الشهيد الصدر (رض) .. الثورة التي جمعت الثورات

مداخلة نقدية حول الاتجاه التشكيكي بإبداعات الإمام الشهيد الصدر(رض)

صحيفة الشهادة

لم يتعرض مصطلح من مصطلحات اللغة العربية الى الظلم مثلما تعرض له مصطلح الثورة، ولا حاجة هنا لكي نقول بأن النظام السياسي في العراق كان ابرز من انتهك حرمة هذا المصطلح واستهان به الى درجة الفضيحة حيث شاهد العراقيون ومعهم العالم اجمع كيف تمكنت زمر من المغامرين وطلاب السلطة والباحثين عن مجد وجاه لا يستحقونه من التسلل تحت جنح الليل وعلى ظهور دبابات استعاروها من معسكرات الجيش لاحتلال اذاعة او قصر للحكم وفي اليوم التالي كانوا يعلنون عن ثورة بيضاء!! بينما تتكدس ضحايا انقلابهم المشؤوم في كل زاوية ومنعطف من المدن العراقية، لقد تكرر الحدث ذاته في العراق ومنذ عام 1936 وهو تاريخ اول انقلاب عسكري شهده العراق والوطن العربي ثم توالت الحلقات المرعبة وهي اكثر عنفاً وأشد ظلاماً وأغزر دماً حتى قيل بحق بأن العراق هو بلد الانقلابات العسكرية، وهكذا امتهنت الثورة وضاع نقاءها بين ركام هذه العلميات اللصوصية وادعاءات زوار الفجر الذين يتبأطون عادة حزمة من الشعارات المزيفة التي تستهدف تقنيع الحدث والباسه لباس الثورة ظلماً وقهراً، الشهيد السيد محمد باقر الصدر (رض) وهو القارئ المتعمق في تاريخ العراق وفي الارث الانساني بصورة عامة كان على علم شامل وكامل بكل ذلك لذا كرس كل جهده لصيانة نقاء ثورته العظيمة، فأي الخطوات اتبعها (رض) من اجل انجاز هذه المهمة الكبيرة؟ وكيف كان ينظر شهيدنا الراحل العظيم الى هذه الثورة؟ ولا جديد هنا عندما نقول بأن الامام الصدر (رض) كان ينظر الى الثورة بأنها عملية تخضع لنظام التسلسل فهي بهذا المعنى عدد من الثورات المتعاقبة والتي ينظمها قاسم مشترك واحد وتصب في مجرى واحد وحتى المصب وهو الانتصار النهائي وتحقيق المشيئة الالهية في حكم عادل وفذ يحقق الطموحات الانسانية ويعبر المسالك نحو الغاية الكبرى وهي رضا الله سبحانه وتعالى.

سلسلة الثورات عند الامام محمد باقر الصدر (رض) تتبدأ :

1ـ ثورة داخل النفس الانسانية (ان الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم) ولاشك ان عملية تغيير النفس الانسانية هي واحدة من اصعب العمليات الثورية وخصوصاً في زمن مترع بكل عوامل الانحراف والتفكك والابتعاد عن مناهج الحق، ولاشك ان العراق والشعب العراقي والذي تعرض لكل هذه الزوابع السوداء طيلة هذه القرون باعتبار انه كان هدفاً مركزياً لمصدري هذه الزوابع لأسباب عديدة اهمها البنية الفكرية العراقية القائمة على اساس الولاء لمدرسة اهل البيت (ع) اضافة الى مركزه الستراتيجي والاقتصادي ودوره التاريخي والحضاري في العالم.

ولاشك هنا ايضاً بأن مدرسة اهل البيت (ع) والتي يتمسك العراقيون بمبادئها العظيمة قد قدمت لهم العديد من النماذج الثورية (القدوة) من اجل استمرار هذا العطاء ولابد ان يقوم الشهيد الصدر (رض) بدور النموذج او القدوة وهو دور فصّل على مقاساته تماماً لما كان يمتلكه (رض) من صفات ومؤهلات متكاملة ومتطابقة مع متطلبات هذا الدور، وهكذا كانت ثورة الشهيد ـ القدوة ـ على ذاته تلمع متجلية في كل خطوة من خطواته فليس من الغريب بعد ذلك ان يصبح هذا النموذج الانساني الرائع قبلة انظار العالم قبل ان يكون قبلة انظار ابناء شعبه في العراق.

2ـ ان الثورة حدث جماعي يستمد مادته من الجماهير، وكما ان هذه الجماهير تحتاج الى القدوة والقيادة النموذجية فانها تحتاج ايضاً الى الوعي المتكامل الذي يدفعها الى التضحية والفداء وتحمل الصعاب وصناعة الحدث الثوري الذي يؤدي الى النصر او تقريب الانتصار، هذه الحقيقة هي التي دفعت شهيدنا الراحل للعمل في اتجاهات عديدة لخلق مادة الثورة الواعية، فكان (رض) غزيراً في نتاجه العلمي الثر الذي انار الطريق لجيله وللاجيال اللاحقة وقد انجدته في انجاز هذه المهمة عبقرية علمية قل نظيرها في العالم، وكان (رض) حريصاً كأشد ما يكون الحرص على لقاءه بالناس البسطاء الذين يتحملون عادة اعباء الثورة فكان الاب الحنون والصديق الصادق الذي لا يضيق بهم صدره او مجلسه، وعلى هذا النحو كان حرصه على تنشأة جيل من القادة المهيئين لحمل هم الثورة وقيادة الجماهير والسير بها الى أمام.

وبجانب كل ذلك كان شهيدنا العظيم (رض) يدرك دون لبس او غموض بأنه يخوض معركة غير متكافئة مع عدو يمتلك كل مقومات القوة فان التكافئ في مثل هذا الامر يحتاج الى تضحيات من نوع خاص جداً لذا كان (رض) يصرح في حله وترحاله بأنه قد اعد اكفانه للشهادة وكان الغرض من ذلك ـ كما نعتقد ـ ليس تهيأة ذاته لما ينتظرها لأنه كان على علم كامل بطبيعة الميدان ومجريات المعركة وحتى مفاجأتها غير المحسوبة وانما قصد من قوله هذا ان يهيأ الآخرين وان يزكي نفوسهم ويزرع في نفوسهم الوعي لما سوف ينتظرهم حتى لا يؤخذ احد على حين غره وحتى تكون النفوس بعيدة عن كل شائبة من هذه الدنيا ويكون شاغلها الشاغل والوحيد تحقيق الهدف بقصد القربة لا غير.