الرسالة التي يحملونها لوناً من التقديس العميق، ويغذّوا في نفوس الدعاة اليقين غير المحدود بصحة الرسالة وتفوّقها على كلّ نقاشٍ وجدال، ليتولّد من هذا الإيمان اليقيني طاقة حرارية دافعة في مجال العمل والتبشير.

ومن الواضح أنّ طبيعة الرسالة الإسلامية تكوّن لها هذا الطابع في نفوس الدعاة لأنّها ليست نتيجة اجتهادٍ معيّنٍ يكون عرضةً للخطأ أو حصيلة تجاربٍ محدودةٍ قد لا تصوّر الواقع تصويراً كاملًا، وإنّما هي الرسالة الخاتمة التي اصطفاها اللَّه سبحانه للإنسانية، وبعث بها خاتم رسله صلى الله عليه و آله و سلم، فهي مع كونها مذهباً للحياة والمجتمع تتمتّع بالطابع الدينيّ الذي يحيطها بالتقديس واليقين المطلق.

هذا هو الفارق بينها وبين سائر مذاهب الحياة التي لا تصل في عقيدة أصحابها إلى درجة الدين، ولا تحظى بما يحظى به الدين لدى المتديّنين من يقينيةٍ مطلقة، وفي ضوء هذا الفرق يتبيّن السرّ في ما نطالعه من صلابةٍ عقائديةٍ في حملة رسالة الدين المخلصين، وميوعةٍ أو انخفاضٍ عقائديٍّ في حملة الرسالات الفكرية الاخرى بالرغم من نبوغهم وعبقريتهم، فليس عجيباً- مثلًا- أن نرى ماركس وهو منشئ مذهبٍ ودعوةٍ من أشهر مذاهب التاريخ ودعواته يقول: «إنّني لست ماركسياً» بينما يقول داعية مسلم كعليٍّ عليه السلام: «لو كشف لي الغطاء لَما ازددت يقيناً»[1]، فإنّ عقيدة عليٍّ عليه السلام كانت ديناً، ومن طبيعة الدين أن يشعّ في نفوس رجاله المخلصين بهذا اليقين، ويكسب هذه العقائدية المطلقة، وأمّا الماركسية فلم تكن- على أبعد تقديرٍ- إلّااجتهاداً علمياً خاصّاً، ولذلك لم تستطع أن تجعل من ماركس نفسه ماركسياً، ولم تستطع بعد ذلك أن تكتسب الصفة القطعية والقدسية العقائدية إلّابعد أن لعب الماركسيون دوراً كبيراً في رفع الماركسية إلى مستوى‏

 

[1] بحار الأنوار 40: 153، عن مناقب ابن شهرآشوب 2: 38