کتابخانه
303

إنّ هذه الطريقة تتطلّب افتراض علم إجمالي على نحو يكون عدد كبير من أعضائه وأطرافه مستبطناً أو مستلزماً للقضية الاستقرائية، فتصبح القضية الاستقرائية محوراً لعدد من القيم الاحتمالية بقدر ذلك العدد من الأعضاء المستبطن أو المستلزم للقضية الاستقرائية. ولا بدّ أن يكون العلم الإجمالي المفترض مرناً بشكل يزداد فيه عدد الأعضاء التي تتضمّن إثبات القضيّة الاستقرائية، وينمو هذا العدد باستمرار تبعاً لازدياد عدد التجارب أو الملاحظات في عملية الاستقراء، وبهذا يصبح نموّ القيمة الاحتمالية للقضية الاستقرائية مطّرداً مع نموّ الاستقراء وامتداده.

302

ولُالخّص في البداية ما أستهدفه في بحثي لهذه المرحلة:
إنّي اريد في هذا البحث أن اثبت أنّ الاستقراء يمكنه أن ينمي قيمة احتمال التعميم، ويرتفع بها إلى درجة عالية من درجات التصديق الاحتمالي، مستنبطاً ذلك من نفس نظرية الاحتمال- بتعريفنا المتقدّم لها- وبديهياتها، من دون حاجة إلى مصادرات إضافية يختصّ بها الدليل الاستقرائي، أي أنّ الاستقراء ليس إلّا تطبيقاً للاحتمال بتعريفه وبديهياته التي عرفناها، ويمكن عن طريقه إثبات التعميم الاستقرائي بقيمة احتمالية كبيرة جدّاً.
وطريقتي في تفسير هذه المرحلة الاستنباطية للدليل الاستقرائي على هذا الأساس، تتميّز عن المحاولات التي عالجت هذه المرحلة من الدليل الاستقرائي- في حدود ما اتيح لي الاطلاع عليه-.
فهناك مثلًا محاولة ل (لابلاس) في تفسير الدليل الاستقرائي اتّجهت إلى اعتباره تطبيقاً لنظرية الاحتمال، ولكنّها لم تنجح في تفسيره على هذا الأساس، ولم تكتشف مبرّراته المنطقيّة.
وهناك بحوث عجزت عن تفسير الاستقراء بوصفه تطبيقاً خالصاً لنظرية الاحتمال، واتّجهت إلى القول بأنّ الدليل الاستقرائي بحاجة إلى مصادرات خاصّة، ولا يمكنه أن يمارس مرحلته الاستنباطية بدون تلك المصادرات، ومن هذا القبيل بحوث (رسل) في الدليل الاستقرائي، وهذا هو الاتجاه الغالب الذي يمثّل- في أكبر الظنّ- الرأي السائد اليوم بين المفكّرين المعنيّين بدراسة الدليل الاستقرائي.
وسوف أبدأ بتوضيح الطريقة التي أتبنّاها في تفسير الدليل الاستقرائي في مرحلته الاستنباطية، ثمّ اقارن- بعد هذا- بينها وبين الاتجاهات المعارضة التي تتمثّل في تلك البحوث.

301
التعريف بطريقتنا في تفسير المرحلة الاستنباطيّة

عرفنا في بداية هذا القسم من بحوث الكتاب: أنّ الدليل الاستقرائي يمرّ بمرحلتين:
ففي المرحلة الاولى يقوم على أساس التوالد الموضوعي للفكر، وتسمّى هذه المرحلة بالمرحلة الاستنباطية من الدليل الاستقرائي؛ لأنّ الدليل في هذه المرحلة يمارس عملية استنباط عقلي وفقاً لقواعد التوالد الموضوعي للفكر، التي يحدّدها المنطق الصوري.
والدليل الاستقرائي في هذه المرحلة ينمي احتمال التعميم الاستقرائي، ويصل به إلى أعلى درجة من درجات التصديق الاحتمالي، مستنتجاً تلك الدرجة بطريقة استنباطية من المبادئ والبديهيات. وعلى هذا الأساس يمكننا أن نعتبر درجة الاحتمال التي يبرهن عليها الدليل الاستقرائي في مرحلته الاولى، قضية مستنبطة.
ودرسنا- تمهيداً لتحديد هذه المرحلة، والتعرّف على سير الدليل الاستقرائي فيها- نظريةَ الاحتمال؛ لأنّ استنباط الدليل الاستقرائي في هذه المرحلة يرتبط بها. وعلى ضوء النتائج التي توصّلنا إليها في دراستنا لنظرية الاحتمال نشرح الآن طبيعة هذه المرحلة من الدليل الاستقرائي.

300

299

تفسير الدليل الاستقرائي على ضوء نظريّة الاحتمال‏

 

الفصل الأوّل الدليل الاستقرائي في مرحلة التوالد الموضوعي‏

(المرحلة الاستنباطيّة للدليل الاستقرائي)

التعريف بطريقتنا في تفسير المرحلة الاستنباطيّة.
طريقتنا تتمثّل في أربعة تطبيقات مختلفة.
الدليل الاستقرائي في رأي «لابلاس».
الدليل الاستقرائي عند «كينز».
تحقيق الشرط الأساس للمرحلة الاستنباطيّة.
الشكل الآخر للمرحلة الاستنباطيّة.
المتطلّبات اللازمة للمرحلة الاستنباطيّة.

298

297

الاستقراء والمذهب الذاتي للمعرفة

3

 

تفسير الدليل الاستقرائي على ضوء نظريّة الاحتمال‏

الفصل الأوّل: الدليل الاستقرائي في مرحلة التوالد الموضوعي.
الفصل الثاني: الدليل الاستقرائي في مرحلة التوالد الذاتي.

296

أحدهما مع بعض القيم الاحتمالية في الآخر ولم تنطبق عليهما البديهية الإضافية الثالثة، فلا بدّ- لتحديد القيم الاحتمالية الحقيقية- من ضرب عدد أعضاء كلّ من العلمين بعدد أعضاء العلم الآخر، لنحصل على علم إجمالي كبير، ونحدّد على أساسه القيم الاحتمالية لأعضاء العلمين الأوّلين. وهذا ما نسمّيه بقاعدة الضرب، وهي ليست بديهية بل مستنتجة من البديهيات السابقة.
هذه هي نظرية الاحتمال التي سوف نفسّر- في البحث المقبل- الدليل الاستقرائي باعتباره تطبيقاً بحتاً لها.

295

1- إنّ العلم الإجمالي ينقسم بالتساوي على أعضاء مجموعة الأطراف التي تتمثّل فيه.
2- إذا أمكن تقسيم أحد أطراف العلم الإجمالي دون أن يناظره تقسيم للأطراف الاخرى، فهذه الأقسام إمّا أن تكون أصليّة وإمّا أن تكون فرعية، فإذا كانت أصلية كان كلّ قسم من أقسام الطرف عضواً في مجموعة أطراف العلم الإجمالي. وإذا كانت الأقسام فرعية، فالطرف عضو واحد.
3- إذا وجدت قيمتان احتماليتان مستمدّتان من علمين إجماليّين، إحداهما مثبتة لقضية ما والاخرى نافية لها، وكانت إحدى القيمتين الاحتماليّتين- في إثباتها أو نفيها للقضية- تنفي طرفية تلك القضية للعلم الإجمالي الآخر، دون العكس، فهي حاكمة على الاخرى ولا تصلح الاخرى للتعارض معها.
4- إنّ التقييد المصطنع للكلّي المعلوم بالعلم الإجمالي في قوّة عدم التقييد، وهو يتمثّل في كلّ قيد لا يحدّد من انطباقات الشي‏ء المقيّد؛ لأنّ جميع احتمالات انطباق الشي‏ء تستلزم أو تستبطن توفّر القيد.
5- كلّما كان العلم الإجمالي الشرطي يتحدّث عن جزاء غير محدّد في الواقع، فلا يصلح أن يكون أساساً لتنمية الاحتمال بتجميع عدد من قيمه الاحتمالية في محور واحد.
ويلاحظ أنّ البديهية الإضافية الثانية هي تحديد وتفسير لموضوع البديهية الإضافية الاولى، أي لأطراف العلم الإجمالي التي ينقسم عليها العلم بالتساوي.
فالبديهيتان مردّهما إلى قضيّة واحدة، كما أنّ البديهية الإضافية الرابعة تقوم بتحقيق مصداق للبديهية الإضافية الثالثة.
ثالثاً: أ نّه كلّما وجد علمان إجماليان تتعارض بعض القيم الاحتمالية في‏