کتابخانه
271

وموضعه من الناحية الزمانية نهار يوم العيد على الأحوط، غير أ نّه إذا أخّره ولو مع العمد والعلم بالحال وأتى به بعد نهار العيد إلى آخر أيام التشريق صحّ حجّه، ولكن إذا كان قد طاف بالبيت وسعى قبل الحلق أو التقصير عالماً عامداً فعليه إعادة الطواف والسعي بعد الحلق أو التقصير وكفّارة، على ما يأتي في أحكام الطواف إن شاء اللَّه تعالى في الفقرة (132).
وإذا تركه نسياناً حتى نفر من منى وجب عليه الرجوع في أيِّ وقتٍ تذكّره لأدائه مع التمكّن، وإن تعذّر الرجوع أو تعسّر حلق في موضعه وأرسل- على الأحوط- شعره إلى منى.
وموضعه من الناحية التسلسلية بعد الرمي والذبح، ولكن إذا قدَّمه على الذبح جاهلًا أو ناسياً أو عالماً عامداً صحّ ولا تجب عليه إعادته بعد الذبح، وأمّا إذا قدَّمه على الرمي: فإن كان جاهلًا أو ناسياً صحّ أيضاً ولا تجب إعادته، وإن كان عامداً عالماً بالحال فالأحوط عدم الاكتفاء بما قدَّمه، وإن كان الاكتفاء لا يخلو من وجه.
(128) كيفيت:
كيفيته: أنّ الحاجّ الرجل إذا كان في حجّته الاولى- الصرورة- وجب عليه على الأحوط الحلق، ونريد به: حلق شعر الرأس بتمامه، سواء كان بالموسى أو بالماكينة التي لا تبقي شعراً، وهي التي يقدّر وجود الشعر معهما بالصفر، وإذا كان الرجل مسبوقاً بحجّةٍ أو أكثر فهو مخيَّر بين الحلق على هذا النحو والتقصير بالنحو الذي تقدّم في أعمال عمرة التمتّع، سواء كان يحجّ عن نفسه أو نيابةً عن الغير من دون فرق بين أن يكون الغير صرورة أو لا، وأمّا المرأة فيتعيّن عليها التقصير.

270
آداب الذبح أو النحر

: (126) يستحبّ أن يقول عند الذبح أو النحر:

«وجّهتُ وجهي للَّذي فطر السماواتِ والأرضَ حنيفاً وما أ نَا من المشركين، إنّ صلاتي ونُسُكي ومَحياي ومماتي للَّهِ ربِّ العالمينَ، لا شريك له وبذلك امِرتُ وأ نَا من المسلمين. اللهمَّ منكَ ولكَ، باسمِ اللَّهِ واللَّهُ أكبر، اللهمَّ تقبَّل منِّي»[1].

وروي أ نّه يقول بعد ذلك: «تقبَّل منِّي كما تقبَّلتَ عن إبراهيمَ خليلِكَ، وموسى كليمِك، ومحمدٍ حبيبِك صلّى اللَّه عليه وآله وعليهم»[2].

الحلق والتقصير

وهو الواجب السادس من واجبات حجّ التمتّع.

(127) موضعه:

وموضعه من الناحية المكانية منى. فإذا خرج منها ولم يؤدّ هذا الواجب لزمه الرجوع مع التمكّن، فإن تعذّر الرجوع أو تعسّر عليه قصّر أو حلق في مكانه، وبعث بشعر رأسه إلى منى إن أمكنه ذلك على الأحوط.

 

[1] وسائل الشيعة 14: 152- 153، الباب 37 من أبواب الذبح، الحديث الأوّل

[2] مستدرك الوسائل 10: 108، الباب 32 من أبواب الذبح، الحديث 2

269

ويهدي ثُلُثَه إلى بعض الناس، ويتصدّق بثُلُثِه على بعض الفقراء، واعتبروا الإيمان شرطاً فيمن يهدى إليه ويُتصدّق به عليه. ولضمان تطبيق ذلك مع ندرة الفقير المؤمن في ذلك المكان ذكروا: أنّ بإمكان الحاجِّ أن يتوكَّل عن فقيرٍ مؤمنٍ ولو في بلده فيقبض الحاجّ ثلثه نيابةً عنه، وبذلك يؤدّي الوظيفة الشرعية.

والصحيح: أنّ هذا التصرّف من الأساس ليس بواجبٍ على هذا الوجه في هدي حجّ التمتّع، فلا يجب على الحاجِّ أن يأكل من ذبيحته، وإنّما يرخَّص له في ذلك. ويجب عليه أن يطعم الفقراء من ذبيحته إذا تمكّن من ذلك، قال اللَّه سبحانه وتعالى: «فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ»[1]. ولا يشترط في الفقير هنا الإيمان فإنّ «لكلِّ كبدٍ حرّى أجر»[2]. وقد ورد بسندٍ معتَبرٍ- على الأظهر- عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ عليّ بن الحسين عليه السلام كان يطعم من ذبيحته الحرورية»[3] وهم الخوارج الذين يعادون مولانا أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام.

وإطعام البائس الفقير الذي يأمر به القرآن الكريم لا ينطبق عرفاً على تقبّل الحاجِّ للثلث نيابةً عن فقيرٍ يبعد عن منى مئات الفراسخ ولا يحصل على شي‏ءٍ من الذبيحة، فإنّ المأمور به عنوان الإطعام لا مجرّد إنشاء التمليك.

فالصحيح: أنّ الحاجَّ الذي لم يَسُقْ هديَه معه إن وجد فقراء تصدّق باللحم عليهم مهما كان مذهبهم ونوعهم، ويجوز له أن يأكل هو وغيره من أهله وإخوانه من الذبيحة أيضاً.

 

[1] الحجّ: 28

[2] الكافي 4: 57، كتاب الزكاة، الحديث 2، مع اختلاف

[3] وسائل الشيعة 14: 162، الباب 40 من أبواب الذبح، الحديث 8

268

(124) كيفيته:
تتلخّص كيفيته فيما يلي:
أولًا: يحصل على حيوانٍ من الإبل أو البقر أو الغنم (المعز والضأن)، ويسمّى بالهدي، ولا يجزئ من الإبل إلّاما أكمل السنة الخامسة ودخل في السادسة، ولا يجزئ من البقر والمعز إلّاما أكمل الثانية ودخل في الثالثة على الأحوط، ولا يجزئ من الضأن إلّاما أكمل الشهر السابع ودخل في الثامن، والأحوط أن يكون قد أكمل السنة الواحدة ودخل في الثانية.
ويعتبر في الحيوان أن يكون تامَّ الأعضاء، فلا يجزئ الأعور والأعرج والمقطوع اذنه والخِصي والمكسور قرنه الداخل، وأن لا يكون مهزولًا عرفاً، والأحوط استحباباً أن لا يكون مريضاً ولا موجوءاً ولا مرضوض الخصيتين ولا فاقد القرن أو الذنب من أصل خلقته، ولا بأس بأن يكون مشقوق الاذن أو مثقوبها. وإذا لم يتيسّر الهدي الواجد لكلِّ هذه الشرائط أجزأه ما تيسّر له من الهدي. ولا يجوز أن يشترك اثنانِ يقومان في حجّة الإسلام بهديٍ واحد، بل لا بدّ من ذبيحةٍ مستقلّةٍ لكلٍّ منهما.
ثانياً: يذبحه أو ينحره حسب الطريقة الشرعية في الذبح والنحر للحيوان، إمّا مباشرةً أو بأن يوكِّل غيره في الذبح أو النحر.
ثالثاً: يجب عليه النية عند المباشرة أو عند التوكيل، وصورتها مثلًا: «أذبحُ الشاةَ لحجِّ التمتّع من حجّة الإسلام قربةً إلى اللَّه تعالى». وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان حجّاً مستحباً أسقط كلمة «حجّة الإسلام».
(125) مصرفه:
ذكر جماعة من الفقهاء: أنّ الحاجَّ يجب عليه أن يأكل شيئاً من الهدي،

267

وعليكَ توكّلتُ، فنِعمَ الربّ ونعم المولى ونعم النصير»[1].

الذبح والنحر في منى‏

وهو الخامس من واجبات حجّ التمتّع.

(123) وموضعه من الناحية المكانية منى. وإذا ضاقت منى بالناس وتعذّر إنجاز الواجبات فيها اتّسعت رقعة منى شرعاً، فشملت وادي محسر، وهي المنطقة التي تفصل منى عن المشعر. وإذا تعذّر الذبح في منى إطلاقاً بسبب منع السلطة وتعيينها مجازر خارج منى جاز للحاجِّ أن يذبح في مكة أو غيرها.

وإذا ذبح في غير منى جهلًا بالحكم أو لتخيّل أنّ المكان الذي يذبح فيه من منى فلا يبعد صحة ذبحه.

وموضعه من الناحية الزمانية يوم العيد على الأحوط، بمعنى أنّ الحاجّ يجب عليه أن يأتي بهذا الواجب في هذا اليوم، فإذا لم يأتِ به في ذلك اليوم عامداً أو غير عامدٍ فالأحوط وجوباً الإتيان به خلال أيام التشريق التي هي: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، فإذا لم يأتِ به في هذه الفترة عامداً أو غير عامدٍ وجب عليه الإتيان به خلال شهر ذي الحجّة وصحّ حجّه.

وموضعه من الناحية التسلسلية- أي تسلسل الواجبات- بعد الرمي، وإن قدَّمه على الرمي جاهلًا أو ناسياً صحّ ولم يحتجْ إلى الإعادة، وإن قدَّمه عليه عامداً وعالماً بوجوب البدء بالرمي فالأحوط أن يعيده بعد أن يرمي وإن كان عدم وجوب الإعادة لا يخلو من وجه.

 

[1] وسائل الشيعة 14: 58، الباب 3 من أبواب رمي جمرة العقبة، الحديث الأوّل

266
وإذا ترك المكلف رمي جمرة العقبة وهو عامد في تركه وعالم بالأحكام وتسلسل المناسك ووجوبها: فإن استمرَّ على تركه بطل حجّه، وإذا تداركه قبل مضيّ وقته صحّ، والأحوط أ نّه يجب عليه حينئذٍ أن يعيد ما أتى به من الأعمال المترتّبة على الرمي، وأ نّه يترتّب عليه كفّارة الحلق إذا كان قد خلق، وأ نّه إذا كان قد طاف تجب عليه إعادة الطواف، وكان كمن طاف قبل الحلق أو التقصير.
وسيأتي حكمه في أحكام الحلق والتقصير؛ لأنّه طاف وهو يرى أنّ حلقه أو تقصيره باطل، وإن كان عدم وجوب الإعادة وعدم ترتّب شي‏ءٍ لا يخلو من وجه.
                        آداب رمي الجمرات ومستحبّاته‏
: (122) في رمي الجمرات آداب يحسن بالحاجّ مراعاتها، فمن ناحية الشخص يستحبّ أن يكون على طهارة، والمعروف أنّ الرامي يرمي جمرة العقبة وهو مستدبر للقبلة ويرمي غيرها وهو مستقبل لها، ويستحبّ أن يكون على بعد عشر خطواتٍ إلى خمس عشرة خطوةً من الجمرة عند الرمي. ومن ناحية عملية الرمي يستحبّ أن يضع الحَصاة على إبهامه ويدفعها بظهر السبابة. ومن ناحية الدعاء يستحبّ له إذا جمع الحصيّات في يده وتهيّأ للرمي أن يقول:
 «اللهمَّ هذه حُصيّاتي فأحصِهنَّ لي وارفَعهنَّ في عَملي». كما يستحبّ له أن يقول في كلّ رمية:
 «اللَّهُ أكبر. اللهمَّ ادْحَرْ عنّي الشيطانَ. اللهمَّ تصديقاً بِكتابِكَ وعلى سُنَّةِ نَبِّيكَ. اللهمَّ اجعلهُ لي حجّاً مبروراً، وعَملًا مقبولًا، وسَعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً».
وإذا انصرف الحاجّ من الرمي إلى منزله في منى قال: «اللهمّ بكَ وثقتُ،
265

المسجد الحرام ومسجد الخيف، وأن تكون أبكاراً، بمعنى عدم العلم بأ نّها كانت مستعملةً في الرمي قبل ذلك.

(121) الأحكام:

وحكم رمي جمرة العقبة أ نّه واجب كما عرفت، وإذا تركه المكلف نسياناً أو جهلًا بالوجوب ثمّ التفت إلى الحال فله صور:
الاولى: أن يتذكّر في نفس يوم العيد فيؤدّيه، ولا تجب عليه إعادة ما أتى به من أعمال الحجّ المترتّبة على الرمي، كالذبح والتقصير والطواف.
الثانية: أن لا يتذكّر إلى أن يمضي نهار يوم العيد، فيتذكّر في ليلة الحادي عشر أو نهاره فيقضيه في نهار اليوم الحادي عشر، ويفرّق بينه وبين الرمي المفروض في ذلك النهار، ويقدِّم القضاء على أداء وظيفة ذلك النهار، جاعلًا القضاء صباحاً والأداء عند الظهر على الأحوط، ولا تجب عليه إعادة ما أتى به من أعمال الحجّ.
الثالثة: أن يتذكّر بعد مضيِّ اليوم الحادي عشر وقبل خروجه من مكة فيجب عليه أن يرمي، وإذا كان في مكة والتفت وجب عليه الرجوع إلى منى والرمي، ولا تجب عليه إعادة ما أتى به من أعمال الحجّ، والأحوط أن يبادر إلى الرجوع والرمي على نحوٍ يحصل الرمي في أيام التشريق التي تمتدّ من اليوم الحادي عشر إلى نهاية اليوم الثالث عشر من ذي الحجة.
الرابعة: أن يلتفت إلى الحال بعد الخروج من مكة والتوجّه نحو بلده، فلا يجب عليه الرجوع، بل الأحوط قضاؤه في السنة التالية في وقته مخيّراً بين الذهاب بنفسه أو الاستنابة.

264
                        رمي جمرة العقبة
 (119) وهو الرابع من واجبات الحجّ، وجمرة العقبة اسم لموضعٍ مخصوص، وهي واحدة من ثلاث جمرات، وتعتبر جمرة العقبة أقربَها إلى مكّة، ولا يجب في يوم العيد رمي سواها.
 (120) الكيفية:
وكيفيّة الرمي كما يلي:
أوّلًا: تجب النية، وصورتها مثلًا: «أرمي جمرةَ العقبةِ سبعاً في حجّ التمتّع من حجّة الإسلام قربةً إلى اللَّه تعالى». وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان الحجّ مستحباً أسقط كلمة «حجّة الإسلام».
ثانياً: أن يكون الرمي بسبع حصيّات، ولا يجزئ الأقلّ من ذلك، ولا ضررَ من الزيادة.
ثالثاً: أن يكون رميها على نحو التتابع، لا دفعةً واحدة.
رابعاً: إيصالها إلى الجمرة بالرمي، فلا يكفي وضعها على الجمرة، ولا رميها مع سقوطها قبل الوصول إلى الجمرة، وإذا رمى وشكّ في إصابة الجمرة ألغى تلك الرمية من الحساب ورمى مرّةً اخرى حتى يستيقن بالإصابة.
خامساً: أن يقع الرمي بين طلوع الشمس وغروبها من يوم العاشر.
ويستثنى من ذلك: مَن سبق أ نّهم مرخَّصون في الإفاضة من المشعر- أي الخروج منه- في الليل، فإنّهم مرخّصون في الرمي أيضاً في تلك الليلة.
سادساً: أن تكون الحصيّات مأخوذةً من الحرم، ويستثنى من الحرم:
263

واجبات يوم العيد

(118) فإذا طلعت شمس يوم العيد- العاشر من ذي الحجّة- على الحاجّ وهو في المشعر انتهى ما عليه في هذا المكان، ولزمه التوجّه نحو منى، وهو يعني الاقتراب من مكة، لأنّ منى أقرب إلى مكة من المشعر ولا تبعد عنها إلّاحوالي ثلاث كيلو مترات، ويحدّها طولًا من ناحية مكة العقبة، ومن ناحية المشعر وادي محسّر. وأمّا عرضاً فليس لها حدود واضحة، فكلّ ما سمّي بمنى في لسان أهل تلك البلاد فهو منى، والأحوط عدم التجاوز عن ذلك بالابتعاد عرضاً إلى نقاطٍ يشكّ في كونها من منى، ولكنّ الأقرب جواز افتراض كونها من منى عملياً، فكلّ ما يجب أن يؤدّى في منى يجوز أن يؤدّى في تلك النقاط[1] ويجب على الحاجّ أن يقوم بثلاثة أعمالٍ في نهار يوم العيد في منى، وهي: رمي جمرة العقبة، والذبح، والحلق أو التقصير، ونذكرها فيما يلي تباعاً.

 

[1] وذلك لأنّ الواجب هوا المبيت أو الحلق مثلًا في واقع المكان المسمّى بمنى، لا فيه بوصفه سمِّي‏بمنى، فإذا تردّد واقع المكان بين الأقلّ والأكثر كان من دوران أمر التكليف بين الأقلِّ والأكثر، وليس من الشكّ في الامتثال، وكان من موارد إجمال المخصّص مفهوماً، وهو ما دلّ على اشتراط كون الذبح والحلق بمنى، وليس من الشبهة المصداقية، ولا مجال هنا للتفصيل.( المؤلّف قدس سره)