شخصية الشهيد الصدر أضحت مقرونة في ذهن كل من يعرفه بالمأساة، مأساة الدم المسفوك الذي لا يزال يصرخ مطالباً بالثأر من أعداء الله…
ومأساة الاستكبار والتفرعن المستفحل في أرض العراق، ومأساة توقف نشاط فكري وعلمي وجهادي لرجل علقت الملايين عليه الآمال، وأنشدت نحوه القلب والأفكار.
ومن الصعب جداً أن يتحدث الإنسان بلغة وبفكرية مدروسة عن مسألة مؤطرة بالألم والحسرة والمضاضة والفقدان.
إنه ليعز علي والله أن أتحدث عن شخصية أستاذنا الشهيد في هذه الفترة التي – أقل ما يقال عنها – أنها فترة انتقام لدمه الطاهر، وللدماء الزكية التي سفكت في أرض الرافدين، وللدماء التي لا زالت تنزف على يد جلاد بلاد العراق، على الحدود الغربية والجنوبية للجمهورية الإسلامية.
طلب مني الأخوة أن أكتب عن جانب نبوغ شهيدنا الصدر، وأوضحوا لي أهمية إماطة اللثام عن جميع جوانب شخصية هذا القائد الرائد، طلبوا مني ذلك لأنهم يعلمون قربي من الشهيد، وتلمذتي الطويلة على يديه، وتعاوني معه في بعض شؤون الحوزة العلمية في العراق، وأكدوا علي أن ما أستطيع أن اكتبه في حقل نبوغ الشهيد الصدر قلما يجتمع في ذهن أحد غيري.
شكرت للإخوان حسن ظنهم بي، ولبيت الطلب مع علمي بعدم القدرة على الإلمام بجميع جوانب هذه المسألة، خاصة في هذه الفترة العصبية الضيقة، وكتبت هذا المقال الموجز الذي يراه القارئ بين يديه، آملاً أن ينتقم الله في القريب العاجل من قتلته، فيشفي صدورنا ويذهب بذلك غيظ قلوبنا، لنعود مرة أخرى إلى دراسة شهيدنا الصدر دراسة أوفى وأعمق وأكمل.
جانب النبوغ في شخصية الشهيد الصدر نستقرئه في ثلاث:
حركته الفكرية المبكرة.
ما قدمه للمجتمع الإسلامي من أطروحات فكرية وعملية رائدة.
عقليته الابتكارية التنظيرية.
نبوغ الإمام الشهيد في حركته الفكرية المبكرة:
ألف الشهيد كتاب (فدك في التأريخ) وهو في الحادية عشرة من عمره، هذا الكتاب ينطوي على أعمق التحليلات التاريخية لمسألة فدك، كما يتضمن بعض المسائل الفلسفية المرتبطة بإرث الأنبياء.
سئل الشهيد مرة عن سبب تأليفه هذا الكتاب التاريخي: أجاب لقد ألفت هذا الكتاب في مرحلة الصبا، وكنت أود أن يبقى لي من تلك المرحلة من العمر كتاب، فكان (كتاب فدك في التأريخ).
أجتهد السيد الصدر قبل بلوغه، ولم ينقل لنا تاريخ الاجتهاد ظاهرة كهذه إلا نادراً جداَ، كما نقل عن اجتهاد العلامة الحلي وأبنه قبل بلوغهما([1]) مع فارق كبير بين مستوى الفقه والأصول في عصر العلامة وعصر السيد الصدر، إذ أن هذا المستوى تعمق واتسع تعمقاً واتساعاً كبيرين في عصرنا الراهن.
كتب الشهيد (غاية الفكر) وهو في السابعة عشرة من عمره، ويتضمن دراسة معمقة لأعقد مسائل العالم الإجمالي في علم الأصول، دراسة لكتاب (كفاية الأصول) وهو أعمق كتاب دراسي اجتهادي في أصول الفقه، لها قصة طريفة تنم عن نبوغه أيضاً.
يقول السيد الشهيد: عين لي – وأنا صبي – أستاذ لتدريس هذا الكتاب، فحضرت عنده فترة لم استفد خلالها منه شيئاً لضعفه في التدريس فاضطررت أن أدرس هذا الكتاب بنفس بالاستفادة مما كتب عليه من حواش وشروح وتعليقات، وأنهيت الكتاب بهذا الشكل، وتلك مسألة عجيبة يفهمها من يعلم بمستوى هذا الكتاب وصعوبته وتعقيده وعمقه.
ما قدمه للمجتمع الإسلامي من أطروحات فكرية وعملية رائدة
لقد كان السيد الشهيد سابقاً لزمانه دوماً – إن صح التعبير – في طرح المسائل الفكرية والعلمية والعملية.
قدم للمجتمع الإسلامي أطروحة إسلامية شاملة تحدى بها الأطروحات الفكرية الواردة من الشرق والغرب، وبذلك وقف كالطود الأشم أمام التيارات المنحرفة الكافرة، ووقى الجيل المسلم من الانهزام أمام هذه التيارات، وأعاد إلى القلوب الأمل، بل ملأها بالطمأنينة بقدرة الإسلام على قيادة البشرية.
فكره التنظيمي
لم يكتف الإمام الشهيد بطرح كلمة (الله) في المجتمع،بل عمل على توجيه الأمة ودفعها على طريق هذه الكلمة.
وتجلى الجانب الحركي من الإمام الشهيد في صور شتى، كان أروعها اهتمامه المبكر في تنسيق صفوف الواعين من أبناء الأمة، وجمع الطاقات المشتتة، وتربيتها وتهذيبه ودفعها نحو عمل إسلامي منظم قائم على أسس فكرية وعملية سليمة مدروسة تستوعب كل ما تحتاجه الجماعة المسلمة المتحركة نحو استلام دورها الذي أراده الله لها من تربية إسلامية والتزام دقيق بتعاليم الرسالة، وفهم واعٍ للقضايا السياسية والاجتماعية، والاتجاهات الفكرية المعاصرة ومعالم المسيرة الإسلامية المتحركة.
وبقي الإمام الشهيد يواصل رعاية البذرة في إطار التنظيم وولاية الفقيه، حتى استوعبت مختلف قطاعات الأمة، ونهضت بالقسط الأوفر من التوعية الجماهيرية.
3- العقلية الابتكارية التنظيرية
شهيدنا الصدر – رضوان الله عليه – كان ذا عقلية فذة، فحين يتناول موضوعاً من الموضوعات يتناوله بكل أبعاده في إطاره الواسع والأرحب، ويدرسه في ذلك الإطار، باعتباره جزءاً من أطروحة عامة شاملة ويثري دراساته بابتكارات فكرية لم يسبقه بها أحد، ثم يقدم الأطروحة الكاملة للمسألة التي يعالجها.
وفي ما يلي نماذج من مظاهر هذه العقلية:
دوره في تطوير علم الأصول
من أجل أن لا أدخل في هذا المقال الموجز تفاصيل مسائل علم الأصول، أقول: أن علم الأصول مر بثلاث مراحل كما يذكر سيدنا الأستاذ في (المعالم الجديدة للأصول).
الأول: مرحلة العصر التمهيدي، ويبدأ بابن أبي عقيل، وينتهي بظهور الشيخ الطوسي.
الثاني: عصر العلم، ورائده الشيخ الطوسي وينتهي بظهور الوحيد البهبهاني.
الثالث: عصر الكمال العلمي، وهو العصر الذي افتتحته في تاريخ العلم المدرسة الجديدة التي ظهرت في القرن الثاني عشر على يد الأستاذ الوحيد البهبهاني وتعاقبت في هذه المدرسة ثلاثة أجيال من النوابغ وكان رأس الجيل الثالث المحقق الكبير الشيخ الأنصاري الذي ارتفع بالعلم في العصر الثالث إلى القمة التي كانت المدرسة الجديدة في طريقها إليه.
وهكذا نجد أن علم الأصول يطوي كماله التدريجي منذ نهاية القرن الثاني عشر، ولم يشهد قفزة في التطور إلى على يد مدرسة الإمام الشهيد الصدر.
وهذه القفزة – التي لا نستطيع في هذا المقال الموجز توضيح معالمها – أدت بعلم الأصول أن يتطور تطوراً مدهشاً، حتى لنستطيع أن نعد مدرسة الشهيد الصدر قد نقلت علم الأصول إلى مرحلة رابعة.
وتمثل الكتب الدراسية التي خلفها السيد الشهيد في هذا المجال تحت عنوان (دروس علم الأصول) في ثلاث حلقات جانباً من تطور هذا العلم وتعكس (بحوث في علم الأصول) المتبنيات الحقيقية للإمام الشهيد في علم أصول الفقه، وعلى نظرياته وأساليبه واستدلاله بكامل أبعادها.
وضع الخطوط العامة لحركة الاجتهاد في المستقبل:
في مقال موجز ينتقد الإمام الشهيد اقتصاد الذهنية الفقهية على المجالات الفردية، وانحسارها عن التطبيقات الاجتماعية.
ثم يذكر العوامل التاريخية لهذه الذهنية الفردية ويمثل كيفية تسرب هذه الفردية إلى نظرة الفقيه إلى الشريعة وإلى الدراسات الأصولية والفقهية، ويرسم آفاق المستقبل لحركة الاجتهاد قائلاً:
(( إن الانكماش الموضوعي يزول، والامتداد العمودي الذي يعبر عن الدرجة العالية من الدقة التي وصل إليها الفكر العلمي، سيتحول في سيره إلى الامتداد الأفقي ليستوعب كل مجالات الحياة، وسوف يتحول الاتجاه نحو تبرير التعامل مع الواقع الفاسد، وتقديم البديل الفكري الكامل عنه من وجهة نظر الإسلام، وسوف يمحي في مفهوم حركة الاجتهاد أي تصور ضيق للشريعة وتزول من الذهنية الفقهية كل آثاره وانعكاساته على البحث الفقهي والأصولي)).
وهذه العبارة توضح في الحقيقة – من جانب آخر – معالم مدرسة السيد الصدر في علم الفقه.
أطروحته في المنطق الاستقرائي
الحديث عن تفاصيل هذه الأطروحة بحاجة إلى بحث علمي مستقل، لكن الذي ينبغي أن نشير إليه، هو أن الإمام الشهيد اكتشف مدرسة جديدة في المنطق، هي مدرسة المنطق الذاتي.
وبين أستاذنا الشهيد أسس هذه المدرسة ومعالمها في كتاب (الأسس المنطقية للاستقراء) وتوصل منها إلى منطقة اليقين في حساب الاحتمالات.
وأجدني ملزماً أن أنوّه بالجهود الجبارة التي بذلها الأستاذ العلامة السيد كاظم الحائري في ركاب أستاذنا الصدر على طريق اكتشاف النظرية وإظهارها إلى حيّز الوجود.
أطروحة التفسير المنهجي لحياة الأئمة
في هذه الأطروحة استخلص الشهيد الخط العام لحياة أئمة آل البيت (ع) باعتباره امتداداً لخط رسالة الرسول الأعظم (ص).
وضمن هذا الخط فسر المواقف المختلفة للأئمة (ع) على ضوء الظروف الموضوعية التي عاصروها، وأوضح الأساس الواحد المشترك لهذه المواقف.
حياة أئمة آل البيت (ع) تناولها الكثيرون بالشرح والتحليل الدقيق، ولكني لا أعرف – فيما أعلم – باحثاً سبق الإمام الشهيد في وضع أطروحة شاملة منسجمة متناسقة لكل أئمة آل البيت (ع).
هذه الأطروحة قدمها الشهيد من خلال محاضرات ألقاها على طلابه أيام العطل الدراسية في الحوزة العلمية، ومسجلة على أشرطة، نأمل أن تخرج على شكل كتاب قريباً إن شاء الله.
أطروحة تفسير التشيع
كثير من كتب التاريخ تطرح مسألة التشيع على أنها ظاهرة طارئة أو انحرافية في المجتمع الإسلامي.
والإمام الشهيد يبحث عن جذور هذه الظاهرة في مقال موجز مكثف، فوجدها تمتد إلى عصر الرسول القائد (ص) نفسه، حيث رأى أن ظاهرة التشيع تتجسد في مجموعة من أصحاب الرسول (ص) المتعبدين الملتزمين بخط الرسالة، البعيدين عن كل اجتهاد أمام الكتاب والسنة ثم عرفت هذه المجموعة وخطها – فيما بعد – بالشيع والتشيع.
ثم درس مسألة استمرار الرسالة بعد رحلة القائد الأول (ص) وخلص من هذه الدراسة الموجزة إلى أن التشيع يمثل الاحتمال المنطقي الوحيد لاستمرار خط الرسالة في المسير الذي أراده الله تعالى.
أطروحة المهدي المنتظر
وفيها وضع الشهيد إطاراً جديداً لدراسة المهدي المنتظر عليه السلام.
لقد رأيت الدراسات حول المهدي عليه السلام في تناول المسألة على مستوى السنة، بينما عالج أستاذنا قدس سره هذه المسألة على ضوء الحقائق العلمية وفي إطار المسيرة العامة للبشرية، مجيباً عن كل الأسئلة المطروحة في مجال طول عمر المهدي وظهوره ومجتمعه.
أطروحة الخلافة والشهادة
وفيها يحدد معالم خط الرسالات السماوية، ودور النبي (ص) والإمام والمرجع على هذا الخط، ويوضح أن الجماعة البشرية هي التي منحت – ممثلة في آدم – خلافة الله في الأرض، وهي مكلفة برعاية الكون وتدبير الإنسان، والسير في الطريق المرسوم للخلافة الربانية.
أما حين يكون المجتمع قادراً على ممارسة حقه في الخلافة العامة، نتيجة سيطرة نظام جاهلي طاغوتي فإن النبي أو الإمام أو المرجع يتولى رعاية هذا الحق في الحدود الممكنة، ويكون مسؤولاً عن تربية هذا القاصر وقيادة الأمة لاجتياز هذا القصور، وتسلم حقها في الخلافة.
وأما إذا حررت الأمة نفسها، فخط الخلافة ينتقل إليها، فهي تمارس القيادة السياسية والاجتماعية، بتطبيق أحكام الله في الأرض، أي دور صيانة الإنسان الخليفة من الانحراف، وتوجيهه نحو أهداف الخلافة.
وأكد الإمام في أطروحته هذه أن المرجع ليس شهيداً على الأمة فقط، بل هو جزء منها أيضاً، وعلى هذا الأساس يحتل موقعاً من الخلافة العامة للإنسان على الأرض، وله رأيه في المشاكل الزمنية لهذه الخلافة وأوضاعها السياسية، بقدر ما له وجود في الأمة وامتداد اجتماعي وسياسي في صفوفها.
أطروحة الدستور الإيراني
كتبها جواباً عن سؤال وجّهه إليه – قد سره – ثلة من علماء لبنان، ورفعها الإمام الشهيد بتواضع منقطع النظير، وبإيمان راسخ بالولادة الإسلامية الجديدة في إيران قائلاً :
((إننا إذ نثمن اهتمامكم المسؤول.
الأطروحة المباركة التي رفع سماحة آية الله العظمى الخميني رايتها، فأنعش قلوب المسلمين جميعاً، وأنارت نفوسهم، نحاول فيما يلي :
أن نتحدث إليكم ببضع كلمات بمستوى مفاهيم الإسلام، وافتراضات قابلة للتطبيق إسلامياً، مع التأكيد على أن هذا الإمام المجاهد الذي رفع هذه الراية، واستطاع أن يحقق لها النصر المبين، هو صاحب الكلمة العليا، وسيد الموقف الفصل بشأنها وكلنا ثقة بأن نجاحه العظيم في تجسيدها وتطبيقها سوف لا يقل روعة عن جهاده العظيم في نسف الطاغوت وإخراج إيران من ظلمات الطغيان)).
ثم يقدم الإطار العام لأطروحة نظام الحكم الإسلامي على أساس خلافة الأمة وشهادة المرجع وولايته وتقوم الأطروحة على الأسس التالية :
لا ولاية بالأصل إلا لله تعالى.
النيابة العامة للمجتهد المطق العادل الكفوء.
الخلافة العامة للأمة على أساس الشورى.
فكرة أهل الحل والعقد تؤدي إلى افتراض مجلس يمثل الأمة، وينبثق عنها بالإنتخاب.
أطروحة التفسير الموضوعي
وهي مجموعة محاضرات ألقاها الإمام الشهيد على طلابه أيام عطلة الحوزة العلمية.
وفيها يقسم الموضوع إلى موضوعي وتجزيئي، ويوضح أهمية التفسير الموضوعي باعتباره عملية اكتشاف الإطار القرآني لكل مسالة من مسائل الكون والحياة.
ثم يقدم نموذجاً للتفسير الموضوعي بالحديث عن المفهوم القرآني لتفسير حركة التاريخ.
ويخرج من دراسته للآيات الكريمة التي تتحدث عن مسيرة البشرية بنظرية قرآنية عامة، عن تطور الحركة البشرية، ومستقبل اتجاه هذه الحركة.
أطروحة البنك اللاربوي
وهي جواب على سؤال توجهت به إليه اللجنة التحضيرية لبيت التمويل الكويتي بشأن نظام لبنك إسلامي لاربوي.
وتبرز الذهنية التنظيرية لأُستاذنا الشهيد في هذا الكتاب ابتداءً من صفحاته الأولى، حيث يشير إلى أن التخطيط لبنك إسلامي لاربوي، يمكن أن يكون على شكلين :
أن يكون التخطيط لبنك لاربوي ضمن تخطيط شامل للمجتمع، أي بعد أن تكون الجماعة المسلمة قد تسلمت زمام القيادة الشاملة لكل مرافق المجنمع.
أن يكون التخطيط لبنك لاربوي مستقلاً عن سائر جوانب المجتمع، أي من افتراض استمرار الواقع الفاسد والإطار الاجتماعي اللاإسلامي للمجتمع.
ويقول : لو كنا نعالج الموضوع بروح الموقف الأول لكان لنا حديث غير هذا الحديث.
أطروحة المرسل والرسول والرسالة
يم يشأ أستاذنا الشهيد أن يطرح رسالته العملية دون تقديمها بموجز في أصول الدين، وفي هذا المجوز تحدث الشهيد عن المرسِل (الله) وعن الرسول محمد (ص) وعن الرسالة الإسلامية.
وهذه الفصول الثلاثة تتميز :
أولاً : بارتباطها المنسجم الدقيق، الذي يؤدي إلى ضرورة التعبد بالأحكام المطروحة في الرسالة العملية.
وثانياً : باتجاهها نحو مخاطبة أولئك الذين تفاعلوا مع الفكر الحديث.
ثالثاً : بوضوحها وبمستواها المناسب للمثقف الاعتيادي الجامعي أو الحوزوي، وخلوها من المصطلحات والتعقيدات مع الاحتفاظ بحق القارئ الأكثر تعمقاً، وذلك بإيجاز بعض النقاط المعمقة، وإحالة هذا القارئ بعد ذلك في التوسع على كتب الشهيد الأخرى، كـ(الأسس المنطقية للإستقراء).
أطروحته في العبادة
اختتم أستاذنا الشهيد الجزء الأول من رسالته العملية: الفتاوى الواضحة ببحث عن العبادة.
ودرس فيه (العبادة) ضمن إطار الحاجات الثابتة التي يواجهها الإنسان في جميع العصور.
وأوضح أن العبادة هي التعبير العملي لحاجة الإنسان إلى الارتباط بالمطلق.
ثم تحدث عن الملامح العامة للعبادات وبذلك رسم الإطار لهذه المسألة الهامة من المسائل الإسلامية.
ولم يلتفت الأستاذ الشهيد أن يشير إلى الجانب الاجتماعي من العبادة، بعد أن تحدث عنها باعتبارها مؤكداً أن علاقة الإنسان بربه صيغت في الشريعة الإسلامية بطريقة جعلت منها في أكثر الأحيان أداة لعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان.
أطروحة الاقتصاد الإسلامي
تحدثنا عن (اقتصادنا) باعتباره جزءاً من الأطروحة الشاملة التي قدمها الأستاذ الشهيد متحدياً بها الأطروحات الجاهلية التي شاعت في العالم عامة بما فيه المجتمع الإسلامي المعاصر.
وهنا أشير إلى أن هذه الأطروحة تنطوي على جوانب رائقة الابتكار والتنظير.
فالجزء الأول من هذه الكتاب [اقتصادنا] تناول المادية التاريخية والمدارس الاقتصادية المادية بالنقد والتحليل بنظرة شمولية عامة، وبطريقة لا تجد لها نظيراً في الكتب المشابهة.
ويمثل الجزء الثاني قمة القدرة التنظيرية والإبتكار للإمام الشهيد، فقد أنفرد في اكتشاف الأسس العامة للمذهب الاقتصادي في الإسلام، واستيعاب تفاصيله بالدراسة المعمقة.
كما قدم قدس سره في ثنايا الكتاب نظرية جديدة، فأثبت – على سبيل المثال – لأول مرة – فيما أعلم – أن الرغبة هي أساس القيمة، خلافاً للماركسية التي اعتبرت العمل أساس القيمة، واكتشف أيضاً نظرية ارتباط الملكية – في نهاية الشرط – بالعمل، وسواهما من النظريات التي اكتشفها بشكل رائع للغاية في إطار الفكر الإسلامي الاقتصادي الإسلامي.
ولا يفوتني أن أشير إلى مقدمة الطبعة الثانية لكتاب (اقتصادنا) فهي تنطوي على إعطاء نظرة علمية معمقة عن حاجة العالم الإسلامي بشكل خاص إلى تطبيق الاقتصاد الإسلامي، والابتعاد عن المناهج الاقتصادية الكافرة، لانسجام هذا الاقتصاد مع الفكرية والحضارية والنفسية للمسلمين.
ختاماً أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل من الأمة هذا القربان العظيم، ويسدد خطاها على طريق الأهداف الكبرى التي ضحى الإمام الصدر من أجلها، إنه نعم المولى ونعم النصير.
السيد نور الدين الأشكوري
[1] – الظاهر أنه لم يطلع على اجتهاد والد شهيدنا المقدس السيد صدر الدين وعم أبيه السيد محمد علي الملقب بأقا مجتهد فإنهما اجتهدا قبل البلوغ فكان الأولى أن يستشهد بهما على ذلك فتكون هذه الميزة في حفيدهما بالأصالة والإرث (ع).