مناقضة مفاهيمها لتلك العواطف.

إنّ دعوةً فكريةً كالدعوة الإسلامية التي تستهدف قبل كلّ شي‏ءٍ امتلاك واقع الامّة العقلي والنفسي وصبّه في قالبه الفكري والعاطفي لا يمكنها بحالٍ من الأحوال أن تنتهز العواطف التي تقوم على غير مفاهيمها وتستغلّ تلك العواطف في سبيل مصلحتها فتواكبها إلى نصف الطريق، لأنّ في مواكبتها مساندةً للواقع الفاسد الذي لم تقم الدعوة إلّالتغييره وقلبه.

وعلى هذا فالسياسة العامّة للدعوة الإسلامية تجاه العواطف الموجودة في الامّة هي استثمار ما كان منها إسلامياً لحساب الرسالة، وللدفع بها إلى الأمام في معركتها مع الكفر القائمة في كلّ مكان، والتعالي بالامّة عن العواطف المنخفضة، وكنس ما يوجد لديها من عواطف ذات طابعٍ فكريٍّ معارضٍ للإسلام، وتبديلها بعواطف صحيحةٍ تدور في فلك الرسالة الإسلامية. وبكلمة واحدة: إنَّ الدعوة تحاول أن تربط دائماً بين المفاهيم والعواطف وَتُفَجِّر في نفسية الامّة العواطف التي يتوخّاها الإسلام من تلك المفاهيم.

ويقاس مقدار نجاحها في الحقل الفكري بمدى تغلغل مفاهيمها في فكر الامّة، وفي المجال النفسي بمدى انسجام عواطف الامّة مع تلك المفاهيم، وبمقدار ما يُولِّد الإيمان بالرسالة من عاطفة الحبّ لها والمفاداة في سبيلها والخشوع لها خشوعاً ينعكس في كلّ قولٍ وعمل: «أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَ ما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَ لا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ»[1].

صدق اللَّه العظيم‏

 

[1] الحديد: 16