کتابخانه
188

وتوضيح ذلك: أنّ السراية في باب المائعات لم تكن من باب التطبيق الصناعيّ والدقيق لدليل الانفعال، بل كانت بتوسّط ضمّ الارتكاز العرفيّ إليه القاضي بالسراية، ولدى تحليل هذا الارتكاز نجد أنّ من المعقول أن ندّعي أنّ حكمته ونكتته كون أجزاء المائع متحركةً سيّالةً نافذةً بطبعها بخلاف الجامد، فإنّ تلك الحركة والسيولة في أجزاء المائع أوجبت توسعة العرف لدائرة السراية بمجرّد الملاقاة.
ومن المعلوم أنّ هذه النكتة غير موجودةٍ في محلّ الكلام، أي في الطبقة المائية الفوقية التي تشكّل صفة الرطوبة للجسم الجامد، فإنّها لضآلة سمكها وحجمها لا يرى فيها تبادل الأجزاء وحركتها فيما بينها، بل يعتبر كلّ جزءٍ منها ملتصقاً بالجزء الجامد الذي تحته، ومثل هذا المائع لا تشمله نكتة الارتكاز القاضي بتوسعة دائرة السراية، ولا أقلّ من الشكّ في ذلك، الموجب لعدم إمكان التمسّك بدليل الانفعال لإثبات سراية النجاسة إلى تمام الرطوبة؛ لأنّ اقتضاء دليل الانفعال للسراية إلى تمام أجزاء المائع موقوف على تمامية الارتكاز، ومع الشكّ فيه لا يمكن التمسّك بالدليل.
وإلى هنا كنّا نتكلّم عن حال المسألة بلحاظ دليل الانفعال العامّ ولو بضمّ الارتكاز، وأمّا حالها بلحاظ الأخبار الخاصّة فلا شكّ في صحّة ذكرها واستعراضها كمؤيِّدٍ للنتائج التي انتهينا إليها. وأمّا الاعتماد عليها كدليلٍ مستقلٍّ فلا يخلو من إشكال، بمعنى: أ نّه إذا لم نستفِد من دليل الانفعال سراية النجاسة إلى تمام المائع فيشكل إثبات ذلك بالأخبار الخاصّة، وإذا تسجّلت الشبهة التي أثرناها في الجامد المرطوب- والتي تستهدف إثبات السراية إلى تمام أجزاء الجامد عن طريق السراية في الرطوبة نفسها- فيشكل إبطال الشبهة بالأخبار الخاصّة.

187

الإناء بلا إشكال، مع أنّ الاتّصال هنا بين الماء والإناء حاصل قبل الملاقاة، كلّ هذا يوضّح أنّ المسألة غير مرتبطةٍ بكون الاتّصال قبل الملاقاة أو بعدها، بل هناك نكتة اخرى للسراية إذا وجدت سرت النجاسة، سواء كان الاتّصال قبل الملاقاة أو بعدها، وإذا لم توجد فلا سراية مطلقاً.

وتلك النكتة التي بتحديدها يتوضّح الجواب على هذه الشبهة أنّ الاتّصال والملاقاة بين النجس والجامد ليس إلّابلحاظ السطح المواجه للنجس والمماسّ له، لا السطح الآخر الملاقي للجزء الثاني من أجزاء الجسم الجامد. وبهذا يعرف السبب في عدم التنجّس عندما نقطّع أجزاء الجسم الواحد ثمّ نعيدها إلى هيئتها الاولى‏، والسبب في سراية النجاسة من المائع إلى الإناء عند تحوّله إلى خمر.

الثاني: وهو بيان أحسن من سابقه، وحاصله: أ نّنا حينما نفرض رطوبة الجسم الجامد بالمرتبة الثالثة من الرطوبة- التي اعتبرها جماعة[1] من الأعلام شرطاً في السراية- فمعنى ذلك أنّ طبقةً مائيةً لها جرم يفترض وجودها على الجسم المرطوب، فإذا لاقى النجس الجسم المرطوب فقد لاقى تلك الطبقة، فيحكم وفقاً لقاعدة السراية في المائعات بنجاسة تمام تلك الطبقة المائية، وإذا تنجّست كذلك تنجّس بها الجسم الجامد بتمامه؛ لأنّه بكلّ جزءٍ منه يلاقي جزءاً من تلك الطبقة المائية.

وهذا البيان لا يرد عليه شي‏ء ممّا تقدّم، بل ينحصر وجه التخلّص منه بالرجوع إلى مسألة السراية في المائعات، وتحليلها على نحوٍ يقتضي إخراج هذه الصورة منها.

 

[1] مثل السيّد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى 1: 467، والسيّد الخوئي في التنقيح 2: 198.

186

المرطوب أيضاً فتسري النجاسة منه إليه، وكذلك الأمر في الثالث، وهكذا …
وقد أجاب السيّد الاستاذ على هذا البيان بجوابٍ يتأرجح بين دعويين، حيث إنّه في صدر التقريب كأ نّه يريد التمييز والتفرقة بين عنواني الملاقاة والاتّصال بين الأجزاء، وأنّ ما هو موضوع الحكم بالسراية الملاقاة، وهي غير حاصلةٍ إلّابلحاظ الجزء المماسّ للنجس. وأمّا الاتّصال الثابت في ما بين الأجزاء نفسها فهو ليس بموضوعٍ للسراية والتنجيس.
وفي آخر التقريب كأ نّه يريد مطلباً آخر: هو التفرقة بين الاتّصال قبل التنجّس بالملاقاة والاتّصال بعد ذلك، فيستشهد بالوجدان العرفيّ لإثبات أنّ ما هو المؤثّر في السراية الاتّصال بعد الملاقاة مع النجس، كما لو تنجّس جزء بالملاقاة للنجس ثم لاقى جسماً آخر. وأمّا الاتّصال الثابت بين الأجزاء قبل الملاقاة للنجس فليس بمنجّس.
وكلا هذين الجوابين غير واضح.
أمّا الأوّل فلأ نّنا لا نتعقّل فرقاً بين الاتّصال والملاقاة؛ لأنّ الملاقاة ليست إلّاعبارةً عن تلاقي الجسمين، وذلك لا يكون إلّابالاتّصال والمماسّة، فملاقاة جسمٍ لجسمٍ آخر من أيّ جهةٍ أو جزءٍ هي عين اتّصاله به في تلك الجهة أو الجزء.
وأمّا الثاني فلأنّ الاتّصال- بما هو اتّصال- بعد الملاقاة أو اتّصال قبل الملاقاة لا دخل له في السراية؛ لوضوح أ نّنا لو قطعنا الجسم الجامد المرطوب، كالخشبة التي لاقت الكلب- مثلًا- بجزءٍ منها وجعلناه قطعاً عديدةً، ثمّ أعدناها إلى هيئتها الاولى وأوصلنا بعضها ببعضٍ فلا تسري النجاسة إلى غير الجزء النجس مع أنّ الاتّصال هنا بعد الملاقاة.
كما أنّ المائع في داخل الإناء إذا انقلب إلى خمرٍ سرت النجاسة منه إلى‏

185

هنا ليحكم على الدليل ويؤخذ قرينةً على تطبيق عنوان الملاقي على الجسم الجامد كلّه، كما كان الحال في المائعات، وعليه فلا موجب لاستفادة نجاسة ما عدا الجزء الملاقي.

وهذا فيما إذا لم تكن الأجزاء الاخرى مرطوبةً برطوبةٍ مسريةٍ في غاية الوضوح، وكذلك إذا كانت فيها رطوبة ولكن يفصل بينها وبين الجزء الملاقي منطقة جافّة، إذ لو قيل بنجاسة سائر الأجزاء المرطوبة: فإن كان كذلك في ضمن نجاسة الجسم بتمامه بما فيه المنطقة الجافّة فهذا خلف اشتراط الرطوبة في السراية، وإن كان ذلك مع الحكم بطهارة المنطقة الجافّة فهذا معناه طفرة النجاسة، وهو على‏ خلاف المرتكز العرفيّ جزماً.

وأمّا إذا كان الجسم كلّه رطباً برطوبةٍ مسريةٍ فقد يتوهّم تطبيق عنوان الملاقي عليه بتمامه، وحينئذٍ يقتضي دليل الانفعال نجاسته كلّه.

ولكنّك عرفت أنّ مقتضى النظر المطابق للواقع في مقام تطبيق الدليل تطبيق عنوان الملاقي على الجزء الذي أصابته النجاسة خاصّة، وإنّما توسّعنا في باب المائعات لقرينة الارتكاز، ولا ارتكاز كذلك في باب الجوامد إن لم يكن الارتكاز على خلافه، فلا موجب للتوسّع، بل لا ينجس سوى الجزء الملاقي.

ولكنّ هنا شبهةً قد تثار في هذا الفرض لإثبات تنجّس تمام الأجزاء بنفس دليل الانفعال؛ وذلك من باب السراية بالوسائط، ويمكن تقريب الشبهة بأحد بيانين:

الأوّل: ما أفاده السيّد الاستاذ[1]– دام ظلّه- من: أنّ النجس الملاقي لجزءٍ من الجامد سوف ينجّسه، وهذا الجزء باعتباره مرطوباً وملاقياً للجزء الثاني‏

 

[1] التنقيح 2: 200- 201.

184

لعدم تعقّل الطفرة عرفاً فلابدّ أن نفهم السراية على ضوء هذه العناية، ومقتضاه تدرّج النجاسة السارية، وكون وصولها إلى كلّ جزءٍ في طول وصولها إلى الجزء الأسبق.
ومن شواهد اقتضاء الارتكاز العرفي لذلك: ما نجده من اختلاف مراتب الاستقذار العرفي، بلحاظ مدى قرب الجزء المائع إلى الملاقي النجس، فكلّما كان أبعد يُرى أمره أهون، وليس ذلك إلّالارتكازية أنّ السراية إلى الأبعد بتوسّط الأقرب، فكأ نّه تنجّس مع الواسطة.
وبذلك اتّضح أنّ التطبيق الدقيق لدليل الانفعال لا يقتضي التفرقة بين الجوامد والمائعات، وإنّما تقوم التفرقة على أساس تحكيم الارتكاز العرفيّ في دليل الانفعال، فقد يتمّ التقريب الثالث بعد إعمال تلك العناية الارتكازية.
ولكن قد يقال: إنّ التقريب الثالث لا يمكن تتميمه بإعمال الارتكاز العرفيّ المذكور؛ لأنّ سراية القذارة إذا كانت في المرتكز العرفيّ بلحاظ سراية الأثر، وسراية الأثر أمر تدريجيّ في الأجزاء لاستحالة الطفرة فهذا يتطلّب التدرّج الزمانيّ، لا الرتبيّ فقط، ولا يناسب مع نجاسة جميع المائع في‏آنٍ واحد، فالتحليل الارتكازي المذكور يناسب التقريب الثاني.
وقد تكون ضآلة الزمان الذي يتطلّبه سريان الأثر وعدم إمكان ضبطه عادةً حكمةً لاستقرار الارتكاز العرفيّ في باب المائعات على البناء على نجاسة المائع وقذارته بالملاقاة دفعةً واحدة، وإعمال مثل هذه الحكمة لا يجعل الحكم بالسراية تعبّدياً بحتاً، كما هو واضح.
هذا كلّه في تطبيق دليل الانفعال في المائعات. وأمّا تطبيقه في الجامد فمقتضى الجمود على العنوان المأخوذ فيه تطبيق عنوان الملاقي على الجزء خاصّةً فلا تسري النجاسة إلى سائر الأجزاء، ولا يوجد ارتكاز عرفيّ للسراية

183

قيل بأنّ البخار لا يمكن أن يتنجّس.

وعليه فيمكن لصاحب التقريب المذكور أن يقول: بأنّ الذي يتنجّس بالنجس مباشرةً هو الجزء الصغير الذي يتحمّل النجاسة، ولا يقبل الانقسام إلى جزءين يتحمّلان النجاسة بالانفراد.

نعم، قد أورد المحقّق الهمداني قدس سره‏[1] اعتراضاً آخر على التقريب المذكور، حاصله: أنّ الذي يتنجّس- حتّى على فرض إمكان الجزء الذي لا يتجزّأ- هو سطحه الملاقي للنجس، والجزء الثاني إنّما يلاقي السطح الآخر من ذلك الجزء، وتنجّسه فرع سراية النجاسة إلى ذلك السطح، وهو بلا موجبٍ بدون ضمِّ الارتكاز، ومعه لا حاجة إلى هذه العناية، بل لماذا لا نعمل من أول الأمر الارتكاز في دليل الانفعال لتطبيقه على المائع كلّه؟

وهذا الاعتراض بالمقدار الذي يرتبط بردّ التقريب المذكور صحيح، إلّاأنّ ما فرَّعه قدس سره عليه- بأ نّه لو اريد إعمال الارتكاز فلنعمله بنحوٍ نثبت بنفس الملاقاة نجاسةً مستوعبةً للمائع كلّه- محلّ نظر؛ لأنّ تحكيم الارتكاز بنحوٍ ينتج توسعة النجاسة الحاصلة من الملاقاة وشمولها للجزء الأوّل بكلا سطحيه، أو للمائع بتمام أجزائه ليس جزافاً، بل لابدّ في تعيّن أحد الأمرين من ملاحظة المناسبات الارتكازية والعرفية لنجد مقدار اقتضائها، ولا يبعد أنّ المناسبات العرفية تقتضي الأوّل؛ لأنّ سراية القذارة الحكمية ليست في نظر العرف أمراً تعبّدياً، بل هي بلحاظ سراية أثر القذارة إلى الملاقي، كما هو الحال في القذارات العرفية.

وبهذا الاعتبار اشترطنا الرطوبة في السراية ارتكازاً، وحيث إنّ أثر القذر الملاقي لا معنى لسرايته إلى الجزء الثاني من المائع إلّابتوسّط الجزء الأوّل؛

 

[1] مصباح الفقيه 1: 93- 94.

182

نحوٍ واحدٍ لا يدلّ إلّاعلى نجاسة الجزء الملاقي فقط، ولكنّ نجاسة الجزء الملاقي في المائع تستدعي نجاسة الأجزاء الاخرى أيضاً دفعةً واحدة؛ لأنّها كلّها متلاقية مع وجدان الرطوبة، وهذا بخلاف أجزاء الجامد فإنّها وإن كانت متلاقيةً ولكن بدون رطوبة.

وهذا التقريب يفسّر نجاسة جميع أجزاء المائع في وقتٍ واحد، ولكن مع فرض الطولية في المرتبة، وبذلك يسلم من الاعتراض الذي اتّجه على التقريب السابق.

ولكن أورد عليه المحقّق الهمداني قدس سره‏[1]: بأ نّه مبنيّ على إمكان الجزء الذي لا يتجزّأ، وإلّا لم يتمَّ هذا التقريب بدون ضمِّ الارتكاز؛ لأنّ الجزء الملاقي للنجس بنفسه قابل للتجزئة إلى جزءين أحدهما أقرب إلى النجس من الآخر، فهل الآخر ينجس بنفس النجس أو بملاقاته للجزء الأوّل؟

فعلى‏ الأوّل كان معناه الرجوع إلى الارتكاز في توسيع نطاق السراية، فليرجع إليه ابتداءً.

وعلى الثاني ننقل الكلام إلى الجزء الأوّل من الجزءين، فإنّه بدوره ينقسم إلى جزءين أيضاً، وهكذا …

وهذا الاعتراض يمكن الجواب عليه: بأنّ عدم انتهاء التقسيم إلى جزءٍ لا يمكن أن يتجزّأ فلسفياً وواقعياً لا يعني عدم انتهائه إلى جزءٍ لا يمكن أن يتجزّأ بما هو قابل للنجاسة عرفاً، فالجزء الذي يتحمّل النجاسة ويقبل سرايتها ينتهي إلى ما لا يقبل التجزئة، بمعنى أنّ أجزاءه إذا لوحظت مستقلّةً لم تقبل النجاسة؛ لعدم كونها أجراماً في نظر العرف، كما هو الحال في ذرّات البخار مثلًا، ومن هنا

 

[1] مصباح الفقيه 1: 92- 93.

181

المسرية مختصّةً بموضع الملاقاة منه فعدم سراية النجاسة إلى سائر أجزاء الجسم واضح؛ لأنّ السراية فرع الرطوبة المسرية. وإن كان الجسم كلّه مرطوباً برطوبةٍ مسريةٍ فلا تسري النجاسة أيضاً؛ لأنّ الظاهر أنّ الاتّصال بما أ نّه كذلك لا يكفي في الحكم بالنجاسة، وإنّما الموضوع للحكم بها الإصابة والملاقاة، وإصابة النجس مختصّة بجزءٍ من الجامد وغير متحقّقةٍ في الجميع.
ونلاحظ: أنّ هذا البيان لم يبرز وجهاً للفرق بين المائع والجامد يفسَّر على أساسه كون المائع شيئاً واحداً يطبّق عنوان الملاقي على تمامه، بينما لا يطبق في الجامد إلّاعلى الجزء المماسّ مباشرةً.
فبالنسبة إلى الجامد المرطوب كلّه: تارةً يتساءل أ نّه لماذا لم ينجس كلّه بنفس إصابة النجاسة لجزء منه؟
واخرى يتساءل لماذا لم تسرِ النجاسة من جزءٍ منه إلى جزءٍ آخر بالاتّصال؟
والبيان المذكور إنّما نظر إلى الجواب على التساؤل الثاني، ولم يجب على التساؤل الأوّل بإبراز فرقٍ بين المائع والجامد من هذه الناحية.
التقريب الثاني: أنّ ملاقاة النجس لا توجب إلّانجاسة الجزء الملاقي، غير أنّ هذا الجزء في الجامد يكون ساكناً فلا تسري منه النجاسة إلى غيره إلّا بعناية، بخلافه في المائع؛ لأنّ أجزاء المائع سيّالة متغلغلة فالجزء المتنجّس منه يسري ويتوزّع في المائع فينجس كلّه.
وهذا التقريب لو تمّ لاستغنى عن ضمّ الارتكاز، ولكنّه لا يفي بتفسير المقصود؛ لأنّ اللازم منه كون سراية النجاسة في المائع تدريجية، مع أنّ المقصود إثبات نجاسة المائع في آنٍ واحد، وستأتي تتمّة الكلام عن ذلك.
التقريب الثالث: أن يقال: إنّ دليل الانفعال في الجوامد والمائعات على‏

180

نعم، لو فرضنا المائع بنحوٍ لا يعتبر واحداً عرفاً كما في الماءين المختلفين بالسطح فالسافل حينئذٍ غير العالي؛ ولهذا لا نلتزم بسراية النجاسة إلى العالي لو لاقت النجاسة مع السافل.

وهذا التقريب لا يخلو من غموضٍ وتأرجُح، فهل يراد به الاستعانة بالارتكاز في مقام تطبيق الدليل، أو دعوى التفرقة بلحاظ حاق الدليل بدون ضمّ الارتكاز؟

فحين يقال: إنّ عنوان الملاقي في المائعات ينطبق على تمام المائع- بخلاف الجوامد- إن قصد بذلك أنّ عنوان الملاقي لغةً- وبقطع النظر عن عالم أدلّة الانفعال بالملاقاة- يقال على تمام المائع، ولا يقال على تمام الجامد، فهذا يعني تطبيق حاقّ الدليل بلا ضمّ الارتكاز.

ولكنّ مثل هذه الدعوى غريبة في بابها، إذ لا إشكال في أنّ عنوان الملاقي بالحقيقة لا ينطبق على الكلّ، لا في الجامد ولا في المائعات، وإنّما ينطبق على الجزء الملاقي خاصّة. وأمّا بلحاظ النظر المسامحيّ والعنائيّ فيطلق عنوان الملاقي على تمام الجسم، مائعاً كان أو جامداً، فيقال مثلًا: لاقت يدي ثوبك.

نعم، لو اعمل النظر العنائيّ في تطبيق عنوان الملاقي على المائع، والنظر الدقيق في تطبيقه على الجامد تمّت التفرقة. ولكنّ هذا لا وجه له إلّابتحكيم الارتكاز على دليل الانفعال، وبذلك يرجع هذا التقريب إلى تحكيم الارتكاز، ولا يعود تفسيراً للتفرقة على أساس حاقّ دليل الانفعال.

وبما ذكرناه ظهر الحال في ما هو ظاهر كلام السيّد الاستاذ دام ظلّه‏[1]، إذ أفاد أنّ الوجه في تنجّس كلّ المائع بالملاقاة وحدته، وأمّا الجامد: فإن كانت الرطوبة

 

[1] التنقيح 2: 199- 201.