کتابخانه
247
ما هي الاشتراكيّة والشيوعيّة؟

ولكلّ من المرحلتين- الاشتراكيّة والشيوعيّة- معالمها الرئيسيّة التي تميّزها عن المرحلة الاخرى. فإنّ المرحلة الاشتراكيّة تتلخّص معالمها الرئيسيّة وأركانها الأساسيّة فيما يلي:
أوّلًا: محو الطبقيّة وتصفية حسابها نهائيّاً بخلق المجتمع اللاطبقي.
وثانياً: استلام البروليتاريا للأداة السياسيّة بإنشاء حكومة دكتاتوريّة قادرة على تحقيق الرسالة التاريخيّة للمجتمع الاشتراكي.
وثالثاً: تأميم مصادر الثروة ووسائل الإنتاج الرأسماليّة في البلاد- وهي الوسائل التي يستثمرها مالكها عن طريق العمل المأجور- واعتبارها ملكاً للمجموع.
ورابعاً: قيام التوزيع على قاعدة (من كلٍّ حسب طاقته، ولكلٍّ حسب عمله).
وعندما تصل القافلة البشريّة إلى قمّة الهرم التاريخي أو إلى الشيوعيّة الحقيقيّة يحدث التطوّر والتغيّر في أكثر تلك المعالم والأركان. فالشيوعيّة تحتفظ بالركن الأوّل من أركان الاشتراكيّة، وهو محو الطبقيّة، وتتصرّف في سائر مقوّماتها وأركانها الاخرى. فبالنسبة إلى الركن الثاني تضع الشيوعيّة حدّاً نهائيّا

246

وبالرغم من هذين الوجهين المختلفين للعلم والمذهب فإنّ الصلة وثيقة جدّاً بين المادّية التاريخيّة والماركسيّة المذهبيّة؛ لأنّ المذهب الذي تتبنّى الماركسيّة الدعوة إليه ليس في الحقيقة إلّاتعبيراً قانونيّاً وشكلًا تشريعيّاً لمرحلة معيّنة من مراحل المادّية التاريخيّة، وجزءاً محدوداً من المنحنى التاريخي العامّ الذي تفرضه حركة الإنتاج الصاعدة، وقوانين تطوّره وتناقضاته. فالماركسيّة حين تتقمّص ثوب الداعية المذهبي إنّما تعبّر بذلك عن الحقيقة التاريخيّة لتلك القوانين، فهي لا تنظر إلى الدعوة إلّابوصفها تنفيذاً لإرادة التاريخ وتحقيقاً لمقتضيات العامل الاقتصادي الذي يقود القافلة البشريّة اليوم نحو مرحلة جديدة، هي المرحلة التي تتجسّد فيها مخطّطات المذهب الماركسي.
ولهذا السبب كان يطلق ماركس على مذهبه اسم: الاشتراكيّة العلميّة، تمييزاً لها عن سائر الاشتراكيّات التي عبّر أصحابها فيها عن اقتراحاتهم ومشاعرهم النفسيّة، وليس عن الضرورة التاريخيّة وقوانينها، فصاغوا مذاهبهم بعيدين عن الحساب العلمي ودراسة القوى المنتجة ونموّها.
وفي المذهب الماركسي مرحلتان تطالب الماركسيّة- من ناحية مذهبيّة- بتطبيقهما تباعاً، وتؤكّد- من ناحية المادّية التاريخيّة- على ضرورتهما التاريخيّة كذلك، وهما: المرحلة الاشتراكيّة، ثمّ الشيوعيّة. فالشيوعيّة تعتبر- من وجهة رأي المادّية التاريخيّة- أعلى مرحلة من مراحل التطوّر البشري؛ لأنّها المرحلة التي يحقّق فيها التاريخ معجزته الكبرى، وتقول فيها وسائل الإنتاج كلمتها الفاصلة. وأمّا المرحلة الاشتراكيّة التي تقوم على أنقاض المجتمع الرأسمالي، وتحتلّ موقع الرأسماليّة مباشرة فهي: من ناحية تعبّر عن الثورة التاريخيّة المحتومة على الرأسماليّة حين تأخذ بالاحتضار، ومن ناحية اخرى تعتبر شرطاً ضروريّاً لإيجاد المجتمع الشيوعي وقيادة السفينة إلى شاطئ التاريخ.

245
تمهيد

قلنا في مستهلّ هذا الكتاب: إنّ المذهب الاقتصادي عبارة عن نهج خاصّ للحياة يطالب أنصاره بتطبيقه لتنظيم الوجود الاجتماعي على أساسه، بوصفه المخطّط الأفضل الذي يحقّق للإنسانيّة ما تصبو إليه من رخاء وسعادة على الصعيد الاقتصادي. وأمّا العلوم الاقتصاديّة فهي دراسات منظمّة للقوانين الموضوعيّة التي تتحكّم في المجتمع كما تجري في حياته الاقتصاديّة. فالمذهب: تصميم عمل ودعوة. والعلم: كشف أو محاولة كشف عن حقيقة وقانون؛ لهذا السبب كان المذهب عنصراً فعّالًا وعاملًا من عوامل الخلق والتجديد، وأمّا العلم فهو يسجّل ما يقع في مجرى الحوادث الاقتصاديّة كما هو دون تصرّف أو تلاعب.
وعلى هذا الأساس فصّلنا بين المادّية التاريخيّة والمذهب الماركسي في بحثنا هذا مع الماركسيّة، فالمادّية التاريخيّة التي تناولناها في القسم الأوّل من البحث: هي علم قوانين الإنتاج في تطوّره ونموّه، ونتائجه الاجتماعيّة في مختلف الحقول الاقتصاديّة والسياسيّة والفكريّة، وبكلمة اخرى: هي علم الاقتصاد الماركسي الذي يفسّر التاريخ كلّه تفسيراً اقتصاديّاً في ضوء القوى المنتجة.
والمذهب الماركسي: هو النظام الاجتماعي الذي تتزعّم الماركسيّة الدعوة إليه، وقيادة الإنسانيّة إلى تحقيقه. فالماركسيّة تقف في المادّية التاريخيّة موقف العالم الطبيعي من قوانين الطبيعة، وتقف بصفتها المذهبيّة موقف الدعوة والتبشير.

244

243

مع الماركسيّة
2

المذهب الماركسي‏

تمهيد.
ما هي الاشتراكيّة والشيوعيّة؟
نقد المذهب بصورة عامّة.
نقد تفصيلي للمذهب.

242

جعلت الحصول على أكبر ربح مادّي ممكن، هو الهدف الأعلى بقطع النظر عن نوعيّة الوسائل، وطابعها الخُلُقي، ونتائجها في المدى البعيد.
والدليل على هذا من الواقع: أنّ الاستعمار بدأ منذ بدأت الرأسماليّة وجودها التاريخي في المجتمعات الاوروبيّة بعقليّتها ومقاييسها، ولم ينتظر حتّى تصل الرأسماليّة إلى مرحلتها العليا ليكون تعبيراً عن ضرورة اقتصاديّة خالصة.
فقد اقتسمت الدول الاوروبيّة البلاد الضعيفة في مطلع الرأسماليّة بكلّ وقاحة واستهتار. فكان لبريطانيا الهند وبورما وجنوب أفريقيا ومصر والسودان وغيرها، ولفرنسا الهند الصينيّة والجزائر ومراكش وتونس ومدغشقر وغيرها من المستعمرات، وكان لألمانيا قطّاعات في غربي أفريقيا وجزر الباسفيك، ولإيطاليا طرابلس الغرب والصومال، ولبلجيكا بلاد الكونغو، ولروسيا قطّاعات في آسيا، ولهولندا جزائر الهند.
فالسبب الأصيل والأسبق للاستعمار يكمن في الواقع الروحي والمزاج الخُلُقي للمجتمع، لا في مجرّد السماح بالملكيّة الخاصّة لوسيلة الإنتاج. فإذا سمح بهذه الملكيّة في مجتمع يتمتّع بواقع روحي وخلقي وسياسي يختلف عن الواقع الرأسمالي فليس الاستعمار بمفهومه الرأسمالي قانوناً حتميّاً له.
وأمّا الاحتكار فهو الآخر ليس- أيضاً- نتيجة حتميّة للسماح بالملكيّة الخاصّة لأداة الإنتاج، وإنّما هو نتيجة للحريّات الرأسماليّة بشكلها المطلق، وللمبدأ القائل بعدم جواز التدخّل في مجرى الحياة الاقتصاديّة للناس. أمّا حين توضع للملكيّة الخاصّة قيودها وحدودها، ويجعل النشاط الاقتصادي تحت مراقبة دقيقة تستهدف الحيلولة دون الاحتكار وتحكّم فئة قليلة في الأسواق التجاريّة فسوف لا يجد الاحتكار طريقه الرأسمالي المعبّد إلى التحطيم والتدمير.

2

2

2