کتابخانه
511

الموت أحبّه اللَّه تعالى».
ومنها: إنصاف الناس ولو من النفس، قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «سيّد الأعمال إنصاف الناس من نفسك، ومواساة الأخ في اللَّه تعالى على كلِّ حال».
ومنها: اشتغال الإنسان بعيبه عن عيوب الناس، قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:
«طوبى‏ لمن شَغَلَه خوفُ اللَّه عزَّ وجلَّ عن خوف الناس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب المؤمنين»، وقال صلى الله عليه و آله: «إنّ أسرع الخير ثواباً البِرّ، وإنّ أسرع الشرِّ عقاباً البغي، وكفى‏ بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يعمى‏ عنه من نفسه، وأن يعيِّر الناس بما لا يستطيع تركه، وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه».
ومنها: إصلاح النفس عند ميلها إلى الشرّ، قال أمير المؤمنين عليه السلام: «مَن أصلح سريرَته أصلح اللَّه تعالى علانيته، ومن عمل لدينه كفاه اللَّه دنياه، ومن أحسنَ فيما بينه وبين اللَّه أصلح اللَّه ما بينه وبين الناس».
ومنها: الزهد في الدنيا وترك الرغبة فيها، قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «من زَهِد في الدنيا أثبت اللَّه الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه، وبصّره عيوب الدنيا داءها ودواءها، وأخرجه منها سالماً إلى دار السلام»، وقال رجل: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام إنِّي لا ألقاك إلّافي السنين فأوصني بشي‏ءٍ حتّى آخذ به؟
فقال عليه السلام: «اوصيك بتقوى اللَّه، والورع والاجتهاد، وإيّاكَ أن تطمع إلى من فوقك، وكفى‏ بما قال اللَّه عزَّ وجلَّ لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى‏ ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا»، وقال تعالى: «وَ لا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَ أَوْلادُهُمْ»، فإن خفت ذلك فاذكر عيش رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فإنّما كان قوته من الشعير، وحلواه من التمر، ووقوده من السعف إذا وجده، وإذا اصِبتَ بمصيبةٍ في نفسِك أو مالِك أو ولدِك فاذكر مصابَك برسول اللَّه صلى الله عليه و آله فإنّ الخلائق لم يُصابوا بمثله قطّ».

510

حَسْبُهُ». وقال أبو عبد اللَّه عليه السلام:
«إنّ الغنى‏ والعزَّ يجولان فإذا ظفرا بموضعٍ من التوكّل أوطَنا».
ومنها: حسن الظنّ باللَّه تعالى، قال أمير المؤمنين عليه السلام فيما قال: «والذي لا إله إلّاهو لا يحسن ظنّ عبدٍ مؤمنٍ باللَّه إلّاكان اللَّه عند ظنّ عبدِه المؤمن؛ لأنّ اللَّه كريم بيده الخير يستحي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظنّ ثمّ يخلف ظنّه ورجاءه، فأحسِنوا باللَّه الظنّ وارغبوا إليه».
ومنها: الصبر عند البلاء، والصبر عن محارم اللَّه تعالى، قال اللَّه تعالى:
«إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ»، وقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في حديث:
«فاصبِر فإنّ في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، واعلم أنّ النصر مع الصبر، وأنّ الفرج مع الكرب، فإنّ مع العسر يسراً، إنّ مع العسر يسراً». وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «لا يَعدم الصبر الظفر وإن طال به الزمان»، وقال عليه السلام: «الصبر صبران: صبر عند المصيبة حسن جميل، وأحسن من ذلك الصبر عند ما حرّم اللَّه تعالى عليك».
ومنها: العفّة، قال أبو جعفر عليه السلام: «ما عبادة أفضل عند اللَّه من عفّة بطنٍ وفرج». وقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «إنّما شيعة جعفر من عفّ بطنه وفرجه، واشتدّ جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت اولئك فاولئك شيعة جعفر».
ومنها: الحلم، قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «ما أعزّ اللَّه بجهلٍ قطّ، ولا أذلّ بحلمٍ قطّ». وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «أوّل عوض الحليم من حلمه أنّ الناس أنصاره على الجاهل». وقال الرضا عليه السلام: «لا يكون الرجل عابداً حتّى يكون حليماً».
ومنها: التواضع، قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «من تواضع للَّه‏رفعه اللَّه، ومن تكبَّر خفضه اللَّه، ومن اقتصد في معيشته رزقه اللَّه، ومن بذّر حرمه اللَّه، ومن أكثر ذكر

509

غير مصرٍّ عليها لكنَّه لم يتب منها وجب أمره بالتوبة، فإنّها من الواجب وتركها كبيرة موبقة، هذا مع التفات الفاعل إليها، أمّا مع الغفلة ففي وجوب أمره بها إشكال، والأحوط استحباباً ذلك.
فائدة:
قال بعض الأكابر قدس سره: إنّ من أعظم أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعلاها وأتقنها وأشدّها خصوصاً بالنسبة إلى رؤساء الدين أن يلبس رداء المعروف واجبه ومندوبه، وينزع رداء المنكر محرَّمه ومكروهه، ويستكمل نفسه بالأخلاق الكريمة، وينزِّهها عن الأخلاق الذميمة، فإنّ ذلك منه سبب تامّ لفعل الناس المعروف ونزعهم المنكر، خصوصاً إذا أكمل ذلك بالمواعظ الحسنة المرغبة والمرهبة، فإنّ لكلِّ مقامٍ مقالًا، ولكلِّ داءٍ دواءً، وطبّ النفوس والعقول أشدّ من طبّ الأبدان بمراتب كثيرة، وحينئذٍ يكون قد جاء بأعلى أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ختام فيه مطلبان:

المطلب الأول: في ذكر امور هي من المعروف:
منها: الاعتصام باللَّه تعالى، قال اللَّه تعالى: «وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ». وقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «أوحى‏ اللَّه عزَّ وجلَّ إلى داود:
ما اعتصم بي عبدٌ من عبادي دون أحدٍ من خلقي عرفت ذلك من نيته ثمّ تكيده السماوات والأرض ومن فيهن إلّاجعلت له المخرج من بينهنّ».
ومنها: التوكل على اللَّه سبحانه، الرؤوف الرحيم بخلقه، العالم بمصالحه، والقادر على قضاء حوائجهم. وإذا لم يتوكّل عليه تعالى فعلى‏ من يتوكّل؟ أعلى نفسه أم على غيره مع عجزه وجهله؟ قال اللَّه تعالى: «وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُو

508

هذه المراتب أخفّ وأشدّ، والمشهور الترتيب بين هذه المراتب، فإن كان إظهار الإنكار القلبي كافياً في الزجر اقتصر عليه، وإلّا أنكر باللسان، فإن لم يكفِ ذلك أنكره بيده، بل المشهور الترتيب بين مراتب كلِّ واحدة، فلا ينتقل إلى الأشدِّ في كلّ مرتبةٍ إلّاإذا لم يكفِ الأخفّ، وهو أحوط[1].

مسألة (7): إذا لم تكفِ المراتب المذكورة في ردع الفاعل ففي جواز الانتقال إلى الجرح والقتل وجهان، بل قولان، أقواهما العدم، وكذا إذا توقّف على كسر عضوٍ من يدٍ أو رجلٍ أو غيرهما، أو إعابة عضوٍ كشللٍ أو اعوجاجٍ أو نحوهما، فإنّ الأقوى عدم جواز ذلك، وإذا أدّى‏ الضرب إلى ذلك خطأً أو عمداً فالأقوى ضمان الآمر والناهي لذلك، فتجري عليه أحكام الجناية العمدية إن كان عمداً، والخطيئة إن كان خطأً. نعم، يجوز للإمام ونائبه ذلك إذا كان يترتّب على معصية الفاعل مفسدة أهمّ من جرحه أو قتله، وحينئذٍ لا ضمان عليه.

مسألة (8): يتأكّد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حقّ المكلف بالنسبة إلى أهله، فيجب عليه إذا رأى‏ منهم التهاون في الواجبات كالصلاة وأجزائها وشرائطها بأن لا يأتوا بها على وجهها؛ لعدم صحّة القراءة والأذكار الواجبة، أو لا يتوضّؤوا وضوءاً صحيحاً، أو لا يطهِّروا أبدانهم ولباسهم من النجاسة على الوجه الصحيح أمرهم بالمعروف على الترتيب المتقدّم حتّى يأتوا بها على وجهها، وكذا الحال في بقية الواجبات، وكذا إذا رأى‏ منهم التهاون في المحرّمات، كالغيبة والنميمة، والعدوان من بعضهم على بعض، أو على غيرهم، أو غير ذلك من المحرّمات فإنّه يجب أن ينهاهم عن المنكر حتّى ينتهوا عن المعصية.

مسألة (9): إذا صدرت المعصية من شخصٍ من باب الاتّفاق وعلم أ نّه‏

 

[1] الظاهر أنّ مراعاة المراتب في كلِّ مرتبةٍ ليس هو الأحوط بالنسبة إلى المرتبة الاولى، بل بالنسبة إلى بعض مراتب المرتبة الثانية أيضاً

507

الخامس: أن لا يلزم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرر في النفس، أو في العرض أو في المال، على الآمر أو على غيره من المسلمين، فإذا لزم الضرر عليه أو على غيره من المسلمين لم يجب شي‏ء، والظاهر أ نّه لا فرق بين العلم بلزوم الضرر والظنّ به والاحتمال المعتدّ به عند العقلاء الموجب لصدق الخوف.

مسألة (5): لا يختصّ وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصنفٍ من الناس دون صنف، بل يجب عند اجتماع الشرائط المذكورة على العلماء وغيرهم، والعدول والفسّاق، والسلطان والرعية، والأغنياء والفقراء، وقد تقدّم أ نّه إن قام به واحد سقط الوجوب عن غيره، وإن لم يقم به أحد أثِم الجميع واستحقّوا العقاب.

[مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:]

مسألة (6): للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب:

الأول: الإنكار بالقلب، بمعنى إظهار كراهة المنكر أو ترك المعروف: إمّا بإظهار الانزعاج من الفاعل، أو الإعراض والصدِّ عنه، أو ترك الكلام معه، أو نحو ذلك من فعلٍ أو تركٍ يدلّ على كراهة ما وقع منه.

الثاني‏[1]: الإنكار باللسان والقول، بأن يَعِظَه وينصحَه ويذكرَ له ما أعدَّ اللَّه سبحانه للعاصين من العقاب الأليم والعذاب في الجحيم، أو يذكر له ما أعدّه اللَّه تعالى للمطيعين من الثواب الجسيم والفوز في جنّات النعيم.

الثالث: الإنكار باليد بالضرب المؤلِم الرادِع عن المعصية، ولكلّ واحدةٍ من‏

 

[1] الظاهر أنّ هذا وما قبله في مرتبةٍ واحدة

506

مسألة (3): إذا كان المعروف مستحبّاً كان الأمر به مستحبّاً، فإذا أمر به كان مستحقّاً للثواب، وإن لم يأمر به لم يكن عليه إثم ولا عقاب.

شروط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

مسألة (4): يشترط في وجوب الأمر بالمعروف الواجب والنهي عن المنكر امور:

الأول: معرفة المعروف والمنكر ولو إجمالًا، فلا يجبان على الجاهل بالمعروف والمنكر.

الثاني: احتمال ائتمار المأمور بالمعروف بالأمر، وانتهاء المنهيّ عن المنكر بالنهي، فإذا لم يحتمل ذلك وعلم أنّ الشخص الفاعل لا يبالي بالأمر أو النهي ولا يكترث بهما لا يجب عليه شي‏ء.

الثالث: أن يكون الفاعل مصرّاً على ترك المعروف وارتكاب المنكر[1]، فإذا كانت أمارة على الإقلاع وترك الإصرار لم يجب شي‏ء، بل لا يبعد عدم الوجوب بمجرّد احتمال ذلك، فمن ترك واجباً أو فعل حراماً ولم يعلم أ نّه مصرّ على ترك الواجب أو فعل الحرام ثانياً، أو أ نّه منصرف عن ذلك، أو نادم عليه لم يجب عليه شي‏ء.

الرابع: أن يكون المعروف والمنكر منجّزاً في حقّ الفاعل، فإذا كان معذوراً في فعله المنكر أو تركه المعروف لاعتقاد أنّ ما فعله مباح وليس بحرام، أو أنّ ما تركه ليس بواجب، وكان معذوراً في ذلك للاشتباه في الموضوع، أو الحكم اجتهاداً أو تقليداً لم يجب شي‏ء.

 

[1] المناط هو الإقدام على ترك المعروف أو فعل المنكر ولو للمرّة الاولى

505

مسألة (1): من أعظم الواجبات الدينية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال اللَّه تعالى: «وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ». وقد ورد عنهم عليهم السلام: أنّ بالأمر بالمعروف تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحلّ المكاسب، وتمنع المظالم، وتعمر الأرض، وينتصف للمظلوم من الظالم، ولا يزال الناس بخيرٍ ما أمروا بالمعروف ونَهوا عن المنكر، وتعاونوا على البِرِّ، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزِعت منهم البركات، وسُلِّط بعضُهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء. وقال النبيّ صلى الله عليه و آله: «كيف بكم إذا فسدت نساؤكم، وفسق شبابكم، ولم تأمروا بالمعروف ولم تَنهَوا عن المنكر، فقيل له: ويكون ذلك يا رسول اللَّه؟
قال صلى الله عليه و آله: نعم، فقال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر، ونهيتم عن المعروف فقيل له:
يا رسول اللَّه، ويكون ذلك؟ فقال صلى الله عليه و آله: نعم، وشرّ من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً؟».
مسألة (2): يجب الأمر بالمعروف الواجب، والنهي عن المنكر وجوباً كفائياً إن قام به واحد سقط عن غيره، وإذا لم يقم به واحد أثِم الجميع واستحقّوا العقاب.

504

503

العبادات‏

كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

شروط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ختام فيه مطلبان.