الشهيد الصدر (قدس سره) يرسم الخط الأصيل للاسلام ويتصدى للمؤامرة ويواجه النظام العفلقي

مداخلة نقدية حول الاتجاه التشكيكي بإبداعات الإمام الشهيد الصدر(رض)

ثلاثة وعشرون عاماً ونيف رافقت فيها الامام الشهيد الصدر (رضوان الله عليه) في كل خطواته وانتهلت فيها من معينة العذب الفكري والاخلاقي والسياسي، وقد كانت للسيد الشهيد الصدر في تلك الاعوام مواقف عظيمة تجاه الطغيان والانحراف، كما تعرض فيها للعدوان والاضطهاد، وسوف أحاول في هذه المذكرات أن أتناول جانباً من مواقفه تجاه النظام العفلقي الفاشي في العراق.
توطئة:
لابد من أجل أن نفهم عمق الاحداث التي سوف أتناولها والمواجهة التي وقعت بين الامام الشهيد الصدر (رضوان الله عليه) وحزب البعث في العراق من أن نرجع الى بدايات سنة 1378هـ أي بعد التغيير في الحكم الذي حصل في العراق بعد انقلاب الرابع عشر من تموز عام 1958م.
فقد ظهرت على سطح المسرح السياسي في العراق مجموعة من التيارات السياسية والفكرية بعد أن حصل الشعب العراقي نتيجة الانقلاب على بعض المكاسب السياسية والاجتماعية.
وقد احتدم الصراع في المرحلة الأولى بين التيار الماركسي الذي كان يقوده الحزب الشيوعي العراقي والذي كان يحصل على الدعم المعنوي والسياسي من قائد الانقلاب عبد الكريم قاسم من جانب، ومجموعة التيارات السياسية الاخرى كالتيار القومي الذي كان يجمع بين الناصريين والبعثيين وغيرهم والذي كان له وجود سياسي في الحكم من خلال نفوذه في الجيش والضباط الأحرار الذين اشتركوا في الانقلاب، كما كان له وجود في الشارع العراقي لاسيما في أوساط السنة العرب وبسب الدعم الذي كان يحصل عليه من الجمهورية العربية المتحدة حينذاك بقيادة جمال عبد الناصر، كالتيار الاسلامي الذي كانت تتعاطف معه جماهير واسعة من الشعب العراقي المسلم دون أن يكون له وجود سياسي قوي عدا بعض الأحزاب السياسية الاسلامية الصغيرة.
جماعة العلماء:
وقد وجد المرجعية الدينية وعلماء النجف الاشرف انّ من الضروري ان يطرح الاسلام كقوة فكرية وسياسية أصيلة تنتمي إلى السماء وتمتد جذورها في الشعب المسلم وتطمح إلى الحياة الاسلامية والمساهمة في الحكم.
وولدت من أجل ذلك اطروحة (جماعة العلماء) التي يمكن أن نقول بحق انّ وجودها يرتبط بشكل رئيسي بهذا الاتجاه السياسي ومساهمة السيد الشهيد الصدر واهتمامات المرجعية الدينية وطموحاتها الكبيرة التي كانت تتمثل بالمرحوم الامام السيد محسن الحكيم، بالاضافة إلى الشعور بالحاجة الملحة لمثل هذه الاطروحة لدى قطاع واسع من الأمة، رغم انّ السيد الشهيد الصدر (رضوان الله عليه) لم يكن أحد أعضاء جماعة العلماء لصغر عمره وأختلاف طبقته العلمية إلاّ انّه كان له دور رئيسي في تحريكها وتوجيهها ونشاطاتها كما ذكرت ذلك في مذكراتي عن جماعة العلماء في النجف الأشرف.
ومن خلال ذلك تمكن علماء النجف الأشرف أن يطرحوا الخط الاسلامي الصحيح ويعملوا على ايجاد القوة السياسية الاسلامية المتميزة.
وقد باشرت جماعة العلماء ـ بالرغم من قسوة الأحداث وعدم توفر الخبـرة السياسية الكافية وتخلف الوعي الاسلامي السياسي في الأمة ـ عملها من أجل ارساء قواعد هذا الخط الأصيل وذلك من خلال بعض البيانات والمنشورات وإقامة الاحتفالات الجماهيرية والاتصالات ببعض قطاعات الشباب وأصدارها لمجلة الاضواء الاسلامي التي كانت تشرف عليها لجنة توجيهية مكونة من شباب العلماء كان لها اتصال وثيق بالسيد الشهيد الصدر (رض). وكل هذه الفعاليات بمجموعات كانت تشكل ظاهرة سياسية مهمة تتحرك في وسط الحوزة العلمية المقدسة لدى الأمة.
المـد الأحـمـر:
ولكن جماعة العلماء توقفت عن اصدار منشوراتها في رمضان سنة 1378هـ وذلك عند تصاعد المد الماركسي الذي كان يسميه أبناء الشعب العراقي المسلم حينذاك بالمد الأحـمـر كرد فعل لفشل حركة الشوّاف في آواخر شعبان 1378هـ، حيث انتهز الحزب الشيوعي العراقي هذه الفرصة التي جعلت بعض الضباط القوميين ومن ورائهم التيار القومي في مواجهة مكشوفة مع نظام عبد الكريم قاسم الامر الذي دفع (عبد الكريم قاسم) إلى العمل على تصفية هؤلاء الضباط وأصدقائهم واعطاء الضوء الأخضر للشيوعيين أن يتحركوا بكل حرية، فشملت العراق حملة واسعة من الارهاب السياسي بالاضافة إلى مجموعة من حوادث القتل والتمثيل في الموصل وكربلاء وبغداد وغيرها.
كما شُـنّت حملة من الاعتقالات العشوائية ضد عناصر كثيرة كان ذنب بعضها هو الاختلاف الفكري أو السياسي مع الشيوعيين فحسب.
الضغط على المرجعية الدينية:
واستمرت هذه الحالة طيلة شهرين تقريباً، ومارس عبد الكريم قاسم في هذه الفترة ضغطاً قوياً على المرجعية الدينية في النجف الأشرف من أجل أن تعلن تأييدها له وذلك بارسال برقية تبريك بعيد الفطر المبارك الى زعيم الانقلاب، وكان التهديد بما حمله قائمقام النجف الأشراف السيد تقي القزوينـي من رسالة تقول انّ المرجعية إذا لم تبادر لذلك فسوف لا تملك الحكومة السيطرة على الأوضاع وقد يقوم الشيوعيون والغوغائيون بمهاجمة العلماء وقتلهم وسحلهم في الشوارع.
ولازلت أتذكر انّ بعض الأشخاص الذين يرتبطون بالمرجع الديني الكبير الامام السيد محسن الحكيم قد تخاذل إلى درجة انّه كان يصر على السيد الحكيم في أن يقدم هذا التنازل بسبب الشعور بالخوف الشديد من القتل والسجن حيث شملت النجف الاشرف اشاعة قوية بوجود قائمة بأسماء رسمت على أبواب دورهم علامة الاعتقال أو القتل وذلك بعد أن تم أعتقال عدد كبير في ليلة ويوم ذكرى استشهاد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) 1378هـ.
وقد كان لي حينذاك موقف خاص تجاه هذا الشخص وهذه المحاولة تجاوزت فيه حدود الآداب العرفية إلى حد بعيد لشعوري بان هذا التخاذل والضغط قد يؤدي إلى انهيار الموقع القيادي الذي احتلته المرجعية الدينية بسبب مواقفها المشرفة طيلة الفترة الماضية، وقد تم بالفعل أحباط هذه المحاولة، ولاشك ان للسيد الشهيد الصدر دوراً كبيراً في هذا الموقف لأنني كنت حينذاك ـ بسبب قربي الروحي منه ـ أجسد أخلاقيته وتربيته الجهادية والايمانية التي كان يبعثها في كل القريبـين منه.
المواجهة الاولى سنة 1380:
الأضواء الاسلامية:
بعد مضي أقل من عام تمكنت جماعة العلماء من بناء قاعدة اسلامية شابة ولذا قررت هذه الجماعة اصدار نشرة الأضواء الاسلامية كأداة للتعبير عن وجودها من ناحية ولمواصلة السير في الطريق الذي رسمته من ناحية ثانية، وتم الاعراض بشكل نهائي عن اصدار البيانات بسبب انّ البيانات كانت تلتزم في البداية الاشارة إلى دور عبدالكريم قاسم في الانقلاب الذي كان يبدو أنه ثورة شعبية كنتيجة للطوفان العاطفي والشعبي وظهور عبدالكريم قاسم في دور شخصية المنقذ للشعب من مآسي العهد الملكي.
إلاّ أنه بعد ان تكشفت الحقيقة لم يكن من الممكن الاشارة إلى اسمه، كما انّ الوقوف بشكل واضح في وجه عبد الكريم قاسم يشكل صعوبة سياسية كبيرة لأنه كان يتمتع بجماهيرية واسعة في بداية عهده.
وقد بعثت مجلة الأضواء من خلال خطها الفكري والسياسي، ومن خلال ما رسمته من معالم الطريق الاسلامي وخطوطه العريضة وبالاخص الخطوط التي كانت ترسم ضمن موضوع رسالتنا الذي كان يكتبه السيد الشهيد الصدر بأسم جماعة العلماء (وباذنها طبعاً) بعثت الروح الاسلامية في قطاعات واسعة من الجماهير، كما قدّمت الفكر الاسلامي الناضج.
فلسفتنا:
كما أنه في هذه الاثناء صدر للسيد الشهيد كتاب (فلسفتنا) الذي وُضع بالأساس لمناقشة الفلسفة الماركسية وتعارضها مع الفلسفة الاسلامية، كان من المفروض أن ينشر بأسم جماعة العلماء أيضاً وأن يكون نهجه هو ذكر رأي الفلسفة الماركسية في كل مورد وفي المقابل يذكر رأي الفلسفة الاسلامية ليظهر التمايز بين الخطين الفلسفيين، كتب في ضمن ثمانين صفحة من خط السيد الشهيد الصدر، إلاّ أنه بعد مناقشات كتب الشهيد الكتاب بشكل آخر ثم تطور بعد ذلك إلى شكله الفعلي، قد تم تأليفه وطبعه في فترة زمنية قياسية بالنسبة إلى وسائل الطباعة، والمشاكل الفكرية، والأوضاع السياسية الخطيرة. ولازلت أستشعر تلك اللذة التي كنت أحسّها وأنا أعيش بجوار السيد الشهيد في تلك الفترة الزمنية حيث كنت في أكثر الأحيان أسهر معه إلى منتصف الليل في ظروف صعبة كان فيها من يسمّون أنفسهم (بحراس الجمهورية) يملئون الأزقة والشوارع ويحصون علينا الأنفاس والحركات ونتوقع في كل لحظة مداهمتهم لنا أو اعتقالنا في الطريق.
ولازلت أتذكر أيضاً أن كتاب فلسفتنا كان يطبع في مطبعة تطبع فيها جريدة شيوعية كان يشرف عليها مسؤول الحزب الشيوعي للفرات الأوسط (حسن عوينه) حيث كان الشر يتطاير من أعينهم عندما كنت أراجع المسودات في المطبعة.
وضوح الخط الاسلامي:
في مثل هذه الظروف أخذ الخط الاسلامي الصحيح يشق طريقه بين الخطوط وأخذت تلتف حوله مجموعات وعناصر شابة ومثقفة وأخذ يغـزو الجامعات والمؤسسات الثقافية والتعليمية في الوقت الذي كانت هذه المراكز بؤراً للأفكار والاتجاهات السياسية المضادة للاسلام وكان الآباء والمخلصون ينظرون بيأس إلى أبنائهم عندما يصلون إلى هذه المراحل التعليمية أو المواقع الوظيفية، هذا اليأس المقرون بالحيرة، إذ لامناص من أن يزج الآباء بأبنائهم في هذا الطريق الذي يضمن لهم وضعهم المعيشي أو الثقافي.
وأخذت من خلال ذلك كلّه تبدو في الأفق ملامح تنظيم سياسي أصيل يرتكز على القاعدة الاسلامية الواضحة ويتعاطف مع الجماهير في طموحاتها وآمالها ويرفض مختلف ألوان الذل والتبعية.
ومر عام على هذه التطورات، عام من الجهاد والنضال المتواصل الذي لايعرف الكلل ولا الملل بروح العاطفة الاسلامية التي أجّجَها فينا السيد الشهيد بالتفاعل مع الأحداث والمواقف السياسية وبالطموحات والآمال الكبيرة.
لقد كنت شاباً في حوالي العشرين من العمر وقريب العهد بالزواج، ولكن لم تعرف تلك الفترة من الشباب لذة غير الجهاد والسعي المتواصل، وكان إلى جانبي أشخاص آخرون تفاعلوا أيضاً مع الأحداث بمستويات مختلفة ولكنها كانت مشبعة بروح التصميم وإلى الجد في العمل.
عدوان النظام العفلقي في رسائل الشهيد:
وسافرت إلى لبنان في تلك السنة 1380هـ.ق حيث كانت طموحاتنا أن ننقل أفكارنا إلى ذلك البلد، وودعت السيد الأستاذ الشهيد حيث كان في الكاظمية حنيذاك بعد أن عشت معه أياماً.
وكنت أراسله باستمرار في رسائل طويلة وكان يجبيني بأخرى يتحدث فيها عن عواطفه الفياضة وهمومه الاسلامية، هذه الرسائل التي لازلت أرى فيها انّها أعز ما أحتفظ به من ذكريات تلك الأيام.
وفي هذه الرسائل بدأ السيد الأستاذ الشهيد يحدّثني عن هجمة قاسية شرسة قام بها حزب البعث تسترت ببعض أهل العلم من أعضاء جماعة العلماء وغيرهم الذين لم تنكشف لهم حقيقة هذا النظام كما تكشفت لنا حقيقته نتيجة للوعي الاسلامي الذي بعثه السيد الشهيد فينا.
فقد أدرك حزب البعث باحساسه الحزبي والسياسي والفكري الدور الخطيرالذي يمكن أن يقوم به الخط الاسلامي الاصيل الذي كان يرسم معالمه السيد الشهيد الصدر وترعاه المرجعية الدينية بكل امكاناتها، والتهديد الحقيقي الذي سوف يتعرض له الحزب وقواعده من قبل هذا الخط الاسلامي، لأن حزب البعث كان يعتمد في عقيدته الفكرية التي يواجه بها التيار الماركسي على قاعدة مركزية هي الاطار القومي والتراث العربي، وإلاّ فهو لا يختلف في فلسفته الاجتماعية عن المادية التاريخية التي جاء بها ماركس، كما انّه يعتمد في اسلوبه السياسي في تلك الفترة على مواجهته للالحاد الماركسي وادعاء انتمائه لجذور الشعب والوطن العربي!!
وهو في كلا الجانبين خاسر أمام الخط الاسلامي الصحيح الذي يرتكز على قاعدة الاسلام الأصيلة ذات الصفة العالمية والتي يمتد تفسيرها إلى جميع مناحي الحياة، والذي يرتبط بالشعب والأمة ارتباطاً وثيقاً وأصيلاً لا يشوبه شيء من التبعية أو الاستجداء.
إذن فالتيار الاسلامي يمكن أن يسحب تمام البساط من تحت أرجل البعث كما انّه يهدد المصالح الامبريالية التي كانت وراء وجود هذا الحزب من أجل الاحتفاظ بمصالحها ومواجهة التيار الماركسي الذي يسعى للارتباط بالمعسكر الاشتراكي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
وقد عمل حزب البعث على قتل هذا الوليد الجديد في مهده خوفاً من نموه واشتداد ساعده، وذلك بفصل هذا الوليد عن المرجعية الدينية التي كانت تقوم بدور الحضانة والرعاية له، فشن هجوماً على الاضواء وكتابها والمشرفين عليها خصوصاً السيد الشهيد الصدر واستغل من أجل القيام بهذا العمل بعض أهل العلم فانّ بعض عناصر حزب البعث في النجف الأشرف كان لها ارتباط وثيق وعلاقة شخصية مع بعض أهل العلم في النجف الأشرف ومن خلال هذه العلاقات تمكن هؤلاء من أن يتعرفوا على بعض نقاط الضعف النفسي أو المعلوماتي في هذه الشخصيات فأستغلوها من أجل شن هذه الهجمة الشرسة.
فقد كانت الواجهة في هذه الهجمة بعض من ينتسب الى أهل العلم ولكن كانت يد حزب البعث وراءها، حيث يطرح السيد الأستاذ في بعض رسائله بأنّ المحامي (حسين الصافي) الذي كان معمماً من قبل ومن عائلة علمية وله صلات شخصية وطيدة ببعض أهل العلم ومسؤول حزب البعث العربي في النجف الأشرف كان وراء هذه الحملة، وتحدث إلى بعض الأشخاص لاثارتهم، فقد كتب السيد الشهيد في صفر من سنة 1380هـ.ق يقول (قد كان بعدك أنباء وهنبثه لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب، نعم يا أخي لقد كان بعدك أنباء وهنبثة وكلام وضجيج وحملات متعددة جندت كلّها ضد صاحبك وبغية تحطيمه ابتدأت تلك الحملات في أواسط الجماعة التوجيهية المشرفة على الاضواء أو بالأحرى لدى بعضهم ومن يدور في فلكهم فأخذوا يتكلمون وينتقدون ثم تضاعفت الحملة وإذا بجماعة تنبري من أمثال (حسين الصافي) ولا أدري ما إذا كانت هناك علاقة سببية وارتباط بين الحملتين أو لا تنبري هذه الجماعة، فتذكر عني وعن جماعة ممّن تعرفهم شيئاً كثيراً من التهم من الأمور العجيبة).
اسلوب البعث في العدوان:
ومن الملاحظ انه استعمل البعثيون في هذه الحملة اسلوبين رئيسيين:
الأول: اسلوب الاتهام بأنّ هذه المجلّة لا تعبّر عن رأي جماعة العلماء وإنّما هي تعبّر عن رأي تنظيم سياسي ديني سري ويستغل اسم جماعة العلماء، وقد كان الاتهام بالتنظيم السياسي في تلك الفترة الزمنية يعتبر تهمة شنيعة بسبب الفهم السياسي الديني في أوساط المتدينين وبالأخص أهل العلم منهم.
الثاني: انّ موضوع (رسالتنا) الذي يكتب باسم جماعة العلماء وكان يكتبه السيد الشهيد الصدر دون أن يعرضه على أحد منهم فقد كتب الشهيد في نفس الفترة يقول (كما انّ هناك زحمة من الاشكالات والاعتراضات لدى جملة من الناس أو الآخندية في النجف على النشرة وخاصة رسالتنا باعتبار انها كيف تنسب إلى جماعة العلماء مع انها لم توضع من قبلهم ولم يطلعوا عليها سلفاً وانّ في ذلك اهداراً لكرامة العلماء، هذا في الوقت الذي يقول الأخ انّ الكلمة في بغداد متفقة على انّ رسالتنا كتابة تجديد وابتكار تختص بمستواها الخاص عن بقية الاضواء).
وقد كتب في 6 ربيع الأول 1380هـ.ق (لا أستطيع أن أذكر تفصيلات الأسماء في مسألة جماعة العلماء وحملتها على الأضواءولكن أكتفي بالقول بأنّ بعض الجماعة كان نشيطاً في زيارة أعضاء جماعة العلماء لاثارتهم على الأضواء وعلى رسالتنا حتى لقد قيل ان الشيخ الهمداني الطيب القلب قد شوّهت فكرته عن الموضوعوهذا الذي حصل بالنسبة إلى الشيخ الهمداني حصل إلى جملة من الطلبة مع الاختلاف في بعض الجهات).
وقد كتب أيضاً (فانني ان أجيبك على سؤالك فيما يخص موقف الخال فأن الشيخ الخال كان في الكاظمية بعيداً عن الأحداث نسبياً ولم يطلع إلاّ على سطحها الظاهري وهو ماضٍ في تأييده للأضواء ومساندته لها، وقد طلب أن يكتب إلى بعض جماعة العلماء لتطييب خاطرهم وجلب رضاهم عن الأضواء ، ولا أدري هل اعتذر عن المؤاخذة الاساسية والوحيدة التي صرّح بها في مجلسه بأنّ الأضواء ارتكبتها وهي نشر مقال المجلة البيروتية عن كتاب فلسفتنا، فكتب إلى وأخبره بأنّ الأضواء لم تكن تصدر إلاّ بعد مراقبته واشرافه وانها تناط الآنكما أخبره بأنّ كاتب رسالتنا سوف ينقطع عن الكتابة.
وأيضاً كتب السيد الشهيد فقد حدثني شخص في الكاظمية انه اجتمع به في النجف الأشرف فأخذ يذكر عني له سنخ التهم التي كالها حسين الصافي من دون مناسبة مبررة وعلى كل حال عسى أن يكون له وجه صحة في عمله إن شاء الله) وقد كانت لهذه الاثارة دور كبير في تحريك جماعة العلماء بالخصوص ضد السيد الشهيد والمجلة بخلاف الاسلوب الأول، فانّ دوره الأساسي كان في أوساط المتشددين من أهل العلم البعيد عن التيار الاسلامي وهمومه ومشاكل الأمة وانحرافاتها الفكرية والسياسية، ولذا كان تأثيره على جماعة العلماء محدوداً.
ومن الواضح انّ الدوافع لهذه الحملة كانت سياسية وشخصية، أما الدوافع السياسية فقد كانت وراءها يد حزب البعث للعلاقات الاجتماعية الوطيدة التي كانت تربط بين البعثيين وبعض عناصر جماعة العلماء من الناحية الشخصية الأمر الذي مكّنهم من ممارسة هذا الدور.
وأما الدوافع الشخصية فهي تصور استئثار السيد الشهيد الصدر بالمجلة خصوصاً بعد أن نشرت المجلة تقييماً واقعياً نشرته بعض الصحف اللبنانية لكتاب فلسفتنا.
وهذا التقييم بالرغم من واقعيته إلاّ انّه كان يكشف عن الشخصية الفذة التي كان يتمتع بها السيد الشهيد بدرجة تثير الحساسية لدى بعض الأطراف.
وقد أحسن السيد الأستاذ الشهيد الصدر (قده) في معالجة الموقف بهدوء، حيث تمكن أن يثبت حينذاك انّه لا ينتمي إلى تنظيم سياسي معيَّن، كما انّه منح ـ اللجنة التوجيهية لجماعة العلماء ـ الاشراف الفعلي على المجلة وعلى موضوع رسالتنا وتمسك بالصبر والسكوت. فقد كتب يقول [وأما واقع الأضواء هنا فهو واقع المجلة المجاهدة في سبيل الله وقد هدأت والحمد لله حملة ـ جماعة العلماء عليها ـ بعد أن تم اشعارهم بأنهم المشرفون عليها غير أن حملة هائلة على ما أسمع يشنها جملة من الطلبة ومن يسمى بأهل العلم أو يحسب عليهم وهي حملة مخيفة وقد أدّت على ماقيل إلى تشويه سمعة الأضواء في نظر بعض اكابر الحوزة حتى كان جملة ممن يسميهم المجتمع الآخوندي مقدسين أو وجهاء لا يتورعون عن إلصاق أشنع التهم بالأضواء وكل من يكتب فيها].
“وهكذا فأن جملة من العوامل والاسباب اجتمعت لتوليد مثل هذه النتائج. والسلبية تجاه الحملات وأسبابها ودوافعها هي السبيل الوحيد لتسكينها وتهدئتها”
ومن الجدير بالذكر انّه كان الاخوان في اللجنة التوجيهية يتسامحون في تقديم مايكتبونه إلى الجماعة للاشراف المباشر عليه خوفاً من ملاحظات تبديها الجماعة تمس الصيغ الجديدة التي كانوا يقدمونها للأفكار الاسلامية التي كانت تمد التيار الاسلامي الواعي بالوقود والعطاء.
ولكن التجربة التي مارسوها بعد الضجة دللت على انّ جماعة العلماء كانت على درجة من الوعي تجعلها لا تعارض مثل هذه الأفكار بل تمنحها التأييد والقبول، لأنه يشهد (رضوان الله عليه) بعد ذلك في تاريخ 18 ربيع الأول يقول [وأسرة الأضواء التي لا غبار عليها لوجه من الوجوه مورد للاطمئنان الكامل وهم يعرضون مقالاتهم على الثلاثة ولم يصادفوا لحد الآن مشكلة مبدئية في هذا المقام، والحمد لله رب العالمين].
[حدسي انّ الأضواء سوف تستمر إن شاء الله تعالى لأنها تتمتّع الآن برصيد قوي من الداخل والخارج، فمن الخارج بلغت عدد الاشتراكات ومن الداخل تتمتّع الآن برضا جماعة العلماء].
وهكذا تمكّن السيد الشهيد (رضوان الله عليه) بحكمته وصموده وصبره أن يواصل طريقه مع اخوانه وتلامذته في الجهاد وأن يقفوا جميعاً في وجه هذه الهجمة الشرسة التي استغلت أخس المشاعر في الانسان واستعملت أخبث الأساليب، وتمكن بسبب ذلك الخط الاسلامي الأصيل أن يستمر في تفاعله مع الأمة والتأثير فيها.

السيّد محمد باقر الحكيم
الحلقة الأولى
سماحة آية الله السيد محمد باقر الحكيم (دام ظلّه)مجلة الجهاد / عدد 14/ سنة 1981م