الاسس المنطقية للاستقراء
337

الاحتمالية التي يضمّها العلم الإجمالي الشرطي، باستثناء القيمة الاحتمالية للقضية الشرطية القائلة: «لو لم يكن عدم السبب سبباً لعدم المسبّب لثبت عدم المسبّب في كلّ الحالات»؛ لأنّ تلك القيم كلّها تبرهن على نفي الشرط، وبذلك تبرهن على السببيّة العدميّة. وأمّا القيمة الاحتمالية لتلك القضية الشرطية فهي حيادية تجاه السببيّة، وبذلك يحصل احتمال السببيّة على نصفها، وتكون قيمته مساوية لقيمة العلم الإجمالي الشرطي، باستثناء نصف قيمة من قيم أطرافه.
وإذا لاحظنا هذا العلم الشرطي مع العلم الإجمالي المسبق الذي يحدّد على أساسه الاحتمال القبلي لاستحالة الصدفة المطلقة، لا نجد لأحدهما حكومة على الآخر، ولذلك لا بدّ من تطبيق قاعدة الضرب بين العلمين. وحيث أ نّه لا يوجد أيّ مبرّر قبلي لترجيح احتمال إمكان الصدفة المطلقة على استحالتها، فبالإمكان أن نفترض أنّ قيمة الاحتمال القبلي للاستحالة: 2/ 1، وبالضرب بين العلمين تحدّد القيمة النهائية لاحتمال استحالة الصدفة المطلقة، وسوف تكون أصغر من القيمة التي تحدّد على أساس العلم الإجمالي الشرطي بمفرده، ولكنّها- على أيّ حال- قيمة احتمالية كبيرة، ما دمنا نفترض أنّ قيمة الاحتمال القبلي لاستحالة الصدفة المطلقة لا تقلّ عن قيمة احتمال الإمكان، لعدم وجود أيّ مبرّرٍ لترجيح الاحتمال الثاني على الأوّل.
وإذا ثبتت السببيّة العدمية واستحالة الصدفة المطلقة بقيمة احتمالية كبيرة مقاربة للعلم، ثبتت بقيمة احتمالية أكبر سببيّة (أ) ل (ب)؛ لأنّ استحالة الصدفة تتضمّن سببيّة (أ) ل (ب)، بينما يمكن افتراض السببيّة الوجودية بين (أ) و (ب) حتّى مع افتراض إمكان الصدفة المطلقة. وإذا افترضنا أنّ من المحتمل أن يكون ل (ب) سبب آخر أيضاً ك (ت) و (ج)، أمكن أن نتّخذ ضدّ هذا الاحتمال- بعد التخلّص من احتمال الصدفة المطلقة- نفس الطريقة التي فسّرنا بها الدليل‏

336

أوّلًا: أن لا يثبت عدم المسبّب في كلتا الحالتين.
ثانياً: أن لا يثبت في الحالة الاولى فقط.
ثالثاً: أن لا يثبت في الحالة الثانية فقط.
رابعاً: أن يثبت في كلتا الحالتين.
وهذه الاحتمالات الأربعة تمثّل أربع قضايا شرطيّة محتملة فعلًا، كلّها تشترك في شرط واحد وهو: افتراض نفي السببيّة العدميّة، وتتميّز كلّ واحدة منها بجزاء خاصّ، وهي كلّها محتملة- كما قلنا- رغم أنّ الجزاء في الثلاث الاولى منها غير صحيح؛ لأنّ صدق الشرطيّة ليس بصدق جزائها فعلًا، بل بصدق العلاقة فيها بين الشرط والجزاء. وهذه القضايا الشرطيّة الأربع تكوّن مجموعة متكاملة يتأ لّف منها علم إجمالي شرطي شرطه هو: افتراض نفي السببيّة العدميّة، وجزاؤه مردّد بين الجزاءات الأربعة التي تتمايز بها القضايا الشرطيّة المحتملة، وبهذا تكتسب كلّ قضية شرطية محتملة قيمتها الاحتمالية من هذا العلم الإجمالي الشرطي. ولمّا كان الجزاء غير صحيح فعلًا في القضايا الشرطية الثلاث الاولى، فالطريقة الوحيدة للحفاظ على صدق تلك القضايا الشرطية الثلاث هي افتراض أنّ شرطها غير ثابت، كما تقدّم في نظرية الاحتمال عندما درسنا تطبيق النظرية على العلوم الشرطية، ويؤدّي ذلك إلى أنّ تلك القضايا الثلاث سوف تدلّ- بما تملك من قيم احتمالية- على نفي شرطها، ونفي شرطها تعبير آخر عن ثبوت السببيّة العدميّة، فتصبح السببيّة العدميّة- التي تساوي استحالة الصدفة المطلقة- محوراً لتجمّع قيم احتمالية مستمدّة من ذلك العلم الإجمالي الشرطي، وكلّما ازدادت الحالات التي لوحظ فيها الاقتران بين عدم السبب وعدم المسبّب ازدادت تلك القيم الاحتمالية.
واحتمال السببيّة العدميّة (استحالة الصدفة المطلقة) سوف يمتصّ كلّ القيم‏

335

والواقع أنّ طريقتنا في تفسير الدليل الاستقرائي تتيح لنا أن نطبّق نظريّة الاحتمال على نفس احتمال استحالة الصدفة المطلقة، فننمّيه باستمرار من خلال التجارب الناجحة على أساس علم إجمالي فنحصل على درجة كبيرة من التصديق باستحالة الصدفة المطلقة، ويكون هذا التصديق بنفسه استقرائياً، وتوضيح ذلك كما يلي:
إنّ استحالة الصدفة المطلقة معناه- كما تقدّم-: السببيّة العدميّة، أي أنّ عدم السبب سبب لعدم المسبَّب. فالشكّ في استحالة الصدفة المطلقة شكّ في السببيّة العدميّة، أي في سببيّة عدم السبب لعدم المسبَّب، وهو من قبيل الشكّ في سببيّة (أ) ل (ب)، ويمكننا أن نحصل على علم إجمالي شرطي نطبّق عليه نظرية الاحتمال لتنمية احتمال سببيّة عدم السبب لعدم المسبّب، وذلك حينما نلاحظ جميع حالات عدم وجود ما يمكن أن يكون سبباً فنجد أ نّها تقترن دائماً بعدم المسبّب، كما كنّا نلاحظ جميع حالات وجود (أ) فنجد أ نّها تقترن دائماً ب (ب). وهذا الاقتران أمر ضروري وحتمي إذا كان عدم السبب سبباً لعدم المسبّب، وأمّا إذا لم تكن السببيّة العدميّة ثابتة، فليس من الضروري أن يكون عدم المسبّب ثابتاً في حالات عدم السبب، وهذا يعني: أ نّنا نحتمل ارتباط عدم المسبّب بعدم السبب، وكون الأعدام الملحوظ ثبوتها للمسبّب نتيجة لأعدام مماثلة للسبب، ونحتمل في مقابل ذلك: أ نّه لا ارتباط بين عدم السبب وعدم المسبّب، فلو افترضنا أ نّنا لاحظنا حالتين اقترن فيهما عدم المسبّب بعدم السبب، أمكننا القول بأنّ عدم السبب إذا كان سبباً لعدم المسبّب فهذا الاقتران في كلتا الحالتين ضروري، وأمّا إذا لم يكن عدم السبب سبباً لعدم المسبّب فليس من المعلوم أنّ عدم المسبّب- على هذا الافتراض- كان يقترن بعدم السبب، إذ توجد احتمالات أربعة على هذا الافتراض، وهي:

334
التطبيق الثاني‏

في هذا التطبيق نفترض: أ نّه لا مبرّر قبلي للإيمان بنفي علاقة السببيّة الوجودية- بمفهومها العقلي- بين (أ) و (ب)، ولا للإيمان باستحالة الصدفة المطلقة، وهذا يعني: أنّ من المحتمل أن يكون ل (ب) سبب توجد حتماً عند وجوده، ومن المحتمل في نفس الوقت أن توجد أحياناً بدون سبب أيضاً، وهو معنى الصدفة المطلقة.
والعامل الجديد في هذا الموقف هو الاحتمال القبلي للصدفة المطلقة، وهذا الاحتمال لا يسمح للمستقرئ أن يستنتج من اقتران (أ) و (ب) في التجربة، سببيّة (أ) ل (ب)، حتّى إذا لم يكن يوجد احتمال لسببيّة (ت) أو (ج) أو شي‏ء آخر ل (ب)؛ لأنّ الصدفة المطلقة محتملة، وما دامت محتملة فقد يكون (ب) موجوداً صدفة.
فلنفترض- مثلًا- أنّ (أ) هو الشي‏ء الوحيد المحتمل كونه سبباً ل (ب)، لنعرف ما هو الطريق لتنمية احتمال هذه السببيّة ونفي احتمال الصدفة المطلقة، وعلى أساس أيّ علم إجمالي يمكن أن ننمّي احتمال استحالة الصدفة المطلقة، وبالتالي احتمال سببيّة (أ) ل (ب)، بعد أن كان من الواضح عجز العلم الإجمالي البعدي الذي كنّا نتّخذه أساساً لتنمية احتمال السببيّة في التطبيق السابق للقيام بهذا الدور؛ لأنّ ذلك العلم لا يمكنه أن يعمل شيئاً، سوى أن يثبت- بقيمة احتمالية كبيرة- أنّ (ت) لم يتكرّر في كلّ التجارب الناجحة. ولا ينفع ذلك في هذا التطبيق؛ لأنّنا نشكّ هنا في استحالة الصدفة المطلقة، وافتراض أنّ (ت) غير موجود لا يمكنه أن ينفي احتمال وجود (ب) كصدفة مطلقة.

333

وهو: 2 ن+ (ع 1 ن- 1) 2 ن.
إنّ عدد الأشياء المنافسة ل (أ) في العلم الإجمالي إذا كان كبيراً جدّاً فسوف يصبح الجزء الثاني من المقام أي (ع 1 ن- 1) كميّة كبيرة جدّاً، وكلّما ازداد المقام تضاءلت قيمة الكسر.
هذه هي المشكلة، ويتمّ التغلّب عليها نتيجة لإعطاء 2 ن معنىً آخر، بدلًا عن كونه ضرب اثنين في نفسه بعدد التجارب، وهو: أن يكون بمعنى ضرب 2 في نفسه بعدد مراحل الخطّ السببي، وضرب الناتج في نفسه بعدد التجارب. فإذا افترضنا أنّ نتيجة ضرب اثنين في نفسه بعدد مراحل الخطّ السببي لوجود (ت) في تجربة واحدة مساوية لعدد أعضاء العلم الإجمالي القبلي المنافسة ل (أ) في السببيّة، فسوف يكون احتمال سببيّة (أ) ل (ب) بعد تجربة واحدة ناجحة: 2/ 1، مهما كان عدد أعضاء العلم الإجمالي القبلي كبيراً، ويبدأ الاحتمال بالنموّ بعد ذلك خلال التجارب الناجحة. ولكن هذا إذا لم نفترض أنّ (ع 1 ن) كمية غير متناهية، بالمعنى الحقيقي لعدم التناهي، وإلّا لم يُجدِ افتراض التساوي بين (2 ن) و (ع 1 ن)، إذ يصبح الكسر معبّراً عن نسبة كمية غير متناهية إلى كمية اخرى غير متناهية، وهي نسبة لا معنى لها إذا لم نتصوّر في الكمّيات غير المتناهية أن يكون بعضها أكبر من بعض.

332

في إيجاد الحلقة التالية إلّاضمن شروط معيّنة، يجب أن تتوفّر لكي توجد الحلقة التالية عقيب الحلقة السابقة: فقد تكون حالة مرضيّة تعبّر عن حلقة في الخطّ السببي، وحالة جراثيم معيّنة في جسم المريض تعبّر عن حلقة سابقة، ولكن هذه الحلقة السابقة لا تؤثّر في إيجاد تلك الحالة المرضيّة إلّاضمن شروط معيّنة، من قبيل: درجة مناعة الجسم، ونوع الغذاء الذي يتناوله، إلى غير ذلك من العوامل.
وثالثاً: أنّ هذا يعني: أنّ احتمال وجود (ت) في لحظة يتضمّن احتمال وجود خطّ سببي تتمثّل مرحلته الأخيرة في (ت)، ويتضمّن في كلّ مرحلة سابقة الشروط التي يجب توفّرها لكي توجد الحلقة اللاحقة عقيب الحلقة السابقة.
وقيمة احتمال هذا الخطّ السببي هو ناتج ضرب قيمة احتمال وجود الشروط اللازمة في كلّ مرحلة من مراحل الخطّ السببي، بقيمة احتمال وجود الشروط اللازمة في المرحلة الاخرى منه. ونظراً إلى أنّ هذا الخطّ السببي يحتوي على كميّة كبيرة جدّاً من المراحل، فسوف تكون قيمة وجود (ت) في تجربة واحدة في غاية الضآلة.
وبهذا الطريق يمكن التغلّب على المشاكل السابقة التي كانت تثار بسبب القيمة القبليّة الكبيرة لاحتمال عدم سببيّة (أ) ل (ب)، أو بسبب قوّة احتمال تكرّر الجامع بين الأشياء المنافسة ل (أ)، وسوف يتاح لنا التغلّب على تلك المشاكل عن هذا الطريق، حتّى لو انطلقنا في تطبيق نظرية الاحتمال من قاعدة الضرب بدلًا عن مبدأ الحكومة، وافترضنا- بصورة مسبقة على الاستقراء- أنّ سببيّة (أ) لما عدا (ب) غير محتملة.
ولتوضيح ذلك يمكن أن نأخذ الكسر الذي وضعناه سابقاً لتحديد قيمة احتمال سببيّة (أ) ل (ب)، بعد عدد من التجارب الناجحة على أساس الضرب،

331

ونجعل من هذه النسبة درجة تحدّد قيمة احتمال وجود (ت) فعلًا خلال التجربة.
وهذا الطريق لا يمكن افتراضه في المرحلة الحاضرة من البحث؛ لأنّه طريق استقرائي يقوم على أساس الاستدلال الاستقرائي، ونحن إذ نحاول تفسير الاستقراء ككلّ، لا بدّ أن نفترض التجرّد عن أيّ معلومات واستدلالات استقرائية، بما فيها الاستدلال على نسبة وجود (ت) فعلًا على أساس النسبة الملحوظة في الحالات السابقة.
والطريق الثاني لتحديد درجة الاحتمال المطلق ل (ت) هو: أن نحدّد قيمته بصورة مستقلّة عن أيّ معلومات قبليّة عن نسبة وجوده في الطبيعة. وهذا هو الطريق الصحيح الذي ينسجم مع المرحلة الحاضرة من البحث، وعلى هذا الأساس قد يفترض: أنّ قيمة احتمال وجود (ت) في كلّ تجربة بصورة مستقلّة هي 2/ 1، لعدم وجود مبرّر للمرحلة المفترضة للبحث- لترجيح احتمال وجوده أو عدمه في كلّ تجربة على الاحتمال الآخر- بل يشكّل الوجود والعدم مجموعة متكاملة يقوم على أساسها علم إجمالي ينقسم على الافتراضين المحتملين بالتساوي.
ولكن يمكن أن لا يكون هذا التقدير لقيمة احتمال (ت) سليماً إذا لاحظنا ما يلي:
أوّلًا: أ نّنا قد افترضنا في الموقف القبلي- الذي نعالج الاستدلال الاستقرائي على أساسه- قبول مبدأ السببيّة، وهذا يعني: أنّ (ت) تمثّل حلقة في خطّ سببي ترتبط فيه بحلقة سابقة من الحوادث، وتلك بحلقة اخرى، وهكذا.
وما لم توجد الحلقة في أيّ مرحلة من هذا الخطّ السببي لا يمكن أن تتبعها الحلقة الاخرى.
وثانياً: أنّ كلّ حلقة من المعلوم، أو من المحتمل- على الأقلّ- أ نّها لا تؤثّر

330

إلى ارتفاع درجة احتمال نفي السببيّة بالمعنى العامّ بين (أ) و (ب)؛ لأنّ هذا النفي لا يأخذ من تلك القيمة إلّاكسراً ضئيلًا جدّاً، بينما يأخذ احتمال سببيّة (أ) ل (ب) بالمعنى العامّ الجزء الأكبر من تلك القيمة، زائداً قيمة احتمال نفي الجامع.
وبكلمة اخرى: إنّ (ت) إذا كان موجوداً حقّاً في كلّ التجارب التي مارسنا فيها إيجاد (أ)، فهو لا يختلف- من وجهة نظر الاستدلال الاستقرائي- عن (ب) في شي‏ء، سوى أنّ وجود (ب) في خلال التجربة معلوم، ووجود (ت) محتمل.
وهذا يعني: أنّ الدليل الاستقرائي في حالة وجود (ت)، أو أيّ عدد من الأشياء المنافسة ل (أ) في السببيّة المباشرة، سيواجه مجموعة الأشياء التي رافقت إيجاد (أ)، بما فيها (ب) ككلّ، ويثبت- بتطبيق نظرية الاحتمال- علاقة اللزوم بينها.
وأمّا إذا افترضنا العلم مسبقاً بعدم وجود علاقة لزوم ورابطة سببيّة بين (أ) و (ت)، فهذا يعني: أ نّا افترضنا معلومات استقرائية، وتجاوزنا عن تطبيق الدليل الاستقرائي في المرحلة السابقة على كلّ استقراء وخبرة إلى مرحلة متأخّرة من مراحل سير الفكر الاستقرائي، وفي هذه المرحلة سوف يتقلّص عدد الأشياء المحتمل منافستها ل (أ)، نتيجة لتتابع الخبرات والمعلومات الاستقرائية.

قيمة احتمال الشي‏ء المنافس:

وقد كنّا نفترض حتّى الآن: أنّ قيمة احتمال وجود (ت) في كلّ تجربة بصورة مستقلّة عن وجوده أو عدمه في تجربة اخرى هو 2/ 1، ولا بدّ الآن من دراسة مبرّرات هذا الافتراض.
إنّ تحديد درجة احتمال وجود (ت) في كلّ تجربة بصورة مستقلّة عن وجوده أو عدمه في تجربة اخرى، له طريقان:
أحدهما: أن نلاحظ نسبة تكرّر (ت) في الحالات المختلفة الماضية،

329

الأكبر من القيمة الاحتمالية للجامع سوف يكون في صالح نفي سببيّة (أ) ل (ب).
والتغلّب على هذه المشكلة يمكن أن يتمّ بالشكل التالي:
إذا افترضنا أنّ (ت) هو المنافس الوحيد ل (أ) في السببيّة ل (ب)، وكان (ت) موجوداً في كلّ التجارب الناجحة، فهذا يعني: أ نّا كلّما أوجدنا (أ) وجدت (ت) و (ب) معاً، وما دمنا نتحدّث عن مرحلة سابقة على كلّ استقراء وتجربة فهذا يفترض: أ نّا لا نملك أيّ معلومات عن أسباب (ت) و (ب) معاً، وعلى هذا الأساس نواجه بالنسبة إلى (ت) نفس ما نواجهه بالنسبة إلى (ب)، فهناك احتمال أن يكون (أ) سبباً ل (ب)، واحتمال أن يكون (ت) سبباً ل (ب)، وهذا الاحتمال الثاني لا ينفي سببيّة (أ) ل (ب) بأيّ شكل من أشكالها، إذ قد يكون (أ) سبباً ل (ت) نفسه فيكون (أ) سبباً ل (ب) بصورة غير مباشرة، فإذا افترضنا أنّ احتمال سببيّة (أ) ل (ب) بصورة مباشرة، سوف يأخذ نصف القيمة الاحتمالية لتكرّر (ت)، واحتمال سببيّة (ت) ل (ب) بصورة مباشرة سوف يأخذ النصف الآخر منها، فإنّ احتمال سببيّة (أ) ل (ب)، بالمعنى العامّ من السببيّة- الذي يعبّر عن أحد أشكال التلازم بما فيها السببيّة المباشرة والسببيّة غير المباشرة-، سوف يأخذ 4/ 3 من القيمة الاحتمالية لتكرّر (ت)، وسوف يكون 4/ 1 من هذه القيمة معبّراً عن سببيّة (ت) ل (ب) وسببيّة غير (أ) ل (ت)، وهذا يعني بنفسه إدخال عنصر ثالث إلى جانب (ب) و (ت)، وهذا العنصر الثالث بنفسه يحتمل أن يكون مرتبطاً ارتباط لزوم ب (أ). وهكذا سوف يكون جزء من هذه القيمة أيضاً في صالح سببيّة (أ) ل (ب) بالمعنى العامّ، وهذا يعني: أنّ الكسر الذي يمثّل نفي هذه السببيّة من القيمة الاحتمالية لتكرّر (ت) في كلّ التجارب، سوف يكون ضئيلًا جدّاً. وهذا يبرهن على أنّ القيمة الاحتمالية لتكرّر الجامع بين الأشياء المنافسة ل (أ) في السببيّة المباشرة، مهما كبرت بسبب ازدياد عدد هذه الأشياء، لا يؤدّي‏