وتوضيح ذلك: أنّ السراية في باب المائعات لم تكن من باب التطبيق الصناعيّ والدقيق لدليل الانفعال، بل كانت بتوسّط ضمّ الارتكاز العرفيّ إليه القاضي بالسراية، ولدى تحليل هذا الارتكاز نجد أنّ من المعقول أن ندّعي أنّ حكمته ونكتته كون أجزاء المائع متحركةً سيّالةً نافذةً بطبعها بخلاف الجامد، فإنّ تلك الحركة والسيولة في أجزاء المائع أوجبت توسعة العرف لدائرة السراية بمجرّد الملاقاة.
ومن المعلوم أنّ هذه النكتة غير موجودةٍ في محلّ الكلام، أي في الطبقة المائية الفوقية التي تشكّل صفة الرطوبة للجسم الجامد، فإنّها لضآلة سمكها وحجمها لا يرى فيها تبادل الأجزاء وحركتها فيما بينها، بل يعتبر كلّ جزءٍ منها ملتصقاً بالجزء الجامد الذي تحته، ومثل هذا المائع لا تشمله نكتة الارتكاز القاضي بتوسعة دائرة السراية، ولا أقلّ من الشكّ في ذلك، الموجب لعدم إمكان التمسّك بدليل الانفعال لإثبات سراية النجاسة إلى تمام الرطوبة؛ لأنّ اقتضاء دليل الانفعال للسراية إلى تمام أجزاء المائع موقوف على تمامية الارتكاز، ومع الشكّ فيه لا يمكن التمسّك بالدليل.
وإلى هنا كنّا نتكلّم عن حال المسألة بلحاظ دليل الانفعال العامّ ولو بضمّ الارتكاز، وأمّا حالها بلحاظ الأخبار الخاصّة فلا شكّ في صحّة ذكرها واستعراضها كمؤيِّدٍ للنتائج التي انتهينا إليها. وأمّا الاعتماد عليها كدليلٍ مستقلٍّ فلا يخلو من إشكال، بمعنى: أ نّه إذا لم نستفِد من دليل الانفعال سراية النجاسة إلى تمام المائع فيشكل إثبات ذلك بالأخبار الخاصّة، وإذا تسجّلت الشبهة التي أثرناها في الجامد المرطوب- والتي تستهدف إثبات السراية إلى تمام أجزاء الجامد عن طريق السراية في الرطوبة نفسها- فيشكل إبطال الشبهة بالأخبار الخاصّة.