الدين في عقائديته وقدسيته. وهكذا نعرف أنّ الامتياز الديني للرسالة الإسلامية يجعلها قادرةً على خلق جوٍّ عقائديٍّ كاملٍ في أجواء الدعوة.
وثانياً: الأمل، فإنّ الأمل هو بصيص النور الذي لا تستغني عنه كلّ الدعوات، وإذا فقدت الدعوة أملها في الفوز والنجاح فقدت وجودها ومعناها الحقيقي؛ لأنّ الدعوة إلى ما لا أمل في تحقيقه ضرب من العبث واللهو، ولهذا كان لا بدّ لمختلف الدعوات أن تفتّش عن الأمل وتغذّيه في ضوء الظروف والأحداث، وأن تتصيّده من الظروف والأحداث نفسها. وأمّا الدعوة إلى الرسالة الإسلامية فهي وإن كانت تعتمد في آمالها على الظروف والملابسات ولكنّها تعتمد قبل ذلك على الأمل الذي تزوّدها به طبيعة الرسالة الإسلامية نفسها، فإنّ هذه الرسالة تفتح بنفسها للدعاة أجواءً من الأمل وتقوِّي من عزيمتهم ورجائهم، ولا أدلّ على أنّ الدعاة الإسلاميّين يقتبسون أملهم من الرسالة نفسها قبل أن يستوحوه من الظروف والأحداث.
إنّ الطليعة الإسلامية التي عاصرت محنة الإسلام في مكّة وهو يومئذٍ وليد ضعيف قد تجمّعت القوى على سحقه، وتأ لّب الأعداء على خنقه، كانت هذه الطليعة تهتزّ أملًا بل يقيناً بتهديم عروش الظلم، كلّ العروش، وإنقاذ بلاد كسرى وقيصر من كسرى وقيصر. ولا نبالغ إذا قلنا: إنّ هذا الأمل الحيّ القويّ من أكبر القوى المعنوية التي كان يتمتّع بها اولئك المسلمون ويستعينون بها على الصبر والاستبسال في المحنة، ولم يكن من الممكن أن يخلق هذا الأمل في نفوس الدعاة شيئاً سوى رسالةٍ لها طبيعة الرسالة الإسلامية وطابعها الإلهِيّ اليقيني ومددها الروحيّ والمعنوي، فلم يكن المسلم ليستهين أو يضعف أمام الشدائد وبيده مشعل السماء ومن ورائه الوعود الإلهية بالنصر والتأييد. ولا زالت حتى الآن الرسالة الإسلامية- كما كانت- قادرةً على بعث الأمل في نفوس الدعاة، بل