب دوراً خطيراً في الحياة الاقتصاديّة، حتّى تمخّض ذلك عن صعاب ومشاكل لا تقلّ عن مشاكل المقايضة وصعابها، غير أنّ تلك مشاكل طبيعيّة، وأمّا المشاكل الجديدة التي نتجت عن وكالة النقد فهي مشاكل إنسانيّة تعبّر عن ألوان الظلم‏

400

السلعة التي اختصّ بإنتاجها. فمن ينتج مئة كيلو من الحنطة يحتفظ بنصف المبلغ- مثلًا- لإشباع حاجته، ويستبدل خمسين كيلو من الحنطة بمبلغ معيّن من القطن الذي ينتجه غيره.
ولكنّ هذا الشكل من المبادلة (المقايضة)، لم يستطع أن يُيسّر التداول في الحياة الاقتصاديّة، بل أخذ يزداد صعوبة وتعقيداً على مرّ الزمن كلّما ازداد التخصّص وتنوّعت الحاجات؛ لأنّ المقايضة تضطرّ منتج الحنطة أن يجد حاجته من القطن عند شخص يرغب في الحصول على الحنطة، وأمّا إذا كان صاحب القطن بحاجة إلى فاكهة لا إلى حنطة، وليس لدى صاحب الحنطة فاكهة، فسوف يتعذّر على صاحب الحنطة أن يحصل على حاجته من القطن. وهكذا تتولّد الصعوبات من ندرة التوافق بين حاجة المشتري وحاجة البائع.
أضف إلى ذلك صعوبة التوافق بين قِيَم الأشياء المعدّة للمبادلة، فمن كان يملك فرساً لا يستطيع أن يحصل عن طريقها على دجاجة؛ لأنّ قيمة الدجاجة أقلّ من قيمة الفرس، وهو غير مستعدّ بطبيعة الحال للحصول على دجاجة واحدة نظير فرس كاملة، ولا هي قابلة للقسمة حتّى يحصل على دجاجة نظير جزء منها.
وكذلك أيضاً كانت عمليّات المبادلة تواجه مشكلة اخرى، هي: صعوبة تقدير قِيَم الأشياء المعدّة للمبادلة؛ إذ لا بدّ لقياس قيمة الشي‏ء الواحد من مقارنته بباقي الأشياء الاخرى حتّى تعرف قيمته بالنسبة إليها جميعاً.
لهذه الأسباب بدأت المجتمعات التي تعتمد على المبادلة تفكّر في تعديل المقايضة بشكل يعالج تلك المشاكل، فنشأت فكرة استعمال النقد بوصفه أداة للمبادلة بدلًا عن السلعة نفسها. وظهر على هذا الأساس الشكل الثاني للمبادلة، أي المبادلة على أساس النقد، فأصبح النقد وكيلًا عن السلعة التي كان يضطرّ المشتري إلى تقديمها للبائع في المقايضة. فبدلًا عن تكليف صاحب الحنطة- في‏