بمناسبة ذكرى استشهاد المفكر الاسلامي الكبير الشهيد الصدر (رض) وأخته العلوية المظلومة بنت الهدى عقدت رابطة الكتّاب والمثقفين ندوة فكرية عصر الجمعة المصادف 13/4/2001 في مدينة قم المقدسة حضرها جمع غفير من السادة العلماء وطلبة واساتذة العلوم الدينية مع جمع من الاخوة الكتّاب والمثقفين والصحفيين المقيمين في مدينة قم المقدسة. وقد استضافت الندوة الاستاذ الحاج عزالدين سليم الذي القى بحثاً تناول فيه عدة اثارات حول فكر الشهيد الصدر (رض) وحول حركته السياسية والاجتماعية قائلاً:
ان هذه الاثارات اتمنى من اخواننا ان يشبعوها درساً وحواراً بعد هذا اللقاء ثم قال ان السيد الشهيد الصدر (رض) لا احد يدرك قيمة خطابه الثقافي الاسلامي وتحركه السياسي والاجتماعي الذي قام به (رحمه الله) الاّ من عاش تلك الفترة اواخر الخمسينات وفي عقد الستينات فقد عشنا مرحلة الهزيمة الفكرية والثقافية أمام المدارس الثقافية الغربية والمدارس الاوروبية والشرقية التي كان يعبّر عنها بالاتحاد السوفيتي والفكر الشيوعي والحركة الاشتراكية في ذلك الزمان ولذلك الاسلام هوجم علانية في الصحافة هوجم من مختلف المواقع من خلال مكاتب
انصار السلام ومقرات المقاومة الشعبية كانت كلها تعكس الهزيمة الفكرية والسياسية للمؤمنين الاسلاميين، في ذلك الوقت كنّا نعيش فراغاً سياسياً بحيث لانملك كتاباً ولا مدرسة ولا تنظيماً. نعم هناك مؤلفات ظهرت خارج العراق كمؤلفات المودودي وسيد قطب وتقي الدين النبهاني سبقتنا لكنها لم تشبع غليل شبابنا لاسيما وانها تعبر عن ظروف اصحابها وحالة بلدانهم، وفي هذه الظروف ظهرت مؤلفات الشهيد الصدر (رض) وابحاثه.
ابرزت عبقرية الاسلام وقدرته على تكيف الحياة وصنع الحياة من جديد وعلى مواجهة الموجة الثقافية الغازية من قبل اوروبا الغربية والشرقية وأشعرت المؤمنين بالعزة والفخر، حتى ان مؤلفاته وما كتبه في مجلة الاضواء ومجلة النشاط الثقافي ومجلة الايمان وغيرها هذه الكتابات احرجت المدارس السياسية الفكرية التي كانت تعيش في العراق في ذلك الوقت وهناك ملاحظات كثيرة التي تشكل محاور واثارات وددت ان اطرحها في هذا الحديث.
المحور الاول: انتقل السيد الصدر (رض) في ابحاثه وفي كتاباته المتنوعة من الفلسفة الى الاقتصاد الى الامور الاجتماعية انتقل بالفكر الاسلامي من حالة الدفاع الى حالة الهجوم، في تلك المرحلة كنّا نعيش مرحلة الدفاع حتى ان بعض مفكرينا وكتّابنا في العالم الاسلامي كان يحاول ان يكيف الاسلام تكيفاً يناسب الافكار المعاصرة فيكتب الدكتور مصطفى السباعي كتابه باشتراكية الاسلام، ويكتب الدكتور عبدالله العربي من مصر ديمقراطية الاسلام. في هذه الحالة حالة الدفاع حالة صبغ الاسلام بالصبغة المعاصرة الاشتراكية والديمقراطية وما الى ذلك في هذا الواقع تظهر مؤلفات السيد الصدر (رض) وتبدأ بمهاجمة المرتكزات الاساسية للفكر الغازي، ففي فلسفتنا يناقش الديالتيك ويفنده وفي اقتصادنا يناقش المادية التاريخية ويناقش الاشتراكية، اساس الاشتراكية ومواضيع تداول الثروة ومواضيع التوزيع والملكية وغيرها ويبرهن بجداره متناهية ان الاسلام سبق هؤلاء وجاء بنظام الهي يعالج حياة الانسان لا كما وقع فيه الاشتراكيون والرأسماليون والديمقراطيون من اخطاء، فيهاجم الفكر والمذاهب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في اساسياتها حتى يحرج اصحابها في العراق.
المحور الثاني: ان السيد الصدر (رض) كان يفكر بواقع النهضة، السيد مفكر وفقيه لاشك في ذلك لكن هذا المفكر كان يبحث عن حاجات النهضة لايتحدث في الفراغ ولا يبلور افكاره في الفضاء وانما يبحث عن حاجات الواقع وحاجات النهضة ماذا تحتاج النهضة؟ تحتاج الى بحث وحوار فلسفي فكتب الشهيد فلسفتنا وطرح بحثاً حول المادة او الله باعتبار ان هناك مسألة الالحاد وانكار الله في الفكر الغازي فالصدر يتحدث ان هناك حاجة للنهضة ويناقش المذاهب العقلية والمذاهب الحسية وغير ذلك ويبلور المفهوم الاسلامي من خلال فلسفتنا حول خلق الانسان والكون. احتاجت النهضة الى فكر اقتصادي الّف اقتصادنا وغيرها. رأى ان الحوزة العلمية متخلفة عن العصر فكان نظام الدورة وتدريس الكتب المعاصرة في الستينات فالخطيب عندما يصعد المنبر يتحدث عن المشكلة الاقتصادية وعن الوجود والحرية في اطار الاسلام. فانتقل المنبر من الواقع القديم الى امور الحياة وحتى طريقة طرح العقائد بما يناسب الحياة الجديدة. فالشهيد الصدر رأى انه من الضروري ان يكتب وينظر ويفقه ولكن ليس بالطريقة التي نعيشها الآن من حالة الركود وللفتن والمشاكل.
المحور الثالث: قضية الاصالة والمعاصرة في فكر السيد الصدر (رض) وفي حركة السيد الصدر، فالسيد الصدر كان لولباً في حركة النهضة الحديثة ولكن كانت هناك مخاوف تواجه النهضة فكان وبامكان ان تكون هذه النهضة العراقية سلفية منكفئة على الذات على الماضي او تكون هذه النهضة مأخوذة بالمعاصرة (بالعصرنة) وبعيدة عن حقيقة الاسلام واصالة الاسلام. السيد الصدر (رض) رفع شعار رسالتنا خالدة متطورة، السيد الصدر يكتب فدك في التاريخ ويكتب اقتصادنا يهتم بالمعاصرة ويصر عليها ويصر على الاصالة ايضاً ويحميها، كان يجمع بين الاصالة والتجديد.
المحور الرابع: الصدر (رض) شعر ان العمل للاسلام لايمكن ان يكون ذوقاً واحداً حركة الامة نامية ومستمرة وليس من المعقول ان الامة يمكن ان تحصر في اسلوب واحد في العمل فاجتهادات وقناعات الناس متعددة واساليب العمل مختلفة وبناء على ذلك رأيناه يتعامل في آن واحد مع اذواق مختلفة للاسلاميين يتعامل مع حزب الدعوة وتفاعل وتبنى جند الامام وتعامل مع الخالصيّين وتعامل مع منظمة العمل الاسلامية ليس لديه فرق بين الوجودات الاسلامية. السيد الصدر لم يكتف بالممارسة العملية وانما حينما طرح مشروعه للقيادة في المرجعية الموضوعية اوجد مادة ومحور واضح سماه لجنة رعاية العمل الاسلامي بآفاقه المختلفة، السيد الصدر تبنى جميع الاذواق علاوة على ذوق الحوزة كل المجموعات تبناها واهتم بها وثبت نقطة مركزية في اطروحته المرجعية الموضوعية ان رعاية العمل الاسلامي وامداده ودعمه ضرورة من ضرورات القائد الاسلامي.
المحور الخامس: ان السيد الصدر عندما شعر بمأساة الحكم الظالم في العراق والذي لم يبتلي اي اقليم من اقاليم المسلمين بمثل هذا الظالم، السيد الصدر (رض) لم يقل انا مرجع طائفة معينة ولم يقل انا مرجع للنجف وانما نداءه لحشد الطاقات ندائه توجه لجميع المسلمين في العراق فولده السني والشيعي يخاطبون معاً، وانتم تعلمون في العراق شيعة امامية وسنة احناف وشوافع وقليل من المالكية وهؤلاء يعيشون ويتعايشون فيما بينهم عيشة لا نظير لها وأقول ان التعايش بين المسلمين في العراق يمكن ان يكون نموذجاً لكل المسلمين في العالم.
المحور السادس: هناك قضية في الحركة الاسلامية وهي اختلاط الحالة العالمية بالحالة الوطنية، في العالم الاسلامي هناك اختلاط بين الحالتين انتم تعلمون ان الاسلام اممي يخاطب كل المسلمين لا فرق عنده بين جنس ولون ولغة وغيرها ويتخطى الحدود الجغرافية والحركة الاسلامية تقوم على هذا الاساس وينظر للعمل الاسلامي في كل موقع ينطلق في بدايته من هذا الانطلاق ومؤلفات السيد الصدر تخاطب الجميع ولكن الخصوصية العراقية، والاهتمام بالعراق والاصرار والبقاء في العراق حتى آخر نفس يدل على اهتمامه الخاص بالعراق.
المحور السابع والاخير: السيد الصدر كتب الكثير ونظر كثيراً جزاه الله خيراً لكن بعض افكاره واطروحاته ارتبطت بزمن، هذه قضية ينبغي ان نلتفت اليها، تنظيره بالاقتصاد بعضه ارتبط بزمن، المادية التاريخية، الديالكتيك، لذلك عندما تقرأ اقتصادنا اليوم لا تشعر عندما كنت تقرأه عام ستين في العراق باعتبار المعركة كانت على اشدها بين فكر يحارب الاسلام وفكر الاسلام الذي يحمله اقتصادنا وداعية الاسلام الذي يحمل اقتصادنا وفلسفتنا لذلك ان هذه الافكار بعضها ارتبط بزمن وبعضها لا يرتبط، لذلك ما ارتبط بزمن يحتاج الاستفادة منه من خلال تطويره، من خلال الاستفادة من منهجية الصدر (رض) بالمناقشة والتنظير والبلورة اما الذي لايزال موجوداً ولايزال يسابق الزمن ولايزال يتخطى الزمن هذا يبقى على رسله مع الاهتمام ايضاً ببلورته بما يناسب، والحمد لله رب العالمين.
عزالدين سليم