کتابخانه
206

الزئبق والذهب المذاب- بالتمسّك بإطلاقات أدلّة الانفعال؛ لعدم شمول المقيّد لمثل المقام؛ لأنّ المقيّد: إن كان هو الإجماع على عدم السراية مع الجفاف فلا يعلم بشموله لمحلّ الكلام، وإن كان هو الروايات الخاصّة الواردة في مثل السمن والزيت التي أناطت السراية بالذوبان والميعان فمن الواضح أنّ ذوبان ما وقع موضوعاً للكلام فيها من السمن والزيت ونحوهما إنّما هو ذوبان مائيّ مساوق للرطوبة الموجبة للتلوّث، فلا موجب للتعدّي إلى مورد الكلام.

ويمكن أن يقرَّب الحكم بعدم النجاسة:

تارةً بالتمسّك بإطلاق مقيِّدٍ من قبيل: «كلّ يابسٍ ذكيّ»[1]، بدعوى: أنّ اليبوسة في مقابل نداوة ماءٍ لا في مقابل مطلق المَيَعان.

واخرى بدعوى: أنّ المقيّد اللبّيّ- وهو الارتكاز القاضي بعدم السراية مع الجفاف- يشمل جزماً أو احتمالًا هذا النحو من المَيَعان غير المائي، ومع احتمال شموله لا يمكن التمسّك بإطلاق دليل الانفعال؛ لأنّه من موارد المقيّد المتّصل الدائر أمره بين الأقلّ والأكثر.

وثالثةً بدعوى إنكار وجود مطلقاتٍ في أدلّة الانفعال رأساً؛ لأنّ دليل الانفعال المطلق: إمّا أن يكون متصيّداً من الروايات الواردة في الموارد المتفرّقة، أو معتبرة عمّار الآمرة بغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء[2]، والمتصيّد لا يمكن أن يعمّم لمحلّ الكلام، والموثّقة موردها ملاقاة الماء.

وبما ذكرناه ظهر: أنّ الذهب المذاب ونحوه إذا كان مرطوباً برطوبةٍ مائية، ولاقى‏ النجس سطحه ولم تسرِ النجاسة إلى تمامه شأنه شأن الجامد؛ لأنّ سراية

 

[1] وسائل الشيعة 1: 351، الباب 31 من أبواب أحكام الخلوة، الحديث 5.

[2] وسائل الشيعة 1: 142، الباب 4 من أبواب الماء المطلق، الحديث 1.

205

مسألة (8): لا يكفي مجرّد المَيَعان في التنجّس، بل يعتبر أن يكون ممّا يقبل التأثّر.
وبعبارةٍ اخرى: يعتبر وجود الرطوبة في أحد المتلاقيين، فالزئبق إذا وضع في ظرفٍ نجسٍ لا رطوبة له لا ينجس وإن كان مائعاً، وكذا إذا اذيب الذهب أو غيره من الفلزّات في بوتقةٍ نجسة، أو صُبَّ بعد الذوب في ظرفٍ نجسٍ لا ينجس إلّامع رطوبة الظرف، أو وصول رطوبةٍ نجسةٍ إليه من الخارج (1).
————-
الرابع: أ نّه إذا شُكَّ في بقاء القذر الجافّ على الثوب من ناحية الشكّ في مقداره فهل يجري استصحاب بقائه؟
والتحقيق: أنّ ما علم بارتفاعه: إن كان معلوم الانطباق على الأقلّ المتيقّن حدوثاً فلا معنى لإجراء الاستصحاب؛ لأنّ ما زاد عليه مشكوك بدويّ من أول الأمر، واستصحاب الجامع يكون من استصحاب القسم الثالث من الكلّي.
وأمّا اذا لم يكن معلوم الارتفاع ممّا يعلم بانطباقه على الأقلّ المتيقّن حدوثاً فلا بأس بجريان استصحاب واقع ذلك الجزء الذي كان قد تيقّن به حدوثاً ولا يدرى بزواله.
وليس هذا من استصحاب الفرد المردّد، بل هو من قبيل ما إذا علم بدخول زيدٍ- الذي هو موضوع الأثر الشرعيّ- إلى المسجد ثمّ علم بخروج شخصٍ منه لا يدرى‏ هل هو زيد أو غيره؟ فإنّه في مثل ذلك يجري استصحاب بقاء زيدٍ في المسجد بلا إشكال.
***
(1) قد يقرَّب الحكم بالنجاسة في حالة المَيَعان بدون رطوبة- كما في‏

204

استصحاب ملاقاة الثوب للنجس إلى حين رطوبة الثوب لا يثبت سراية الرطوبة من الثوب إلى النجس إلّابالملازمة. ومن هنا كنّا نقول بأنّ استصحاب رطوبة النجس لا يكفي لنجاسة ملاقيه؛ لأنّه لا يثبت سراية الرطوبة إلّابالملازمة.
ولكن يمكن التفكيك بدعوى: أنّ الرطوبة الدخيلة في التنجيس إذا كانت في النجس فلا يكفي مجرّد وجودها، بل لابدّ أن تكون بنحوٍ تسري منه فعلًا إلى الملاقي، ومن هنا لا يجري استصحاب رطوبة النجس. وأمّا إذا كانت في الملاقي للنجس فلا يعتبر فيها السريان إلى النجس؛ لأنّ اعتبار سريان الرطوبة في التنجيس يتطابق مع المرتكزات العرفية في جانب النجس، لا في جانب الطاهر.
إذ ما معنى أنّ الطاهر المرطوب لا ينجس إلّاإذا سرى منه شي‏ء إلى النجس؟! فإنّ مناط سراية القذارة عرفاً أن يكتسب غير القذر شيئاً من القذر، لا العكس، إلّاأن يلتزم باعتبار سراية الرطوبة من الطاهر إلى النجس بدرجةٍ توجب السراية مرّةً اخرى‏ من النجس إلى الطاهر، وهذا معناه: أنّ الرطوبة التي تفي بالشرط في جانب الملاقي يجب أن تكون أشدّ من الرطوبة التي تفي بالشرط في جانب القذر، وهو بعيد عن اتّجاه المسألة فتوىً وعرفاً.
بل قد يقال: إنّ اعتبار كون الرطوبة في النجس مسريةً إنّما هو من أجل أنّ المناط في السراية حقيقةً رطوبة الملاقي؛ لأنّ الملاقي الجافّ لا يتأثّر، فالملاقي إن كان رطباً في نفسه تأثّر- على أيِّ حالٍ- ولو لم تكن رطوبته مسرية، وإن لم يكن رطباً كذلك وكان النجس رطباً فلابدّ من أن تكون رطوبته مسريةً لكي يصبح الملاقي رطباً، وبالتالي صالحاً للتأثّر، وعليه لا يكون الاستصحاب في المقام مثبتاً.
نعم، قد يُتأمَّل في ترتّب نجاسة الماء على الاستصحاب المذكور بنحوٍ يشبه التأمّل في ترتّب نجاسة الملاقي لبدن الحيوان على استصحاب بقاء عين النجاسة عليه، حتّى لو قيل بأنّ بدن الحيوان ينجس ثمّ يطهر بزوال العين، فلاحظ.

203

المفروغية عن أصل التخلّص إرشاداً إلى عدم وجوب الغسل وليس في مقام الإلزام بالنفض.
ولكنّ البناء على المانعية ولزوم النفض لو لم يكن الغسل هو الأقرب فلا شكّ في أ نّه هو الأحوط؛ لأنّ مجرّد الاحتمال المذكور لا يسوِّغ رفع اليد عن ظهور الأمر بالنفض في المانعية، خصوصاً مع تعقيب الأمر بالنفض بقوله:
«ويصلّي».
الثالث: أ نّه لو شكّ في زوال الغبار المتراكم على الثوب بالنفض جرى استصحاب بقائه، وترتّب على ذلك الحكم ببقاء المانعية تعبّداً. وهل يترتّب عليه الحكم بنجاسة المائع الذي يقع فيه ذلك الثوب، أو لا؟ وجهان:
فقد يقال بعدم ترتّب ذلك على الاستصحاب المذكور؛ لأنّه لا يثبت ملاقاة الغبار النجس للمائع إلّابالملازمة، حيث إنّ بقاءه في الثوب إلى حين طرح الثوب في المائع يستلزم ملاقاته للمائع.
وقد يقال بالترتّب؛ وذلك لأنّنا نثبت بالاستصحاب المذكور نجاسة نفس الثوب، فإنّ نجاسته مترتّبة على ملاقاته للنجس وكونه رطباً، وملاقاته للتراب النجس بنفسها مورد الاستصحاب، وكون الثوب رطباً وجدانيّ حالة إلقائه في المائع، واذا ثبتت نجاسة الثوب ثبتت نجاسة المائع بملاقاته للثوب.
فإن قيل: كيف كان الاستصحاب مثبتاً بالنسبة إلى إحراز ملاقاة المائع للتراب النجس ولم يكن مثبتاً بالنسبة إلى إحراز ملاقاة الثوب للتراب النجس؟
فإنّه يقال: إنّ أصل ملاقاة المائع للتراب النجس ليس مورداً للاستصحاب، بل هو لازم عقليّ لبقاء المستصحَب، وأمّا ملاقاة الثوب للتراب النجس فهي بنفسها مورد للاستصحاب.
نعم، هنا شي‏ء، وهو: أ نّه إذا قيل بأنّ رطوبة الملاقي للنجس بمجرّدها ليست كافيةً، بل بحيثية سريان الرطوبة منها إلى النجس فمن الواضح أن‏

202

الثاني: أنّه بعد فرض عدم التنجيس هل يكون مانعاً عن الصلاة في الثوب الحامل لذلك التراب النجس مع عدم سراية النجاسة بالملاقاة أو أ نّه لا مانعية له مادامت النجاسة الحكمية غير ساريةٍ إلى الثوب؟

ويمكن دعوى عدم المانعية؛ لأنّ الثابت من أدلّة مانعية النجس في الصلاة كون المانع هو نجاسة البدن، أو نجاسة اللباس، والمفروض في المقام عدم سراية النجاسة إلى الثوب، فالنجس هنا محمول لا ملبوس فلا يشمله دليل مانعية النجس.

وفي مقابل ذلك يمكن أن تقرَّب المانعية في مثل هذا المحمول الذي يتلطّخ به ثوب المصلّي أو بدنه: إمّا باستفادة ذلك من نفس أدلّة عدم جواز الصلاة في الثوب الذي أصابته النجاسة، أو الثوب المتنجّس، باعتبار أنّ كون الثوب متنجّساً ومتقذّراً كما يكون بلحاظ اتّصافه بالنجاسة الحكمية كذلك يكون بلحاظ تلطّخه بعينٍ نجسةٍ أو متنجّسة، فإنّ هذه العين بالدقة وإن كانت شيئاً محمولًا لا صفةً ولكنّها بالنظر العرفيّ صفة للثوب وقذارة له.

وإمّا بلحاظ معتبرة عليّ بن جعفر، عن أخيه قال: سألته عن الرجل يمرّ بالمكان فيه العذرة، فتهبّ الريح فتلقي عليه من العذرة فيصيب ثوبه ورأسه، يصلّي قبل أن يغسله؟ قال: «نعم، ينفضه ويصلّي فلا بأس»[1].

فإنّها تضمّنت الأمر بالنفض وهو ظاهر في مانعيته.

اللهمّ إلّاأن يقال: إنّ الأمر بالنفض ليس له ظهور في المولوية والإلزام؛ لاحتمال أن يكون المقصود منه نفي وجوب الغسل؛ لأنّ أصل التخلّص من القذارة أمر مفروض عرفاً، وإنّما التردّد في اسلوب التخلّص ودورانه بين الاسلوب الأبسط وهو النفض أو الأشدّ وهو الغسل، فيكون الأمر بالاسلوب الأبسط بعد

 

[1] وسائل الشيعة 3: 443، الباب 26 من أبواب النجاسات، الحديث 12، وفيه:« فتسفى» بدل« فتلقي».

201

مسألة (6): إذا خرج من أنفه نخاعة غليظة وكان عليها نقطة من الدم لم يحكم بنجاسة ما عدا محلّه من سائر أجزائها، فاذا شكّ في ملاقاة تلك النقطة لظاهر الأنف لا يجب غسله، وكذا الحال في البلغم الخارج من الحلق (1).

مسألة (7): الثوب أو الفراش الملطَّخ بالتراب النجس يكفيه نفضه، ولا يجب غسله، ولا يضرّ احتمال بقاء شي‏ءٍ منه بعد العلم بزوال القدر المتيقّن (2).

—————

السابق، بل ينحصر وجه الحكم بالطهارة في المنع عن صدق الملاقاة؛ لعدم كون الفتحة في الثقب موجودةً وجوداً عرفياً يحقّق الملاقاة.

***

(1) هذه المسألة تطبيق للكبريات التي فرغنا عنها، فالنخاعة[1] لغلظتها لا تسري النجاسة إلى تمامها من نقطة الدم، ومع عدم سريانها لا موجب للحكم بنجاسة الأنف ما لم يعلم بملاقاة نقطة الدم.

(2) الكلام في هذه المسألة يقع في فروع:

الأوّل: في أنّ الغبار إذا كان متنجّساً، أو من عين النجس فهل ينجِّس ما يصيبه من فراشٍ أو ثوب؟

والجواب: أ نّه لا ينجّسه ولو تراكم عليه، مع فرض عدم الرطوبة المسرية، كما تقدّم‏[2].

 

[1] النُخاعة- بالضمّ- ما تَفَله الإنسان كالنُخامة، وهي البزقة التي تخرج من أصل الفم‏ممّا يلي أصل النُخاع. لسان العرب( مادة نَخَع).

[2] تقدّم في الصفحة 173.

200

مسألة (4): إذا لاقت النجاسة جزءاً من البدن المتعرِّق لا يسري إلى سائر أجزائه إلّامع جريان العَرَق (1).

مسألة (5): إذا وضع إبريق مملوء ماءً على الأرض النجسة، وكان في أسفله ثقب يخرج منه الماء: فإن كان لا يقف تحته بل ينفذ في الأرض أو يجري عليها فلا يتنجّس ما في الإبريق من الماء، وإن وقف الماء بحيث يصدق اتّحاده مع ما في الإبريق بسبب الثقب تنجَّس، وهكذا الكوز والكأس والحبّ ونحوها (2).

————-

(1) تقدّم تحقيق الكلام فيها[1].

(2) تارةً يفرض بين الثقب والموضع النجس فجوة يتقاطر فيها الماء، واخرى يفرض التصاق الثقب بالأرض.

ففي الأوّل قد يقرّب الحكم بالطهارة: تارةً باعتبار أ نّه من باب ملاقاة السافل للنجس فلا ينفعل العالي، واخرى باعتبار تعدّد الماء وعدم كون الاتّصال من خلال الثقب موجباً لوحدته.

ويرد على الأوّل: أ نّه لا يتمّ بعد فرض امتلاء الفجوة، إذ يكون من ملاقاة الساكن، لا المتدافع من الماء الذي لا تسري النجاسة فيه إلى الأعلى‏.

ويرد على الثاني: أنّ مجرّد عدم الوحدة لا يكفي، إذ يكفي في السراية الملاقاة، وهي حاصلة بين ماء الإبريق والماء الذي ملأ الفجوة.

نعم، إذا كان الثقب ضيّقاً على نحوٍ لا يرى هناك اتّصال، ويرى أنّ ما في فوهة الثقب مجرّد رطوبةٍ اتّجه الحكم بالطهارة.

وفي الثاني لا يجري الوجهان المتقدّمان، حتّى لو سلّمنا في الفرض‏

 

[1] راجع الصفحة 173 وما بعدها من هذا الجزء.

199

الكلمة.

وأمّا إذا كان الشكّ في أصل تعيين الكلمة الصادرة فلا تفيد تلك المقرّبات في تعيينها، كما هو واضح، وإنّما المقصود- على أيّ حالٍ- الأمر بطرح ما كان النجس عليه من الطعام- سواء كان ثريداً أو غيره- في مقابل أن يطرح الطعام كلّه.

نعم، في بعض الروايات انيطت السراية بعنوان الذوبان، كما في رواية إسماعيل ابن عبد الخالق، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام‏[1]. ومعتبرة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام‏[2]، فقد جاء في الاولى‏ قوله: «فإن كان ذائباً»، وجاء في الثانية قوله: «فإن كان جامداً فألقِها وما يليها وكُلْ ما بقي، وإن كان ذائباً فلا تأكله».

فقد يدّعى‏- جموداً على العبارة فيهما- أنّ مجرّد صدق الذوبان عرفاً يكفي في الحكم في السراية بدون فرقٍ بين مراتبه، ولكن لو تمّ هذا الإطلاق ولم يحكم عليه ارتكاز عرفيّ بالنحو المتقدّم لوقع طرفاً للمعارضة مع إطلاق معتبرة معاوية ابن وهب السابقة، التي فصلت بين السمن والعسل وبين الزيت، ودلّت على عدم السراية إلى كلّ أجزاء السمن والعسل إذا كان بالإمكان تطويق النجاسة وفصلها مع محلّها عمّا حولها من سائر الأشياء، سواء صدق عليه عنوان الذائب ولو بلحاظ أدنى مراتب الذوبان أوْ لا.

ومادّة التعارض هي حالة الذوبان التي لا تمنع عن تطويق النجاسة ومحلّها، وبعد التساقط نرجع إلى مقتضى القاعدة فنحكم بالطهارة؛ لأنّ دليل الانفعال العامّ لا يقتضي السراية إلّافي حدود عدم إمكان التطويق عرفاً.

 

[1] وسائل الشيعة 17: 98، الباب 6 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5.

[2] وسائل الشيعة 24: 194- 195، الباب 43 من أبواب الأطعمة المحرّمة، الحديث 2.

198

والصيف، ومدخلية الفصلين وإن كانت بلحاظ الانجماد والميعان ولكنّه يناسب مع التنزيل على المرتكز العرفي، حيث إنّ المائع في الصيف تتّسع دائرة نفوذه، بينما تضيق في الشتاء بحيث يمكن تطويق النجاسة فيه، ولهذا ورد التعبير بقوله:

«فانزع ما حوله». وقد يشعر بعدم النفوذ قوله في آخر الرواية: «ولا تترك طعامك من أجل دابّةٍ ماتت عليه»، إذ قيل بأ نّها ماتت عليه، لا فيه.

بقي شي‏ء يرتبط بفقه هذا الحديث، حيث جاء فيه قوله: «وإن كان ثرداً»، والكلمة مردّدة بين «ثرداً» و «برداً»[1]، وقد استظهر أ نّه الثرد بمعنى الثريد، بتقريب: أ نّه على الاحتمال الآخر يكون تكراراً لنفس الجملة السابقة التي تفترض حكم الشتاء.

ويمكن أن يناقش في ذلك: بأ نّه وإن استلزم التكرار ولكنّه تكرار عرفيّ في أمثال المقام من أجل توضيح أنّ الشتاء إنّما اخذ بنحو المعرّفية إلى البرد، لا على وجه الموضوعية، وكون ذلك مفهوماً بمناسبات الحكم والموضوع لا يمنع عن تصدّي المتكلّم لتفهيمه، وكان الأولى أن يذكر في إثبات الاحتمال الأوّل أ نّه عليه يكون قوله المذكور معطوفاً على قوله في صدر الكلام: «إن كان سمناً أو عسلًا أو زيتاً» بلا مؤونة.

وأمّا على الاحتمال الآخر فلا يمكن أن يكون معطوفاً على قوله: «فإن كان الشتاء … وإن كان الصيف»؛ لأنّ «كان» هناك تامّة لا ناقصة، فلابدّ على هذا التقدير من تقدير اسمٍ لكان في قوله: «كان برداً» ننتزعه بالعناية من مجموع الكلام، وعلى هذا يكون الاحتمال الأوّل أولى‏ بالكلام.

هذا، ولكنّ الصحيح: أنّ كلّ هذا الكلام ممّا لا مجال له؛ لأنّ ذكر المقرّبات والشواهد إنّما يفيد في مجال تحديد المراد الاستعماليّ بعد الفراغ عن تحديد

 

[1] كما في الوافي 19: 120، الحديث 19051.