الذين كانوا يعجزون عن العمل أو يقعد بهم مجرّد الكسل عن الصيد كانوا يستطيعون رغم ذلك أن يدخلوا إلى أيّ منزل يشاؤون ويقتسمون الطعام مع من فيه، وبذلك كان الفرد في تلك المجتمعات يحصل على الطعام مهما تهرّب من التزاماته في إنتاج هذا الطعام، ودون أن يترتّب على تهرّبه إلّاإحساسه بفقدان ملحوظ لهيبته[1].
وهذه المعلومات التي تتحفنا بها الماركسيّة عن أخلاق المجتمعات الشيوعيّة البدائيّة وتقاليدها المتّبعة اجتماعيّاً توضّح أنّ مستوى القوى المنتجة لم يكن منخفضاً إلى الدرجة التي تعني أنّ زيادة نصيب أحد الأفراد من الإنتاج يؤدّي إلى موت شخص آخر جوعاً، بل كانت توجد وفرة يحصل على شيء منها الضعيف والعاجز وغيرهما، فلماذا إذن كانت المساواة في التوزيع هي الطريقة الوحيدة الممكنة؟! وكيف لم يخطر على ذهن أحد فكرة الاستغلال والتلاعب في التوزيع ما دام في الإنتاج وفرة يمكن استغلالها؟! وإذا كانت قوى الإنتاج تسمح بقيام الاستغلال في تلك المجتمعات فيجب أن نجد سبب عدم ظهوره فيها ماثلًا في درجة وعي الإنسان البدائي وفكره العملي. فقد جاءت فكرة الاستغلال عنده كظاهرة متأخّرة لهذا الوعي والفكر العملي، وكنتيجة لنموّه وزيادة الخبرة الإنسانية بالحياة.
وإذا أمكن للماركسيّة أن تقول- أو أمكن لنا أن نقول من وجهة نظرها-: إنّ طريقة المساواة في التوزيع أتت في بادئ الأمر تبعاً لقلّة الإنتاج، ثمّ تأصّلت وأصبحت عادة، فهل نجد في ذلك تفسيراً معقولًا لموقف المجتمع البدائي من الأفراد الكسالى الذين يتركون العمل عن قصد واختيار، فيجدون كفايتهم في
[1] تطوّر الملكيّة الفرديّة: 18