کتابخانه
224

عدد الأعضاء المشتركة إلى مجموع أعضاء (ل) ودرجة احتمال كون (ه) منتمياً إلى (ح).
فإذا توفّر هذان الشرطان أمكن تطبيق التعريف على الاحتمال الواقعي في الحالة الاولى كما ينطبق على الاحتمال الافتراضي فيها.
ولكن قد يبدو شي‏ء من التناقض في هذا الكلام؛ لأنّنا حين نتحدّث عن الاحتمال الواقعي بشأن (ه) نعني أ نّنا لم نختبر حال (ه) ولم نتأكّد من عضويتها لكلتا الفئتين إيجاباً أو سلباً، فإذا جعلنا الشرط الأوّل في تحديد هذا الاحتمال على أساس التعريف المتقدّم أن نكون على علم بعدد الأعضاء المنتمية إلى (ح) في مجموع أعضاء (ل) بما فيها (ه) كان معنى ذلك أ نّنا قد افترضنا اختبار حال (ه) والتأكّد من انتمائه إلى (ح) إيجاباً أو سلباً، وهذا يؤدّي إلى تناقض فحواه أ نّه لكي تحدّد درجة احتمال انتماء (ه) إلى (ح) يجب أن نتأكّد من أ نّها منتمية أو غير منتمية.
وحلّ هذا التناقض هو أ نّنا في بعض الأحوال نستطيع أن نعرف عدد أعضاء فئة (ل) المنتمين إلى (ح) دون أن نشخّص تلك الأعضاء في أفراد محدّدة، فمعرفة عدد الأعضاء المشتركة لا يجب أن تستبطن معرفة حال (ه) والتأكّد من انتمائه إلى (ح) إيجاباً أو سلباً. ومن تلك الأحوال ما إذا حصلنا على نسبة تكرّر (ح) في (ل) عن طريق الاستقراء، فإنّنا إذا حصلنا بعد ذلك على أيّ عدد كبير من أعضاء (ل) فسوف نعرف على أساس الاستقراء عدد الأعضاء المنتمية منها إلى (ح) دون أن نشخّص حال كلّ عضو بالذات.
بقي علينا أن نفحص فرضاً آخر في الحالة الاولى وهو أن يكون عدد الأعضاء المشتركة بين الفئتين غير معلوم مع العلم بوجود أعضاء مشتركة، كما إذا افترضنا أنّ عدد أعضاء فئة (ل) تسعة وأنّ بعض أعضاء هذه الفئة ينتمي إلى (ح)

223

أيّ معلومات إيجاباً أو سلباً عن وجود أعضاء مشتركة بينهما، فيكون انتماء عضو فئة (ل) إلى (ح) محتملًا.
الثالثة: أن ينقل إلينا أنّ زرادشت إنسان كان يحمل هذا الاسم ويدّعي النبوّة ويدعو إلى الإباحية عاش في زمان كذا ومكان كذا، فينشأ على هذا الأساس احتمال أنّ زرادشت كان موجوداً، ويعني هذا الاحتمال أنّ هناك فئة هي فئة مدّعي النبوّة الداعين إلى الإباحية الناشئين في مكان كذا وزمان كذا الذين اطلق عليهم اسم زرادشت، وهذه الفئة نحتمل أ نّها فارغة كما نحتمل أنّ فيها عضواً واحداً، أي أنّ زرادشت موجود.
ففي الحالة الاولى نتصوّر نوعين من الاحتمال:
أحدهما الاحتمال الافتراضي الذي نعبّر عنه في قولنا بأنّ من المحتمل أن يكون فرد ما من فئة (ل) عضواً في (ح) أيضاً، وهذا الاحتمال يمكن أن يحدّد على أساس تعريف الاحتمال المتقدّم إذا كنّا نعرف عدد الأعضاء المشتركة، فإنّ درجته بموجب هذا التعريف هي نسبة عدد الأعضاء المشتركة إلى مجموع أعضاء فئة (ل).
والنوع الآخر من الاحتمال الذي نواجهه في الحالة الاولى هو الاحتمال الواقعي، أي احتمال أن يكون هذا العضو بالذات من أعضاء فئة (ل) منتمياً إلى (ح)، ولنرمز إلى العضو المعيّن ب (ه)، وهذا الاحتمال يتوقّف تحديده على أساس تعريف الاحتمال المتقدّم على شرطين:
الأوّل: أن يكون عدد أعضاء (ل) المنتمين إلى (ح) في مجموع أعضاء (ل) بما فيهم (ه) معلوماً، فإذا افترضنا أنّ مجموع أعضاء (ل) عشرة وأنّ أحدهم هو (ه) فلا بدّ أن نعرف عدد الأعضاء المنتمين من هؤلاء العشرة إلى الفئة (ح).
الثاني: أن نفترض في أساس التعريف البديهية القائلة بالتطابق بين نسبة

222

معيّنة بين الشرط والجزاء، وهي قضيّة يقينية كالقضيّة التي يتحدّث عنها الاحتمال الافتراضي، وبإمكان الذات الكلية العلم أن تتحدّث عنها كما نتحدّث عنها تماماً.
وما دامت القضيّتان على نهج واحد فلكلّ منهما الحقّ في تمثيل الاحتمال الرياضي، ولا بدّ لتعريف الاحتمال أن يشملهما معاً، وكلّ تعريف للاحتمال لا يشمل الاحتمال الواقعي بالقدر الذي يتّصل منه بالقضيّة الشرطيّة التي ذكرناها يعتبر تعريفاً ناقصاً، فكما أنّ نسبة تكرار الذكاء في العراقيين- ولنفرضها 2/ 1- تعتبر احتمالًا رياضياً كذلك العلاقة بين درجة علمنا وجهلنا بظروف هذا العراقي بالذات وبين احتمال ذكائه بدرجة 2/ 1، فإنّ هذه العلاقة كتلك النسبة ليس فيها أيّ شكّ، وبإمكان القضيّة الرياضية أن تؤكّدها تأكيداً يقينياً.
غير أ نّي لا بدّ لي أن اشير هنا إلى أنّ هذه العلاقة لا يمكن استنتاجها من المبادئ المتقدّمة لنظرية الاحتمال فحسب؛ لأنّ المبادئ المتقدّمة بإمكانها أن تحدّد نسبة تكرار الذكاء في العراقيين، ولكن ليس بإمكانها أن تقرّر أ نّه في حالة اطّلاعنا على أنّ هذا الفرد المعيّن عراقي وعدم اطّلاعنا على أيّ شي‏ء آخر لا بدّ أن تكون درجة الاحتمال مطابقة لتلك النسبة، فلا بدّ لاستنتاج هذا التطابق من بديهية اخرى- كما سوف نعرف فيما بعد إن شاء اللَّه تعالى-. ولنفرض الآن التطابق بينهما إلى أن يأتي الحديث عن تلك البديهية.

هل يشمل التعريف كلّ الاحتمالات:

توجد حالات عديدة ينشأ فيها الاحتمال:
الاولى: أن توجد فئتان (ل، ح) وبينهما أعضاء مشتركة، فيكون انتماء عضو فئة (ل) إلى (ح) محتملًا.
الثانية: أن توجد فئتان (ل) و (ح) لكلّ منهما أفراد فعلًا، ولا تتوفّر لدينا

221

الواقعي، وعلى اليقين المتّخذ صورة الشكّ الذي تتحدّث عنه العبارة الثانية اسم الاحتمال الافتراضي. وعلى هذا الأساس قد ينشأ التصوّر التالي: وهو أنّ الاحتمال الرياضي الذي يستهدف التعريف تفسيره إنّما هو الاحتمال الافتراضي دون الاحتمال الواقعي؛ لأنّ الاحتمال الرياضي بوصفه قضيّة مستخلصة من المبادئ الرياضية لا بدّ أن يكون قضيّة يقينية تكفي تلك المبادئ لاستنتاجها، والاحتمال الواقعي ليس كذلك، فإنّه قضيّة احتمالية مشكوكة ترتبط بدرجة جهلنا بالظروف ذات الصلة، فنحن حينما نشير إلى عراقي معيّن ونقول: من المحتمل بدرجة 2/ 1 أن يكون هذا ذكياً، نتحدّث عن قضيّة مشكوكة، ولا يتولّد شكّنا هذا من المبادئ الرياضية، بل من طبيعة جهلنا بالظروف ذات الصلة بالذكاء سلباً وإيجاباً. وأمّا الاحتمال الافتراضي فهو قضيّة يقينية مستنتجة من المبادئ الرياضية وبديهيات نظرية الاحتمال استنتاجاً، ولا ترتبط هذه القضيّة بأيّ درجة من الجهل، ولهذا يمكن للَّه‏سبحانه مثلًا أن يقرّرها كما نقرّرها. فالاحتمال الرياضي إذن هو الاحتمال الافتراضي لا الواقعي، والتعريف يستهدف تفسير الاحتمال الافتراضي لا الاحتمال الواقعي.
ولكنّي أرى أنّ الاحتمال الواقعي يشتمل دائماً على قضيّتين، فنحن حينما نشير إلى فرد عراقي معيّن ونقول: من المحتمل بدرجة 2/ 1 أن يكون ذكيّاً، نقرّر في الواقع قضيّتين لا قضيّة واحدة. الاولى: إنّ ذكاء هذا الفرد محتمل فعلًا بدرجة 2/ 1. والثانية: أ نّه كلّما كانت درجة العلم والجهل بالظروف ذات الصلة بذكاء الإنسان العراقي سلباً وإيجاباً هي درجة علمنا وجهلنا بالظروف ذات الصلة بذكاء هذا الفرد المعيّن كانت درجة احتمال ذكائه 2/ 1. والقضيّة الاولى تقريرية تنبئ عن شي‏ء في الواقع الخارجي وهو ذكاء هذا الفرد ولكن على سبيل الاحتمال، والقضيّة الثانية شرطيّة لا تنبئ عن ذكاء الفرد، وإنّما تتحدّث عن علاقة

220

ولكن هذا التعريف يواجه اعتراضاً جديداً وهو أ نّه لا يشمل كلّ المجالات التي يمكن للاحتمال الرياضي أن يمتدّ إليها، بمعنى أنّ هناك مجالات يمكن فيها تحديد الاحتمال رياضياً ولا يشملها التعريف، فيعتبر من هذه الناحية ناقصاً.
وسوف نبدأ بتمهيدات توضيحية أوّلًا ثمّ نتحدّث عن هذا الاعتراض.

الاحتمال الواقعي والاحتمال الافتراضي:

يمكن التمييز بسهولة بين العبارتين التاليتين:
عبارة نقولها حينما نأخذ عراقياً معيّناً ولا ندري هل هو ذكي أو لا فنقول:
من المحتمل بدرجة كذا أن يكون ذكيّاً.
وعبارة نقولها حينما نفترض عراقياً فنقول: إذا كان الإنسان عراقياً فمن المحتمل بدرجة كذا أن يكون ذكياً.
فالعبارة الاولى تتحدّث عن احتمال واقعي وشكّ حقيقي، وبالإمكان إزالة هذا الاحتمال وتبديله إلى اليقين إذا استطعنا أن نجمع معلومات تفصيلية كافية عن ذلك الفرد العراقي بالدرجة التي تتيح لنا أن نجزم بأ نّه ذكي أو ليس ذكيّاً، والعبارة الثانية تتحدّث عن احتمال افتراضي، أي عن يقين في صورة شكّ؛ لأنّ الإنسان العراقي الذي تنبئ هذه العبارة عن درجة احتمال كونه ذكياً ليس هو هذا الفرد أو ذاك، بل فرد افتراضي ليس له واقع محدّد، فلا معنى للشكّ الحقيقي في أ نّه ذكي أو لا، وإنّما تتحدّث العبارة الثانية في الحقيقة عن نسبة الذكاء في العراقيين، أي عن يقين لا عن شكّ، ولهذا كان بالإمكان أن تصدر عبارة من هذا القبيل من ذات لا يعزب عن علمها مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء، بينما لا يمكن أن تصدر العبارة الاولى من هذه بالذات.
ونطلق على الشكّ الحقيقي الذي تتحدّث عنه العبارة الاولى اسم الاحتمال‏

219

المرافقة للمطلوب إلى مجموع الحالات الممكنة أصبح تعبيراً عن نسبة الأفراد الواقعة المحقّقة للمطلوب من أعضاء فئة (ل) إلى مجموع الأفراد الواقعة من أعضاء فئة (ل).
وأنا أرى أنّ هذا التعريف يفي ببديهيات الاحتمال المتقدّمة، كما أ نّه يتخلّص من الاعتراضات التي أثرناها ضدّ التعريف السابق، وذلك لأنّ التعريف السابق يتحدّث عن الحالات الممكنة بالنسبة إلى (س)، ويحدّد درجة احتمال المطلوب بنسبة الحالات المرافقة للمطلوب إلى مجموع الحالات الممكنة، وهذا يتطلّب منه أن يفترض مسبقاً التساوي بين تلك الحالات الممكنة في علاقتها ب (س)؛ لأنّها إذا لم تكن متساوية بالنسبة إلى (س)، بل كانت الحالات المرافقة للمطلوب مثلًا أكبر قيمة من الحالات الاخرى فسوف تكون درجة احتمال المطلوب أكبر من نسبة عدد الحالات المرافقة للمطلوب إلى مجموع الحالات، فلا بدّ للتعريف السابق إذن أن يفترض مسبقاً التساوي بين الحالات الممكنة في علاقاتها بالنسبة إلى (س)، وهذا يفرض على ذلك التعريف أن يفسّر هذا التساوي المفترض، وقد رأينا أ نّه يعجز عن تفسيره بطريقة لا تؤدّي إلى نقص في التعريف.
وأمّا هذا التعريف فهو لا يتحدّث عن الحالات الممكنة بالنسبة إلى (س)، والتي قد تكون متساوية بالنسبة إلى (س) وقد لا تكون كذلك، ليضطرّ إلى افتراض تساويها مسبقاً، ولكي يؤدّي به ذلك إلى مواجهة الاعتراض الذي واجهه التعريف السابق، وإنّما يتحدّث هذا التعريف عن الأفراد الذين هم أعضاء في فئة (ل) فعلًا، ويفسّر احتمال أن يكون أيّ واحد نختاره من تلك الأفراد عضواً في فئة (ح) بنسبة تكرّر (ح) في (ل)، فهو لا يضطرّ إلى افتراض التساوي المسبق في القيمة الاحتمالية ليمنى بالاعتراض نفسه‏.

218
ب- تعريف الاحتمال على أساس التكرار

وبعد دراسة التعريف الرئيس للاحتمال نتناول الآن تعريفاً آخر له قامت على أساسه نظرية باسم «نظرية التكرار المتناهي»، ونقوم بدراسته لنعرف ما إذا كان بإمكان هذا التعريف أن يتخلّص من المشاكل التي واجهها التعريف السابق أو لا؟
وهذا التعريف لا يتحدّث عن الحالات الممكنة بالنسبة إلى (س)، ولا يفسّر الاحتمال الرياضي بنسبة معيّنة من تلك الحالات كما رأينا في التعريف السابق، بل إنّ هذا التعريف يتّجه إلى فئتين (أو كلّيين) لكلّ من الفئتين أعضاؤها وأفرادها الموجودة فعلًا، من قبيل فئة العراقيين وفئة الأذكياء، فهناك فعلًا عراقيون وهناك فعلًا أذكياء وهناك فئة ثالثة مركّبة وهي فئة العراقيين الأذكياء تشتمل على الأعضاء الداخلين في كلتا الفئتين فعلًا، فما هي درجة احتمال أن يكون الفرد الذي نختاره عشوائياً من فئة العراقيين منتمياً إلى فئة الأذكياء، ومفاد هذا التعريف أنّ درجة احتمال ذلك هي عدد أعضاء الفئة الثالثة المركّبة- أي فئة العراقيين الأذكياء- مقسوماً على العدد الكلّي لأعضاء فئة العراقيين. وباستبدال ذلك بالرموز يكون تعريف الاحتمال كما يلي:
إذا فرضنا أنّ (ل) فئة متناهية و (ح) فئة متناهية اخرى وأردنا أن نعرف احتمال أن يكون أيّ عضو نختاره عشوائيّاً من الفئة (ل) عضواً في الفئة (ح) فإنّنا نعرف هذا الاحتمال بأ نّه عدد أعضاء الفئة (ل) الذين ينتمون في نفس الوقت إلى‏
الفئة (ح) مقسوماً على العدد الكلّي لأعضاء الفئة (ل). ونستخدم الرمز ح‏ل للدلالة
على هذا الاحتمال، فبدلًا من أن يكون ح‏ل تعبيراً عن نسبة الحالات الممكنة

217

يجب أن تكون ثابتة بصورة مستقلّة عن عالم الاحتمال واليقين، وقائمة بصورة موضوعيّة بين قضيّتين: إحداهما (س) والاخرى الحالة التي ترتبط بها، أي بين قضيّة أنّ قطعة النقد قد رميت إلى الأرض، وقضيّة أنّ وجه الصورة قد ظهر. ونحن إذا فحصنا العلاقة الموضوعية التي تربط بين قضيّتين نجد أنّ إحدى القضيّتين قد يكون بينها وبين القضيّة الاخرى علاقة لزوم، بمعنى أنّ صدق قضيّة يستلزم صدق القضيّة الاخرى، وقد يكون بينهما علاقة تناقض بمعنى أنّ صدق قضيّة يستلزم كذب القضيّة الاخرى، وقد تكون بينهما علاقة إمكان بمعنى أنّ إحدى القضيّتين لا تستلزم الاخرى ولا تناقضها، وعلاقة الإمكان بهذا المعنى ليست بمعنى الاحتمال؛ لأنّ الإمكان بمعنى الاحتمال ليس علاقة موضوعية قائمة بصورة مستقلّة عن الإدراك، بل الإمكان هنا معناه نفي علاقة اللزوم وعلاقة التناقض، ولمّا كانت علاقة اللزوم وعلاقة التناقض موضوعيّتين فكذلك نفيهما.
وعلى هذا الضوء نجد أنّ العلاقة الموضوعية القائمة بين (س) وكلّ حالة من الحالات الممكنة هي علاقة الإمكان بهذا المعنى السلبي أي نفي علاقة اللزوم والتناقض. ومن الواضح أنّ التساوي بين الحالات الممكنة بالنسبة إلى (س) المفترض في التعريف لا يمكن أن نفسّره على أساس هذه العلاقة؛ لأنّ هذه العلاقة ليس لها درجات ليمكن افتراض التساوي والتفاوت بين الحالات.
وهكذا نجد في النهاية أنفسنا أمام علاقتين- علاقة الاحتمال وعلاقة الإمكان- لا يمكن أن نفسّر التساوي المفترض في التعريف على أساس أيّ واحدة منهما، فلا علاقة الاحتمال الذاتية تصلح أساساً للتساوي المفترض؛ لأنّ هذا يجعل التعريف يفترض الاحتمال بصورة مسبقة، ولا علاقة الإمكان الموضوعيّة تصلح أساساً للتساوي المفترض لأنّ هذه العلاقة ليس لها درجات.

216

بالنسبة إلى (س)، أي إلى شروط معيّنة من قبيل أنّ حالة ظهور وجه الصورة وحالة ظهور وجه الكتابة متساويتان بالنسبة إلى حادثة رمي قطعة النقد الذي يحتوي على وجهين، ولكنّا نريد أن نحدّد معنى هذا التساوي النسبي الذي نفترضه بين الحالات الممكنة و (س). إنّ هذا التساوي النسبي يفترض أنّ هناك علاقة بين كلّ حالة من الحالات الممكنة و (س) وأنّ هذه العلاقة لها درجات، وتكون الحالات الممكنة متساوية بالنسبة إلى (س) إذا كانت علاقاتها بها جميعاً بدرجة واحدة، ولم تكن علاقة بعض تلك الحالات ب (س) أكبر من علاقة البعض الآخر، فما هي تلك العلاقة التي تربط (س) بكلّ واحدة من تلك الحالات وتكون مساوية تارةً وأكبر تارةً اخرى من العلاقة التي تربطها بسائر الحالات؟
قد يقال إنّها علاقة الاحتمال بمعنى احتمال هذه الحالة على افتراض (س)، فعلاقة ظهور وجه الصورة برمي النقد تعبّر عن درجة احتمال ظهور وجه الصورة على افتراض رمي النقد، ولمّا كانت درجة احتمال كلّ حالة على افتراض (س) غير محدّدة، فقد تكون متساوية لدرجة احتمال الحالة الاخرى على افتراض (س) وقد تكون أكبر أو أصغر، ففي حالة التساوي بين الدرجتين يتحقّق التساوي بين الحالتين بالنسبة إلى (س).
ولكن هذا القول يعود بنا إلى التفسير الأوّل للتساوي، أي تفسيره بالتساوي في درجة الاحتمال، فنواجه الاعتراض الذي أثرناه سابقاً ضدّ التعريف على أساس هذا التفسير، وهو أنّ التعريف- على هذا الأساس- يفترض الاحتمال بصورة مسبقة، فلا يمكن أن يضع تحديداً للاحتمال بصورة عامّة على نحو شامل للاحتمالات التي يفرضها بصورة مسبقة.
فلا بدّ إذن أن نحاول تفسير العلاقة التي تربط (س) بكلّ حالة من الحالات الممكنة بدون افتراض الاحتمال في محتوى تلك العلاقة، وهذا يعني أنّ العلاقة