في الإنسان ولأنّ الإسلام لا يفهم من الحرية ايجاد منطلق للمعاني الحيوانية في الإنسان، وإنما يفهمها بوصفها جزءاً من برنامج فكري وروحي كامل يجب أن تقوم على أساسه الإنسانية.
معنى عدم الإكراه في الدين:
ويسيء البعض فهم القرآن الكريم في هذه الآية «لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ» فيظن أنّ القرآن كفل للإنسان حرّية التدين وعدمه، ومنع من الإكراه عليه أخذاً بمبدأ الحرّية الشخصية الذي تؤمن به الحضارات الحديثة.
ولكن هذا خطأ؛ لأنّ الإسلام الذي جاء لتحرير الإنسان من عبودية الأصنام على أساس التوحيد لا يمكن أن يأذن للإنسان بالتنازل عن أساس حريته والإنغماس في عبوديات الأرض وأصنامها، كما أنّ الإسلام لا يعتبر عقيدة التوحيد مسألة سلوك شخصي خاص كما ترى الحضارات الغربية، بل هي القاعدة الأساسية لكيانه الحضاري كله، فكما لا يمكن للديمقراطية الغربية مهما آمنت بالحرية الشخصية أن تسمح للأفراد بمناوءة فكرة الحرية نفسها، وتبنّي أفكار فاشستية دكتاتورية، كذلك لا يمكن للإسلام أن يقرّ أيّ تمرّد على قاعدته الرئيسية.
وإنما يهدف القرآن الكريم حين ينفي الإكراه في الدين إلى أنّ الرشد قد تبين من الغي، والحق تميز عن الضلال، فلا حاجة إلى إكراه مادام المنار واضحاً والحجة قائمة، والفرق بين الظلام والنور لائحاً لكل أحد، بل لا يمكن الإكراه على الدين؛ لأنّ الدين ليس كلمات جامدة تردّدها الشفاه ولا طقوساً تقليدية تؤدّيها العضلات، وإنما هو عقيدة وكيان ومنهج في التفكير.