كنت قد تعرفتُ على الشهيد المفكر الإسلامي الكبير آية الله السيد محمد باقر الصدر عن كتب وكنت أحضر بحوثه الفقهية ومحاضراته في التفسير الموضوعي للقرآن في مسجد الشيخ الطوسي(قدس سره) بالنجف فكنت أجد في اسلوبه بسطاً للاحكام الفقهية وربطاً بين المواضيع القرآنية.
وكنت حينئذ أنشر بعض مقالاتي وقصائدي في مجلة الرسالة الإسلامية التي كان يرأس تحريرها الشيخ عبدالله الشيخلي ببغداد.. فكنت أتردد إلى إدارة المجلة بين الحين والآخر لتسليمه بعض مقالاتي وما إلى ذلك، وكنا خلال زيارتي إياه في إدارة المجلة نتجاذب أطراف الحديث عن الأمور الدينية والاجتماعية وغيرهما.. وذات مرة سألني عن الفقيه الذي يرجع إليه الشيعة (الاستاذ الشيخلي من علماء أهل السُنّة طبعاً) فكان جوابي أنّ الرجل البارز هو آية الله العظمى السيد الخوئي(قدس سره) يومئذ فقال وغيره؟! قلت يوجد غيره لكن الانظار متجهة إلى من ذكرت لك! قال فما تقول بالشيخ محمدباقر الصدر يقصد آية الله السيد الشهيد الصدر(رحمه الله) قلت هو علم من الأعلام! قال سافرت إلى القاهرة قبل أعوام (وكان كلامه معي سنة 1978 م) فالتقيتُ هناك ـ والكلام مازال للشيخلي ـ المفكر الكبير الاستاذ محمد العربي فسألني العربي عن المفكر الصدر فقلت له لا أعرفه، فقال هو من أكبر علمائكم بل هو أبرز شخصية في العالم الإسلامي قد قرأت كتابيه (فلسفتنا واقتصادنا) فوجدت علماً كبيراً…
قلت معقباً: وهو كذلك..
قال إذن أريد أن تساعدني على الوصول إليه والمثول بين يديه…
قلت ليس هو ممن يحجبه حاجب، أو يعينه كاتب، ولا عنده حرس، بل هو رجل بسيط يألفه كلّ انسان كما يألف كل انسان فعظم في عينيه وازداد شوقه إليه وطلبت في أن أبعث إليه كتاب مناسك الحج الذي كان قد طبعه ديوان الأوقاف على المذاهب الإسلامية ولم يكن فيه رأي الشيعة فقال: ليكتب السيد الصدر أحكام المناسك كل حكم في حقله فجئت للشهيد الصدر وأخبرته بكل ماجرى فسرّ سرورا كثيراً وحملني تحياته له وأجاب عن المسائل والاحكام فارسله بيدي إليه مع مؤلفاته فطُبع المناسك وملحق الأحكام الفقهية عند الشيعة إلى الأحكام الفقهية الاخرى…
ثم صارت الظروف السياسية السيئة المتأزمة واستمرت إلى أن اُعدم الشهيد الصدر فزرت الشيخلي فوجدت كتب الشهيد الصدر ماتزال في مكتبة المجلة وكان لقاؤنا هذه المرة صامتا يعبر عن معان كثيرة…
وأن ذكرياتي عن الشهيد الصدر لاتنحصر بهذه الذكرى فحسب.
لكنني سقت هذه الخاطرة لاُعرب عن مقام الشهيد عند أهل السُنّة فضلاً عن الشيعة..
وبالمناسبة فانه لايفوتني أن أذكر أن الشيخلي كان قد قال لي عندما سلمته تعليقات الشهيد الصدر على مناسكه ـ: انّ الشيعة لايختلفون في مناسكهم عنّا إلاّ في موضعين:
1ـ التظليل أو تغطية الرأس عند السير أو الجلوس في السيارة حال الاحرام…
2ـ طواف النساء… فهذان مما يلتزم بهما الشيعة، وهما حكمان فقهيان لايشكلان مشكلة بالنسبة لأهل السُنّة، وقد أثبتهما على حالهما في كتاب مناسك الحج… (ولم يذكر كاتبها لأنه كان يمثل الشيعة طبعاً) فالسلام على الشهيد الصدر في الخالدين.
الشيخ محمدرضا آل صادق(رحمه الله)[1]
[1] وافاه الأجل أثر نوبة قلبية بعد منتصف ليلة الأحد المصادف 30 محرم الحرام 1415 هـ ـ 10/ 7/ 1994م.