کتابخانه
343

(مسألة 27): كلّ ذي حرفة كالحدّاد والبنّاء والنجّار وغيرهم ممّن يفي كسبهم بنفقتهم ونفقة عوائلهم يجب عليهم الحجّ إذا حصل لهم مقدار من المال بإرث أو غيره، وكان وافياً بالزاد والراحلة ونفقة العيال مدّة الذهاب والإياب.

(مسألة 28): من كان يرتزق من الوجوه الشرعيّة كالخمس والزكاة وغيرهما وكانت نفقاته بحسب العادة مضمونة من دون مشقّة لا يبعد وجوب الحجّ عليه فيما إذا ملك مقداراً من المال يفي بذهابه وإيابه ونفقة عائلته، وكذلك من قام أحد بالإنفاق عليه طيلة حياته، وكذلك كلّ من لا يتفاوت حاله قبل الحجّ وبعده من جهة المعيشة إن صرف ما عنده في سبيل الحجّ.

(مسألة 29): لا يعتبر في الاستطاعة الملكية اللازمة بل تكفي الملكية المتزلزلة[1]، فلو صالحه شخص ما يفي بمصارف الحجّ وجعل لنفسه الخيار إلى مدّة معيّنة وجب عليه الحجّ، وكذلك الحال في موارد الهبة الجائزة.

(مسألة 30): لا يجب على المستطيع أن يحجّ من ماله، فلو حجّ متسكّعاً أو من مال شخص آخر أجزأه. نعم، إذا كان ثوب طوافه أو ثمن هديه مغصوباً لم يجزئه‏[2] ذلك.

(مسألة 31): لا يجب على المكلّف تحصيل الاستطاعة بالاكتساب أو

 

[1] إذا كان التزلزل على نحو يمكن إزالته بنفس صرف المبلغ في الحجّ، وجب ذلك‏كما هو الحال في الهبة الجائزة، وإذا كان التزلزل ثابتاً على كلّ حال؛ فإن كان الوفاء على تقدير الفسخ متعذّراً عليه إلّابحفظ ذلك المال على نحو يقع في مشقّة شديدة لو صرف المال، ويعتبر الإقدام فعلًا على صرف المبلغ في الحجّ حرجاً مع عدم الوثوق بعدم الفسخ، فلا يجب الحجّ إلّامع الوثوق بعدم الفسخ وإلّا وجب.

[2] على الأحوط في ثوب الطواف.

342

بأقلّ منها من دون عسر وحرج لزمه ذلك، إذا كان الزائد وافياً بمصارف الحجّ ذهاباً وإياباً وبنفقة عياله.

(مسألة 23): إذا كان عنده مال لا يجب بيعه في سبيل الحجّ لحاجته إليه ثمّ استغنى عنه، وجب عليه بيعه لأداء فريضة الحجّ، مثلًا: إذا كان للمرأة حلي تحتاج إليه ولا بدّ لها منه ثمّ استغنت عنه لكبرها أو لأمر آخر، وجب عليها بيعه لأداء فريضة الحجّ.

(مسألة 24): إذا كانت له دار مملوكة وكانت هناك دار اخرى يمكنه السكنى فيها من دون حرج عليه كما إذا كانت موقوفة تنطبق عليه، وجب عليه بيع الدار المملوكة إذا كانت وافية بمصارف الحجّ ولو بضميمة ما عنده من المال، ويجري ذلك في الكتب العلمية وغيرها ممّا يحتاج إليه في حياته.

(مسألة 25): إذا كان عنده مقدار من المال يفي بمصارف الحجّ وكان بحاجة إلى الزواج أو شراء دار لسكناه أو غير ذلك ممّا يحتاج إليه، فإن كان صرف ذلك المال في الحجّ موجباً لوقوعه في الحرج لم يجب عليه الحجّ وإلّا وجب عليه.

(مسألة 26): إذا كان ما يملكه ديناً على ذمّة شخص وكان الدين حالّاً، وجبت عليه المطالبة، فإن كان المدين مماطلًا وجب إجباره على الأداء، وإن توقّف تحصيله على الرجوع إلى المحاكم العرفية لزم ذلك، وكذلك الحال فيما إذا كان الدين مؤجّلًا ولكنّ المدين يؤدّيه لو طالبه، وأمّا إذا كان المدين معسراً أو مماطلًا ولا يمكن إجباره أو كان الإجبار مستلزماً للحرج، أو كان الدين مؤجّلًا والمدين لا يسمح بأداء ذلك قبل الأجل ففي جميع ذلك إن أمكنه بيع الدين بما يفي بمصارف الحجّ ولو بضميمة ما عنده من المال ولم يكن في ذلك ضرر ولا حرج وجب البيع وإلّا لم يجب.

 

341

(مسألة 21): إذا كان للمكلّف ملك ولم يوجد من يشتريه بثمن المثل وتوقّف الحجّ على بيعه بأقلّ منه بمقدار معتدّ به لم يجب البيع، وأمّا إذا ارتفعت الأسعار فكانت اجرة المركوب مثلًا في سنة الاستطاعة بأكثر منها في السنة الآتية لم يجز التأخير.

(مسألة 22): إنّما يعتبر وجود نفقة الإياب في وجوب الحجّ فيما إذا أراد المكلّف العود إلى وطنه، وأمّا إذا لم يرد العود وأراد السكنى في بلد آخر غير وطنه، فلا بدّ من وجود النفقة إلى ذلك البلد، ولا يعتبر وجود مقدار العود إلى وطنه.

نعم إذا كان البلد الذي يريد السكنى فيه أبعد من وطنه لم يعتبر وجود النفقة إلى ذلك المكان، بل يكفي في الوجوب وجود مقدار العود إلى وطنه.

الرابع: الرجوع إلى الكفاية، وهو التمكّن بالفعل أو بالقوّة من إعاشة نفسه وعائلته بعد الرجوع، وبعبارةٍ واضحة يلزم أن يكون المكلّف على حالة لا يخشى معها على نفسه وعائلته من العوز والفقر بسبب صرف ما عنده من المال في سبيل الحجّ، وعليه فلا يجب على من يملك مقداراً من المال يفي بمصارف الحجّ وكان ذلك وسيلةً لإعاشته وإعاشة عائلته، مع العلم بأ نّه لا يتمكّن من الإعاشة عن طريق آخر يناسب شأنه، فبذلك يظهر أ نّه لا يجب بيع ما يحتاج إليه في ضروريات معاشه من أمواله، فلا يجب بيع دار سكناه اللائقة بحاله وثياب تجمّله وأثاث بيته، ولا آلات الصنايع التي يحتاج إليها في معاشه، ونحو ذلك مثل الكتب بالنسبة إلى أهل العلم ممّا لا بدّ منه في سبيل تحصيله، وعلى الجملة كلّ ما يحتاج إليه الإنسان في حياته وكان صرفه في سبيل الحجّ موجباً للعسر والحرج لم يجب بيعه. نعم، لو زادت الأموال المذكورة عن مقدار الحاجة وجب بيع الزائد في نفقة الحجّ، بل من كان عنده دار قيمتها ألف دينار مثلًا ويمكنه بيعها وشراء دار اخرى‏

 

340

كان الحجّ مستقرّاً عليه ومن كان أوّل سنة استطاعته.

(مسألة 16): إذا كان في الطريق عدوّ لا يمكن دفعه إلّاببذل مال معتدّ به، لم يجب بذله ويسقط وجوب الحجّ.

(مسألة 17): لو انحصر الطريق بالبحر لم يسقط وجوب الحجّ، إلّامع خوف الغرق أو المرض، ولو حجّ مع الخوف صحّ حجّه على الأظهر.

الثالث: الزاد والراحلة، ومعنى الزاد هو وجود ما يتقوّت به في الطريق من المأكول والمشروب وسائر ما يحتاج إليه في سفره، أو وجود مقدار من المال (النقود وغيرها) يصرفه في سبيل ذلك ذهاباً وإياباً، ومعنى الراحلة هو وجود وسيلة يتمكّن بها من قطع المسافة ذهاباً وإياباً، ويلزم في الزاد والراحلة أن يكونا ممّا يليق‏[1] بحال المكلّف.

(مسألة 18): لا يختصّ اشتراط وجود الراحلة بصورة الحاجة إليها. بل يشترط مطلقاً ولو مع عدم الحاجة إليها، كما إذا كان قادراً على المشي من دون مشقّة ولم يكن منافياً لشرفه.

(مسألة 19): العبرة في الزاد والراحلة بوجودهما فعلًا، فلا يجب على من كان قادراً على تحصيلهما بالاكتساب ونحوه، ولا فرق في اشتراط وجود الراحلة بين القريب والبعيد.

(مسألة 20): الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحجّ إنّما هي الاستطاعة من مكانه لا من بلده، فإذا ذهب المكلّف إلى المدينة مثلًا للتجارة أو لغيرها وكان له هناك ما يمكن أن يحجّ به من الزاد والراحلة أو ثمنهما وجب عليه الحجّ، وإن لم يكن مستطيعاً من بلده.

 

[1] بمعنى أن لا يكون بنحو يوجب المذلّة والهتك.

339
الشرط الرابع- الاستطاعة:

ويعتبر فيها امور:

الأوّل: السعة في الوقت، ومعنى ذلك وجود القدر الكافي من الوقت للذهاب إلى مكّة والقيام بالأعمال الواجبة هناك، وعليه فلا يجب الحجّ إذا كان حصول المال في وقت لا يسع للذهاب والقيام بالأعمال الواجبة فيها، أو أ نّه يسع ذلك ولكن بمشقّة شديدة لا تتحمّل عادة، وفي مثل ذلك يجب عليه التحفّظ على المال إلى السنة القادمة، فإن بقيت الاستطاعة إليها وجب الحجّ فيها، وإلّا لم يجب.

الثاني: الأمن والسلامة، وذلك بأن لا يكون خطر على النفس أو المال أو العرض ذهاباً وإياباً وعند القيام بالأعمال، كما أنّ الحجّ لا يجب مباشرةً على مستطيع لا يتمكّن من قطع المسافة لهرم أو مرض أو لعذر آخر، ولكن تجب عليه الاستنابة، على ما سيجي‏ء تفصيله.

(مسألة 13): إذا كان للحجّ طريقان أحدهما مأمون والآخر غير مأمون لم يسقط وجوب الحجّ، بل وجب الذهاب من الطريق المأمون وإن كان أبعد.

(مسألة 14): إذا كان له في بلده مال معتدّ به وكان ذهابه إلى الحجّ مستلزماً لتلفه لم يجب عليه الحجّ، وكذلك إذا كان هناك ما يمنعه عن الذهاب شرعاً، كما إذا استلزم حجّه ترك واجب أهمّ من الحجّ، كإنقاذ غريق أو حريق، أو توقّف حجّه على ارتكاب محرّم كان الاجتناب عنه أهمّ من الحجّ.

(مسألة 15): إذا حجّ مع استلزام حجّه ترك واجب أهمّ أو ارتكاب محرّم كذلك، فهو وإن كان عاصياً من جهة ترك الواجب أو فعل الحرام إلّاأنّ الظاهر أ نّه يجزي عن حجّة الإسلام إذا كان واجداً لسائر الشرائط، ولا فرق في ذلك بين من‏

 

338

الصبي. لا على الولي ولا في مال الصبي.

الشرط الثاني- العقل:

فلا يجب الحجّ على المجنون وإن كان أدوارياً. نعم، إذا أفاق المجنون في أشهر الحجّ وكان مستطيعاً ومتمكّناً من الإتيان بأعمال الحجّ وجب عليه، وإن كان مجنوناً في بقيّة الأوقات.

الشرط الثالث- الحرّية:

فلا يجب الحجّ على المملوك وإن كان مستطيعاً ومأذوناً من قبل المولى، ولو حجّ بإذن مولاه صحّ، ولكن لا يجزيه عن حجّة الإسلام، فتجب عليه الإعادة إذا كان واجداً للشرائط بعد العتق.

(مسألة 10): إذا أتى المملوك المأذون من قبل مولاه في الحجّ بما يوجب الكفّارة فكفّارته على مولاه في الصيد، وعلى نفسه في غيره.

(مسألة 11): إذا حجّ المملوك بإذن مولاه وانعتق قبل إدراك المشعر أجزأه عن حجّة الإسلام، بل الظاهر كفاية إدراكه الوقوف بعرفات معتقاً وإن لم يدرك المشعر. ويعتبر في الإجزاء الاستطاعة حين الانعتاق، فإن لم يكن مستطيعاً لم يجزئ حجّه عن حجّة الإسلام. ولا فرق في الحكم بالإجزاء بين أقسام الحجّ من الإفراد والقران والتمتّع إذا كان المأتيّ به مطابقاً لوظيفته الواجبة.

(مسألة 12): إذا انعتق العبد قبل المشعر في حجّ التمتّع فهديه عليه، وإن لم يتمكّن فعليه أن يصوم بدل الهدي على ما يأتي، وإن لم ينعتق فمولاه بالخيار، فإن شاء ذبح عنه، وإن شاء أمره بالصوم.

 

337

إلى أحد المواقيت، والإحرام منه لحجّة الإسلام، فإن لم يتمكّن من الرجوع إليه ففي محلّ إحرامه تفصيل يأتي إن شاء اللَّه تعالى في من تجاوز الميقات جهلًا أو نسياناً ولم يتمكّن من الرجوع إليه‏[1].

(مسألة 5): إذا حجّ ندباً معتقداً بأ نّه غير بالغ فبان بعد أداء الحجّ أ نّه كان بالغاً أجزأه عن حجّة الإسلام.

(مسألة 6): يستحبّ للصبي المميّز أن يحجّ، ولا يشترط في صحّته إذن الولي.

(مسألة 7): يستحبّ للولي أن يحرم بالصبي غير المميّز، ذكراً كان أم انثى. وذلك بأن يلبسه ثوبي الإحرام ويأمره بالتلبية ويلقّنه إيّاها إن كان قابلًا للتلقين، وإلّا لبّى عنه، ويجنّبه عمّا يجب على المحرم الاجتناب عنه، ويجوز أن يؤخّر تجريده عن الثياب إلى فخ، إذا كان سائراً من ذلك الطريق، ويأمره بالإتيان بكلّ ما يتمكّن منه من أفعال الحجّ، وينوب عنه في ما لا يتمكّن، ويطوف به ويسعى به بين الصفا والمروة، ويقف به في عرفات والمشعر، ويأمره بالرمي إن قدر عليه، وإلّا رمى عنه، وكذلك صلاة الطواف ويحلق رأسه، وكذلك بقيّة الأعمال.

(مسألة 8): نفقة حجّ الصبي في ما يزيد على نفقة الحضر على الولي لا على الصبي، نعم إذا كان حفظ الصبي متوقّفاً على السفر به، أو كان السفر مصلحة له، جاز الإنفاق عليه من ماله.

(مسألة 9): ثمن هدي الصبي على الولي، وكذلك كفّارة صيده. وأمّا الكفّارات التي تجب عند الإتيان بموجبها عمداً فالظاهر أ نّها لا تجب بفعل‏

 

[1] راجع المسألة 169.

336

واحدة، ويسمّى ذلك ب (حجّة الإسلام).

(مسألة 1): وجوب الحجّ بعد تحقّق شرائطه فوري، فتجب المبادرة إليه في سنة الاستطاعة، وإن تركه فيها عصياناً أو لعذر وجب في السنة الثانية وهكذا.

ولا يبعد أن يكون التأخير من دون عذر من الكبائر.

(مسألة 2): إذا حصلت الاستطاعة وتوقّف الإتيان بالحجّ على مقدّمات وتهيئة الوسائل، وجبت المبادرة إلى تحصيلها، ولو تعدّدت الرفقة، فإن وثق بالإدراك مع التأخير جاز له ذلك، وإلّا وجب الخروج من دون تأخير.

(مسألة 3): إذا أمكنه الخروج مع الرفقة الاولى ولم يخرج معهم لوثوقه بالإدراك مع التأخير ولكن اتّفق أ نّه لم يتمكّن من المسير، أو أ نّه لم يدرك الحجّ بسبب التأخير استقرّ عليه الحجّ، وإن كان معذوراً في تأخيره.

شرائط وجوب حجّة الإسلام‏
الشرط الأوّل- البلوغ:

فلا يجب على غير البالغ وإن كان مراهقاً، ولو حجّ الصبيّ لم يجزئه عن حجّة الإسلام وإن كان حجّه صحيحاً على الأظهر.

(مسألة 4): إذا خرج الصبيّ إلى الحجّ فبلغ قبل أن يحرم من الميقات، وكان مستطيعاً، فلا إشكال في أنّ حجّه حجّة الإسلام، وإذا أحرم فبلغ بعد إحرامه لم يجز له إتمام حجّه ندباً، ولا عدوله إلى حجّة الإسلام، بل يجب‏[1] عليه الرجوع‏

 

[1] على الأحوط، والأحوط وجوباً عدم الاجتزاء بذلك عن حجّة الإسلام إذا كانت‏الاستطاعة في السنين الآتية.

335

وجوب الحجّ‏

يجب الحجّ على كلّ مكلّف جامع للشرائط الآتية. ووجوبه ثابت بالكتاب والسنّة القطعيّة.

والحجّ ركنٌ من أركان الدين، ووجوبه من الضروريات، وتركه- مع الاعتراف بثبوته- معصية كبيرة. كما أنّ إنكار أصل الفريضة- إذا لم يكن مستنداً إلى شبهة- كفر.

قال اللَّه تعالى في كتابه المجيد: «وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ»[1].

وروى الشيخ الكليني- بطريق معتبر- عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «من مات ولم يحجّ حجّة الإسلام، ولم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق معه الحجّ، أو سلطان يمنعه فليمت يهودياً أو نصرانياً».

وهناك روايات كثيرة تدلّ على وجوب الحجّ والاهتمام به لم نتعرّض لها طلباً للاختصار. وفي ما ذكرناه من الآية الكريمة والرواية كفاية للمراد.

واعلم أنّ الحجّ الواجب على المكلّف- في أصل الشرع- إنّما هو لمرّة

 

[1] آل عمران: 97.