کتابخانه
184

الخارج عاملًا آخر في تكوين الإقطاع حسب اعتراف الماركسيّة نفسها، وهو بدوره أيضاً بعيد عن تلك القوانين.

ومن الطريف أنّ الثورات التي كان يجب- وفقاً للمادّية التاريخيّة- أن تنفجر في لحظة التحوّل الفاصلة نجد أ نّها قد شبّت قبل انهيار المجتمع العبودي بقرون، كحركة الأرقّاء في (أسبرطة) قبل الميلاد بأربعة قرون، التي تجمّعت فيها الالوف من الأرقّاء قريباً من المدينة وحاولت اقتحامها، وألجأت قادة (أسبرطة) إلى طلب المساعدة العسكريّة من جيرانهم، ولم يتمكّنوا من صدّ الأرقّاء الثائرين إلّا بعد سنين عديدة[1]. وكذلك حركة العبيد في الدولة الرومانيّة التي تزعّمها (سبرتاكوس) قبل الميلاد بسبعين سنة تقريباً، واحتشد فيها عشرات الالوف من العبيد، وكادت أن تقضي على كيان الامبراطوريّة[2]. وقد سبقت هذه الثورة نشوء المجتمع الإقطاعي بعدّة قرون، ولم تنتظر إلى أن توجد التناقضات وتشتدّ بين العلاقات وقوى الإنتاج، وإنّما كانت تستمدّ وقودها من وعي متزايد بالاضطهاد، وقدرة تكتّليّة وعسكريّة وقياديّة تفجّر ذلك الوعي بالرغم من وسائل الإنتاج التي كانت حينئذٍ على وئام مع النظام العبودي. فمن الخطأ إذن أن نفسّر كلّ ثورة على أساس تطوّر معيّن في الإنتاج، أو بوصفها تعبيراً اجتماعيّاً عن حاجة من حاجات القوى المنتجة.

ولنقارن بعد هذا بين تلك الثورات الهائلة التي شنّها العبيد على نظام الإنتاج العبودي- قبل أن يتخلّى عن الميدان إلى النظام الإقطاعي بقرون عديدة- وبين ما كتبه أنجلز قائلًا:

«ما دام اسلوب إنتاجي ما لا يزال يرسم مدرجا

 

[1] دائرة المعارف 3: 358- 359

[2] قصّة الحضارة 9: 283

183

القوى المنتجة، كما تتطلّبه الفرضيّة الماركسيّة القائمة على أساس أنّ وسائل الإنتاج هي القوّة العليا المحرّكة للتاريخ.

وثالثاً: أنّ الوضع الاقتصادي- الذي هو أساس الأوضاع الاجتماعيّة في رأي الماركسيّة- لم يكن في تغيّره التاريخي معبّراً عن مرحلة تكامليّة من تاريخه، بل مني بنكسة، خلافاً لمفاهيم المادّية التاريخيّة التي تؤكّد أنّ التاريخ يزحف في حركته إلى الأمام دائماً، وأنّ الوضع الاقتصادي هو طليعة هذا الزحف الدائم. ونعالج هذه النقاط الثلاث بتفصيل:

أ- لم يكن التحوّل ثوريّاً:

إنّ تحوّل المجتمع الروماني مثلًا من نظام الرقّ إلى نظام الإقطاع لم يكن نتيجة لثورة طبقيّة في لحظة فاصلة من لحظات التاريخ، بالرغم من أنّ الثورة قانون حتمي في المادّية التاريخيّة لكلّ التحوّلات الاجتماعيّة، وفقاً للقانون الديالكتيكي (قانون قفزات التطوّر) القائل بأنّ التغييرات الكمّية التدريجيّة تتحوّل إلى تغيّر كيفي دفعي، وهكذا عُطّل هذا القانون الديالكتيكي عن العمل، ولم يؤثّر في تحويل المجتمع العبودي إلى إقطاعي بشكل ثوري آني، وإنّما تحوّل المجتمع- حسب إيضاحات الماركسيّة نفسها- عن طريق السادة أنفسهم؛ إذ أخذوا يعتقون كثيراً من عبيدهم، ويقسّمون الأملاك الكثيرة إلى أجزاء صغيرة ويعطونها إليهم، بعد أن أحسّوا بأنّ نظام الرقّ لا يضمن لهم مصالحهم‏[1].

فالطبقة المالكة إذن قد حوّلت المجتمع بالتدريج إلى النظام الإقطاعي دون حاجة إلى قانون الثورات الطبقيّة أو قفزات التطوّر. وكان غزو الجرمان من‏

 

[1] تطوّر الملكيّة الفرديّة: 53

182
3- المجتمع الإقطاعي‏

ونشأ المجتمع الإقطاعي بعد ذلك نتيجة للتناقضات التي كانت تعمل في المجتمع العبودي، وأساس هذه التناقضات التنافس بين علاقات النظام العبودي ونموّ القوى المنتجة؛ إذ أصبحت تلك العلاقات بعد فترة طويلة من حياة المجتمع العبودي عائقة عن نموّ الإنتاج، وعقبة في سبيله من ناحيتين:
إحداهما: أ نّها فسحت المجال أمام الأسياد لاستغلال العبيد- بوصفهم القوّة المنتجة- استغلالًا وحشيّاً، فتهاوى آلاف العبيد في ميدان العمل بسبب ذلك، الأمر الذي كلّف الإنتاج نقصاً كبيراً في قواه المنتجة المتمثّلة في اولئك العبيد.
والاخرى: أنّ تلك العلاقات حوّلت بالتدريج أكثر الأحرار من الفلّاحين والحرفيّين إلى عبيد، ففقد المجتمع بسبب ذلك جيشه وجنوده الأحرار، الذين كان المجتمع يحصل عن طريق غزواتهم المتلاحقة على سيل مستمرّ من العبيد المنتجين، وهكذا أدّى النظام العبودي إلى التبذير بالقوى المنتجة الداخليّة والعجز عن استيراد قوى منتجة جديدة عن طريق الغزو والأسر، وقام لأجل هذا التناقض الشديد بينه وبين قوى الإنتاج، فتقوّض المجتمع العبودي، وخلفه النظام الإقطاعي.
وتغفل الماركسيّة في هذا العرض عدّة نقاط جوهريّة في الموضوع:
فأوّلًا: أنّ تحوّل المجتمع الروماني مثلًا من النظام العبودي إلى الإقطاع لم يكن تحوّلًا ثوريّاً منبثقاً عن صراع الطبقة المحكومة كما يفرضه المنطق الديالكتيكي للمادّية التاريخيّة.
وثانياً: أنّ هذا التحوّل الاجتماعي والاقتصادي لم يسبقه أيّ تطوّر في‏

181

والثروة بين أفراد المجتمع: أنّ جماعة حوّلت أسرى الحرب إلى عبيد، وصارت تربح بسبب ذلك النتاج الفائض عن حاجتهم الضروريّة حتّى أثرت، واستطاعت نتيجة لثروتها أن تستعبد أعضاء القبيلة الذين تجرّدوا من أموالهم وأصبحوا مدينين‏[1].

وكلا هذين الأمرين لا يتّفقان مع وجهة نظر المادّية التاريخيّة.

أمّا الأوّل: فلأ نّه يؤدّي إلى اعتبار العامل السياسي عاملًا أساسيّاً، والعامل الاقتصادي عاملًا ثانويّاً منبثقاً عنه؛ لأنّه يفترض أنّ المكانة السياسيّة التي كان القوّاد ورجال الدين والرؤساء يتمتّعون بها في المجتمع الشيوعي اللاطبقي هي التي شقّت لهم الطريق إلى الإثراء وإيجاد ملكيات خاصّة، فالظاهرة الطبقيّة إذن وليدة الكيان السياسي، وليس العكس كما تقرّر المادّية التاريخية.

وأمّا السبب الثاني- الذي فسّرت به الماركسيّة تفاوت الثروات- فهو لا يتقدّم في حلّ المشكلة إلّاخطوة واحدة؛ إذ يعتبر أنّ استرقاق السادة للعبيد من أبناء القبيلة قد سبقه تاريخيّاً استرقاق اولئك السادة لأسرى الحرب وإثراؤهم على حساب هؤلاء الأسرى، وأمّا لماذا هيّأت الفرص لُاولئك السادة بالذات دون غيرهم من أعضاء القبيلة استرقاق الأسرى؟ فهذا ما لا تحاول الماركسيّة تفسيره؛ لأ نّها لا تجد تفسيره في القوى المنتجة، وإنّما يمكن تفسيره تفسيراً إنسانيّاً على أساس الفوارق والكفاءات المتفاوتة: البدنية والفكرية والعسكرية، التي يولد الناس وهم يختلفون في حظوظهم منها، طبقاً لظروفهم وشروطهم النفسيّة والفسيولوجيّة والطبيعيّة …

[1] تطوّر الملكيّة الفرديّة: 33

180

مختلفة تبعاً لنوعيّة القوى المنتجة ومتطلّباتها.

ومن الضروري أن نثير هنا سؤالًا- في وجه الماركسيّة- عن هذه الانقسامة الفاصلة في حياة البشريّة التي قسّمت المجتمع إلى طبقتين: سادة وعبيد، كيف اعطيت فيها السيادة لُاولئك، وكتب على هؤلاء الرقّ والعبوديّة؟ ولماذا لم يقم السادة بدور العبيد، والعبيد بدور السادة؟

وللماركسيّة جوابها الجاهز على هذا السؤال، فهي تقول: إنّ كلّاً من السادة والعبيد قد مثّل الدور المحتوم الذي يفرضه العامل الاقتصادي ومنطق الإنتاج؛ لأنّ الجماعة التي مثّلت دور السيادة في المجتمع كانت على مستوىً عالٍ من الثروة نسبيّاً، وكانت تملك بسبب ذلك القدرة على ربط الآخرين بها برباط الرقّ والعبوديّة، ولكنّ اللغز يبقى- بالرغم من هذا الجواب- كما هو لم يتغيّر؛ لأنّنا نعلم أنّ هذه الثروات الضخمة نسبيّاً لم تهبط على الأسياد من السماء، فكيف حصل عليها هؤلاء دون غيرهم واستطاعوا أن يفرضوا سيادتهم على الآخرين، مع أنّ الجميع كانوا يعيشون في مجتمع شيوعي واحد؟!

وتجيب الماركسيّة على هذا السؤال من جديد بأمرين:

أحدهما: أنّ الأفراد الذين كانوا يزاولون مهامّ الرؤساء والقادة الحربيّين ورجال الدين في المجتمع الشيوعي البدائي أخذوا يستغلّون مركزهم لكي يحصلوا على الثروة، فامتلكوا جزءاً من الملكيّة الشائعة، وبدؤوا ينفصلون شيئاً فشيئاً عن أعضاء جماعاتهم ليكوّنوا أرستقراطيّة، بينما كان أعضاء الجماعة يسقطون شيئاً فشيئاً تحت تبعيّتهم الاقتصاديّة[1].

والآخر: أنّ ممّا ساعد على إيجاد التفاوت والتناقض في مستويات الإنتاج‏

 

[1] تطوّر الملكيّة الفرديّة: 32

179

يقاسموه في إنتاجه. ولمّا كان النشيط لا يتمتّع من ثمار الأرض بأكثر ممّا يتمتّع الخامل فإنّ إنتاجهم يقلّ عاماً بعد عام».
فالماركسيّة لا تشير إلى هذه المضاعفات للشيوعيّة البدائيّة بصفتها عاملًا في فشلها واختفائها عن مسرح التاريخ، وقيام الأفراد النشيطين باستعباد الكسالى واستخدامهم في مجالات الإنتاج بالقوّة.
وهذا موقف مفهوم من الماركسيّة تماماً، فإنّها لا تعترف بما نجم عن الشيوعيّة من كسل وخمول شامل؛ لأنّ ذلك يضع يدنا على الداء الأصيل في الشيوعيّة، الذي يجعلها لا تصلح للإنسان بتركيبه النفسي والعضوي الخاصّ الذي وجد في إطاره منذ فجر الحياة، ويبرهن على أ نّها لا تصلح للطبيعة الإنسانيّة، ويقدّم الدليل على أنّ ما حصل من مضاعفات مشابهة لذلك خلال محاولة الثورة الحديثة في روسيا لتطبيق الشيوعيّة تطبيقاً كاملًا لم يكن نتيجة للأفكار الطبقيّة والذهنيّة الرأسماليّة المسيطرة على المجتمع- كما يدّعي الماركسيّون- وإنّما كانت تعبيراً عن واقع الإنسان ودوافعه ومشاعره الذاتيّة، التي خلقت معه قبل أن تولد الطبقيّة وتناقضاتها وأفكارها.

[2-] المجتمع العبودي‏

وبتحوّل المجتمع من الشيوعيّة البدائيّة إلى مجتمع عبودي تبدأ المرحلة الثانية في المادّية التاريخيّة، وببدئها تولّد الطبقيّة في المجتمع، وينشأ التناقض الطبقي بين طبقة السادة وطبقة العبيد، الأمر الذي قذف بالمجتمع في أتون الصراع الطبقي لأوّل مرّة في التاريخ، ولم يزل هذا الصراع قائماً حتّى اليوم بأشكال‏

178

وسلوك أوفر الطرق راحةً إلى غايته. فلا يواجه سبيلين أمامه إلى غاية واحدة إلّا اختار أقلّهما جهداً، وليس هذا الميل الأصيل نتاجاً لوسائل الإنتاج، وإنّما هو نتاج تركيبه الخاصّ. ولذلك ظلّ هذا الميل ثابتاً بالرغم من تطوّر الإنتاج خلال آلاف السنين. كما أ نّه ليس نتاجاً للمجتمع، بل إنّ تكوّن المجتمع إنّما كان بسبب هذا الميل الطبيعي في الإنسان؛ إذ رأى أنّ التكتّل أقلّ الأساليب جهداً لمقاومة الطبيعة واستثمارها.
وهذا الميل الطبيعي هو الذي أوحى إلى الإنسان بفكرة استعباد الآخرين بصفته أضمن الطرق لراحته وأقلّها تكليفاً له.
وعلى هذا فليست قوى الإنتاج هي التي صنعت للإنسان الاجتماعي النظام العبودي أو دفعته في هذا السبيل، وإنّما هي التي هيّأت له الظروف الملائمة للسير وفقاً لميله الطبيعي. فمثلها في ذلك نظير من يعطي شخصاً سيفاً فينفّس هذا الشخص عن حقده ويقتل به عدوّه، فلا يمكننا أن نفسّر حادثة القتل هذه على أساس السيف فحسب، وإنّما نفسّرها- قبل ذلك- في ضوء المشاعر الخاصّة التي كانت تختلج في نفس القاتل، إذ لم يكن تسليم السيف إليه يدفعه إلى ارتكاب الجريمة لولا تلك المشاعر التي ينطوي عليها.
ونلاحظ في هذا المجال أنّ الماركسيّة تلتزم الصمت إزاء سبب آخر كان من الطبيعي أن يكون له أثره الكبير في القضاء على الشيوعيّة وتطوير المجتمع إلى سادة وعبيد، وهو ما أدّت إليه الشيوعيّة من ركون الكثرة الكاثرة من أفراد المجتمع إلى الدعة والكسل والانصراف عن مواصلة الإنتاج وتنميته، حتّى كتب (لوسكيل) عن بعض القبائل الهنديّة يقول:
«إنّهم من الكسل بحيث لا يزرعون شيئاً بأنفسهم، بل يعتمدون كلّ الاعتماد على احتمال أنّ غيرهم لن يرفض أن‏

177

العبيد على العمل المتواصل، وهكذا نشأ النظام العبودي.
وقد بدأ النظام العبودي أوّل ما بدأ باستعباد الأسرى الذين كانت القبيلة تربحهم في غاراتها، وقد اعتادت قبلًا أن تقضي عليهم؛ لأنّها لم تكن تجد مصلحة في إبقائهم وإعالتهم، وبعد تطوّر الإنتاج أصبح من المصلحة الاقتصادية للقبيلة استبقاؤهم واسترقاقهم؛ لأنّهم ينتجون أكثر ممّا يأكلون، وهكذا تحوّل أسرى الحرب إلى عبيد، ونتيجة لإثراء اولئك الذين استخدموا العبيد أخذ هؤلاء الأثرياء يستعبدون أعضاء قبيلتهم، وانقسم المجتمع إلى سادة وعبيد، واستطاع الإنتاج أن يواصل ارتقاءه خلال هذا الانقسام وبفضل النظام العبودي الجديد.
ونحن إذا دقّقنا في هذا استطعنا أن نتبيّن من خلال التفسير الماركسي نفسه أنّ المسألة هي مسألة الإنسان قبل أن تكون مسألة وسائل الإنتاج؛ لأنّ نموّ القوى المنتجة لم يكن يتطلّب إلّامزيداً من العمل البشري، وأمّا الطابع الاجتماعي للعمل فليس له علاقة بنموّها، فكما أنّ العمل الكثير العبودي ينمّي الإنتاج كذلك العمل الكثير الحرّ، فلو أنّ أفراد المجتمع قرّروا جميعاً مضاعفة جهودهم في الإنتاج وتقسيم النتاج بعد ذلك بالتساوي لضمنوا بذلك للقوى المنتجة نموّها الذي حقّقه المجتمع العبودي، بل لنما الإنتاج كيفيّاً ونوعيّاً أكثر ممّا نما بممارسة العبيد؛ لأنّ العبد يعمل بيأس، ولا يحاول أن يفكّر أو يكتسب خبرة في سبيل تحسين الإنتاج، على العكس من الأحرار المالكين المتضامنين في العمل.
فنموّ القوى المنتجة إذن لم يكن يتوقّف على الطابع العبودي للعمل، وإنّما كان يتوقّف على مضاعفة العمل، فلماذا إذن ضاعف الإنسان الاجتماعي العمل عن طريق تحويل نصف المجتمع إلى عبيد، ولم يحقّق ذلك عن طريق الاتّفاق الحرّ بين الجميع على مضاعفة العمل؟! إنّ الجواب على هذا السؤال لا نجده إلّا في الإنسان نفسه وفي ميوله الطبيعيّة، فهو ميّال بطبيعته إلى الاقتصاد في العمل،

176

إنتاج الآخرين دون أن يتهدّدهم خطر الجوع والحرمان؟! فهل الاشتراك الاجتماعي في عمليّات الإنتاج يفرض توزيع الإنتاج على غير المشتركين في الإنتاج أيضاً؟ وإذا كان البدائيّون قد حرصوا أوّل الأمر على طريقة المساواة لئلّا يموت أحدهم جوعاً فيخسرون بذلك عوناً في عمليّات الإنتاج الجماعي فلماذا حرصوا على إعالة الكسالى الذين لا يخسرون بفقدهم شيئاً؟!

ما هو نقيض المجتمع الشيوعي؟

إنّ المجتمع الشيوعي البدائي منذ ولد كان في رأي الماركسيّة يخفي في أحشائه تناقضاً أخذ ينمو ويشتدّ حتّى قضى عليه، وليس هذا التناقض طبقيّاً؛ لأنّ المجتمع الشيوعي طبقة واحدة، وليس فيه طبقتان متناقضتان، وإنّما هو التناقض بين العلاقات الشيوعيّة في الملكيّة وقوى الإنتاج حين تأخذ بالنموّ، حتّى تصبح العلاقات الشيوعية معيقة لها عن نموّها، ويكون الإنتاج عندئذٍ بحاجة إلى علاقات جديدة يستطيع أن يواصل نموّه ضمنها.
أمّا كيف ولماذا تصبح العلاقات الشيوعيّة معيقة لقوى الإنتاج عن نموّها؟! فهذا ما تشرحه الماركسيّة قائلة: إنّ ارتقاء القوى المنتجة جعل في إمكان الفرد أن ينال من عمله في تربية الماشية والزراعة من وسائل المعيشة ما يزيد عمّا يلزمه للمحافظة على حياته، وبذلك أصبح الفرد قادراً على الاكتفاء بالعمل في جزء محدود من الوقت لإعاشة نفسه، دون أن يبذل كلّ طاقاته العمليّة. فكان لا بدّ- لكي تجنّد كلّ الطاقات العمليّة لصالح الإنتاج كما تتطلّبه القوى المنتجة في ارتقائها ونموّها- أن تخلق قوّة اجتماعيّة جديدة تضطرّ المنتجين إلى بذل كلّ طاقاتهم، وحيث إنّ العلاقات الشيوعيّة لا يوجد فيها هذه القوّة أصبح من الضروري استبدال تلك العلاقات بالنظام العبودي الذي يتيح للأسياد أن يرغموا