الاسس المنطقية للاستقراء
220

ولكن هذا التعريف يواجه اعتراضاً جديداً وهو أ نّه لا يشمل كلّ المجالات التي يمكن للاحتمال الرياضي أن يمتدّ إليها، بمعنى أنّ هناك مجالات يمكن فيها تحديد الاحتمال رياضياً ولا يشملها التعريف، فيعتبر من هذه الناحية ناقصاً.
وسوف نبدأ بتمهيدات توضيحية أوّلًا ثمّ نتحدّث عن هذا الاعتراض.

الاحتمال الواقعي والاحتمال الافتراضي:

يمكن التمييز بسهولة بين العبارتين التاليتين:
عبارة نقولها حينما نأخذ عراقياً معيّناً ولا ندري هل هو ذكي أو لا فنقول:
من المحتمل بدرجة كذا أن يكون ذكيّاً.
وعبارة نقولها حينما نفترض عراقياً فنقول: إذا كان الإنسان عراقياً فمن المحتمل بدرجة كذا أن يكون ذكياً.
فالعبارة الاولى تتحدّث عن احتمال واقعي وشكّ حقيقي، وبالإمكان إزالة هذا الاحتمال وتبديله إلى اليقين إذا استطعنا أن نجمع معلومات تفصيلية كافية عن ذلك الفرد العراقي بالدرجة التي تتيح لنا أن نجزم بأ نّه ذكي أو ليس ذكيّاً، والعبارة الثانية تتحدّث عن احتمال افتراضي، أي عن يقين في صورة شكّ؛ لأنّ الإنسان العراقي الذي تنبئ هذه العبارة عن درجة احتمال كونه ذكياً ليس هو هذا الفرد أو ذاك، بل فرد افتراضي ليس له واقع محدّد، فلا معنى للشكّ الحقيقي في أ نّه ذكي أو لا، وإنّما تتحدّث العبارة الثانية في الحقيقة عن نسبة الذكاء في العراقيين، أي عن يقين لا عن شكّ، ولهذا كان بالإمكان أن تصدر عبارة من هذا القبيل من ذات لا يعزب عن علمها مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء، بينما لا يمكن أن تصدر العبارة الاولى من هذه بالذات.
ونطلق على الشكّ الحقيقي الذي تتحدّث عنه العبارة الاولى اسم الاحتمال‏

219

المرافقة للمطلوب إلى مجموع الحالات الممكنة أصبح تعبيراً عن نسبة الأفراد الواقعة المحقّقة للمطلوب من أعضاء فئة (ل) إلى مجموع الأفراد الواقعة من أعضاء فئة (ل).
وأنا أرى أنّ هذا التعريف يفي ببديهيات الاحتمال المتقدّمة، كما أ نّه يتخلّص من الاعتراضات التي أثرناها ضدّ التعريف السابق، وذلك لأنّ التعريف السابق يتحدّث عن الحالات الممكنة بالنسبة إلى (س)، ويحدّد درجة احتمال المطلوب بنسبة الحالات المرافقة للمطلوب إلى مجموع الحالات الممكنة، وهذا يتطلّب منه أن يفترض مسبقاً التساوي بين تلك الحالات الممكنة في علاقتها ب (س)؛ لأنّها إذا لم تكن متساوية بالنسبة إلى (س)، بل كانت الحالات المرافقة للمطلوب مثلًا أكبر قيمة من الحالات الاخرى فسوف تكون درجة احتمال المطلوب أكبر من نسبة عدد الحالات المرافقة للمطلوب إلى مجموع الحالات، فلا بدّ للتعريف السابق إذن أن يفترض مسبقاً التساوي بين الحالات الممكنة في علاقاتها بالنسبة إلى (س)، وهذا يفرض على ذلك التعريف أن يفسّر هذا التساوي المفترض، وقد رأينا أ نّه يعجز عن تفسيره بطريقة لا تؤدّي إلى نقص في التعريف.
وأمّا هذا التعريف فهو لا يتحدّث عن الحالات الممكنة بالنسبة إلى (س)، والتي قد تكون متساوية بالنسبة إلى (س) وقد لا تكون كذلك، ليضطرّ إلى افتراض تساويها مسبقاً، ولكي يؤدّي به ذلك إلى مواجهة الاعتراض الذي واجهه التعريف السابق، وإنّما يتحدّث هذا التعريف عن الأفراد الذين هم أعضاء في فئة (ل) فعلًا، ويفسّر احتمال أن يكون أيّ واحد نختاره من تلك الأفراد عضواً في فئة (ح) بنسبة تكرّر (ح) في (ل)، فهو لا يضطرّ إلى افتراض التساوي المسبق في القيمة الاحتمالية ليمنى بالاعتراض نفسه‏.

218
ب- تعريف الاحتمال على أساس التكرار

وبعد دراسة التعريف الرئيس للاحتمال نتناول الآن تعريفاً آخر له قامت على أساسه نظرية باسم «نظرية التكرار المتناهي»، ونقوم بدراسته لنعرف ما إذا كان بإمكان هذا التعريف أن يتخلّص من المشاكل التي واجهها التعريف السابق أو لا؟
وهذا التعريف لا يتحدّث عن الحالات الممكنة بالنسبة إلى (س)، ولا يفسّر الاحتمال الرياضي بنسبة معيّنة من تلك الحالات كما رأينا في التعريف السابق، بل إنّ هذا التعريف يتّجه إلى فئتين (أو كلّيين) لكلّ من الفئتين أعضاؤها وأفرادها الموجودة فعلًا، من قبيل فئة العراقيين وفئة الأذكياء، فهناك فعلًا عراقيون وهناك فعلًا أذكياء وهناك فئة ثالثة مركّبة وهي فئة العراقيين الأذكياء تشتمل على الأعضاء الداخلين في كلتا الفئتين فعلًا، فما هي درجة احتمال أن يكون الفرد الذي نختاره عشوائياً من فئة العراقيين منتمياً إلى فئة الأذكياء، ومفاد هذا التعريف أنّ درجة احتمال ذلك هي عدد أعضاء الفئة الثالثة المركّبة- أي فئة العراقيين الأذكياء- مقسوماً على العدد الكلّي لأعضاء فئة العراقيين. وباستبدال ذلك بالرموز يكون تعريف الاحتمال كما يلي:
إذا فرضنا أنّ (ل) فئة متناهية و (ح) فئة متناهية اخرى وأردنا أن نعرف احتمال أن يكون أيّ عضو نختاره عشوائيّاً من الفئة (ل) عضواً في الفئة (ح) فإنّنا نعرف هذا الاحتمال بأ نّه عدد أعضاء الفئة (ل) الذين ينتمون في نفس الوقت إلى‏
الفئة (ح) مقسوماً على العدد الكلّي لأعضاء الفئة (ل). ونستخدم الرمز ح‏ل للدلالة
على هذا الاحتمال، فبدلًا من أن يكون ح‏ل تعبيراً عن نسبة الحالات الممكنة

217

يجب أن تكون ثابتة بصورة مستقلّة عن عالم الاحتمال واليقين، وقائمة بصورة موضوعيّة بين قضيّتين: إحداهما (س) والاخرى الحالة التي ترتبط بها، أي بين قضيّة أنّ قطعة النقد قد رميت إلى الأرض، وقضيّة أنّ وجه الصورة قد ظهر. ونحن إذا فحصنا العلاقة الموضوعية التي تربط بين قضيّتين نجد أنّ إحدى القضيّتين قد يكون بينها وبين القضيّة الاخرى علاقة لزوم، بمعنى أنّ صدق قضيّة يستلزم صدق القضيّة الاخرى، وقد يكون بينهما علاقة تناقض بمعنى أنّ صدق قضيّة يستلزم كذب القضيّة الاخرى، وقد تكون بينهما علاقة إمكان بمعنى أنّ إحدى القضيّتين لا تستلزم الاخرى ولا تناقضها، وعلاقة الإمكان بهذا المعنى ليست بمعنى الاحتمال؛ لأنّ الإمكان بمعنى الاحتمال ليس علاقة موضوعية قائمة بصورة مستقلّة عن الإدراك، بل الإمكان هنا معناه نفي علاقة اللزوم وعلاقة التناقض، ولمّا كانت علاقة اللزوم وعلاقة التناقض موضوعيّتين فكذلك نفيهما.
وعلى هذا الضوء نجد أنّ العلاقة الموضوعية القائمة بين (س) وكلّ حالة من الحالات الممكنة هي علاقة الإمكان بهذا المعنى السلبي أي نفي علاقة اللزوم والتناقض. ومن الواضح أنّ التساوي بين الحالات الممكنة بالنسبة إلى (س) المفترض في التعريف لا يمكن أن نفسّره على أساس هذه العلاقة؛ لأنّ هذه العلاقة ليس لها درجات ليمكن افتراض التساوي والتفاوت بين الحالات.
وهكذا نجد في النهاية أنفسنا أمام علاقتين- علاقة الاحتمال وعلاقة الإمكان- لا يمكن أن نفسّر التساوي المفترض في التعريف على أساس أيّ واحدة منهما، فلا علاقة الاحتمال الذاتية تصلح أساساً للتساوي المفترض؛ لأنّ هذا يجعل التعريف يفترض الاحتمال بصورة مسبقة، ولا علاقة الإمكان الموضوعيّة تصلح أساساً للتساوي المفترض لأنّ هذه العلاقة ليس لها درجات.

216

بالنسبة إلى (س)، أي إلى شروط معيّنة من قبيل أنّ حالة ظهور وجه الصورة وحالة ظهور وجه الكتابة متساويتان بالنسبة إلى حادثة رمي قطعة النقد الذي يحتوي على وجهين، ولكنّا نريد أن نحدّد معنى هذا التساوي النسبي الذي نفترضه بين الحالات الممكنة و (س). إنّ هذا التساوي النسبي يفترض أنّ هناك علاقة بين كلّ حالة من الحالات الممكنة و (س) وأنّ هذه العلاقة لها درجات، وتكون الحالات الممكنة متساوية بالنسبة إلى (س) إذا كانت علاقاتها بها جميعاً بدرجة واحدة، ولم تكن علاقة بعض تلك الحالات ب (س) أكبر من علاقة البعض الآخر، فما هي تلك العلاقة التي تربط (س) بكلّ واحدة من تلك الحالات وتكون مساوية تارةً وأكبر تارةً اخرى من العلاقة التي تربطها بسائر الحالات؟
قد يقال إنّها علاقة الاحتمال بمعنى احتمال هذه الحالة على افتراض (س)، فعلاقة ظهور وجه الصورة برمي النقد تعبّر عن درجة احتمال ظهور وجه الصورة على افتراض رمي النقد، ولمّا كانت درجة احتمال كلّ حالة على افتراض (س) غير محدّدة، فقد تكون متساوية لدرجة احتمال الحالة الاخرى على افتراض (س) وقد تكون أكبر أو أصغر، ففي حالة التساوي بين الدرجتين يتحقّق التساوي بين الحالتين بالنسبة إلى (س).
ولكن هذا القول يعود بنا إلى التفسير الأوّل للتساوي، أي تفسيره بالتساوي في درجة الاحتمال، فنواجه الاعتراض الذي أثرناه سابقاً ضدّ التعريف على أساس هذا التفسير، وهو أنّ التعريف- على هذا الأساس- يفترض الاحتمال بصورة مسبقة، فلا يمكن أن يضع تحديداً للاحتمال بصورة عامّة على نحو شامل للاحتمالات التي يفرضها بصورة مسبقة.
فلا بدّ إذن أن نحاول تفسير العلاقة التي تربط (س) بكلّ حالة من الحالات الممكنة بدون افتراض الاحتمال في محتوى تلك العلاقة، وهذا يعني أنّ العلاقة

215

فئة اخرى من نوع: العراقيون أذكياء، فتلك الجمل تتحدّث عن إحدى الفئتين مباشرة وتحكم باندراجها في الفئة الثانية، ولمّا كانت الفئة في مصطلح المنطق الرمزي ليست إلّارمزاً فجملة «العراقيون أذكياء» إذن تحكم على الرمز، والرمز ليس له معنى ما لم يحوّل إلى عنصر ثابت وفرد محدّد، فليست الجملة على هذا الأساس قضيّة بل دالّة قضيّة، وأمّا الاحتمال الرياضي فهو وإن كان يعالج فئتين أو مجموعتين- وهما الحالات الممكنة المرافقة ل (ل) ومجموعة الحالات الممكنة- ولكنّه لا يتحدّث عن إحدى الفئتين وإنّما يتحدّث عن النسبة بين الفئتين، أي النسبة بين الحالات المستبطنة ل (ل) ومجموع الحالات الممكنة بالنسبة إلى (س) وهذه النسبة أمر محدّد معيّن وليست فئة من الفئات، فالاحتمال الرياضي وإن كان يعبّر عن علاقة بين فئتين وهذا يعني أ نّه يعبّر عن علاقة بين دالّتي قضيّة، ولكنّ الحديث عن هذه العلاقة نفسها قضيّة وليست دالّة قضيّة، ولهذا يتّصف بالصدق والكذب دون حاجة إلى تحويل طرفي العلاقة إلى قضيّتين باستبدال المتغيّر فيها بثابت.
نستخلص ممّا تقدّم أنّ المشكلة التي أثرناها بشأن احتياج نظريّة الاحتمال إلى بديهية اخرى يمكن التغلّب عليها بالاتجاه إلى إضافة بديهية اخرى فعلًا، أو بالاتجاه إلى تجريد الاحتمال الرياضي من أيّ معنى ذاتي للشكّ، وتحويله إلى مجرّد نسبة بين مجموعتين من الحالات.
المشكلة الثانية:
والمشكلة الثانية التي يواجهها التعريف على أساس التفسير المتقدّم للتساوي بين الحالات المفترض فيه ترتبط بهذا التفسير للتساوي، فقد افترضنا في تعريف الاحتمال أن تكون الحالات متساوية، وفسّرنا ذلك بالتساوي بينها

214

وهذا التصوّر الخاطئ الذي نحذّر منه هو الاعتقاد بأنّ الفارق الأساس بين الاحتمال الواقعي والاحتمال الرياضي ينشأ من أنّ الاحتمال الواقعي يتحدّث عن قضية، أي عن أنّ هذه الرمية لقطعة النقد من المحتمل أن تنتج ظهور وجه الصورة، وإنّ الاحتمال الرياضي يتحدّث عن دالّة قضية لأنّه إنّما يتحدّث عن فرد افتراضي- عن رميةٍ ما- أي عن رمز، فما لم يحوّل هذا الرمز ويعيّن في فرد معيّن، في هذه الرمية أو تلك، لا تصبح الجملة قضيّة، وإذا عيّنّا قيمة الرمز وعيّنّاه في فرد خاصّ خرجنا عن نطاق الاحتمال الرياضي وأصبح الاحتمال واقعياً، فالاحتمال الرياضي يتحدّث دائماً عن دوالّ القضايا ولا يتحدّث عن قضيّة، فجملة «إنّ احتمال ظهور وجه الصورة في رمية ما هو 2/ 1» مردّها إلى أ نّه إذا كان (س) رمية ما فمن المحتمل أن يؤدّي (س) إلى ظهور وجه الصورة بدرجة 2/ 1.
وأنا أرى أنّ الاحتمال الرياضي يتحدّث عن قضيّة لا عن دالّة قضيّة، وأنّ هناك فارقاً بين الاحتمال الرياضي وبين الجمل التي تتحدّث عن دخول فئة في‏

__________________________________________________
– وهناك اتجاه حديث يتمثّل في المنطق الرمزي يؤمن أنّ الجمل التي تتحدّث عن دخول فئة في فئة من قبيل قولنا: «العراقيون أذكياء» هي جميعاً دوال قضايا وليست قضايا، ويميّز هذا الاتجاه بين الجملة التي تتحدّث عن دخول فرد في فئة نحو سقراط إنسان، وتلك التي تتحدّث عن دخول فئة في فئة. فالاولى قضيّة؛ لأنّها لا تحتوي على متغيّر؛ وأمّا الثانية فهي دالّة قضيّة؛ لأنّها تحتوي على متغيّر. فقولنا: «العراقيون أذكياء» قول شرطي في الحقيقة مردّه إلى أنّ (س) إذا كان عراقياً فهو ذكي.
ونحن نختلف مع هذا الاتجاه تبعاً للاختلاف في التصوّرات الأساسية عن الفرد والكلّي والفئة واللزوم، ولكنّا في مناقشة التصوّر الذي أشرنا إليه تحدّثنا من وجهة نظر ذلك الاتجاه. (المولّف قدس سره)

213

والفارق بين الاحتمالين كبير، فالأوّل ينصبّ على حالة معيّنة بالذات إذ نقول مثلًا: إنّ هذه الرمية للنقد من المحتمل بدرجة 2/ 1 أن تؤدّي إلى ظهور الصورة، والثاني ينصبّ على فرد افتراضي؛ لأنّه لا يعبّر إلّاعن النسبة بين مجموعتين من الحالات- الحالات المرافقة ل (ل) ومجموع الحالات الممكنة- فيقال مثلًا: إنّ أيّ رمية للنقد من المحتمل أن تؤدّي إلى ظهور الصورة بدرجة 2/ 1، فنحن هنا لا نتحدّث عن هذه الرمية أو عن تلك وإنّما نأخذ رمية افتراضية ونحدّد درجة احتمالها قاصدين بذلك توضيح نسبة إحدى المجموعتين من الحالات إلى الاخرى، ولذلك لم يكن الاحتمال بهذا المعنى يعبّر عن أيّ شكّ؛ لأنّ الفرد الافتراضي ليس له واقع محدّد ليمكن الشكّ الحقيقي في أوصافه ونتائجه فعلًا. والاحتمال الواقعي يبدو كاذباً إذا لم تبد الصورة في تلك الرمية بالذات، وأمّا الاحتمال الرياضي فلا نتصوّر كذبه بهذا المعنى؛ لأنّه لا يتحدّث عن رمية معيّنة بل عن رمية افتراضية وهي لا واقع محدّد لها لكي يمكن أن يظهر مطابقتها للاحتمال أو مخالفتها له، بل إنّ الاحتمال الرياضي يعتبر كاذباً إذا لم تكن نسبة الحالات المرافقة ل (ل) إلى مجموع الحالات الممكنة مطابقة له.

وينبغي هنا أن لا نقع في تصوّر خاطئ انطلاقاً من التمييز بين القضايا ودوالّ القضايا[1].

 

[1] دوالّ القضايا جمل تحتوي على متغيّر مثل:( س) إنسان. وهذه الجمل ليست قضايا؛ لأنّها لا تتّصف بصدق وكذب نتيجة لخلوّها من المعنى؛ لأنّ الرمز( س) الذي يعبّر عن العنصر المتغيّر في الجملة مجرّد رمز وليس له معنى، وتصبح قضايا عندما تعيّن قيمة المتغيّر أي( س) فنقول مثلًا: سقراط إنسان، إذ تكون عندئذٍ ذات معنى وتتّصف بالصدق والكذب.-

212

التي يظهر فيها (ل) إلى مجموع الحالات المتساوية في علاقتها ب (س)، ولكن لماذا يجب أن تكون الحالات المتساوية في علاقتها ب (س) متساوية في قيمها الاحتمالية، أي لماذا لا بدّ أن يكون احتمالنا لكلّ واحد منها- في حالة كوننا موضوعيّين في الاحتمال وغير متأثّرين باعتبارات ذاتية- مساوياً لاحتمالنا للآخر، لكي تعبّر نسبة الحالات المرافقة ل (ل) إلى مجموع الحالات الممكنة عن قيمة احتمال (ل)؟
وهذه المشكلة يمكن علاجها بطريقين:
الأوّل: أن نضيف إلى بديهيات نظرية الاحتمال بديهية اخرى تقول: إنّ الحالات الممكنة إذا كانت متساوية في نسبتها إلى (س) بمعنى أنّ (س) لا تستلزم أيّ واحدة من تلك الحالات ولا ترفضها فسوف تتساوى تلك الحالات في قيمها الاحتمالية بالنسبة إلى (س)، أي أنّ احتمال أيّ حالة من تلك الحالات على أساس افتراض (س) يساوي احتمال الحالة الاخرى على أساس الافتراض نفسه.
الثاني: أن نطوّر من معنى الاحتمال الذي يستهدف التعريف تحديده، وننتزع منه عنصر الشكّ، ونقصد به النسبة الموضوعية بين الحالات المرافقة ل (ل) ومجموع الحالات الممكنة، فلا نحتاج عندئذ إلى بديهية اخرى حينما نقول: إنّ احتمال (ل) هو ح‏ل؛ لأنّنا لا نريد بذلك إلّاأن نقول: إنّ درجة ظهور (ل) في الحالات الممكنة هي ح‏ل، وهذه نسبة موضوعية لا أثر للتصديق فيها.
وهذا يعني أنّ لدينا احتمالين: أحدهما: الاحتمال الواقعي وهو معنى يستبطن التصديق، والآخر: الاحتمال الرياضي وهو عبارة عن نسبة الحالات المرافقة ل (ل) إلى مجموع الحالات.