کتابخانه
241

منطقياً في التعريف.

المقارنة بين الصيغتين:

وإذا قارنّا بين صيغتي التعريف من ناحية البديهيات التي تحتاج كلّ من الصيغتين إليها نلاحظ أنّ الصيغة الاولى للتعريف التي رأينا أنّ بعض البديهيات المتقدّمة لا تصدق عليها بحاجة إلى بديهية اخرى تقول: بأنّ العلم الإجمالي ينقسم بالتساوي على أعضاء مجموعة الأطراف التي تتمثّل فيه؛ لأنّ الصيغة الاولى للتعريف ترمز ب ح‏ل إلى الاحتمال بوصفه تصديقاً ناقصاً يحدّد بتقسيم رقم العلم الإجمالي على عدد أعضاء مجموعة الأطراف في ذلك العلم، وهذا يفترض أن يكون اليقين منقسماً بالتساوي على الأطراف، ونطلق على هذه القضيّة اسم البديهية الإضافيّة الاولى التي يحتاجها تفسير الاحتمال على أساس العلم علاوة على البديهيات الأوّلية لحساب الاحتمال. وأمّا الصيغة الثانية للتعريف التي رأينا أ نّها تفي بكلّ البديهيات المتقدّمة فلا تحتاج إلى إضافة تلك البديهية؛ لأنّها لا تعرّف الاحتمال الرياضي بما هو تصديق ناقص بل بما هو نسبة المراكز التي يحتلّها الشي‏ء في مجموعة الأطراف إلى عدد أعضاء هذه المجموعة فيكون ح‏ل محدّداً للاحتمال الرياضي بدون حاجة إلى افتراض تلك البديهية، فإذا أردنا بعد ذلك أن نحدّد درجة التصديق على أساس تلك النسبة احتجنا إلى تلك البديهية.
2- تذليل الصعوبات التي يمكن أن يواجهها هذا التعريف:
هناك صعوبة أساسية يواجهها التعريف بكلتا صيغتيه، فإنّ التعريف بكلتا الصيغتين يشتمل على مفهوم وهو: (أعضاء مجموعة أطراف العلم الإجمالي)،

240

على عدد أعضاء مجموعة أطراف العلم الإجمالي فهي تتّخذ من ح‏ل رمزاً للتعبير عن الاحتمال بمعنى درجات التصديق المتفاوتة لا بمعنى نسبة البسط في المقام، وعلى هذا الأساس لا تصدق عليها جملة من البديهيات المتقدّمة لنظريّة الاحتمال كالبديهية الثانية؛ لأنّ القيم الممكنة ل ح‏ل بهذا المعنى لا تبدأ من الصفر وتنتهي بواحد، بل إنّ الصفر والواحد لا بدّ من أخذهما كحدّين لقيم ح‏ل، بمعنى أنّ قيم هذا الكسر تقع بين صفر وواحد؛ لأنّ ح‏ل بالمعنى الذي ندرسه الآن للاحتمال ليس رمزاً لنسبة البسط في المقام لتتراوح هذه النسبة من الصفر إلى الواحد، وإنّما هي رمز لاحتمال محدّد أي لتصديق ناقص محدّد بحاصل قسمة رقم العلم على عدد أعضاء مجموعة الأطراف، والتصديق الناقص المحدّد لا يمكن أن يكون صفراً ولا واحداً صحيحاً، إذ في الحالة الاولى لا يوجد أيّ تصديق فليس هناك ح‏ل، وفي الحالة الثانية يكون التصديق علماً.
وكذلك أيضاً البديهية الثالثة القائلة إذا كانت (ح) تستلزم (ل) كان ح‏ل/ 1، فإنّ (ح) هنا تعني أعضاء مجموعة أطراف العلم الإجمالي، و (ل) تعني الرقم المفترض للعلم، ولا معنى حينئذٍ لافتراض أنّ (ح) تستلزم (ل). والشي‏ء نفسه نقوله عن البديهية الرابعة.
ولكن يجب أن نوضّح بهذا الصدد أنّ مسألة تقرير بديهيات الاحتمال هي مسألة اختيار؛ لأنّنا نريد بالبديهيات المصادرات التي تتطلّب نظرية الاحتمال افتراضها القبلي، وهذا يختلف باختلاف التفسير الذي نختاره للاحتمال، فقد يكون الاحتمال بتفسير يفترض مصادرة وبتفسير آخر لا يحتاج إلى تلك المصادرة، فلا يعني عدم صدق تلك البديهيات على تعريف للاحتمال نقصا

239

فيكون احتمال تفوّق الطالب في المنطق والرياضيات معاً هو 4/ 1. لكن إذا افترضنا أنّ (أ، ب) لا يجتمع أيّ واحد منهما مع (جَ) فهذا يعني أنّ مجموعة الأطراف سوف لن تشتمل على الحالة الثالثة والسابعة فيكون عددها 14 وتكون نسبة المراكز التي يحتلّها التفوّق في المنطق والتفوّق في الرياضيات معاً 14/ 4 بدلًا عن 16/ 4، وهذا تماماً هو معنى أنّ احتمال (ك) و (ل) في وقت واحد هو احتمال (ل) بالنسبة إلى (ح) مضروباً باحتمال (ك) بالنسبة إلى (ل) و (ح).
والبديهية السادسة هي بديهية الانفصال القائلة: إنّ احتمال (ل) أو (ك) بالنسبة إلى (ح) هو احتمال (ل) بالنسبة إلى (ح) مضافاً إليه احتمال (ك) بالنسبة إلى (ح) مطروحاً منه احتمال (ل) و (ك) معاً. إنّ هذه البديهية تحدّد قيمة الاحتمال الناتج من الجمع بين احتمالين، وهذا التحديد يتّفق تماماً مع التعريف الذي ندرسه للاحتمال بل إنّه مستنتج منه أيضاً، ويتّضح ذلك بالرجوع إلى نفس المثال السابق، فقد لاحظنا أنّ قيمة كلّ من الاحتمالين (احتمال التفوّق في الرياضيات واحتمال التفوّق في المنطق) هي 2/ 1 وأمّا التفوّق في إحدى المادّتين على الأقلّ فيحتلّ 12 مركزاً في مجموعة الأطراف التي تتمثّل في العلم الإجمالي الثالث، وبذلك تكون درجة احتمال التفوّق في إحدى المادّتين 16/ 12/ 4/ 3 وهذا تماماً يطابق ما تقرّره بديهية الانفصال.
وهكذا يتّضح أنّ الصيغة الثانية من التعريف تفي بكلّ البديهيات المتقدّمة لنظرية الاحتمال وإن كانت لا تحتاج إلى افتراض بعضها كمصادرات قبليّة.
وأمّا الصيغة الاولى من التعريف التي يعبّر بموجبها ح‏ل عن قسمة رقم العلم‏

238

وهما (أَ) و (بَ)، فتكون درجة كلّ من احتمال التفوّق في المنطق واحتمال التفوّق في الرياضيات 4/ 2/ 2/ 1. وأمّا احتمال تفوّقه في المنطق والرياضيات فهو عضو في مجموعة الاحتمالات التي تتمثّل في علم إجمالي ثالث متكوّن من العلمين السابقين وهو العلم الإجمالي بإحدى الحالات الآتية:
1- وجود (أ) و (أَ)
2- وجود (أ) و (بَ)
3- وجود (أ) و (جَ)
4- وجود (أ) و (دَ)
5- وجود (ب) و (أَ)
6- وجود (ب) و (بَ)
7- وجود (ب) و (جَ)
8- وجود (ب) و (دَ)
9- وجود (ج) و (أَ)
10- وجود (ج) و (بَ)
11- وجود (ج) و (جَ)
12- وجود (ج) و (دَ)
13- وجود (د) و (أَ)
14- وجود (د) و (بَ)
15- وجود (د) و (جَ)
16- وجود (د) و (دَ)
وإذا لاحظنا المراكز التي يحتلّها التفوّق في المنطق والتفوّق في الرياضيات معاً في هذه المجموعة من أطراف العلم الإجمالي نجد أ نّها 16/ 4 أي 4/ 1،

237

وكلّ منها عضو في مجموعة الاحتمالات التي تتمثّل في علم إجمالي، فنحن على أساس الاستقراء مثلًا نعلم بأنّ هناك سببين يؤدّي كلّ منهما إلى التفوّق في المنطق نرمز إليهما ب (أ) و (ب)، وسببين يحول كلّ منهما دون ذلك نرمز إليهما ب (ج) و (د)[1]. ونعلم أيضاً نفس الشي‏ء بالنسبة إلى التفوّق في الرياضيات، فهناك سببان للتفوّق وسببان لعدم التفوّق، ونرمز إلى تلك الأسباب بنفس الرموز السابقة مع وضع فتحة عليها، ونفرض أنّ سببي التفوّق متنافيان وكذلك سببا عدم التفوّق، فيوجد لدينا على أساس هذا الافتراض علمان إجماليّان:

1- العلم الإجمالي بإحدى الحالات الآتية:

1- وجود (أ)

2- وجود (ب)

3- وجود (ج)

4- وجود (د)

2- العلم الإجمالي بإحدى الحالات الآتية:

1- وجود (أَ)

2- وجود (بَ)

3- وجود (جَ)

4- وجود (دَ)

وتفوّق الطالب في المنطق له مركزان في مجموعة الأطراف الاولى، وهما (أ) و (ب)، وتفوّقه في الرياضيات له مركزان في مجموعة الأطراف الثانية،

 

[1] إذا لاحظنا خلال الاستقراء أنّ حالات التفوّق في المنطق هي 2/ 1 من مجموع الحالات فسوف نستنتج من ذلك أنّ أسباب التفوّق وأسباب عدم التفوّق متساوية.( المؤلّف قدس سره)

236

والبديهية الثانية تقول: إنّ القيم الممكنة ل ح‏ل هي الأعداد الحقيقية من صفر إلى واحد، وهذا يصدق أيضاً؛ لأنّ الشي‏ء قد لا يحتلّ أيّ مركز في مجموعة أطراف العلم وحينئذٍ تكون قيمة ح‏ل صفراً، وقد يحتلّ كلّ المراكز في تلك المجموعة وحينئذٍ تكون قيمة ح‏ل/ واحداً، وقد يحتلّ بعضها فتكون قيمة ح‏ل كسراً يتراوح بين الصفر والواحد.
والبديهية الثالثة تقول: إذا كانت (ح) تستلزم (ل) كان ح‏ل/ 1.
والبديهية الرابعة تقول:: إذا كانت (ح) تستلزم (لا ل) كانت ح‏ل/ صفراً.
وكلتا هاتين البديهتين صادقتان؛ لأنّ أعضاء مجموعة أطراف العلم إذا كانت كلّها تستبطن ذلك الشي‏ء الذي نريد تحديد احتماله فسوف تكون مراكزه في المجموعة بعدد أعضاء المجموعة، وهذا يعني أنّ ح‏ل/ 1، وإذا كانت كلّها تستبطن عدمه فمراكزه في المجموعة سوف تكون صفراً أي أنّ ح‏ل/ 0.
والبديهية الخامسة هي بديهية الاتصال التي تقول: إنّ احتمال كلّ من (ل) و (ك) في وقت واحد بالنسبة إلى (ح) هو احتمال (ل) بالنسبة إلى (ح) مضروباً باحتمال (ك) بالنسبة إلى (ل) و (ح)، إنّ هذه البديهية تحدّد قيمة الاحتمال الناتج من ضرب احتمالين أحدهما بالآخر، وهذا التحديد يتّفق تماماً مع التعريف الذي ندرسه للاحتمال، بل إنّه مستنتج منه وليس من المصادرات المفترضة للاحتمال، ويتّضح ذلك في المثال التالي: إذا افترضنا طالباً في المنطق والرياضيات فهناك احتمال أن يكون متفوّقاً في المنطق، وهناك احتمال أن يكون متفوّقاً في الرياضيات، ويوجد احتمال ناتج من الضرب بين الاحتمالين السابقين وهو احتمال أن يكون متفوّقاً فيهما معاً. إنّنا في هذا المثال نواجه ثلاثة احتمالات‏

235

الحالتين المعنى المطابق لمعنى الاحتمال الذي يرمز إليه في تلك الحالة. وسوف نتكلّم عن هذا التعريف بكلتا صيغتيه في خمس نقاط:
الاولى: وفاء التعريف بالبديهيات المفترضة لنظرية الاحتمال.
الثانية: تذليل الصعوبات التي يمكن أن يواجهها التعريف.
الثالثة: انسجام هذا التعريف مع الجانب الحسابي من نظرية الاحتمال، أي مع قواعد حساب الاحتمال والعمليات الحسابية التي استعرضناها فيما سبق.
الرابعة: استيعاب هذا التعريف لتلك الاحتمالات التي لم يستطع تعريف الاحتمال على أساس التكرار أن يستوعبها.
الخامسة: قائمة البديهيات الإضافية لهذا التعريف.

[1-] وفاء التعريف بالبديهيات:

نريد أن نعرف في هذه النقطة أنّ هذا التعريف هل يفي بالبديهيات؟ بمعنى أنّ الاحتمال على أساس هذا التعريف هل تصدق عليه تلك البديهيات أو لا؟
ولنأخذ أوّلًا ح‏ل بالمعنى الثاني أو بالصيغة الثانية للتعريف ونطبّق عليه البديهيات، ثمّ نأخذه بالمعنى الأوّل وندرس مدى انطباق تلك البديهيات عليه.
إذا أخذنا ح‏ل بمعنى نسبة المراكز التي يحتلّها الشي‏ء في مجموعة أطراف العلم فسوف نرى أنّ البديهيات كلّها صادقة.
فالبديهية الاولى تقول: هناك قيمة واحدة ل ح‏ل وهذا صادق؛ لأنّ نسبة المراكز التي يحتلّها الشي‏ء إلى كلّ المراكز التي تشتمل عليها مجموعة أطراف العلم الإجمالي لا بدّ لها من قيمة واحدة.

234

نفس الوقت تكون هذه النسبة محدّدة لدرجة الاحتمال. ففي مثال العلم الإجمالي بزيارة واحد فقط من الأصدقاء الثلاثة إذا أردنا أن نحدّد درجة احتمال أن يزورنا (أ) من الأصدقاء نلاحظ أنّ عدد المراكز التي يحتلّها (أ) في مجموعة الأطراف هو واحد فقط وعدد المراكز في مجموعة الأطراف كلّها ثلاثة، إذن ف ح‏ل/ 3/ 1 وهو نفسه درجة احتمال أن يزورنا الصديق (أ).
وهكذا يتّضح أنّ الكسر ح‏ل يمكن أن نريد به قسمة العلم على أعضاء مجموعة الأطراف، فيكون الكسر عندئذٍ رمزاً لنفس الاحتمال بوصفه- بمعنى من المعاني- جزءاً من العلم ولا يكون رمزاً لنسبة بسطه في مقامه، ويمكن أن نريد بالكسر المذكور قسمة عدد المراكز التي يحتلّها الشي‏ء داخل مجموعة أطراف العلم الإجمالي على عدد أعضاء المجموعة كلّها، فيكون رمزاً لنسبة بسطه في مقامه ويحدّد في نفس الوقت درجة احتمال ذلك الشي‏ء بالنسبة إلى العلم الإجمالي الذي تتمثّل فيه تلك المجموعة.
وإذا كانت المسألة بالنسبة إلى تفسير الكسر مسألة اختيار فالأمر نفسه يمكن أن نقوله عن الاحتمال الرياضي، فكما يمكن وضع تفسيرين للكسر كذلك يمكن وضع تفسيرين للاحتمال الرياضي:
1- ما قلناه من أنّ الاحتمال الرياضي هو الاحتمال الذي يكون عضواً في مجموعة الاحتمالات التي تتمثّل في علم إجمالي، ويتحدّد وفقاً لناتج قسمة رقم العلم على أعضاء مجموعة أطراف العلم الإجمالي.
2- أنّ الاحتمال الرياضي لشي‏ء هو نسبة ما يحتلّه من مراكز في داخل مجموعة أطراف العلم الإجمالي إلى عدد أعضاء هذه المجموعة.
ونرمز إلى كلّ من المعنيين للاحتمال ب ح‏ل ولكن نعطي للكسر في كلّ من‏

233

فالاحتمال في هذا التعريف ليس علاقة ونسبة موضوعيّة بين حادثتين، وليس مجرّد تكرار وجود إحدى الفئتين في أعضاء الفئة الاخرى، بل هو تصديق بدرجة معيّنة ناقصة من درجات الاحتمال.
وهذا التصديق يعتبر احتمالًا رياضياً، بمعنى أ نّه مستنبط استنباطاً رياضياً ومنطقياً من البديهيات المفترضة لنظرية الاحتمال، كما سنرى فيما بعد إن شاء اللَّه تعالى.
والواقع أنّ المسألة بقدر ما يخصّ الكسر ح‏ل وتفسيره مسألة اختيار، فإنّ هذا الكسر يمكن أن نجعله رمزاً للاحتمال نفسه بدرجته الخاصّة من درجات التصديق المتفاوتة كما افترضنا آنفاً، وذلك بأن نفسّر اللام برقم العلم والحاء بعدد أعضاء مجموعة الأطراف، فإنّ الكسر عندئذ يمثّل الاحتمال بدرجته الخاصّة؛ لأ نّه حاصل قسمة رقم العلم على عدد الأطراف، فهو يعبّر عن جزء من العلم، والاحتمال بمعنى من المعاني جزء من العلم، وليس الكسر بهذا المعنى رمزاً لنسبة وجود بسطه في مقامه؛ لأنّ البسط هو رقم اليقين والمقام هو عدد أعضاء مجموعة الأطراف، ولا معنى لنسبة وجود اليقين في أعضاء مجموعة الأطراف؛ لأنّ اليقين ليس منتمياً إلى هذه المجموعة ليكون موجوداً في هذه المجموعة بنسبة النصف أو الربع مثلًا.
كما يمكن أن نجعل الكسر ح‏ل رمزاً لنسبة وجود بسطه في مقامه، بأن نتصوّر أنّ مجموعة الأطراف تشتمل على مراكز يحتلّ كلّ عضو من أعضائها مركزاً من تلك المراكز، ونجعل (ح) دالّاً على مجموعة أطراف العلم الإجمالي، و (ل) على عدد ما يحتلّه الشي‏ء الذي نتحدّث عن تحديد درجة احتماله من مراكز في مجموعة الأطراف، ف ح‏ل يكون رمزاً لنسبة البسط في المقام، وفي‏