کتابخانه
316

صِفراً ممّا ينقلِبُ به المتعبِّدونَ لكَ من عبادِكَ، وإنّي وإنْ لم اقدِّمْ ما قدَّموهُ من الصالحاتِ فقد قدَّمتُ توحيدَكَ ونفيَ الأضدادِ والأندادِ والأشباهِ عَنكَ، وأتيتُكَ من الأبوابِ التي أمرتَ أن تُؤتى منها، وتقرَّبتُ إليكَ بما لا يقربُ أحد منك إلّا بالتقرُّبِ بِهِ، ثمّ أتبعتُ ذلك بالإنابةِ إليكَ والتذلّلِ والاستكانةِ لك وحسنِ الظنِّ بكَ والثقةِ بما عندَكَ، وشفعتُه برجائِكَ الذي قلَّ ما يخيبُ عليه راجيكَ، وسألتك مسألةَ الحقيرِ الذليلِ البائِسِ الفقيرِ الخائِفِ المستجيرِ، ومع ذلك خيفةً وتضرّعاً وتعوّذاً وتلوّذاً، لا مستطيلًا بتكبّر المتكبّرينَ ولا متعالياً بدالّة المطيعين ولا مستطيلًا بشفاعةِ الشافِعينَ، وأنا بعدُ أقلّ الأقلِّينَ وأذلُّ الأذلِّينَ ومثل الذرّة أو دونها. فيا مَن لم يعاجِل المُسيئينَ ولا يَنْدَهُ المُترَفين، ويا مَن يَمُنُّ بإقالةِ العاثِرينَ ويَتَفَضَّلُ بإنظارِ الخاطِئينَ، أنا المُسي‏ءُ المعتَرفُ الخاطِئُ العاثِرُ، أنا الَّذي أقدمَ عليكَ مجترِئاً، أنا الَّذي عصاكَ متعمِّداً، أنا الذي استخفى من عبادِكَ وبارَزَكَ، أنا الَّذي هابَ عبادَكَ وأمِنَكَ، أنا الَّذي لم يرهَبْ سطوَتَكَ ولم يَخَفْ بأسَكَ، أنا الجاني على نَفْسِهِ، أنا المرتَهَنُ ببليَّتِهِ، أنا القليلُ الحياء، أنا الطويلُ العَناء، بحقِّ مَن اخترتَ مِن بريَّتِك ومَن اجتبَيتَ لِشأنِكَ، بحقِّ مَن انتجَبتَ من خلقِكَ وبِمَن اصطفيتَهُ لنفسِكَ، بحقِّ مَن وصلتَ طاعتَهُ بطاعتِكَ ومَن جعلت معصيتَهُ كمعصيتِكَ، بحقِّ مَن قَرَنْتَ موالاتَهُ بموالاتِكَ ومَن نُطْتَ معاداتَهُ بمعاداتِكَ، تَغمَّدني في يَومي هذا بما تتغمَّدُ بِهِ مَن جارَ إليكَ متنصِّلًا وعاذَ باستغفارِكَ تائباً، وتولَّني بما تتولَّى بِهِ أهلَ طاعتِك والزُّلفَى لديكَ والمكانَةَ منكَ، وتوحِّدْني بما تتوحَّدُ بِهِ مَن وَفى بعهدِكَ وأتعبَ نفسَه في ذاتِكَ وأجهَدَها في مرضاتِكَ، ولا تؤاخِذْني بتفريطي في جَنْبِكَ وتَعَدِّي طَوْري في حدودِكَ ومجاوَزَةِ أحكامِكَ، ولا تَستدرِجْني بإملائِكَ لي استدراجَ مَن منعني خيرَ ما عنده ولم يُشْرَكْكَ في حُلولِ نِعمتِه بي، ونبِّهْني من رقدَةِ الغافِلينَ وسِنة

315

مُطيعينَ وفي رِضاهُ ساعينَ وإلى نُصرَتِهِ والمدافَعَةِ عنه مُكنِفينَ، وإليكَ وإلى رسولِكَ- صلواتُكَ اللهُمَّ عليهِ وآلِهِ- بذلِكَ متقرِّبينَ. اللهُمَّ وصلِّ على أوليائِهم المعترِفينَ بِمَقامِهِمْ المُتَّبِعينَ مَنْهَجَهُمْ المُقْتَفينَ آثارَهُمْ المُسْتَمْسِكينَ بِعُرْوَتِهِمْ المُتَمَسِّكينَ بولايتهم المؤتَمِّينَ بإمامتهم المسلِّمينَ لأمرِهِم المجتهِدينَ في طاعَتهمْ المنتَظِرينَ أيّامَهُم المادِّينَ إليهِم أعْيُنَهم، الصلواتِ المباركاتِ الزاكياتِ النامياتِ الغادياتِ الرائحاتِ، وسلِّمْ عليهِم وعلى أرواحِهم، واجمَع على التقوى أمرَهم وأصلِح لهم شؤونَهم وتُبْ عليهِم إنَّكَ أنتَ التوَّابُ الرَّحيمُ وخيرُ الغافِرينَ، واجعلنا معهم في دارِ السَّلامِ برحمتِكَ يا أرحمَ الرَّاحِمينَ. اللهُمَّ وهذا يومُ عرفَةَ يومٌ شرَّفتَه وكرَّمتَه وعظَّمتَه، نشرتَ فيه رحمتَكَ ومَنَنْتَ فيه بعفوِكَ وأجزَلتَ فيه عطيّتَكَ وتفضَّلتَ بِهِ على عبادِك. اللهُمَّ وأنا عبدُكَ الذَّي أنعمتَ عليه قبل خلقِكَ له وبعدَ خلقِكَ إيّاهُ، فجعلتَه ممَّن هديتَه لدينِك ووفّقتَه لحقِّك وعصمتَه بحبلِك وأدخلتَه في حِزبِك، وأرشدتَه لِموالاةِ أوليائِكَ ومعاداةِ أعدائِكَ، ثمّ أمرتَه فلم يأتمِرْ وزَجرتَه فلم ينزجِرْ ونهيتَه عن معصيتِكَ فخالَفَ أمرَكَ إلى نهيِكَ، لا معاندةً لكَ ولا استكباراً عليكَ، بل دعاهُ هواهُ إلى ما زيّلتَه وإلى ما حذَّرتَه، وأعانَه على ذلك عدوُّكَ وعدوُّهُ، فأقدم عليهِ عارفاً بوعيدِك راجياً لعفوك واثِقاً بتجاوُزِكَ، وكان أحقّ عبادِك مع ما مننتَ عليه أ لّايفعل، وها أنا ذا بينَ يدَيكَ صاغِراً ذليلًا خاضِعاً خاشِعاً خائِفاً معتَرفاً بعظيمٍ من الذنوبِ تحمَّلتُه وجليلٍ من الخطايا اجترمتُه مستجيراً بصفحِك لائِذاً برحمتِكَ موقِناً أ نّه لا يُجيرُني منكَ مجيرٌ ولا يمنعُني منكَ مانِعٌ، فعُدْ عَلَيَّ بما تعودُ به على مَن اقترفَ مِن تغمّدِك، وجُدْ عَلَيَّ بما تجودُ به على من ألقى بيدِهِ إليكَ من عفوِكَ، وامنُنْ عَلَيَّ بما لا يتعاظَمُكَ أن تَمُنَّ بِهِ على من أمّلَكَ من غفرانِك، واجعل لي في هذا اليومِ نصيباً أنالُ به حظّاً من رِضوانِكَ، ولا تَرُدَّنِي‏

314

بَيْتِهِ الَّذينَ اختَرتَهُمْ لأمرِكَ، وجعلتَهمْ خَزَنَةَ عِلمِكَ وحَفَظَةَ دينِكَ وخُلفاءَكَ في أرضِكَ وَحُجَجِكَ على عبادِكَ، وَطهَّرتَهُم مِنَ الرَّجْسِ والدَّنَسِ تطهيراً بإرادتك، وجعلتَهُمُ الوَسيلَةَ إليكَ والمسلَكَ إلى جنَّتِكَ. ربِّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِهِ صَلاةً تُجزِلُ لهم بها مِنْ نِحَلِكَ وكرامَتِكَ، وتُكمِلُ لَهُمُ الأشياءَ من عَطاياكَ ونوافِلِكَ، وتوفِّر علَيهِمُ الحظَّ من عوائِدِكَ‏[1]. ربِّ صَلِّ عليهِ وعليهِم صلاةً لا أمدَ في أوّلها ولا غايةَ لأمدِها ولا نهايةَ لآخِرِها. رَبِّ صلِّ عليهم زنةَ عرشِكَ وما دونه ومِل‏ءَ سماواتِكَ وما فوقَهنَّ وَعَدَدَ أرَضيكَ وما تحتهُنَّ وَما بينهُنَّ، صَلاةً تُقَرِّبُهُم مِنْكَ زُلفى وتكونُ لكَ ولهم رضىً ومتّصِلةً بنظائرهِنَّ أبداً. اللهمَّ أيَّدْتَ دينَكَ في كلِّ أوانٍ بإمامٍ أقَمتَه عَلَماً لعبادِك ومَناراً في بلادِك، بعد أن وَصَلتَ حَبلَهُ بحبلِكَ وجعلتَه الذريعةَ إلى رِضوانِكَ وافترضتَ طاعته وحذّرتَ معصيتَه وأمرتَ بامتثالِ أوامِرِهِ والانتهاء عند نَهيِه، وأ لّايتقدَّمَه متقدِّمٌ، ولا يتأخَّرَ عنه متأخِّرٌ، فهو عِصمة اللائِذِينَ وكَهفُ المؤمنين وعُروةُ المستمسِّكينَ وبهاءِ العالَمين. اللهُمَّ فأوزعْ لِوَلِيِّكَ شُكرَ ما أنعمتَ بِهِ عليهِ وأوزِعنا مثلَه فيه، وآتِهِ مِن لَدُنْكَ سُلطاناً نَصيراً وافتح له فَتحاً يَسيراً وأعِنْهُ برُكنِكَ الأعزِّ واشدُدْ أزرَهُ وقَوِّ عَضُدَهُ وراعِهِ بعينِكَ واحْمِهِ بحِفْظِكَ وانصُرْهُ بملائِكَتِكَ وأمدِدْهُ بجُندِكَ الأغلبِ، وأقِمْ بِهِ كتابَكَ وحدودَكَ وشرائِعَكَ وسُنَنَ رسولِكَ صلواتُكَ اللهُمَّ عليه وآله، وأحْيِي بِهِ ما أماتَهُ الظالِمونَ من معالِمِ دينِكَ، واجْلِ بِهِ صدأَ الجَورِ عن طريقتِكَ وأبِنْ بِهِ الضَّرَّاءَ من سبيلِكَ وأزِلْ بِهِ الناكِبينَ عن صراطِكَ وامحَقْ بِهِ بُغاةَ قصدِكَ عِوجاً، وألِنْ جانِبَهُ لأوليائِكَ وابسِطْ يَدهُ على أعدائِكَ وهَبْ لنا رأفَتَهُ ورَحمَتَهُ وتعطُّفَهُ وتحنُّنَهُ، واجعلنا له سامِعين‏

 

[1] في نسخة:« وفوائدك»

313

ويَتزايدُ أضعافاً مترادفةً، حمْداً يَعجزُ عن إحصائِه الحفظةُ ويَزيدُ على ما أحْصَتهُ في كتابِكَ الكَتَبَةُ، حمْداً يوازِنُ عرشَكَ المجيدَ ويُعادِلُ كُرسِيَّكَ الرَفيعَ، حمداً يَكملُ لديكَ ثوابُهُ ويستغرِقُ كلَّ جزاءٍ جزاؤُهُ، حَمداً ظاهِرُهُ وِفقٌ لباطِنِه وباطنُهُ وِفقٌ لصدقِ النيّة، حمداً لم يحمَدْكَ خلقٌ مثْلهُ ولا يعرفُ أحدٌ سواكَ فضلهُ، حمداً يُعانُ مَن اجتهدَ في تَعديدِه ويُؤيَّدُ مَن أغرقَ نزعاً في توفِيَتِه، حمداً يجمعُ ما خَلقتَ من الحمدِ ويَنْتَظِمُ ما أنتَ خالِقُهُ من بعدُ، حمداً لا حَمْدَ أقْرَبُ إلى قولِكَ مِنهُ ولا أحمدَ ممَّن يحمَدُكَ به، حمداً يوجبُ بِكرمِكَ المَزيدَ بِوفورِه وتصِلُهُ بمزيدٍ بعدَ مَزيدٍ طولًا منك، حمداً يجب لكَرَمِ وجهِكَ ويقابِل عِزَّ جلالِك. ربِّ صَلِّ على محمّدٍ وآل محمّدٍ، المنتَجَبِ المصطفى المكرَّم المقرَّب، أفضل صلواتِكَ وبارِكْ عليهِ أتَمَّ بركاتِكَ وتَرَحّمْ عليهِ أمتَع رَحماتِكَ. ربِّ صلِّ على محمّدٍ وآلِهِ صلاةً زاكيةً لا تكونُ صلاةٌ أزكى منها، وَصَلِّ عليه صلاةً ناميةً لا تكُونُ صلاةٌ أنمى منها، وَصَلِّ عليهِ صَلاةً راضيةً لا تكُونُ صلاةٌ فَوقَها. رَبِّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِهِ صلاةً تُرضِيهِ وتَزيدُ على رضاهُ، وصَلِّ عليهِ صلاةً تُرضيكَ وَتَزيدُ على رِضاكَ لهُ، وصلِّ عليهِ صلاةً لا ترضى لهُ إلّابها ولا تَرى غَيْرَهُ لها أهلًا. رَبِّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِهِ صلاةً تُجاوزُ رِضوانَكَ وَيتَّصلُ اتّصالُها ببقائِكَ ولا يَنفدُ كما لا تَنفدُ كلماتُكَ. ربِّ صلِّ على محمّدٍ وآلِهِ صلاةً تنتظمُ صلواتِ ملائِكتِكَ وأنبيائِكَ وَرُسُلِكَ وأهلِ طاعتِكَ، وتشتملُ على صلوات عبادِكَ من جِنِّكَ وإنْسِكَ وأهلِ إجابَتِكَ، وَتَجتمعُ على صلاةِ كلِّ مَن ذَرَأتَ وَبَرأتَ من أصنافِ خَلقِكَ. رَبِّ صَلِّ عليهِ وآلِهِ صلاةً تُحيط بِكُلِّ صلاةٍ سالفةٍ ومستأنَفَةٍ، وَصَلِّ عليهِ وعلى آلِهِ صلاةً مَرضِيةً لكَ ولِمَن دونَك، وتنشِئُ معَ ذلِكَ صَلواتٍ تُضاعِفُ معها تلكَ الصلوات عندها، وتَزيدها على كُرورِ الأيّامِ زيادةً في تضاعيفَ لا يَعُدُّها غيرُك. رَبِّ صَلِّ على أطائِبِ أهل‏

312

ما أرَدْتَ وقضيتَ فكان عَدلًا ما قضيت وحكمْتَ فَكانَ نَصَفاً ما حكمْتَ، أنتَ الذي لا يَحويكَ مكانٌ ولم يقمْ لِسُلطانِكَ سُلطانٌ ولم يعيكَ برهانٌ وَلا بَيان، أنتَ الذي أحصيتَ كُلِّ شي‏ءٍ عَدداً وجعلْتَ لكلِّ شي‏ءٍ أمداً وقدَّرْتَ كلَّ شي‏ءٍ تقديراً، أنتَ الذي قَصُرتِ الأوهامُ عن ذاتيَّتِكَ وعَجَزتِ الأفهامُ عن كيفيّتِكَ ولم تُدرِكِ الأبصارُ موضِعَ أيْنِيَّتكَ، أنتَ الذي لا تُحَدُّ فتكونَ محدوداً، ولم تُمثَّلْ فَتكونَ موجوداً ولم تَلدْ فَتَكونَ مَوْلوداً، أنتَ الَّذي لا ضِدَّ مَعَكَ فَيُعانِدَكَ وَلا عِدْلَ فيكاثِرَكَ ولا نِدَّ لكَ فَيُعارِضَكَ، أنتَ الَّذي ابتدأ واخترعَ واستحدَثَ وابتدَعَ وأحسن صُنعَ ما صنع، سبحانَكَ ما أجلَّ شأنَكَ وأسنى في الأماكن مكانَك وأصدَعَ بالحقِّ فُرقانَكَ، سُبحانَكَ من لطيفٍ ما ألطَفَكَ ورؤُوفٍ ما أرأفَكَ وحكيم ما أعرَفَكَ، سبحانَكَ من مليكٍ ما أمنَعَك وجوادٍ ما أوسَعَكَ ورفيعٍ ما أرفَعَكَ، ذُو البهاءِ والمجدِ والكِبرياءِ والحَمدِ، سُبحانَكَ بَسَطتَ بالخيرات يدَكَ وعُرِفَتِ الهدايةُ منْ عندِكَ، فَمنِ الْتَمَسَكَ لدينٍ أو دُنياً وجَدَكَ، سبحانَكَ خَضعَ لَكَ مَن جَرى في علمِكَ وخشعَ لِعَظَمتِكَ ما دون عَرشِكَ وانقادَ لِلتسليمِ لك كُلُّ خَلقِكَ سبحانَكَ لا تُحَسُّ وَلا تُجَسُّ وَلا تُمَسُّ ولا تُكادُ ولا تُماطُ ولا تُنازَعُ ولا تُجارَى ولا تُمارَى وَلا تُخادَعُ ولا تُماكَرُ، سبحانَكَ سبيلُكَ جَدَدٌ وأمرُكَ رُشدٌ وأنتَ حيٌّ صَمَدٌ، سبحانَكَ قولكَ حكيمٌ وقضاؤُكَ حَتْمٌ وإرادتُكَ عَزمٌ، سبحانَكَ لا رادَّ لَمشيَّتِكَ ولا مُبدِّلَ لكلماتِكَ، سبحانَكَ باهِرَ الآياتِ فاطِرَ السَّماواتِ بارِئَ النَّسَماتِ، لَكَ الحَمْدُ حَمداً يدومُ بدوامِكَ، وَلَكَ الحمْدُ حَمداً خالداً بنعمتِكَ، ولكَ الحمدُ حمداً يُوازي صُنعَكَ، ولك الحمدُ حَمْداً يزيدُ على رِضاكَ، ولكَ الحمدُ حمداً مَعَ حَمْدِ كُلِّ حامِدٍ، وَشُكراً يَقْصُرُ عَنْهُ شُكْرُ كُلِّ شاكِرٍ، حَمْداً لا ينبغي إلّالكَ ولا يُتقرَّبُ به إلّاإليكَ، حمداً يُستدامُ بِهِ الأوّلُ ويستدعي به دَوامُ الآخر، حمداً يتضاعف على كُرورِ الأزمنة

311
                        دعاء عليّ بن الحسين عليه السلام يوم عرفة
 «الحمدُ للَّهِ ربِّ العالمين. اللهمَّ لك الحمدُ بديعَ السماوات والأرضِ، ذا الجلالِ والإكرامِ، ربَّ الأرباب وإلهَ كلِّ مألوهٍ وخالقَ كلِّ مخلوقٍ ووارثَ كلِّ شي‏ءٍ، ليس كمِثلِهِ شي‏ءٌ ولا يَعزُبُ عنه عِلمُ شي‏ءٍ وهو بكلِّ شي‏ءٍ محيط وهو على كلِّ شي‏ءٍ رقيبٌ، أنتَ اللَّهُ لا إلهَ إلّاأنتَ الأحدُ المتوحّدُ الفردُ المتفرِّدُ، وأنتَ اللَّهُ لا إلهَ إلّاأنتَ الكريمُ المُتَكَرَّمُ، العَظيمُ المُتَعَظِّمُ الكَبيرُ المتكبِّرُ، وأنتَ اللَّه لا إله إلّاأنتَ العليُّ المُتعالِ الشديدُ المِحال، وأنتَ اللَّهُ لا إلهَ إلّاأنتَ الرحمنُ الرحيمُ العليمُ الحكيمُ، وأنتَ اللَّهُ لا إلهَ إلّاأنتَ السميعُ البصيرُ القديمُ الخبيرُ، وأنتَ اللَّهُ لا إله إلّا أنت الكَريمُ الأكْرَمُ الدَّائِمُ الأدْوَمُ، وَأنتَ اللَّهُ لا إلهَ إلّاأنتَ الأوّلُ قبلَ كُلِّ أحدٍ والآخِرُ بعدَ كلِّ عددٍ، وأنتَ اللَّهُ لا إلهَ إلّاأنتَ الداني في عُلُوِّهِ والعالي في دُنُوِّه، وأنتَ اللَّهُ لا إلهَ إلّاأنتَ ذُو البهاءِ والمجدِ والكبرياءِ والحمدِ، وأنتَ اللَّهُ لا إلهَ إلّاأنتَ الذي أنشأتَ الأشياءَ من غير سِنْخٍ وصوّرتَ ما صوّرتَ من غيرِ مثالٍ وابتدعتَ المُبتدَعاتِ بِلا احتذاءٍ، أنتَ الذي قدَّرتَ كُلَّ شي‏ءٍ تقديراً ويسّرتَ كُلَّ شي‏ءٍ تيسيراً ودبّرتَ ما دونكَ تدبيراً، أنتَ الذي لم يُعِنْكَ على خلقِكَ شريكٌ وَلمْ يؤازِرْكَ في أمرِكَ وزيرٌ ولمْ يكن لك مشابهٌ ولا نظيرٌ، أنتَ الذي أرَدتَ فكان حَتما
310

مِنْ عَطائِكَ قانِطينَ، وَلا تَرُدَّنا خائِبينَ وَلا مِنْ بابِكَ مَطْرودينَ، يا أجْوَدَ الأجْوَدينَ وَأكْرَمَ الأكْرَمينَ إلَيْكَ أقْبَلْنا موقِنينَ وَلِبَيْتِكَ الحَرامِ آمّينَ قاصِدينَ، فَأعِنَّا عَلى مَناسِكِنا وَأكْمِلْ لَنا حَجَّنا، وَاعْفُ عَنَّا وَعافِنا فَقَدْ مَدَدْنا إلَيْكَ أيْدِيَنا فَهيَ بِذِلَّةِ الاعْتِرافِ مَوْسومَةٌ. اللهُمَّ فَأعْطِنا في هَذِهِ العَشِيَّةِ ما سَألْناكَ وَاكْفِنا ما اسْتَكْفَيْناكَ، فَلا كافِيَ لَنا سِواكَ وَلا رَبَّ لَنا غَيْرُكَ، نافِذٌ فينا حُكْمُكَ مُحيطٌ بِنا عِلْمُكَ عَدْلٌ فينا قَضاؤُكَ، اقْضِ لَنا الخَيْرَ وَاجْعَلْنا مِنْ أهْلِ الخَيْرِ. اللهُمَّ أوْجِبْ لَنا بِجُودِكَ عَظيمَ الأجْرِ وَكَريمَ الذُّخْرِ وَدَوامَ اليُسْرِ، وَاغْفِرْ لَنا ذُنوبَنا أجْمَعينَ وَلا تُهْلِكْنا مَعَ الهالِكينَ، وَلا تَصْرِفْ عَنَّا رَأفَتَكَ وَرَحْمَتَكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمينَ. اللهُمَّ اجْعَلْنا في هذا الوَقْتِ مِمَّنْ سَألَكَ فَأعْطَيْتَهُ وَشَكَرَكَ فَزِدْتَهُ وَثابَ إلَيْكَ فَقَبِلْتَهُ وَتَنَصَّلَ إلَيْكَ مِنْ ذُنوبِهِ كُلِّها فَغَفَرْتَها لَهُ، يا ذا الجَلالِ وَالإكْرامِ. اللهُمَّ وَفِّقْنا وَسَدِّدْنا وَاقْبَلْ تَضَرُّعَنا، يا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ‏[1]، يا مَنْ لا يَخْفى عَلَيْهِ إغْماضُ الجُفونِ وَلا لَحْظُ العُيونِ وَلا ما اسْتَقَرَّ في المَكْنونِ وَلا ما انْطَوَتْ عَلَيْهِ مُضْمَراتُ القُلوبِ، ألا كُلُّ ذَلِكَ قَدْ أحْصاهُ عِلْمُكَ وَوَسِعَهُ حِلْمُكَ، سُبْحانَكَ وَتَعالَيْتَ عمَّا يَقولُ الظَّالِمونَ عُلُوَّاً كَبيراً، تُسَبِّحُ لَكَ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالأرَضونَ وَمَنْ فيهِنَّ وَإنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إلّايُسَبِّحُ بِحِمْدِكَ، فَلَكَ الحَمْدُ وَالمَجْدُ وَعُلوُّ الجِدِّ، يا ذا الجَلالِ وَالإكْرامِ وَالفَضْلِ وَالإنْعامِ وَالأيادي الجِسامِ، وَأنْتَ الجَوادُ الكَريمُ الرَّؤوفُ الرَّحيمُ، اللهُمَّ أوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ الحَلالِ، وَعافِني في بَدَني وَديني وَآمِنْ خَوفي وَأعْتِقْ رَقَبَتي مِنَ النَّارِ. اللهُمَّ لا تَمْكُرْ بي وَلا تَسْتَدْرِجْني وَلا تَخْدَعْني، وَادْرَأ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الجِنِّ وَالإنْسِ»[2].

 

[1] في نسخةٍ زيادة:« ويا أرحم مَنِ استُرحِم»

[2] البلد الأمين: 352- 363. منشورات مؤسسة الأعلمي

309

الأسيرِ، يا رازِقَ الطِّفْلِ الصَّغيرِ، يا عِصْمَةَ الخائِفِ المُسْتَجيرِ، يا مَنْ لا شَريكَ لَهُ وَلا وَزيرَ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأعْطِني في هَذِهِ العَشِيَّةِ أفْضَلَ ما أعْطَيْتَ وَأنَلْتَ أحَداً مِنْ عِبادِكَ مِنْ نِعْمَةٍ توليها، وَآلاءٍ تُجَدِّدُها، وَبَلِيَّةٍ تَصْرِفُها، وَكُرْبَةٍ تَكْشِفُها، وَدَعْوَةٍ تَسْمَعُها، وَحَسَنَةٍ تَتَقَبَّلُها، وَسَيِّئَةٍ تَتَغَمَّدُها، إنَّكَ لَطيفٌ بِما تَشاءُ خَبيرٌ وَعَلَى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَديرٌ. اللهُمَّ إنَّكَ أقْرَبُ مَنْ دُعِيَ، وَأسْرَعُ مَنْ أجابَ، وَأكْرَمُ مَنْ عَفا، وَأوْسَعُ مَنْ أعْطى، وَأسْمَعُ مَنْ سُئِلَ، يا رَحْمانَ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَرَحيمَهُما، لَيْسَ كَمِثْلِكَ مَسْؤولٌ، وَلا سِواكَ مَأمولٌ، دَعَوْتُكَ فَأجَبْتَني، وَسَألْتُكَ فَأعْطَيْتَني، وَرَغِبْتُ إلَيْكَ فَرَحِمْتَني، وَوَثِقْتُ بِكَ فَنَجَّيْتَني، وَفَزِعْتُ إلَيْكَ فَكَفَيْتَني. اللهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسولِكَ وَنَبِيِّكَ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ أجْمَعينَ، وَتَمِّمْ لَنا نَعْماءَكَ وَهَنِّئْنا عَطاءَكَ، وَاكْتُبْنا لَكَ شاكِرينَ وَلآلائِكَ ذاكِرينَ آمينَ آمينَ رَبَّ العالَمينَ. اللهُمَّ يا مَنْ مَلَكَ فَقَدَرَ، وَقَدَرَ فَقَهَرَ، وَعُصِيَ فَسَتَرَ، وَاسْتُغْفِرَ فَغَفَرَ، يا غايَةَ الطَّالِبينَ الرَّاغِبينَ وَمُنْتَهى أمَلِ الرَّاجينَ، يا مَنْ أحاطَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عِلماً، وَوَسِعَ المُسْتَقْبِلينَ رَأفَةً وَرَحْمَةً وَحِلْماً. اللهُمَّ إنَّا نَتَوَجَّهُ إلَيْكَ في هَذِهِ العَشِيَّةِ الَّتي شَرَّفْتَها وَعَظَّمْتَها بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ وَرَسولِكَ وَخيرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَأمينِكَ عَلَى وَحْيِكَ، البَشيرِ النَّذيرِ السِّراجِ المُنيرِ، الَّذي أنْعَمْتَ بِهِ عَلَى المُسْلِمينَ وَجَعَلْتَهُ رَحْمَةً لِلعالَمينَ.
اللهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَما مُحَمَّدٌ أهْلٌ لِذَلِكَ مِنْكَ يا عَظيمُ، فَصَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ المُنْتَجَبينَ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ أجْمَعينَ، وَتَغَمَّدْنا بِعَفْوِكَ عَنَّا فَإلَيْكَ عَجَّتِ الأصْواتُ بِصُنوفِ اللُغاتِ، فَاجْعَلْ لَنا اللهُمَّ في هَذِهِ العَشِيَّةِ نَصيباً مِنْ كُلِّ خَيْرٍ تَقْسِمُهُ بَيْنَ عِبادِكَ، وَنوراً تَهْدي بِهِ، وَرَحْمَةً تَنْشُرُها، وَبَرَكَةً تُنْزِلُها، وَعافِيَةً تُجَلِّلُها، وَرِزْقاً تَبْسُطُهُ يا أرْحَمَ الرَّاحِمينَ. اللهُمَّ اقْلِبْنا في هَذا الوَقْتِ مُنْجِحينَ مُفْلِحينَ مَبْرورينَ غانِمينَ، وَلا تَجْعَلْنا مِنَ القانِطينَ، وَلا تُخْلِنا مِنْ رَحْمَتِكَ، وَلا تَحْرِمْنا ما نُؤَمِّلُهُ مِنْ فَضْلِكَ وَلا تَجْعَلْنا مِنْ رَحْمَتِكَ مَحْرومينَ، وَلا لِفَضْلِ ما نُؤَمِّلُه‏

308

عَسى الجُحودُ وَلَوْ جَحَدْتُ يا مَوْلايَ يَنْفَعُني، كَيْفَ وَأ نَّى ذَلِكَ وَجَوارِحي كُلُّها شاهِدَةٌ عَلَيَّ بِما قَدْ عَمِلْتُ وَعَلِمْتُ يَقيناً غَيْرَ ذي شَكٍّ أ نَّكَ سائِلي عَنْ عَظائِمِ الامورِ؟ وَأ نَّكَ الحَكَمُ العَدْلُ الَّذي لا تَجورُ، وَعَدْلُكَ مُهْلِكي وَمِنْ كُلِّ عَدْلِكَ مَهْرَبي، فَإنْ تُعَذِّبْني يا إلَهي فَبِذُنوبي بَعْدَ حُجَّتِكَ عَلَيَّ، وَإنْ تَعْفُ عَنِّي فَبِحِلْمِكَ وَجودِكَ وَكَرَمِكَ، لا إلَه إلّاأنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمينَ، لا إلَهَ إلّاأنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ المُسْتَغْفِرينَ، لا إلَه إلّاأنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ المُوَحِّدينَ، لا إلَهَ إلّاأنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الخائِفينَ، لا إلَهَ إلّاأنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الوَجِلينَ، لا إلَهَ إلّاأنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الرَّاجينَ، لا إلَهَ إلّاأنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الرَّاغِبينَ، لا إلَهَ إلّاأنْتَ سُبْحانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ المُهَلِّلينَ، لا إلَهَ إلّاأنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ السَّائِلينَ، لا إلَهَ إلّاأنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ المُسَبِّحينَ، لا إلَهَ إلّاأنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ المُكَبِّرينَ، لا إلَهَ إلّاأنْتَ سُبْحانَكَ رَبِّي وَرَبّ آبائيَ الأوَّلينَ. اللهُمَّ هذا ثَنائي عَلَيْكَ مُمَجِّداً، وَإخْلاصي لِذِكْرِكَ مُوَحِّداً، وَإقْراري بِآلائِكَ مُعَدِّداً، وَإنْ كُنْتُ مُقِرَّاً أ نِّي لَمْ احْصِها لِكَثْرَتِها وَسُبوغِها وَتَظاهُرِها وَتَقادُمِها إلَى حادِثٍ ما لَمْ تَزَلْ تَتَعَهَّدُني بِهِ مَعَها مُنْذُ خَلَقْتَني وَبَرَأتَني مِنْ أوَّلِ العُمْرِ مِنَ الإغْناءِ مِنَ الفَقْرِ، وَكَشْفِ الضُّرِّ، وَتَسْبيبِ اليُسْرِ. وَدَفْعِ العُسْرِ، وَتَفْريجِ الكَرْبِ، وَالعافِيَةِ في البَدَنِ، وَالسَّلامَةِ في الدِّينِ، وَلَوْ رَفَدَني عَلَى قَدْرِ ذِكْرِ نِعْمَتِكَ جَميعُ العالِمينَ مِنَ الأوَّلينَ وَالآخِرينَ ما قَدَرْتُ وَلا هُمْ عَلَى ذَلِكَ، تَقَدَّسْتَ وَتَعالَيْتَ مِنْ رَبٍّ كَريمٍ عَظيمٍ رَحيمٍ لا تُحْصَى آلاؤُكَ، وَلا يُبْلَغُ ثَناؤُكَ، وَلا تُكافى نَعْماؤُكَ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأتْمِمْ عَلَيْنا نِعَمَكَ وَأسْعِدْنا بِطاعَتِكَ، سُبْحانَكَ لا إلَهَ إلّاأنْتَ. اللهُمَّ إنَّكَ تُجيبُ المُضْطَرَّ وَتَكْشِفُ السُّوءَ وَتُغيثُ المَكْروبَ، وَتَشْفي السَّقيمَ وَتُغْني الفَقيرَ وَتَجْبُرُ الكَسيرَ، وَتَرْحَمُ الصَّغيرَ وَتُعينُ الكَبيرَ، وَلَيْسَ دونَكَ ظَهيرٌ وَلا فَوْقَكَ قَديرٌ وَأنْتَ العَلِيُّ الكَبيرُ، يا مُطْلِقَ المُكَبَّل‏