کتابخانه
501

الإجمالي ينفي الفرضية الاولى بقيمة احتمالية كبيرة؛ لأنّ كلّ أطرافه- باستثناء طرف واحد وهو افتراض أن يصدق (أ) و (ب) و (ج) جميعاً- في صالح نفي الفرضية الاولى. وهذا الطرف الوحيد حيادي تجاه ذلك؛ لأنّ (أ) و (ب) و (ج) إذا كانت جميعاً صادقة فقد يكون الكتاب نتيجة لمعرفة، وقد يكون نتيجة لجرّة قلم عشوائيّة.
والآخر: العلم الإجمالي الذي يستوعب احتمالات مجموعة الافتراضات المستقلّة التي تتطلّبها الفرضية الثانية. ولمّا كانت هذه المجموعة أكبر عدداً من مجموعة الافتراضات المستقلّة التي تتطلّبها الفرضية الاولى، فسوف يكون عدد أطراف هذا العلم الإجمالي أكثر. وهذا العلم ينفي الفرضية الثانية بقيمة احتمالية أكبر من القيمة التي أعطاها العلم الإجمالي الأوّل لنفي الفرضية الاولى- بعد افتراض أنّ القيم الاحتمالية للافتراضات المستقلّة التي تتطلّبها كلّ من الفرضيّتين متساوية- لأنّ أطرافه أكثر، وكلّها- باستثناء طرف واحد- في صالح نفي الفرضية الثانية، وطرف واحد يعتبر حيادياً تجاهها.
والقيمتان النافيتان متعارضتان؛ لأنّ إحدى الفرضيّتين واقعة حتماً، فلا بدّ من تحديد القيمة النهائية على أساس قاعدة الضرب، وتكوين علم إجمالي ثالث يستوعب الصور الممكنة. وفي هذا العلم سوف تكون القيمة الاحتمالية النافية للفرضية الثانية كبيرة جدّاً:
فلو افترضنا مثلًا: أنّ مجموعة الافتراضات المستقلّة التي تتطلّبها الفرضية الاولى ثلاثة، ومجموعة الافتراضات المستقلّة التي تتطلّبها الفرضية الثانية ستّة، لكانت قيمة احتمال نفي الفرضية الثانية أكبر من قيمة احتمال نفي الفرضية الاولى بنسبة 63 إلى 8 على أقلّ تقدير.

500

فلا توجد أيّ علاقة تلازم بين كلّ فقرة والفقرات الاخرى، وهذا يعني: أنّ الفرضية الثانية لا يمكن أن تفسّر تكوّن الكتاب إلّاعلى أساس عدد من الافتراضات المستقلّة لخواطر جنونية متطابقة مع فقرات الكتاب، بل حروفه.
وعلى العكس من ذلك الفرضية الاولى، فإنّها تتضمّن عدداً أقلّ من الافتراضات؛ لأنّ المعرفة التي تفسّر- على أساس الفرضية الاولى- فقرة معيّنة في الكتاب قد تكون بنفسها تفسّر عدداً آخر من الفقرات. فإذا رأينا مثلًا كلمة «غليان» قد استعملت مائة مرّة في الكتاب وجاءت دائماً في الموضع المناسب، فقد لا يتطلّب ذلك- على أساس الفرضية الاولى- إلّاافتراض أنّ الكاتب يعرف معنى كلمة «غليان»؛ لأنّ كونه يعرف معنى الكلمة يكفي لتفسير ورودها في الموضع المناسب في كلّ المرّات، بينما لو أخذنا بفرضية أنّ الكاتب مجنون يصبح ورود الكلمة في كلّ مرّة حادثةً مستقلّة عن ورودها في المرّات الاخرى. وبهذا كانت تلك الفرضية تتطلّب افتراضات بعدد مواقع ورود الكلمة في الكتاب. وهكذا تصبح المجموعة من الافتراضات المستقلّة التي تتطلّبها الفرضية الاولى أقلّ كثيراً من مجموعة الافتراضات المستقلّة التي تتطلّبها الفرضية الثانية.
وينشأ على هذا الأساس علمان إجماليّان:
أحدهما: العلم الإجمالي الذي يستوعب احتمالات مجموعة الافتراضات المستقلّة التي تتطلّبها الفرضية الاولى؛ لأنّ هذه الافتراضات إذا كانت ثلاثة مثلًا رمزنا إليها ب (أ) و (ب) و (ج)، ففيها ثمانية احتمالات هي احتمالات الصدق والكذب فيها، إذ قد يصدق الافتراض (أ) فقط، وقد يصدق الافتراض (ب) فقط و …، وقد تصدق كلّ الافتراضات الثلاثة: (أ) و (ب) و (ج). وهذا العلم‏

499

الاعتقاد بالفاعل العاقل‏

الاعتقاد بعقل الآخرين:
نعتقد- عادةً- بأنّ للناس الآخرين، الذين نعاشرهم أو نطّلع على نتاج متّسق ومفهوم لهم، عقلًا وتفكيراً. فإذا قرأنا لشخص- مثلًا- كتاباً متّسق المعنى نسلّم بأ نّه عاقل، ونرفض احتمال أ نّه مجنون قد تجمّعت لديه خواطر جنونية، فأنتجت على سبيل الصدفة ذلك الكتاب.
وقد يخيّل للإنسان الأرسطي التفكير: أنّ الاستدلال على عقل هذا المؤلف، عن طريق ما يتمثّل في كتابه من اتساق ونضج فكري، من نوع الاستدلال على وجود السبب بوجود مسبّبه.
ولكنّ الواقع أنّ الكتاب بقدر ما يتّصل بمبدأ السببيّة لا يمكن أن يبرهن منطقياً- على أساس هذا المبدأ- على أنّ المؤلف إنسان يتمتّع بمعرفة منظّمة. إذ كما يمكن أن يكون المؤلف لكتاب في اللغة على قدر من المعرفة باللغة أتاح له أن يكتب ذلك الكتاب، كذلك يمكن أن يكون مجنوناً تتابعت خواطر عشوائيّة في ذهنه فأدّت إلى تكوّن ذلك الكتاب، وفي كلتا الحالتين يجد مبدأ السببيّة تطبيقه الضروري.
غير أنّ الدليل الاستقرائي هو الذي يعيّن الفرضية الاولى، وينفي الفرضية الثانية. وذلك لأنّ الفرضية الثانية تتضمّن عدداً كبيراً من الافتراضات المستقلّة بقدر فقرات الكتاب؛ لأنّ كلّ فقرة من الكتاب، إذا كانت نتيجة لخاطر جنوني،

498

فإنّ الكلّي المقيّد الذي تعلّق به العلم الأوّل هو كتابة حروف لغة يعرفها الكاتب، والكلّي المقيّد الذي تعلّق به العلم الثالث هو أنّ الكاتب يعرف لغة هي اللغة التي كتب حروفها على الورقة. والقيمة الاحتمالية المستمدّة من العلم الثالث- والتي تنفي معرفة الكاتب باللغة الصينية- تدلّ على أنّ كتابة الحروف الصينية ليست مصداقاً للكلّي المقيّد الذي تعلّق به العلم الأوّل، أي أ نّها ليست مصداقاً لكتابة حروف لغة يعرفها الكاتب، كما أنّ القيمة الاحتمالية المستمدّة من العلم الأوّل- والتي تثبت أنّ الكاتب كتب حروفاً بلغة صينية- تدلّ على أنّ اللغة العربية ليست مصداقاً للكلّي المقيّد الذي تعلّق به العلم الثالث، أي أ نّها ليست مصداقاً للغة التي كتب الكاتب حروفها على الورقة.
وهذا القول يمكننا الردّ عليه عن طريق البديهية الإضافية الرابعة التي تعلِّمنا أنّ التقييد المصطنع لا يحقّق الحكومة، وإنّما يحقّقها التقييد الحقيقي، وتقرّر- على هذا الأساس-: أنّ القيمة الاحتمالية التي يحدّدها العلم الإجمالي في مرحلة الأسباب حاكمة على القيمة الاحتمالية التي يحدّدها العلم الإجمالي في مرحلة المسبّبات؛ لأنّ تقيّد المسبّب بسببه حقيقي، وتقيّد السبب بمسبّبه مصطنع.
والحالة التي ندرسها الآن هي حالة من حالات هذه البديهية الإضافية الرابعة؛ لأنّ العلم الإجمالي الثالث علم في مرحلة الأسباب، نظراً إلى أنّ معرفة اللغة شرط أساس في كتابة حروفها، والعلم الإجمالي الأوّل علم في مرحلة المسبّبات. وعلى هذا الأساس يكون المعلوم في العلم الإجمالي الأوّل كلياً مقيّداً تقيّداً حقيقياً، وهو الكتابة بلغة يعرفها الكاتب؛ لأنّ هذا يعبّر عن تقيّد المسبّب بسببه. وأمّا المعلوم في العلم الإجمالي الثالث فهو وإن أمكن إبرازه بوصفه كلياً مقيّداً عن طريق القول بأ نّه عبارة عن اللغة التي قد كتب بها، ولكن هذا التقييد مصطنع؛ لأنّه تقييد للسبب بمسبّبه، فلا يحقّق الحكومة تطبيقاً للبديهية الإضافية الرابعة.

497

الحالة[1].

وأمّا إذا كنّا لا نعلم مسبقاً بأنّ الكاتب يعرف اللغة العربية، بل نعلم إجمالًا بأ نّه يعرف لغة واحدة هي: إمّا العربية وإمّا الصينية، وكان احتمال معرفته بالصينية واحداً على عشرة ملايين بموجب العلم الثالث. ففي هذه الحالة قد يقال: إنّ تفسير حكومة القيمة الاحتمالية المستمدّة من العلم الثالث على القيمة الاحتمالية المستمدّة من العلم الأوّل على أساس البديهية الإضافية الثالثة، غير ممكن. لأنّ كلًا من القيمتين في هذه الحالة تسبّب نفي الكلّي المقيّد الذي تعلّق به العلم الآخر،

 

[1] يمكن المناقشة في هذا الكلام بأنّ العلم الإجمالي الثاني يكون حسابه حاكماً على حساب العلم الإجمالي الثالث بنفس نكتة حكومته على حساب العلم الإجمالي الأوّل، لأنّ متعلّق العلم الإجمالي الثالث هو أنّ هذا الإنسان واحد من عشرة ملايين مقيّداً بعدم وجود إخبار غير مصلحي بسواه ولو بالملازمة، والعلم الإجمالي الثاني يثبت بدرجة كبيرة أنّ من عدا ذاك الشخص الذي يعرف اللغة الصينيّة يوجد إخبار غير مصلحي بسواه ولو بالملازمة، إذ قد أخبر هؤلاء الشهود بكتابة شخص معيّن الحروف الصينيّة الملازمة لمعرفة الحروف الصينيّة، ومن المرجّح قويّاً بحسب العلم الثاني أنّ هؤلاء الشهود يوجد فيهم من لا يكون خبره على أساس مصلحة شخصيّة.

ولولا ما ذكرناه للزم الفرق بين ما لو أخبر المخبرون بكتابة الحروف الصينيّة وما لو أخبروا صريحاً بسبب معرفة هذا الشخص للغة الصينيّة الذي هو واحد من عشرة ملايين من أسباب معرفة اللغة الصينيّة وعدمها بالنسبة للإنسان العربي، إذ من الواضح في الفرض الثاني تماميّة الحكومة، لأنّ ضئالة فرض سبب معرفة اللغة الصينيّة ناشئة عن كثرة البدائل الممكنة لا عن حساب الاحتمالات في مرحلة الأسباب، لأنّنا نقلنا الخبر رأساً من عالم المسبّبات إلى عالم الأسباب، ومن الواضح وجداناً عدم الفرق في الحساب بين الفرضين، وأنّ المخبر لو أخبر بشي‏ء نادر الوجود لندرة سببه بين الأسباب فمجرّد أن يبدل إخباره عن المسبّب بالإخبار بالسبب لا يوجب تقوية احتمال صدقه.( الحائري)

496

أثبتنا به حكومة القيمة الاحتمالية المثبتة للقضية المتواترة، على القيمة الاحتمالية النافية التي يولدها العلم الإجمالي الأوّل، وذلك عن طريق القول بأنّ العلم الإجمالي الأوّل تعلّق بكلّي مقيّد، وهو أنّ الكاتب قد كتب حروف لغة يعرفها.
والقيمة الاحتمالية الكبيرة النافية للقضية المشهود بها والمستمدّة من العلم الثالث تنفي أن يكون الكاتب عارفاً باللغة الصينية، وبذلك تنفي- بنفس الدرجة- مصداقية كتابة الحروف الصينية على الورقة، للكلّي الذي تعلّق به العلم في العلم الإجمالي الأوّل، وبالتالي تنفي طرفية ذلك لهذا العلم.
وهذا واضح في حالة ما إذا كنّا على علم مسبق بأنّ الكاتب يعرف اللغة العربية، ونشكّ في معرفته باللغة الصينية. ففي هذه الحالة تكون القيمة الاحتمالية النافية لمعرفة الكاتب باللغة الصينية والمستمدّة من العلم الثالث، نافيةً لصدق الكلّي المقيّد الذي تعلّق به العلم الأوّل على كتابة الكاتب للحروف الصينية؛ لأنّها تنفي معرفة الكاتب باللغة الصينية. وإذا لم يكن الكاتب عارفاً باللغة الصينية فلا تكون كتابة الحروف الصينية على الورقة كتابة لحروف لغة يعرفها الكاتب، وبذلك تخرج عن كونها مصداقاً للكلّي المقيّد الذي تعلّق به العلم الأوّل، وهو أنّ الكاتب قد كتب حروفاً بلغة يعرفها.
ونتيجة ذلك: أنّ القيمة الاحتمالية المثبتة لكتابة الحروف الصينية والمستمدّة من العلم الأوّل، محكومة للقيمة الاحتمالية النافية لمعرفة الكاتب باللغة الصينية والمستمدّة من العلم الإجمالي الثالث. والقيمة الاحتمالية النافية لكتابة الحروف الصينية والمستمدّة من العلم الأوّل محكومة للقيمة الاحتمالية المستمدّة من العلم الإجمالي الثاني، والتي تؤكّد أنّ واحدة على الأقلّ من الشهادات لم تنشأ عن داعٍ مصلحي.
وبذلك يظهر الدور الإيجابي المضادّ الذي يلعبه الاحتمال القبلي في هذه‏

495

بعدد الشهود، مع افتراض أنّ كلًا من احتمال الدافع المصلحي واحتمال عدمه يساوي 2/ 1.
3- العلم الإجمالي بأنّ هذا الإنسان الذي كتب على الورقة هو واحد من عشرة ملايين، وهذا العلم له عشرة ملايين طرف، وواحد من أطرافه يتضمّن المعرفة باللغة الصينية، والأطراف الاخرى تتضمّن الجهل بها.
فإذا لاحظنا قيمة احتمال أن يكون الكاتب قد كتب حروفاً صينية على أساس العلم الأوّل، فسوف نجد أ نّها 2/ 1 في حالة استبعاد سائر اللغات الاخرى سوى العربية والصينية؛ لأنّ العلم الأوّل يضمّ طرفين فقط بموجب هذا الافتراض.
وإذا لاحظنا قيمة ذلك الاحتمال على ضوء العلم الثاني فسوف نجد أ نّها كبيرة جدّاً؛ لأنّ أكثر القيم الاحتمالية في العلم الثاني تنفي وجود دوافع مصلحية عند جميع الشهود.
وإذا لاحظنا قيمة ذلك الاحتمال على ضوء العلم الثالث فسوف نجد أ نّها ضئيلة جدّاً؛ لأنّ أكثر القيم الاحتمالية في العلم الثالث تنفي معرفة الكاتب باللغة الصينية، وهذا يعني أنّ القيمة الاحتمالية المستمدّة من العلم الأوّل واقعة بين جذبين متعاكسين.
وقد عرفنا سابقاً أنّ القيمة الاحتمالية الكبيرة المثبتة للقضية المتواترة المشهود بها والمستمدّة من العلم الإجمالي الثاني، حاكمة على القيمة الاحتمالية النافية لها المستمدّة من العلم الإجمالي الأوّل. ونفس الشي‏ء نقوله الآن عن القيمة الاحتمالية الكبيرة النافية للقضية المشهود بها والمستمدّة من العلم الإجمالي الثالث، فإنّها حاكمة على القيمة الاحتمالية المثبتة لها المستمدّة من العلم الإجمالي الأوّل.
وفي سبيل البرهنة على هذه الحكومة نحاول تطبيق نفس البرهان الذي‏

494

وأمّا إذا كانت ضآلة الاحتمال القبلي للقضية المتواترة غير ناشئة عن كثرة البدائل المحتملة للقضية المتواترة، بل عن حساب الاحتمالات في مرحلة أسباب تلك القضية المتواترة، فسوف يكون لها دور إيجابي مضادّ في سير الاستدلال الاستقرائي.
ومثال ذلك: أن يكتب إنسان عربي مائة حرف على ورقة، فيخبر عدد كبير من الشهود- الذين افترضناهم في المثال السابق- بأ نّه قد كتب مائة حرف من حروف اللغة الصينية. ففي هذه الفرضية نلاحظ أنّ الاحتمال القبلي لكتابة مائة حرف صيني ضئيل جدّاً، لا من أجل كثرة اللغات الاخرى البديلة فحسب، بل من أجل حساب الاحتمالات في مرحلة الأسباب، فإنّ كتابة مائة حرف صيني تتوقّف على تعلّم اللغة الصينية، وتعلّم اللغة الصينية ظاهرة نادرة بين العرب.
فإذا افترضنا أنّ في كلّ عشرة ملايين عربي يوجد إنسان واحد تهيّأت له ظروف تعلّم هذه اللغة، فهذا يعني أنّ احتمال معرفة الإنسان الكاتب للحروف المائة للّغة الصينية يساوي واحداً على عشرة ملايين، وأنّ هناك عشرة ملايين احتمالًا يتكوّن منها علم إجمالي، وأكثر القيم الاحتمالية في هذا العلم الإجمالي تنفي معرفة الكاتب باللغة الصينية، وبالتالي تولد قيمة احتمالية كبيرة نافية لكونه قد كتب حروفاً صينية على الورقة.
وفي هذه الحالة تكون لدينا علوم إجمالية ثلاثة:
1- العلم الإجمالي بأنّ الكاتب إمّا كتب حروفاً صينية أو عربية،- ولنفترض من أجل التسهيل: انحصار اللغات في هاتين اللغتين-.
2- العلم الإجمالي بأنّ الشهود الذين شهدوا بأ نّه كتب حروفاً صينية، إمّا أن يكون الدافع المصلحي متوفّراً في واحد منهم، أو في اثنين أو في ثلاثة …
إلى آخرهم. وعدد أطراف هذا العلم هو ناتج ضرب اثنين في نفسه مرّات عديدة

493

وهذا يبرهن- وفقاً لمبدأ القيمة الاحتمالية الحاكمة- على أنّ القيمة الاحتمالية المثبتة للقضية المتواترة، حاكمة على القيمة الاحتمالية النافية لها المستمدّة من العلم الإجمالي الأوّل. ويعني ذلك أنّ ضآلة الاحتمال القبلي للقضية المتواترة ليس لها أيّ دور مضادّ في سير الاستدلال الاستقرائي.
ونلاحظ أنّ ما نواجهه في هذا الموقف هو حالة من حالات الفرضية الثانية من الفرضيّتين اللتين تفيان ببديهية الحكومة، وهي: أن يكون المعلوم بالعلم الإجمالي كلّياً مقيّداً بصفة، وهذه الصفة درجة احتمالها في أحد الطرفين أكبر من درجة احتمالها في الطرف الآخر، فتكون القيمة الاحتمالية المثبتة لتلك الصفة في طرف حاكمة على القيمة التي يحدّدها ذلك العلم الإجمالي لاحتماله. والصفة هنا هي: أ نّه لا يوجد أيّ إخبار غير مصلحي بسواه، وهذه الصفة محتملة بدرجة أكبر في الطرف الذي تظافرت الشهادات عليه.
وهكذا نعرف أنّ سير الاستدلال الاستقرائي لا يتأثّر بضآلة الاحتمال القبلي.

متى يكون للاحتمال القبلي دور معاكس؟

ولكن ضآلة الاحتمال القبلي للقضية المتواترة إنّما لا يكون لها دور مضادّ في سير الاستدلال الاستقرائي فيما إذا كانت الضآلة ناشئة عن كثرة البدائل الممكنة للقضية المتواترة، كما في المثال المتقدّم الذي نشأت فيه ضآلة الاحتمال القبلي للتركيب المعيّن الذي تظافرت الشهادات عليه بعد ذلك، عن كونه واحداً من ملايين التراكيب الممكنة لمائة حرف. ففي هذه الحالة تكون القيمة الاحتمالية المستمدّة من العلم الإجمالي الثاني المثبتة للقضية المتواترة، حاكمة على القيمة الاحتمالية المستمدّة من العلم الإجمالي الأوّل النافية للقضية المتواترة.