کتابخانه
289
                        أحكام الكفّارة
تكرّر فيما سبق في محرّمات الإحرام أنّ في بعض الحالات يجب على المحرِم أن يكفِّر بذبح حيوان، وكلّ مَن وجبت عليه الكفّارة ولم يؤدِّها اعتبر آثماً، ولكنّ حجَّه لا يبطل بذلك، ولا ترتبط صحّة الحجّ بأداء الكفّارة، فهي على هذا الأساس واجب مستقلّ ولا يجب الإسراع به. ولا بدّ أن نوضّح هنا مكان ذبح الحيوان الذي يجب التكفير بذبحه، وطريقة التصرّف فيه بعد ذبحه.
أمّا مكان الذبح: فإن كان كفّارة لأجل الصيد في العمرة ذبح في مكّة المكرّمة، وإن كان للصيد في إحرام الحجّ ذبح في منى.
وإن كان لسببٍ آخر غير الصيد جاز ذبحها في أيِّ مكان، وأمكن للمكلّف تأخيرها إلى حين الرجوع إلى بلده. ويستثنى من ذلك كفّارة التظليل، فإنّ الأحوط وجوباً أن تذبح في منى.
وأمّا طريقة التصرّف فيجب التصدّق بما كان لأجل الصيد، والأحوط التصدّق به مهما كان سبب الكفّارة، وعدم الأكل منه.
كما أنّ الأحوط وجوباً اشتراط الفقر فيمن يتصدّق بشي‏ءٍ من الكفّارة عليه.
ولا يجوز على الأحوط إعطاء جلد الذبيحة للجزّار كأجرٍ على ذبحه،
288

287
موجز أحكام الحجّ‏
3

                        الملاحق‏

أحكام الكفّارة.
أحكام عامّة ترتبط بمكّة المكرّمة.
زيارة المدينة المنوّرة.
286

تبقَ بعد رجوعه من سفره سقط عنه الوجوب ما لم تتجدّد بعد ذلك.
الثالثة: أن يعلم المكلّف بأنّ حكم القاضي على خطأٍ، ولكنّ الظروف تسمح له بإدراك عرفات والمشعر ولو في الوقت الاضطراري، أو بإدراك اضطراريِّ المشعر خاصّةً على الأقلّ، ففي هذه الحالة يجب عليه أن يُدرِك ما وسعه ممّا لا يتعارض مع التقيّة، فإن أدرك ولو اضطراريّ المشعر صحّ حجّه، وفي هذه الصورة يمكن للحاجِّ أن يرمى جمرة العقبة إن أحبَّ في اليوم العاشر بموجب حكم القاضي السنّي، ولكن لا يكتفي بذلك ويؤخّر الذبح والحلق إلى اليوم العاشر الواقعي، ففي اليوم العاشر الواقعي يرمي جمرة العقبة ويذبح ويحلق ثمّ يطوف.

285
وكلّ من يتمكّن من مباشرة الرمي من دون مشقّةٍ وحرجٍ يجب عليه ذلك، ولا يجوز له أن يستنيب، وإذا كان غير متمكّنٍ لمرضٍ ونحوه من الموانع التي لا يرجى زوالها إلى المغرب استناب غيره، فإذا اتّفق بُرؤُه قبل زوال الشمس رمى بنفسه على الأحوط.
                        كيف تعرف أوقات المناسك؟ (146)
اتّضح ممّا تقدَّم أنّ هناك مناسكَ وواجباتٍ في الحجّ مرتبطة بأوقاتٍ مخصوصة، كالوقوف بعرفات، والوقوف في المشعر، ورمي جمرة العقبة، وهذا يتطلّب تعيين اليوم التاسع والعاشر لتؤدّى تلك المناسك في أوقاتها، وتقوم معرفة ذلك على أساس الوسائل التي يثبت بها هلال ذي الحجّة شرعاً: من الرؤية، والبيّنة، والشياع المفيد للعلم، وحكم الحاكم الشرعي.
وإذا حكم القاضي السنّي بالهلال دون أن يثبت بالوسائل المتقدّمة فهنا صور:
الاولى: أن لا يعلم بأ نّه حكم خاطئ، وفي هذه الصورة يصحّ للمكلّف اتّباعه والعمل على أساسه في تحديد زمان الوقوف بعرفات وبالمشعر، وغير ذلك من واجبات الحجّ.
الثانية: أن يعلم المكلّف بأ نّه حكم خاطئ لا يتطابق مع الواقع، وكانت هناك تقيّة تحول دون إدراك الوقوف ولو في الوقت الاضطراري بعرفات وبالمشعر، أو بالمشعر وحده على الأقلّ، ففي هذه الصورة لا يصحّ الحجّ بالعمل على أساس حكم القاضي على الأحوط وجوباً، ولا يصحّ بالعمل على أساس مخالفته أيضاً؛ لأنّه على خلاف التقيّة، وإن كانت استطاعته وليدةَ تلك السّنة ولم‏
284

وقته:
ويجب إيقاع رمي الجمار الثلاث في النهار، ولا يجزئ إيقاعها في الليل اختياراً. ويستثنى من ذلك: من يخاف على نفسه أو عرضه أو مالِه، فإنّه يجوز له الرمي في الليلة السابقة على النهار، فيرمي- مثلًا- في ليلة الحادي عشر ما يجب في نهار الحادي عشر من الرمي، وهذه الرخصة تشمل الشيوخ والنساء والضعفاء الذين يخافون على أنفسهم من كثرة الزحام، فيجوز لهؤلاء الرمي ليلة ذلك النهار.
(145) حكمه:
رمي الجمار الثلاث في اليومين المذكورين واجب، ولكن من تركه عامداً حتّى مضى وقته لا يبطل حجّه، ويجب عليه على الأحوط قضاء الرمي إمّا بالمباشرة، أو باستنابة شخصٍ يرمي عنه، وذلك في العام القابل في مثل تلك الأيام.
وإذا نسي الرمي في اليوم الحادي عشر قضاه في اليوم الثاني عشر، وإذا نساه في اليوم الثاني عشر قضاه في اليوم التالي له، وإذا نسي الرمي في أكثر من يومٍ وتذكّر ذلك قبل مضيّ اليوم الثالث عشر قضاه، وكذلك على الأحوط إذا كان لا يزال في مكّة ولو بعد انتهاء أيام التشريق (وهي الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر)، والأحوط له أن يفصل بين رمي يومٍ ورمي يومٍ آخر عند القضاء بساعة.
وإذا نساه ولم يذكره إلّابعد خروجه من مكّة وانتهاء أيّام التشريق لم يجب عليه الرجوع، بل يقضيه على الأحوط استحباباً في السنة القادمة في وقته إمّا بنفسه مباشرةً، أو باستنابة شخصٍ يرمي عنه.

283
                        رمي الجمار
 (143) الثالث عشر من واجبات الحجّ: رمي الجمار الثلاث:
الاولى، والوسطى، وجمرة العقبة في كلٍّ من اليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر.
 (144) كيفيّته:
وهو متّحد في الكيفيّة والشروط مع ما تقدّم من رمي جمرة العقبة يوم العيد، فلاحظ الفقرة (120)، ونضيف هنا: أ نّه يجب الترتيب بين الجمرات الثلاث في الرمي ابتداءً من الاولى وانتهاءً بجمرة العقبة، فلو خالف ورمى جمرةً قبل أن يذهب إلى سابقتها وجب الرجوع إلى السابقة وإعادة رمي اللاحقة، سواء كان عالماً أو جاهلًا أو ناسياً.
كما تجب النيّة في رمي كلّ جمرة، وصورتها مثلًا: «أرمي هذه الجمرةَ بسبعِ حُصيَّاتٍ لحجِّ التمتّعِ من حَجَّةِ الإسلام قربةً إلى اللَّه تعالى».
وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان حجّاً مستحبّاً أسقط كلمة «حَجَّة الإسلام».
282

ويستحبّ الإكثار من الصلاة والتسبيح والتهليل والحمد في مسجد الخيف فإنّ له شأناً عند اللَّه تعالى، حتّى ورد في بعض الروايات: «أنّ مئة ركعةٍ فيه تعادل عبادة سبعين عاماً»[1].

 

[1] وسائل الشيعة 5: 269- 270، الباب 51 من أبواب أحكام المساجد، الحديث الأوّل

281
أيضاً عن عدم مبيتهما.
ويستثنى من الكفّارة مَن يلي:
أوّلًا: من ترك المبيت في منى مشتغلًا بالعبادة في مكّة.
ثانياً: من خرج من مكّة بعد الطواف والسعي ولم يصل إلى منى، بل نام في الطريق.
ثالثاً: المعذورون من المبيت في منى لشغلٍ ضروري، كتمريض مريض، أو لضرورة كالمرض، أو الخوف من المبيت في منى، فإنّ هؤلاء لا يجب عليهم التكفير، وإن كان الأحوط للأخيرين التكفير، خصوصاً للأخير.
                        مستحبّات منى (142)
يستحبّ التواجد بمنى الأيام الثلاث نهاراً وليلًا، وهي الفترة الممتدّة من يوم العيد (العاشر) إلى ظهر اليوم الثاني عشر، فينبغي للحاجّ أن يؤثِر المكثَ في منى مهما أمكن على الخروج منها ولو للطواف المندوب، ويحرص على قضاء تمام الفترة فيها باستثناء ما تتطلّبه المناسك الواجبة من طوافٍ وسعي.
ويستحبّ أيضاً أن يكبِّر الحاجّ في منى في أعقاب خمس عشرة صلاةً ابتداءً من صلاة الظهر في يوم العيد، كما يستحبّ التكبير نفسه للمسلمين في سائر بقاعهم عقيب عشر صلواتٍ ابتداءً من الصلاة المذكورة أيضاً، والأفضل في كيفيّة هذا التكبير أن يقول:
 «اللَّهُ أكبرُ اللَّهُ أكبرُ، لا إله إلّااللَّهُ، واللَّهُ أكبرُ، اللَّهُ أكبرُ وللَّهِ الحمدُ، اللَّهُ أكبرُ على ما هدانا، اللَّهُ أكبرُ على ما رزقنا من بهيمةِ الأنعامِ، والحمدُ للَّهِ على ما أبلانا».