السيد محمد باقر الصدر منطلقات في الفكر الحضاري والتغييري

مداخلة نقدية حول الاتجاه التشكيكي بإبداعات الإمام الشهيد الصدر(رض)

لا يمكن للشخصية الدينية أن تتحوّل إلى رمز من رموز الإحياء والنهضة في حياة المسلمين، ما لم يكن لها رؤى محدّدة في قضايا الأمة. فشخصيات من قبيل جمال الدين الأفغاني(ت: 1897م) ومحمد إقبال (ت: 1938م) ومحمد جواد البلاغي (ت: 1352هـ) وهبة الدين الشهرستاني (ت: 1967م) ومحمد حسين كاشف الغطاء (ت:1373هـ) وعبد الحميد بن باديس (ت: 1940م) ومحمد رضا المظفر (ت:1383هـ) ومحمد جواد مغنية (ت: 1979م) وروح الله الخميني (ت: 1989م) وعبد الحسين شرف الدين (ت:1377هـ) ومحسن الأمين العاملي (ت: 1952م) ومحمد حسين النائيني (ت: 1354 هـ) وعبد الهادي الفضلي (معاصر) ومحمد الصدر (ت: 1999م) ومحمد حسن آل ياسين (ت: 2008م)  ومحمد أمين زين الدين (ت: 1419هـ)  ومحمد تقي الحكيم (ت: 2001م) ومحمد مهدي شمس الدين (ت: 2000م) ومحمد حسين فضل الله (ت: 2010م) ومحمد باقر الحكيم (ت: 2003م) لم تكن تستحقّ ألقابها في كونها عناوين كبيرة في حركة الإحياء الإسلامي المعاصر، لو لم تكن لها رؤى محدّدة في قضايا المسلمين؛ ولو لم تتوفر على إبانة تحليل واضح إزاء قضايا التخلف والتقدّم والعلاقة مع الغرب، وتحليل عوامل انحطاط المسلمين وضعفهم، وتبيّن كيفية النهوض والارتقاء، وغير ذلك مما يمكن أن يدخل في الإطار الحضاري.

والفقيه الشهيد السيد محمد باقر الصدر (1931 ـ 1980م) كان كبيراً في هذا المجال، قد انتبه في بواكير حياته إلى هذه الدائرة وقدّم إسهامات مجيدة، ارتفعت به بجدارة إلى أن يكون أحد رموز الإحياء الكبار في حياتنا الإسلامية. بيد أن ما يؤسف له أن فكره النهضوي لقي الإهمال في دائرة؛ وكان في دائرة أخرى ضحية الإقصاء على أساس الهوية (كونه إسلامياً) وطبيعة الانتماء المذهبي (كونه شيعياً)، كما راح في دائرة ثالثة ضحية المناهج المغلقة أو الرؤى المبتسرة التي تستغرق في التفاصيل والجزئيات الصغيرة من دون أن تفلح في التقاط الإطار العام لحركة هذه الشخصية الجليلة ومواقفها، بحيث تعيد تنظيم تلك التفاصيل وصفّ الجزئيات ورؤيتها داخل الإطار العام.

الخسارة في هذا المجال عادت كبيرة ليس على العراق وحده حيث وُلد الصدر وعاش ومارس دوره؛ بل على الأمة جمعاء، خاصة إذا عرفنا أن شخصية إحيائية أصيلة مثل شخصية الصدر لا تطلّ على أفقنا الحياتي والزماني إلا بعد أن تجتمع عشرات الشروط، وربما احتاج الأمر إلى عقود كي نعثر في حياتنا على شخصية تتمتّع بنفس مقاسات شخصية الصدر أو تقاربها.

البواكير الأولى

كما تتعدّد قضايا النهضة والمفردات التي تدخل في العنوان الحضاري، وجدنا أيضاً أن إنجاز الصدر في هذا المجال جاء منوّعاً يتسم بالكثافة الكبيرة. وهو بالتأكيد يستحقّ دراسة مستقلة، لكنا بانتظار هذه الدراسة نكتفي ببعض الإشارات السريعة.

في التحليل الحضاري لواقع الأمة المسلمة، والمجتمع العراقي المسلم من بينها، قدّم الصدر عملاً مبكراً تجلى في المقدّمة المختصرة التي ذكر فيها بواعث مبادرته لتأليف كتاب «فلسفتنا». وحين نعود الآن لنطلّ على تلك المقدّمة من مشارف خمسة عقود مضت، نجد أنها تنطوي على فهم ممتاز لواقع الأمة في طبيعة معاناتها وما آلت إليه بعد غياب الكيان السياسي الموحد، وسقوطها ضحية المطامع الغربية.

يكتب في بيان مهمّة الفكر الذي ينهض به «فلسفتنا» في معركة الأمة لإثبات هويتها وإعادة تكوين ذاتها: «وكان لابدّ للإسلام أن يقول كلمته في معترك هذا الصراع المرير، وكان لابدّ أن تكون الكلمة قوية عميقة، صريحة واضحة، كاملة شاملة للكون والحياة والإنسان والمجتمع والدولة والنظام، ليتاح للأمة أن تعلن كلمة الله في المعترك، وتنادي بها، وتدعو العالم إليها، كما فعلت في فجر تاريخها العظيم»[1].

وبذلك لم يأت كتاب «فلسفتنا» حتى وهو يحمل الطابع الفلسفي ويعالج موضوع الرؤية الكونية الإسلامية للوجود، كي يكون ترفاً فكرياً أو مطارحات في الفلسفة الرفيعة، بل جاء مهموماً بواقع الأمة بعد سقوط كيان الدولة العثمانية (آذار/ 1924م)، وبقضاياها بعد أن أضحت ساحتها مفتوحة على الفكر الغربي الغازي. يكتب الصدر: «غزا العالم الإسلامي منذ سقطت الدولة الإسلامية صريعة بأيدي المستعمرين، سيل جارف من الثقافات الغربية القائمة على أسسهم الحضارية ومفاهيمهم عن الكون والحياة والمجتمع»[2]. وقد جاءت هذه الهجمة الفكرية الغربية على حساب وجود الأمة في هويتها وكيانها الفكري والسياسي؛ هذه الهجمة التي كانت قد سبقت التاريخ الرسمي المعلن لسقوط آخر كيان للمسلمين يحكم باسم الخلافة (آذار/ 1924م) بما يزيد على القرن، وإن كان خطرها قد زاد بزوال آخر «حصن» توحيدي على هشاشته السياسية، وضآلة اهتمامه بمعارف الإسلام وفقره الفكري والثقافي، فضلاً عن تعصبه المذهبي والقومي، وجهله وإغراقه بالذاتيات والمصالح الخاصة للسلاطين وحريمهم!

وبذلك كان لابدّ من فعل يشكّل الهوية أو يستعيد معالمها، ويمدّ الأمة بأسباب القدرة على الوجود، وعلى استعادة العافية الحضارية، فكانت أعمال الصدر في «فلسفتنا» وفي «اقتصادنا» وبقية الكتب.

يكتب الدكتور حسن حنفي في تشخيص عميق لهذا البعد في أعمال الصدر وفكره المبكر: «وجدت الأنا هويتها في «فلسفتنا» و«اقتصادنا»، من أجل التركيز على خصوصيتها في مواجهة الآخر»[3].

في المقدّمة الفكرية لكتاب «فلسفتنا»، التي جاءت تبحث في وضع «الإنسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية»[4] قدّم الصدر تحليلاً حضارياً ليس لواقع الإنسان الإسلامي وحده، بل لواقع الإنسانية في العالم.

وهذه الدراسة التمهيدية التي وضعت المشكلة الاجتماعية كمقدمة لدراسة القضية الفلسفية[5]، تنطوي على مدلول خطير في الفكر الحضاري للصدر، وفي مهمته لوضع الأمة في طريق النهضة.

المدلول الخطير الذي نعنيه إنه حرّر البحث الفلسفي من إطاره النخبوي الرفيع السامي ونزل به إلى واقع الإنسان، من دون أن يخلّ بتكوين الدرس الفلسفي الذي يركز عادة على حقلي المعرفة والوجود أو سؤالي المعرفة والوجود. أي أن للفلسفة هدف اجتماعي تتوخاه، وليست هي مجرد بحوث عقلية تجريدية متعالية. يكتب الشيخ محمد مهدي شمس الدين (ت: 2000م) في إشارة مبكرة لهذا الجانب من فكر الشهيد الصدر: «إنه في «فلسفتنا» يعتبر المدخل لفكره الفلسفي هو المسألة الاجتماعية. أنا لا أتذكر أن معالجة فلسفية مؤصّلة وأصلية تجعل حافزها ومدخلها المسألة الاجتماعية، وهذا يكشف عن خصوصية أخرى هي ليست لمحمد باقر الصدر، بل هي لكلّ من رُبّي على القرآن والإسلام. إن الفكر الفلسفي الذي هو أعلى مستوى من التجريد الفكري، يلتصق ويتلاحم مع الفكر الاجتماعي، الذي هو أدّنى مستويات الكثافة الحياتية المادية الملتصقة بهذا الفكر».

من باب الإشارة المقارنة نذكر أن المنحى الدراسي للشيخ مرتضى مطهري (ت: 1979م) في فكره الفلسفي، يقوم على استلهام هذا الجانب أيضاً. فالقضية الاجتماعية هي التي تسوق مطهري للبحث الفلسفي، سواء اكتسب الصبغة العامة كما هو شأنه في البحث العقيدي، إذ جعل الهدف من دراسة الرؤية الكونية فلسفياً، هو تأصيل الوجود الاجتماعي الإسلامي برباط محكم، أو في القضايا الجزئية، كما حصل في بحثه عن القضاء والقدر إذ جعل الأساس تحرير إرادة الإنسان وانتشاله من التفكير التواكلي الذي يبرّر الكسل والفشل باسم القدر والارتباط بالغيب.

عن الجانب الأول الذي يرتبط بالرؤية الكونية، وأن الإنسان هو المدخل لهذه الرؤية والغاية التي تنشدها (وهو ما يساوي: المفهوم الفلسفي للعالم عند الصدر كما في «فلسفتنا»، حيث جاءت المشكلة الاجتماعية مدخلاً لهذا المفهوم، والإنسان غاية له)، كتب مطهري أطروحة من سبعة أجزاء، هي من أواخر ما خطّه بقلمه قبل وفاته، تحت عنوان «مقدمة إلى الرؤية الكونية الإسلامية»، أو التصوّر الفلسفي للوجود والعالم، جاء الإنسان محوراً أولاً لهذه الرؤية ومدخلاً لها، حيث توزّعت الأطروحة على المحاور التالية: الإنسان والإيمان، الرؤية التوحيدية الكونية، الوحي والنبوّة، الإنسان في القرآن، المجتمع والتاريخ، الإمامة والقيادة، الحياة الأخروية أو الحياة الخالدة. حيث من السهل أن نلحظ أن الإنسان كان حجر الأساس في هذه الأطروحة السُباعية[6].

أما كمثال عن الجانب الثاني الذي تمثله القضايا الفلسفية أو ذات الجذر الفلسفي كالقضاء والقدر، فيظهر الإطار الاجتماعي لهذه الفكرة، من خلال معاينة مطهري لها عبر عنوان إنساني عميق في حياة المسلمين، عنوانه «انحطاط المسلمين». فمن خلال تخطيط منهجي لمعالجة الموضوع يقترح مطهري دراسة واقع الانحطاط عبر (27) محوراً، بعيداً عن التعليل بنظريات العامل الواحد.

في هذا السياق يُدخل مطهري «القضاء والقدر» في الهيكل المقترح ومحاوره، مركزاً على علاج الجذر الفلسفي للقضاء والقدر من خلال المعطى الاجتماعي، حيث ينتهي تحليله الفلسفي لمسألة الإرادة الإلهية والفاعل الإنساني، إلى براءة هذا المعتقد من أن يكون عاملاً في انحطاط المسلمين. وبهذا النحو يربط البحث الفلسفي في هذا المفهوم بالإنسان، حتى من خلال ما يدلّ عليه عنوان المعالجة نفسها[7].

ربما يقال ـ وهو صحيح إلى حدود كبيرة ـ إن هذا المنزع في جعل المسألة الاجتماعية مدخلاً وهدفاً في الوقت نفسه، للبحث الفلسفي، كان سائداً في فكر المعتزلة تاريخياً، وهو من ثَمّ يعبّر عن نزعة اعتزالية. نقول هذا كلام صحيح بشكل عام، وإن كان الأجدى أن تتمّ نسبته إلى طريقة التفكير الإسلامية الصائبة، التي تنأى عن ممارسة الفكر لأجل اللهو أو العبث، أو الانسياق وراء ضروب التجريد والمطارحات الرفيعة التي لا شأن يصلها بحياة الناس وواقع الإنسان. ورحم الله الراحل الكبير الشيخ محمد جواد مغنية (ت: 1979م) وهو يعيد جذور هذه الظاهرة في سياق تحليلها إلى افلاطون وارسطو والملا صدرا، حيث «ما زالت عقلية افلاطون وارسطو والملا صدرا تسيطر على مدرسة النجف وقم»[8] بما تشيعه هذه العقلية ـ حسب تفسيره ـ من مبدأ يذهب إلى أن العلم يُطلب كغاية لأنه شريف وفضيلة بذاته، وأنه في واقعه وحقيقته تأمل عقلي خالص، وتفلسف نظري بحت. أما التطبيق العملي وخدمة الحياة وحلّ مشكلاتها فيأتي على الهامش، بل لا وجود له.

يذهب مغنية إلى أن هذه النظرة في التبخيس من القيمة الحياتية العملية للعلوم، قد ساهمت إلى جوار بقية العوامل، في تخلف العالم الإسلامي، وعزوفه عن مواكبة ركب البشرية في ممارسة الاكتشافات العلمية في مضمار الطبيعة والحياة، مما عمّق الفجوة بين المسلمين والغرب، مع أن في حواضر المسلمين موهوبون يبذلون جهوداً مضنية لا تقلّ عن جهود كبار المخترعين من علماء الطبيعة[9]!

بالانتقال إلى منظومة الفكر الصدري ذاتها، نجدها زاخرة بنصوص كثيفة تعضدها مواقف، دالة كلها على هذا الترابط الذي ينشده الصدر بين الفكر والواقع، وفيها حثّ مذهل على ضرورة دخول العلم الديني في صُلب حياة الناس، والتحذير مراراً من قطيعة كان الصدر يخشاها ـ وقد وقعت فعلاً ـ بين الحوزة والأمة، ويحذّر من آثارها المدمّرة، خاصة وهو يصدر من فلسفة ترى الحوزة العلمية «واجهة الإسلام في نظر الأمة، وهي المعبّر الشرعي عن هذا الإسلام وأحكامه ومفاهيمه وحلوله لمشاكل الحياة. وهذه النظرة من الأمة إلى الحوزة ليست أمراً تلقائياً أو مدسوساً أو مصطنعاً، وإنما هي جزء من التخطيط الواعي الذي وضعه سيدنا صاحب العصر عليه السلام، حينما أنهى عهد النيابة الخاصة واستبدل ذلك بالنيابة العامة»[10].

لا يجامل الصدر في مهاجمة تلك النزعة التي تحوّل العلم الديني إلى بديل عن الواقع. فما يُراد من وراء تحصيل العلم الديني، هو التأثير في واقع حياة الناس من أجل تغييره وبغيّة معالجة المشكلات: «قلنا كراراً ومراراً بأن كلّ هذه المطالب العلمية، إنما نريدها، وإنما نتسلّح بها إلى ميدان الصراع… وإلا مجرّد الإطّلاع والاستيعاب للمطالب الأصولية أو الفقهية الدقيقة، والتبحّر في العلوم تبحّراً كاملاً، هذا لا يغيّر من وضع الإسلام شيئاً، ولا يقدّم من وضع الإسلام خطوة، لا يحلّ من مشاكل المسلمين مشكلة ولا يقلل من آلام الأمة ألماً من الآلام»[11].

وحيث يكون العلم الديني مطلوباً للواقع لا لنفسه، يراد من أجل التغيير ومعالجة مشكلات الحياة والتخفيف من آلام الإنسان؛ فهو بهذه المنزلة «سلاح في خدمة الدين، وفي خدمة الإسلام»[12] وهو قوّة إلى جوار بقية القوى التي ينبغي تسخيرها لخدمة الناس: «فالعلم في الوضع المعاش هو قوة من القوى وسلاح من الأسلحة»[13]، وإلا خلاف ذلك ستختلط المقدمات والأهداف، ويحصل الانقلاب بين ما هو مقدمة وما هو غاية. من هنا حثّ الصدر المكثف للانتباه إلى هذا المعنى، واستحضاره دائماً، وعدم الغفلة عنه لحظة: «دائماً يجب أن يتوجّه الإنسان إلى هذا المعنى لأجل أن لا تنقلب المقدمة غاية، يجب أن لا نخلط بين المقدّمات والأهداف»[14].

بديهي، ما ثمّة شيء في المنظومة العلمية والفكرية للصدر وفي حياته المعرفية، ما يدلّ على التهاون بتحصيل العلم في اللون التقليدي السائد في حاضرة النجف الأشرف، كما ليس من مذهب الصدر التقليل من شأن العمل النظري وإسناد أيّ موقف بما يحتاج إليه من تحليل معمّق وفكر ضارب في العمق، إنما يدعو إلى التوازن، وفتح جسور التواصل بين العلم والواقع، بين النظرية والتطبيق، بين النصّ والإنسان، بين الدين والحياة. من هنا تركيزه على هذه القضية مرّات وعلى الدوام ـ كما أشار ـ حيثما تكون الفرصة مناسبة. في فرصة من هذه الفرص تُتاح للصدر مناسبة للحديث عن النقطة ذاتها على نحو مباشر، لكن بشيء من التنظير والمدارسة المفتوحة مع الحضور، حيث يشير إلى أن الموقف من العلم الديني ومدى ضرورة البحث العلمي، يتوزّعه اتجاهان يسعى الأول «أن يخصّص الفقيه للعلم ويجرّده للبحث النظري، ويقطع صلته بواقع الحياة الخارجية، لأنها خارج نطاق عمله»[15]. على حين يذهب أصحاب الاتجاه الثاني إلى أن «العلم والتوغّل في طريقه السائد والتعمّق في أساليبه، ليس إلا لوناً من ألوان الترف الفكري والتسلية العقلية»[16] في حين أن الأمة مريضة، وهي بحاجة إلى إسعاف لا إلى تفلسف. وسط هذا التجاذب بين خطّ الإغراق في النظرية وخطّ الإغراق في الواقع، يسجّل الصدر رفضه للاتجاه الأول لما يؤدّي إليه من انفصالية، لأن «هذه الانفصالية تُجرّد العمل الفكري من إطاره الإسلامي وصلته بالحياة، وتجعله مجرّد نظريات محنّطة وهواية فكرية». ليس هذا فحسب، بل تجعل هذه الطريقة أصحابها «في خطّ المختلسين للعلم، لا في موقف الأنبياء والأوصياء». والأنبياء والأوصياء لم يكونوا يوماً مختلسين للعلم و«لم يجيئوا ويُبعثوا مدلسين في جوامع فكرية منقطعة، وإنما جاؤوا هداة موجهين للحياة الإنسانية، وناشرين للنور والهدى والفكر الحيّ في أرجاء العالم»[17].

المطلوب برأي الصدر هو التوازن بين الاثنين، على أن يكون همّ الدعوة وهمّ الناس مقدماً، ومنه وبحكم ضروراته يدخل الإنسان إلى العلم، إذ ينبغي «أن نحسّ في أعماقنا إننا دعاة قبل كلّ شيء، وأننا علماء، لأن الدعوة تتطلب منا أن نكون علماء»[18].

الصدر هنا لا يناقش في أن الأمة مريضة، بل هو لا يشك أنها كذلك، وقد «نفذ سمّ الحضارات الكافرة إلى كلّ أجوائها الفكرية والروحية والاجتماعية والسياسية، وإلى كلّ كيانها أفراداً وجماعات»[19]، لكن الإسعاف والتمريض لا يتمّان من دون إعطاء أهمية للبحث النظري الذي يمنح الشرعية والرؤية معاً.

شروط النهضة

الصدر رجل من رجال الإحياء والنهضة، ومن ثمّ لم يكتف بالبعد التحليلي والنظري، دون الأبعاد التي تمنح الفاعلية للأمة وتبثّ الطاقة الحركية في واقع المجتمع، حتى يتحوّل الفكر إلى أن يكون مقدّمة أو خطوة باتجاه البناء الحضاري لشخصية الأمة في هويتها الفكرية العقيدية، وفي وجودها العملي، وطبيعة الموقع الذي تتحلى به بين أمم العالم. لذلك تحرّك خطوات إلى الأمام وهو يرسم في مقدّماته لمجلة «الأضواء» النجفية التليدة، برنامج العمل في الكلمات الافتتاحية تحت عنوان «رسالتنا». ونحن نعرف أن هذا البرنامج الفكري ـ العملي لتحريك الأمة لم يولد في الفراغ بعيداً عن بقية الشروط الموضوعية المطلوبة للتحرّك، وبالتالي لم يأت تنظيراً في المجرد الفكري، بل جاء متزامناً مع ولادات فاعلة تمثلت آنئذ بانبثاق تشكيلين أساسيين، أحدهما جماعة العلماء من النجف الأشرف، التي عدّت بمثابة العقل الفاعل لتوجيه الأمة والإشراف على خطّ السلامة في حركتها ونهضتها، والآخر تأسيس حزب الدعوة الإسلامية، الذي عُدّ في الهيكل المفصلي للعمل، أو في آليات النهضة الحامل الاجتماعي أو النواة الأساس للتحرّك الإسلامي في العراق أساساً وفي أقاليم إسلامية أخرى، تفاوت فيها تأثير هذا الحزب بين هذه الدرجة وتلك[20].

لذلك لم تلد الكلمة الافتتاحية الأولى التي خطّها يراع الصدر للأضواء، جزافاً، ولم تحمل عنوانها «الشرط الأساسي لنهضة الأمة» عفوياً، بل جاءت لتأخذ موقعها في منظومة الفكر النهضوي للصدر، وهي تترسم للأمة عوامل نهوضها ودخولها في الفعل الحضاري المباشر.

بالعودة الآن إلى «رسالتنا» وبصرف النظر عما يمكن أن يُقال في نقاش ما ذكره الصدر من مقوّمات النهضة أو شروطها حسب مالك بن نبي (ت: 1973م)؛ أقول بالعودة إلى النصوص التأسيسية تلك من مشارف هذه اللحظة، نجد أنه ما يزال بمقدورها ـ أو بعضها على الأقلّ ـ أن تسجّل أفكار مفيدة لواقعنا، أشير منها على عجالة، إلى النقاط التالية:

1ـ المعنوية لا تعني التنكّر للواقع: في سياق حديث عن معالم الإسلام يسجّل الصدر أن لهذا الدين رؤية روحية معنوية إلى الحياة والكون، لكنه سرعان ما يستطرد قائلاً: «لا تعني الروحية هذه إنكار المعاني المادية للكون أو حصر نطاق الوجود في الروح والروحيات… فالإسلام يعترف بالحقائق الروحية والمادية، وإنما يربط تلك الحقائق بسبب مشترك أعمق، وهو الله تعالى»[21]. بهذا ليست الغيبية في الرؤية الكونية الإسلامية، ولا الطابع المعنوي والروحي للإنسان والحياة، يعنيان الانفصال عن الواقع أو التنكّر للمادة، فضلاً عن أنهما لا يعنيان إنكار السببية والقول باللاحكمة والاعتباط.

2ـ الطريقة العقلية في التفكير: من خصائص هذا الدين الذي أراده الصدر منطلقاً لنهضة الإنسان العراقي، اعتماد الطريقة العقلية في التفكير، وتقديم تفسير منطقي للجمع بين اعتماد العقلانية الإسلامية والإيمان بالغيب، مرّة أخرى ـ وهذا هو الرائع ـ من دون إهمال للتجربة ودورها في إثراء المعرفة الإنسانية[22].

3ـ إعادة الاعتبار للتجربة: على أساس التجربة قام المنطق الإنساني الحديث والنهضة العلمية في أوربا ومن ورائها العالم أجمع. من هنا حرص الصدر ـ من بين قلة من روّاد الإحياء الإسلامي ـ على التعامل الموضوعي مع التجربة، والاعتراف بدورها المعرفي، وتقديم تفسير منطقي بين هذا الإيمان بالتجربة الحسية وتبنّي الطريقة العقلية في التفكير، عبر الارتكاز إلى نظرية الخطوط الثلاثة لعلاقات الإنسان (خط العلاقة مع الله، وعلاقة الإنسان بالإنسان، وعلاقة الإنسان بالطبيعة) وإطلاق الطاقات الجبارة للعقل والتجربة الإنسانيتين، في عملية مفتوحة مع الطبيعة، تتراكم عندها مكتشفات الإنسان الطبيعية ومخترعاته العلمية في الحقول الحياتية كافة.

عدتُ مرّات عديدة إلى تراث الصدر في مختلف كتبه ومحاضراته، وكانت تستوقفني على الدوام هذه الرؤية المنفتحة على «التجربة» بعد أن ازدرتها الكثير من تيارات الفكر الإسلامي الحديث وحتى التاريخي، رغم اختلاف الباعثين بين الحقلين. ففيما كان ازدراء التجربة في تيارات الفكر الإسلامي الحديث، يتم بباعث ردّ الفعل العنيف وحتى المتطرّف، ضدّ الاتجاهات الحسية والمادية في الفلسفة الأوربية الحديثة التي أخذت من الحسّ والتجربة والمادة أساساً لها، فإن ازدرائها والعزوف عنها تاريخياً كان يتمّ في الغالب تحت طائلة التأثّر بتصنيف للعلوم، إلى جواهر وأصداف، ومعرفة عالية وأخرى سفلى، في رؤية ليست بعيدة كلّ البعد عن تأثيرات الفلسفات الإغريقية واليونانية.

الصدر يؤمن بالاثنين معاً؛ بدور العقل كما دور التجربة، ويعكس فهماً للإسلام يعبّر عن هذا الإيمان، لكن كلاً في نطاق وظيفته وفي دائرته: «فالأخذ بالتجربة واستثمارها واستنطاقها صحيح كلّ الصحة، ولكن شريطة أن لا يُلغى العقل، ولا يحبس الإنسان نفسه في حدود حسّه التجريبي، بل يحكّم عقله فيما يحسّ ويُجرّب، ليستنتج ما وراء التجربة استنتاجاً عقلياً متسقاً»[23].

هكذا تأتي دعوة الصدر للتوازن بين الأخذ بالعقل والأخذ بالتجربة، انعكاساً لفهم خاص للإسلام، يجد واحد من مصاديقه في النصّ القرآني الكريم: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأْرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها﴾ (الحج: 46) حيث يعدّ الآية تعبيراً عن ذلك الإيمان المزدوج الوثيق بالعقل والتجربة، من دون استغناء أحدهما عن الآخر: «فليس السير في الأرض وما يشير إليه من ألوان التأمل التجريبي في حقائقها، مغنياً عن العقل. وليس العقلُ مغنياً عن السير في الأرض ودراسة حقائقها بالطرق الحسية والتجريبية»[24].

يمكن القول أن هذه الرؤية عن التجربة، هي بذور ما شهده الصدر من تحوّل  بعد ذلك في كتابه «الأسس المنطقية للاستقراء» بوصف هذا الكتاب هو الإطار أو الغطاء المنطقي للملاحظة والتجربة، التي يقوم على أساسها العلم الحديث، وإن كان الصدر أفاد من معطيات منهج الاستقراء بوصفه الغطاء المنطقي/ المعرفي للعلم الحديث، في البحث العقائدي وعموم أصول الدين، كما وظّفها في بقية منهجيات العلم الديني، تحديداً في الفقه والأصول وعلم الرجال. بيد أن هذا التوظيف الديني لمنطق الاستقراء الذي يغطي العلم الحديث الذي يقوم بدوره على أساس الملاحظة والتجربة، لا ينبغي أن يمنع العقل الإسلامي من الانفتاح على المعطى الطبيعي، والتمكين لبداية جادّة في التقدّم العلمي الذي يفتقر إليه العالم الإسلامي، وهو يستهلك ثمار عقول الغرب ومدنيته.

فالعلم الحديث والاستدلال على الخالق سبحانه، كلاهما يقومان على منطق الاستقراء ويشتركان في أساس منطقي واحد[25]، ومن ثمّ إذا كان الصدر بوصفه فقيهاً وعالماً ربانياً قد اهتمّ بالجانب العقيدي، فعلينا نحن أن نستفيد من الجانب الثاني، ونسجّل للعالم الإسلامي تقدماً حقيقياً في مضمار العلوم الطبيعية وما يترتب عليها من تقدم في مجالات الحياة كافة، ومن وراء ذلك ازدهار الإسلام نفسه.

4ـ الموقف المتوازن من الفكر الأوربي: تنتمي حركة الفكر الأوربي والحياة الثقافية في الحضارة الغربية إلى ما نطلق عليه بـ«الغرب الثقافي»، وهو غير «الغرب السياسي» ومن ثمّ فالموقف منه يختلف. ومع أن السيد الصدر لا يستعمل هذه المصطلحات في توصيف الغرب، لكن يمكن تلمسها في بواكير نصوصه عن الفكر الأوربي، حين يرفض ذلك الاتجاه لدى بعض المسلمين الذي يخطّيء ثمار الحضارة الغربية ـ في خطّها الفكري ـ بالمطلق. يكتب: «كما إنه ليس من الصحيح أيضاً ما يتجه إليه بعض الدعاة المسلمين، من الحكم على كلّ تفكير أوربي يتصل بالحياة الإنسانية بأنه خطأ». وما أراه وأصرّ عليه بإلحاح، هو ضرورة أن تتوفر دراسة على متابعة نصوص الصدر إزاء الغرب في مختلف كتبه وبجميع مراحله، ليصار إلى تصنيف هذه المواقف وتبويبها وتحليلها عبر رؤيتها في الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية التي أملتها، لنكون أخيراً أمام رؤية تفصيلية للشهيد الصدر إزاء الغرب بمختلف تجلياته؛ الغرب السياسي، الغرب الثقافي، الغرب التكنولوجي، الغرب الإنساني.

5ـ ليس بالفكر وحده: من النقاط التي نلحظها بكثافة في منظومة الفكر الصدري، تركيزه الكبير على العمل، ومعالجة الواقع، ومواجهة المشكلات. الصدر عالم رباني وفقيه مجتهد ومنظّر مهموم بتغيير واقع شعبه، وله طموح يمتدّ إلى تغيير واقع الشعوب المسلمة والإنسانية جمعاء.

إنسان يعيش هذا الأفق تراه يؤكد في كلّ فرصة تسنح له أهمية العمل. هكذا فعل في مقدمات مجلة «الأضواء» حيث نقرأ في «رسالتنا» التي كتبها مقدمة للعدد الثالث من هذه المجلة، وهو يتناول دور المشاعر والأفكار، ما نصّه: «الإسلام لا يريد المفاهيم والأفكار بمعزلٍ عن العمل والتطبيق»[26].

والعناية بالعمل تبرز عبر المواقف العملية والسلوكية، ومن ثمّ فأن التأثير في الآخرين لا يكون «عن طريق إعطاء المفاهيم فقط، عن طريق إعطاء النظريات المجرّدة فقط وتصنيف الكتب العميقة، كلّ هذا لا يكفي. لابدّ لنا أن نبني تأثيرنا في الآخرين على مستوى الحسّ»[27].

مقدمة «اقتصادنا»

في مقدّمة كتاب «اقتصادنا» التي لم تجد العناية الكاملة بها بعد، طرق الشهيد الصدر في تحليل وجيز ومكثف، قضية من أخطر قضايا الأمة، هي قضية التخلف والتنمية، لكي تأتي هذه المعالجة إضافة نوعية لما كان قد ذكره من عناصر النهوض في «رسالتنا» وفي التحليل الذي ساقه للمشكلة الاجتماعية في مقدمة «فلسفتنا».

ما نراه أن مقدمة «اقتصادنا» ما تزال تنطوي على أهمية كبيرة، في طبيعة العناصر التي تضمّها، وفي نوع التحليل الذي ساقه الصدر لمشكلة التخلف في العالم الإسلامي، وفي العلاقة مع الغرب وتقويم واقع الحضارة الغربية تقويماً موضوعياً من النادر أن نجد له مثيلاً في أعمال الإسلاميين ونتاجاتهم الفكرية. كما أشار إلى حقيقة إمكانات أنظمة سايكس ـ بيكو، وأنظمة مشروع الدولة القومية على أن تكون أطروحة إنقاذ للأمة. ولأهمية هذه المقدّمة وما تضمّه من أفكار، وجدنا أن الصدر عاد إليها بنفسه بعد عقدين كاملين، ليأخذ أفكارها بالنصّ، ويزيد في تفصيلها في سلسلة البحوث التي قدمها تحت عنوان «الإسلام يقود الحياة» خاصة البحث الذي حمل عنوان «منابع القدرة في الدولة الإسلامية».

ما دامت الفرصة قد سنحت للحديث عن مقدمة «اقتصادنا»، فمن الضروري أن نلفت النظر إلى المركّب النظري للتبعية الذي قدّمه التحليل الصدري، حين لاحظ أن العالم الإسلامي عاش ثلاثة أشكال من التبعية مترتبة زمنياً، ومتعاصرة في بعض أجزاء العالم الإسلامي، هي: التبعية السياسية، التبعية الاقتصادية، التبعية في المنهج[28]. ومع أن هذه التبعيات الثلاث ما تزال تسجّل حضورها في بلدان العالم الإسلامي، لاسيما التبعيتين الثانية والثالثة، إلا أن ما يهمني التركيز عليه كثيراً، هي التبعية في المنهج وطريقة التفكير، في الحقل الذي يحتاج إلى استقلال منهجي وتكوين طريقة تفكير خاصة بإنسان هذه المنطقة.

ما أعنيه أن هناك قضايا لا تحتاج إلى شعار الاستقلال في المنهج وطريقة التفكير، كما هو الحال في حقل العلوم الطبيعية، ومضامير التقدم الصناعي والمكننة والتكنولوجيا، وحتى بعض الأطر الإدارية البحتة في بناء الدولة وتسيير المؤسّسات. فالإنسانية في هذا وأمثاله واحدة، تجتمع على عناصر مشتركة في التفكير العلمي. لكن الأمر يختلف فيما له صلة ببناء الإنسان، والتنمية الاجتماعية والتغيير الاجتماعي، والهوية والبناء الحضاري، وكلّ ما يدخل في نطاق الفلسفات الخاصة للحياة، ومنظومات الرؤية الكونية، مما تعبّر عنه عادة الفلسفات والأيديولوجيات، والأهمّ من ذلك الأديان، وما ينبثق عنها. فمجال الاستقلال في المنهج وطريقة التفكير، يجد ضروراته في هذا الحقل.

كما أودّ أن أنبّه في محتوى هذه المقدمة، على فكرة عرض لها الصدر وانتبه إلى تبعاتها أو لوازمها، كما تذهب إلى ذلك الكتابات الأوربية/ الغربية الناقدة لواقع العالم الإسلامي ومن يقتفي أثرها من مثقفي المسلمين ومفكريهم؛ تلك هي ما ذهب إليه الصدر في الحديث عن إطار غيبي للإنسان ونظرة تجعله يتجه إلى السماء قبل الأرض، أو ما يعبّر عنها الصدر نفسه بـ«الغيبية العميقة في مزاج الإنسان المسلم»[29] وما قد تجرّ إليه من «موقف سلبي تجاه الأرض، وما في الأرض من ثروات وخيرات يتمثل في الزهد أو القناعة أو الكسل»[30]، حين قدّم تفسيراً يجمع بين هذا الإيمان وبقاء الإنسان المسلم في أقصى حيويته في ممارسة العمل وعمارة الحياة والتقدّم في استثمار الأرض والطبيعة من حوله، لكن في نطاق مبدأ الاستخلاف. يكتب الصدر: «اتجاه إنسان العالم الإسلامي إلى السماء لا يعني بمدلوله الأصيل، استسلام الإنسان للقدر واتكاله على الظروف والفرص وشعوره بالعجز الكامل عن الخلق والإبداع… بل إن هذا الاتجاه لدى الإنسان المسلم يعبّر في الحقيقة عن مبدأ خلافة الإنسان في الأرض… ولا أعرف مفهوماً أغنى من مفهوم الخلافة لله في التأكيد على قدرة الإنسان وطاقاته التي تجعل منه خليفة السيد المطلق في الكون، كما لا أعرف مفهوماً أبعد من مفهوم الخلافة لله عن الاستسلام للقدر والظروف»[31].

أخيراً، يستوقفني رأي للسيد الصدر كلما قرأتُ هذه المقدّمة على مدار أربعة عقود، يذهب فيه إلى رؤيتين مختلفتين لإنسان الحضارة الإسلامية والحضارة الأوربية إزاء المادة. يسجّل نصّاً أن الإنسان الشرقي «ربته رسالات السماء» ومن ثمّ فهو «ينظر بطبيعته إلى السماء قبل أن ينظر إلى الأرض، ويؤخذ بعالم الغيب قبل أن يؤخذ بالمادة والمحسوس»[32]. على عكس الإنسان الأوربي «الذي ينظر إلى الأرض دائماً لا إلى السماء»[33]؛ أتساءل: ما هي فضيلة الإنسان الشرقي المسلم في نظرته إلى السماء وعدم انبهاره بالمادة والدنيا من ورائها، إذا كان ذلك هو مما أسبغته عليه السماء من خلال الديانات التي عاشت في دياره آلاف السنين؟ وما هو ذنب الإنسان الأوربي في التصاقه بالمادة والمحسوس، إذا كانت السماء نفسها قد أهملته، ولم تلتزم تربيته ديانات يبعثها الله إليه كي تعيش بينه، وينعم بما نَعِمَ به إنسان المشرق الإسلامي؟ أجل؛ على ضوء هذا التفسير، أيّ فضيلة تبقى لإنسان المشرق الإسلامي، وأيّ ذنب يكون لإنسان الحضارة الأوربية؟

ثمّ بنفسي أن أثير الأسئلة التالية:

1ـ هل النزعة المادية عند الإنسان المسلم وفي المجتمعات الإسلامية أقلّ منها عند الإنسان الغربي وفي المجتمعات الغربية؟

2ـ هل أتيحت لنا إمكانات الغرب المادية والرفاهية، ثمّ ارتفعنا بمواقفنا وسلوكنا عما يعيشه الغرب؟ ومن ثمّ هل تعبّر مواقفنا في العزوف المزعوم عن المادة والرفاهية والدنيا، عن زهد حقيقي أم هو الحرمان وعدم وجود الثروة والرفاه؟

3ـ هل كان تاريخ المسلمين في غابر أيامهم وفي ممالكهم أقلّ بذخاً ومادية من مواقف الغرب المعاصر؟

4ـ إذا قيل أن المشرق الإسلامي هو محضن العبّاد والزهّاد، أليس ثمّ من هو مثلهم وعلى مستواهم في حضارة الغرب؟ وأولئك أفضل لأنهم يعيشون في ظلّ حضارة ذات مرجعية مادية، بعكس صنوهم من زهّاد المسلمين وهم يعيشون حضارة ذات مرجعية ربانية مثالية؟

5ـ ثمّ هل عطاءات الإنسان الغربي العادي في أعمال البر والخير والتبرّع، هي أقلّ فعلاً من إنسان العالم الإسلامي؟

توازن الرؤية

ثمّة إلماعات في فكر النهضة قدمها الصدر في ثنايا محاضراته القرآنية «المدرسة القرآنية» أشار فيها إلى واقع الأمة الديني والاجتماعي والسياسي، وإلى ضرورات تحديث الفكر الإسلامي بما يرفعه إلى مستوى حاجات المسلمين في العصر لا في التاريخ. كما أشار في تحليلات وجيزة إلى علاقة المسلمين بالغرب، وواقع الحضارة الغربية، واقترح المزيد من الأفكار العملية التي تضع الأمة في دائرة النهوض الشامل.

هذه الأفكار عاد إليها الصدر مجدّداً، وطرحها على نحوٍ أكثر دقة وتنظيم في مجموعة بحوثه التي ساهم بها في دعم التجربة الإسلامية في إيران خصوصاً بحث «منابع القدرة في الدولة الإسلامية» و«خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء».

بشأن كتاب «المدرسة القرآنية» سجّلت عدداً من المحاور التي أعتقد أنها أهمّ من غيرها في لحظتنا العراقية الحاضرة، كان بودّي أن أطيل المكث عندها، لو لا أن الموضوع قد طال بعض الشيء. كان من بين المحاور التي استوقفتني ما ذهب إليه الصدر من تأثير الفكر الغربي في تنشيط الفكر الإسلامي، وأن القرآن ليس بديلاً عن الإنسان في الطبيعة، ومن ثمّ ليس الوحي بديلاً للتجربة في إحراز التقدّم الطبيعي، انطلاقاً من مبدأ حفظ الحدود بين المناطق المعرفية الثلاث (منطقة: العقل، الوحي، التجربة. مع إغفال متعمّد للكشف، ليس استخفافاً به أو تجاهلاً لمعطياته، بل لأن القيمة المعرفية للكشف هي قيمة ذاتية، تحتاج في التعميم إلى دليل من العقل أو الوحي)، ومسألة القضاء والقدر، ومقولة ـ بل قل نظرية ـ أن النصر حقّ طبيعي للمسلمين وليس حقاً إلهياً إلى آخر المحاور[34].

لكن كان من بين ما شدّني أكثر هي طبيعة القراءة التي قدّمها الصدر للواقع العالمي، حين ذهب إلى ازدياد ترسّخ الغرب وتعملق الرأسمالية واكتساحها للعالم، حتى قبل أن تسقط الشيوعية ككيان سياسي عالمي ومعسكر دولي في مقابل المعسكر الرأسمالي. وبشأن أميركا خاصة، تحدّث الصدر صراحة على أن «أشدّ الناس تفاؤلاً بمصائر الثورة في العالم، لا يمكنه أن يفكر في أن ثورة حقيقية على الظلم في أميركا يمكن أن تحدث قبل مئة سنة من هذا التاريخ»[35].

كان هذا النص الصدري يستوقفني على الدوام منذ أن قرأته حال صدوره سنة 1980م وما يزال، وكانت دهشتي تزداد كلما سمعت من بعض المسلمين لاسيما الثوريين منهم والحركيين، نبؤات انهيار أميركا، هذه النبؤات التي تكاثرت في بعض خطابات الإسلاميين حتى وصلت حداً يثير القلق من سذاجته، والملالة وتسخيف العقول من كثرة تكراره.

أسجّل هذا ولا أبغي من ورائه إثارة الرعب في النفوس، فأميركا حالها حال أيّ كيان سياسي تلعب به قوانين النشوء والنمو والانهيار أو التآكل، بيد أن ذلك لا يحصل عفوياً أو بدافع التمني، وإنما يقع في نطاق سنني وجودي ومن خلال قوانين الفعل الإنساني ذاتها. ففي الوقت الذي أكتبُ فيه هذه السطور، لنا أن نتأمل مفارقة واحدة من المفارقات التي تفصل بين واقعهم وواقعنا، في مجال الحياة الاقتصادية مثلاً. ففيما سجّلت موازنة أميركا للعام 2012م رقماً زاد كثيراً على ثلاثة آلاف مليار دولار، نجد أن حجم هذه الموازنة تزيد أكثر من ثلاثين مرة على موازنة بلد تكثر به التنبؤات على انهيار وشيك لأميركا، هو إيران التي لم تزد موازنتها للعام نفسه (2012م) على المائة مليار دولار بقليل (تحديداً: 112 مليار، مع ملاحظة وجود عجز حتى في هذه الموازنة المتواضعة بالمقارنة مع الموازنة الأميركية).

المفارقات بيننا وبين الغرب بالمئات، بل بالألوف، مع ذلك لا نكلّ ولا نتعب من العبث بعقول الناس والحديث الدائب، عن أزمة الغرب وانهيار الغرب، من دون أن ننشغل جدياً بمواقع أقدامنا، وبطبيعة المشكلة التي يعانيها إنسان المنطقة، في ظلّ موجة إسلامية متنامية تضرب المنطقة وتدفع بالإسلاميين إلى السلطة من كابل في أفغانستان شرقاً حتى الرباط في المغرب غرباً!

بديهي لا أقصد التمسك الحرفي بالتحديد الذي ساقه الصدر للثورة في أميركا. بمعنى أن من المحال أن يحصل تغيير جذري في أميركا قبل مرور مئة سنة من عام 1979م، حيث كان يتحدّث الصدر إلى طلابه من مسجد الطوسي في حاضرة النجف الأشرف، أو من المحتم أن الثورة ستنطلق في أميركا سنة 2080م، إنما أريد التركيز على أمرين في هذه الرؤية، هما:

1ـ التركيز على واقعنا الداخلي، والانشغال بتغيير ما بأنفسنا وأوطاننا، والإفادة من ثرواتنا، وتحقيق الكرامة لإنساننا، تماماً كما فعل الغرب لإنسانه، بعيداً عن الانشغال بالمقارنات الجوفاء والتنبؤات الفارغة بانهيار الحضارات (ثمّ ألا يعدّ منطق المقارنات استحضاراً لمقولة: رؤية الذات من خلال الآخر، بما تنطوي عليه من احتقار الذات وسحقها تحت وطأة الآخر!).

2ـ تحرّي القصد والتزام الموضوعية في تحليل مقولة الغرب، وإعادة تأسيس العلاقة مع الغرب خاصة السياسي، على أساس تحقيق التقدّم الحقيقي على الأرض في المشرق الإسلامي. فبهذا التقدّم نصل إلى التكافؤ والعلاقة الندية. كما أن الحديث عن الغرب كما يحتاج إلى دقة وموضوعية، فهو يحتاج إلى معرفة ناشئة ليس عن الترجمات وحدها، أو معرفة لغته، بل المعايشة المباشرة، بكلّ ما يترتب عليها من الوقوف على نقاط القوّة والضعف معاً.

المنهج السنني والتوحيد الثائر

أما المنهج السنني الذي دعا إليه فقد جاءت معالمه تبشّر بالخير الوفير، فهذا اللون من الفكر وإن كان الفكر الإسلامي قد عرفه فيما مضى، إلا إنه لم يكتسب طاقة حركية فاعلة كما اكتسبها مع معالجات الشهيد الصدر.

فالإسلاميون يتحدّثون ومنهم الصدر عن الغيب كركن أساسي في عقيدتهم ووجودهم، وقد جرّ إيمانهم بالغيب مشكلات كبيرة على صعيد تلقي الأمة له وتعاملها معه، وكذلك على صعيد ممارستها العملية. كما ظهرت مشكلات غير قليلة في طبيعة النظرة الغربية للمسلمين التي راحت ترميهم بالتهم وتحيطهم بالأسئلة والشبهات من كلّ جانب، وهي تصمهم بالتواكلية والكسل والفشل والبحث عن السعادة في الحياة الأخرى لا في هذه الدنيا. ما فعله الصدر في طبيعة الصياغة التي قدّمها للمنهج السنني، إنه وضعه في الدائرة الاجتماعية وفي ممارسة الفعل الإنساني، في مقابل المنهج القدري الاستسلامي اليائس. فالغيب يدخل مقوّم أساس لعقيدة الإنسان المسلم، بيد إنه لا يشلّ إرادته وهو يمارس فعله الإرادي في المجتمع والتاريخ، ومن ثمّ فإن الإيمان بالغيب بل والتعمّق في هذا الإيمان، لا يعني أبداً ومطلقاً إهمال الأسباب الإرادية والجهود الطبيعية في ممارسة التغيير الاجتماعي، وفي الانفتاح على الطبيعة لتسخير ثرواتها وثروات الأرض جميعاً، وتسخير الفضاء أيضاً، بل تقدّم البشرية على هذا الخطّ يرتبط أساساً وقبل كلّ شيء بالجهد الذي تبذله، لذلك تقدّم الإنسان الغربي في حقل الطبيعة وعلومها حين بذل جهوده وتأخر الإنسان الإسلامي حينما ركن لدعته وكسله، وما كان الدين بحقيقته سبباً في تقدم الغربي أو تأخر الشرقي.

المنهج السنني هو في واقعه ثورة في دنيا المسلمين، بالذات في حقول الطبيعة والمجتمع والتاريخ، جاء ليكون في مقابل المنهج القدري الاستسلامي الكاذب، وليتحرّك في غير تعارض مع المنهج الغيبي ومن دون أن يصطدم بمكانة الغيب في عقيدة المسلمين وإيمانهم.

هناك أفكار خطيرة تقدّم بها الصدر بشأن التوحيد التغييري والعقيدة الثائرة. فالمعروف أن العقيدة التي يعرض لها علم الكلام الموروث تجعل توحيد الإنسان المسلم وإيمانه بالنبوّة والعدل والإمامة والمعاد، إيماناً نظرياً وفردياً معزولاً عن الحياة والجماعة، ومن ثمّ تفصل العقيدة عن الزمان وعن المجتمع والتاريخ.

طبيعي لا تكمن العلة في منهج الكلام التقليدي وحده، وإن كان هذا أحد العوامل، إنما للمشكلة جذورها في طبيعة الشروط الموضوعية التاريخية والثقافية للأمة، وإلى جوار ذلك لها أسبابها في الوضع السياسي. فالفكر الاجتماعي يتأثر بطبيعة المرحلة، والمنهج لا يولد أو يتكوّن بعيداً عن الفكر الاجتماعي السائد، وطريقة التفكير، وتأثيرات السلطة والسياسة، أو المرحلة الحضارية بشكل عام.

لذلك كله ولدت محاولات كثيرة حاولت أن تحرّر العقيدة من أسار المنهج الكلامي الموروث، فتصل توحيد الإنسان بفعله، وإيمان الأمة العقائدي بوجودها ومشكلاتها. وقد وفقت بعض الاتجاهات وأحرزت تقدّماً ملحوظاً، فيما باء التيار الأعظم الذي تحرّك تحت العنوان السلفي المتشدّد بأخطاء فادحة، كما حصل مع الدعوة الوهابية، التي ورّطت الأمة بفكر أشدّ جموداً مما كانت عليه، وبعقيدة أشدّ فراغاً وتجوفاً من تلك التي كانت سائدة في حياتها في عصور الانحطاط، من خلال دعواتها الضيقة التي حصرت تحرير التوحيد بممارسات شعبية هامشية، كزيارة القبور والتوسل والشفاعة وغير ذلك.

مع الصدر شهدنا منهجاً عظيماً في أفقه وعمقه وسعته بشأن تحرير التوحيد وتحويله إلى توحيد تحريري، واعتبار العقيدة في أصولها قاعدة للثورة. وفي الواقع فإن المتأمل بإنجاز الصدر في هذا المضمار يجد إنه يتجاوز الفكر الإسلامي في حدوده، إلى الفكر الديني العام للإنسانية جمعاء فيما تؤمن به من أديان السماء، بالذات الأديان الإبراهيمية الكبرى، بل الأكثر من ذلك حوّل الصدر العقيدة الإسلامية في طبيعة منهجه العقائدي إلى نهج كفاح للإنسان في كلّ مكان، ناقداً ما كان ينعته إيمان الفلاسفة أو الإيمان العقلي النظري البارد[36].

ثلاث وقفات

كان من طموح هذه الورقة في مخططها التمهيدي أن تغطي عدد آخر من المنطلقات التي ترتبط بمنظومة الصدر الفكرية والإحيائية، من قبيل رؤيته لواقع الأمة، تحليله لقضية التخلف، الموقف من الغرب، قضية التنمية، فكره بين الأسلمة والتأسيس، أطره النظرية والمنهجية في دراسة سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل بيته الكرام صلوات الله عليهم أجمعين، مسألة الحرية الفكرية وتكوين العقل الاستدلالي، منهج الدرس العقائدي، التجديد الحوزوي فيما يرتبط بالمناهج وبالواقع الاجتماعي والفكري للحوزة وبالمرجعية وكيانها عبر أطروحة المرجعية الرشيدة، التجديد في مجال الاجتهاد ورؤاه عن الذاتية وفهم ما بعد اللغة (الفهم الاجتماعي بحسب تعبيره)، فقه النظرية، التفسير الموضوعي، إحياء مناسبات الأئمة والشعائر الحسينية، نظرية الوجود الذاتي والوجود الموضوعي للحوزة والأمة، الفقه السياسي، تصوره الثلاثي عن مراحل التاريخ الإنساني، الحقيقة التاريخية للحضارة الإنسانية ومساهمة جميع الشعوب في تكوينها، إلى الكثير من العناوين التي عملت عليها وحضّرت لها. بانتظار أن تسنح الفرصة المناسبة لتغطية هذه العناوين أو بعضها، رأيت من المهمّ أن لا تفوّت هذه الورقة فرصة الوقوف على عدد من المحطات المهمة، هي:

1ـ نظرية الشورى: واكبت تقريباً جلّ إن لم يكن كلّ، الكتابات التي تحدّثت عن تطوّر الفقه السياسي عند السيد الصدر والتحوّلات الفقهية ـ الفكرية التي مرّ بها على هذا الصعيد.

بيد أني ما زلت أعتقد بأهمية التكييف الفقهي الذي قدّمه لمشروعية الحكم على أساس نظرية الشورى في عصر الغيبة، كما حصل ذلك آخر الخمسينيات عبر ما دوّنه وقتذاك وصدر بعنوان «الأسس الإسلامية». والإنسان يشعر بالأسى العميق أن لا يتبقى من هذه الأسس سوى ثلاثة عشر أساساً وضياع البقية.

صحيح أن الصدر حرّر هذه الأسس كتنظير فكري للدولة لدى حزب الدعوة الإسلامية، وصحيح أنه رفع اليد عنها بهذا القدر أو ذاك، لكن المهمّ هو التالي: هناك محاولة للتكييف الفقهي لمشروعية نظام الحكم على أساس نظرية الشورى وحكم الأمة، صدر من حاضرة النجف الأشرف، على يد فقيه شيعي بارز من طراز محمد باقر الصدر.

على هذا فمن يبحث عن شرعية الحكم على أساس الشورى أو حكم الأمة، يمكنه الاستناد إلى هذا التكييف الذي تبناه الصدر. معنى ذلك أن نظرية الشورى، واحدة من النظريات المشروعة في ممارسة الحكم الإسلامي في إطار الفقه الشيعي. صحيح أن الصدر رفع اليد عنها بهذا القدر أو ذاك، إنما المهمّ هو التكييف بحدّ ذاته، برمزيته المكانية (حاضرة النجف الأشرف) والشخصية (فقيه متميّز من طراز محمد باقر الصدر).

إن قضية الحكم الإسلامي هي في طبيعتها قضية اجتهادية، تقبل الكثير من التكييفات النظرية التي ترتكز إلى قاعدة كلامية (فهم خاص للإسلام) وفقهية (فهم خاص للأدلة الشرعية). وما قدمه الصدر هو واحد من هذه الاجتهادات التي تدخل في رصيد نظريات الدولة في الفقه الشيعي المعاصر.

أما عن مشروعية الأخذ بهذا التنظير مع دعوى تغيّر موقف صاحب التكييف نفسه، فنأخذ دليله من الصدر نفسه. فعندما كان الصدر بصدد تقديم المذهب الاقتصادي في الإسلام، لم يستند إلى اجتهاداته الخاصة، بل أخذ من اجتهادات الفقهاء الآخرين حتى خارج نطاق المذهب الشيعي أحياناً، حيثما وجد ذلك ضرورياً لبناء الإطار العام، ما دامت هذه المواقف والآراء تمثل اجتهاداً مشروعاً عند المسلمين، أو تكييف فقهي يقول به فقيه أو أكثر، كما صرّح بذلك الصدر أكثر من مكان[37].

بالعودة إلى هذه الأسس وما تسجّله من مشروعية الشورى وحكم الأمة، يكتب الصدر: «إن الشورى في عصر الغيبة شكلٌ جائز من الحكم، فيصحّ للأمة إقامة حكومة تمارس صلاحياتها في تطبيق الأحكام الشرعية، ووضع وتنفيذ التعاليم المستمدّة منها، وتختار لتلك الحكومة الشكل والحدود التي تكون أكثر اتفاقاً مع مصلحة الإسلام ومصلحة الأمة. وعلى هذا الأساس فإن أي شكل شوري من الحكم يعتبر شكلاً صحيحاً ما دام ضمن الحدود الشرعية»[38].

2ـ نظرية الوجود الذاتي والوظيفي: للوهلة الأولى، عرض الصدر نظرية الوجود الذاتي والوجود الوظيفي على الحوزة النجفية، ثمّ طوّر هذا المفهوم بنقله إجرائياً إلى واقع المجتمع والأمة.

ملخص هذه النظرية، أن للحوزة في التحليل النظري، وجودين أحدهما ذاتي والآخر وظيفي. الوجود الذاتي يتقوّم بالأفراد، أما الوجود الوظيفي فهو يتقوّم بالمسؤولية العامة للحوزة كإطار يمارس دوره على مستوى الأمة، هذه المسؤولية التي تتخطى حدود مسؤولية الأفراد. على هذا يكون الوجود الوظيفي للحوزة أهم بمراتب من الوجود الذاتي لأفرادها، تماماً كما هو الحال في الفرد والمجتمع، والإنسان الذات والجماعة.

وفي قضية الإصلاح لا يرى الصدر أن الإصلاح الذاتي كافياً، إذا لم تنتقل الممارسة إلى الإصلاح على مستوى الوجود الوظيفي للحوزة، وإلا ـ يتساءل الصدر ـ: «ما أكثر الناس الأبرار الأخيار المجتهدين في الأسحار، الذين على خطّ وجودهم الوظيفي لا ينعكس تهجدهم في الأسحار!»[39] كما «قد يكون الإنسان عادلاً بالنسبة إلى سلوكه الذاتي الشخصي، ولكنه لا يكون عادلاً بالنسبة إلى سلوكه الوظيفي بتلك الدرجة»[40].

لهذا التنظير أهميته الاجتماعية، بما يستتبعه من فهم، وما يترتب عليه من نتائج في ممارسة الإصلاح الاجتماعي، بالتمييز بين الوجود الذاتي للمجتمع المتمثل بأفراده، والوجود الاجتماعي والكيان العضوي لمجموعة الأفراد كإطار، وما يترتب عليه من وظائف تختلف بين الأفراد والمجتمع. فالإنسان الفرد يحتاج إلى درجة معينة من الوعي والكفاءة والخبرة والأمانة وما إلى ذلك، حين يمارس حدود وظيفته كفرد، بيد أن هذه الملاكات تعود لترتفع حين يمارس الإنسان الفرد مسؤوليته في نطاق وجوده الوظيفي. فمسؤول مشروع سكني أو اقتصادي أو خدمي معيّن، يحتاج أكثر مما يحتاج إليه الفرد نفسه في المواقف الفردية مع نفسه أو داخل بيته وأسرته. الأول عند الصدر هو الوجود الذاتي، والثاني هو الوجود الوظيفي، وهو الأهمّ والأوسع، ولا يتمّ إصلاح الثاني بمحض إصلاح الأول[41].

3ـ إلى المسؤولين في الدولة العراقية: للصدر حيثيات متعدّدة تجعلنا نتحمل المسؤولية إزاء فكره وما تركه من مناهج ونظريات ورؤى وتحليلات ومواقف ووصايا، هكذا إلى بقية تراثه.

وقد أردت أن أختم هذه الوقفات بكلمات للسيد الصدر أرفعها إلى المسؤولين الحاليين في الدولة العراقية بعد التغيير (نيسان/ 2003م) بجميع سلطاتها ومرافقها، بل إلى أيّ مسؤول في أيّ موقع كان في خطّ الدولة، أو خارجها من المؤسّسات الأهلية وغير الرسمية.

فإذا قال المسؤولون أو بعضهم، نحن أتباع مدرسة الصدر وفكره، فلينظر كيف عاش الصدر، وبماذا تحدّث. وإذا قال أحدهم أنني أنتمي إلى القوى السياسية الشيعية فليأخذ بكلام الصدر، وإذا قال آخر أنني أنتمي إلى القوى السياسية السنية فلينظر كيف تحدّث إليه فقيه حاضرة النجف الأشرف، الذي وجّه نداءاته إلى الشيعي والسني معاً، والعربي والكردي، وخاطبهم جميعاً نصاً: «يا شعبي العراقي العزيز… إني أخاطبك في هذه اللحظة… بكل فئاتك وطوائفك، بعربك وأكرادك، بسنتك وشيعتك… وأني منذ عرفت وجودي ومسؤوليتي في هذه الأمة، بذلت هذا الوجود من أجل الشيعي والسني على السواء، ومن أجل العربي والكردي على السواء… فأنا معك يا أخي وولدي السني بقدر ما أنا معك يا أخي وولدي الشيعي»[42].

ومن يبحث عن الوطنية يجدها في فكر الصدر ومواقفه خاصة في المنازلة الدموية ضدّ النظام الساقط. هكذا تلتقي المرجعيات مهما اختلفت إلى شيعية وسنية، عربية وكردية، دينية ووطنية عند فكر الصدر ومواقفه، الذي سأكتفي منه بهذا النصّ، الذي أضعه بين يدي المسؤولين في العراق الجديد، الدال على طبيعة العلاقة المفترضة بين الحاكم والمحكوم، وكيف ينبغي للحكام أن يعيشوا، حين يكتب: «فأنهم [الحاكمون] مواطنين اعتياديين في حياتهم الخاصة وسلوكهم مع الناس، ومساكنهم التي يسكنونها، وعلاقاتهم مع الآخرين». ثمّ يضيف مميزاً بين صيغة نظرية دستورية وثقافية تتحدّث عن المساواة، وبين واقع كلّ ما فيه ينقض تلك الصيغ ويكذبها السلوك العملي للحاكمين: «إنما أتحدّث هنا عن الوضع الواقعي للحاكم والحاكمين، لأني أعلم أن الوضع القانوني الذي لا يجسّد في واقع الحياة، لا يهزّ إنساناً ولا يحقّق القدوة الصالحة في واقع الحياة. فما أسهلها من لعبة تشريعية على الطغاة والجبارين أن يصوغوا للشعوب التي يحكمونها دساتيرها ويملئون هذه الدساتير بمفاهيم المساواة بين الحاكم والمحكومين، ولكنها تظلّ في واقع الحياة مجرّد ألفاظ لا عطاء فيها ولا بناء، وليس لها من دور إلا التستر على واقع التناقض بين حياة الحاكم وحياة المحكومين، وامتيازات الحاكم وهوان المحكومين»[43].

النصّ الصدري وإن كان يتحدّث عن بلد محكوم بصيغة أو أطروحة الدولة الإسلامية، إلا أن المواصفات التي يذكرها للحاكم وشرط تساويه مع المحكومين، هو ليس من مختصات الحكم الإسلامي وحده، إنما هو من شروط الممارسة الصالحة للحكم أياً كانت. مضافاً إلى أن عدداً كبيراً من عِلية المسؤولين في العراق الجديد ينتمون إلى أحزاب إسلامية وتيارات حركية، والبقية تؤمن بالحكم المدني الذي ينظّم السلطة على أساس العقد الاجتماعي، وحقّ الإنسان على أساس مبدأ المواطنة، وكلاهما يمليان التساوي الذي يدحضه مع الأسف واقع التجربة الحالي، وعسى أن يكون في كلمات الصدر عظة!

إشارة ودعوة

من يعود إلى أبرز رجال النهضة الذين احتضنهم العالم الإسلامي خلال المائة والخمسين سنة الماضية، لا يجد إنهم قدّموا أكثر مما قدّم الصدر على صعيد الرؤية والتحليل الحضاري والمحصول الفكري، والمواقف العملية في المجال الديني والسياسي والاجتماعي، ومع ذلك ترى هذا البخس الكبير لحظّ هذا الرجل من قبل الباحثين والدارسين.

فإذا قدّر لنا مثلاً أن نرجع إلى عملين مرجعيين في مضمار دراسات فكر النهضة ورموز الإحياء في العالم الإسلامي، هما كتاب آلبرت حوراني (ت: 1993م) «الفكر العربي في عصر النهضة»[44] وكتاب فهمي جدعان «أسس التقدم عند مفكري الإسلام»[45] نجد أن في الأول إهمالاً موجعاً لرموز المدرسة الشيعية في العراق والشام وإيران والحجاز، وفي الثاني إقصاءً عجيباً مورس على أساس الهوية والانتماء المذهبي!

فمنذ ما يناهز ربع قرن وأنا لا أتعب من التنبيه إلى ما مارسه هذا الكتاب من إقصاء مذهبي رغم جدّية المحاولة وإطارها الشامل. فلا ريب أن محاولة الباحث الأردني هذه تتمتع بأهمية خاصة في محتواها وإطارها المنهجي المنتخب، كونها جاءت رداً على المنهج العلماني القائم على إقصاء جهد الإسلاميين أو تشويهه، بيد أن المؤسف أنها وقعت بإلغاء آخر، حين أقصى كاتبها الأسماء الفكرية التي تنتمي إلى التشيّع بحيث لم يتناولها بأدنى إشارة، رغم امتدادها على رقعة جغرافية تشمل العراق والسعودية والبحرين ولبنان وسوريا، وبالرغم أيضاً من أهمية مساهماتها في الموضوع الذي يبحثه الكاتب. وسيكون الإقصاء فاضحاً لانحياز الباحث وانغلاقه وتعصبه، حين يهمل آثاراً مهمة كتلك التي ساهم بها الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والشيخ محمد جواد البلاغي والسيد هبة الدين الشهرستاني والشيخ محمد جواد الجزائري والشيخ محمد رضا المظفر والسيد محسن الحكيم والسيد محمد تقي الحكيم والسيد محمد باقر الصدر والسيد محسن الأمين العاملي والسيد عبد الحسين شرف الدين والشيخ محمد جواد مغنية والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد أمين زين الدين والشيخ أبو الحسن الخنيزي والشيخ عبد الهادي الفضلي وغيرهم كثير، ومجموعة منتدى النشر وجماعة العلماء ومجموعة مجلة الأضواء في النجف الأشرف وغيرها من الكيانات، وكلّ هذه الأسماء والكيانات تدخل في المدى الزمني لدراسة الجدعان!

لقد امتدّ الإطار الزمني لدراسة جدعان إلى ما بعد السبعينيات من القرن المنصرم حين استوعب مالك بن نبي (ت: 1973م) ومع ذلك نراه أغفل بإصرار مذهل أسس الفكر النهضوي ومرتكزات التقدم في فكر محمد باقر الصدر ، وهي كثيرة باذخة الثراء. وهذا مثال واحد ـ والشواهد كثيرة ـ على ما نطلق عليه بالإقصاء أو في الحقيقة الإلغاء على أساس الانتماء المذهبي، وهذا اللون من الإقصاء يعبّر في واقعه عن أبشع ضروب الطرد والإلغاء!

ورغم أنني كنت وما أزال دائم التنبيه لهذه النقطة، لكن بدلاً من أن تجد هذه الملاحظة آذاناً صاغية لدى فهمي جدعان وأمثاله من الباحثين، نجد أن ما يحصل هو العكس على الدوام. مثلاً عاد الباحث فهمي جدعان ليقدّم دراسة عن «نظريات الدولة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر»[46] (سنة: 1985م) كرّس فيها مجدّداً أسلوب الإلغاء ذاته الذي كان قد مارسه على أسس مذهبية في كتابه السابق، فأنكر وجود أية مشاركة في موضوع الدولة من قبل باحث إسلامي شيعي عربي، وزعم أن جميع الكتابات في هذا المجال مغلقة للمسلمين العرب السنة، والأدهى، نافياً أي وجود للشيعة العرب في العالم العربي، حيث كتب نصاً: «لا مكان للخوض في هذا البحث في نظرية الشيعة في الدولة، لأن المفكرين العرب المسلمين الذين يدور عليهم هذا البحث ينتمون جميعاً إلى العالم العربي الذي هو عالم سني»[47]! فأسقط بذلك محاولات مبكرة كتلك التي كتبها محمد مهدي شمس الدين (لبنان) عن النظام السياسي في الإسلام، وباقر شريف القرشي ومحمد عبد الساعدي ومحمد صالح الظالمي (العراق) عن الموضوع نفسه، وما كتبه في المجال ذاته عبد الهادي الفضلي (السعودية) ومحمد أمين زين الدين (البحرين) وجميع هؤلاء ـ وثمّ غيرهم أيضاً ـ هم كتاب عرب شيعة ولدت كتابات بعضهم قبل أكثر من خمسة وستين عاماً من الآن!

أما التكييفات الفقهية التي قدمها الصدر في الفقه السياسي والاطروحات الفكرية لنظرية الدولة الإسلامية منذ خمسينيات القرن الماضي (بدءاً بنظرية الأسس ومشروعية صيغة الحكم على أساس الشورى وحكم الأمة وانتهاءً بالمزاوجة بين إشراف الفقيه وحقّ الأمة في ممارسة الحكم) فقد سجّل الباحث جدعان إطلاعه على فكر الصدر خاصة في كتابه المتأخر «الإسلام يقود الحياة»، بيد أنه أراح نفسه من دراسة هذا الفكر حين درج الصدر في خانة الكتّاب الإيرانيين[48]!

إذا كان هذا يحصل مع باحث رصين من وزن فهمي جدعان فما بالك بما يفعله الآخرون!

والمهمّ؛ بالنسبة لنا في العراق الآن، أن ننتبه إلى أن هذه الروحية في الإقصاء ذات جذور تاريخية، ولا علاقة لها بالتحوّلات الأخيرة التي شهدها البلد كما يزعم البعض، وما تمخضت عنه من أخذ الأغلبية الشيعية لبعض حقّها في السلطة، وهو ما لا يعادل جزءاً يسيراً من الحيف الذي وقع عليها خلال تاريخ الدولة العراقية الحديثة. ومن ثمّ فأن هذا الشاهد وغيره بالعشرات يؤكد وجود الطائفية والإلغاء عند الآخر منذ القديم. وبه يتبيبّن خطل ومخادعة التنظير الذي يزعم أن هذا الإقصاء ازدهر بعد مساهمة الشيعة ببعض نصيبهم من السلطة في العراق!

إزاء هذا الواقع المرّ ننتظر أن يتقدّم الباحثون في ساحتنا بمبادرات واسعة تسدّ مواطن التقصير في جانبنا، وتواجه لغة الإقصاء والحذف على أسس منهجية ومذهبية، كتلك التي تبرز في أعمال الآخرين، خصوصاً وإن ما يعين الباحث في مجال تقديم الصدر كشخصية إحيائية ونهضوية كبيرة، هو توفره على منظومة متماسكة في فكر النهضة، وفي التحليل الحضاري وفي وضع منطلقات الفعل الحضاري للأمة.

غرة ربيع الثاني/ 1433 هـ

جواد علي كسار

[1] ـ فلسفتنا: دراسة موضوعية في معترك الصراع الفكري القائم بين مختلف التيارات الفلسفية وخاصة الفلسفة الإسلامية والمادية الديالكتيكية، محمد باقر الصدر، الطبعة الخاصة بالمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر، إيران 1424 هـ، فقرة: هذا الكتاب، الديباجة.

[2] ـ المصدر السابق.

[3] ـ مقدمة في علم الاستغراب، د. حسن حنفي، القاهرة 1991م، ص 751.

[4] ـ فلسفتنا، ص 19 ـ 62.

[5] ـ عاد الصدر لكي يعمّق من محتوى هذا التمهيد أكثر، ويضفي عليه المزيد من الوضوح والأهمية، عبر بعض التعديلات، وإضافة فصلين أحدهما «الإنسان المعاصر وقدرته على حلّ المشكلة الاجتماعية»، والآخر «موقف الإسلام من الحرية والضمان»، كما تجلى ذلك فعلاً في كتاب «الإنسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية» الذي صدر حلقة أولى من مجموعة «المدرسة الإسلامية».

ينظر: المدرسة الإسلامية، ط 3، بيروت 1400 هـ ـ 1980م، الحلقة الأولى: الإنسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية، ص 5 ـ 131. أما الحلقة الثانية التي ضُمّت إلى الأولى وصدرت بعنوان «المدرسة الإسلامية»، فهي تحمل عنوان: ماذا تعرف عن الاقتصاد الإسلامي، المصدر، ص 137 ـ 198.

[6] ـ صدرت هذه الأطروحة بسبعة أجزاء بالفارسية، ذكر الناشر المختصّ بتراث مطهري أنها تمثل آخر كتاباته قبل وفاته، وقد تجدّد طبعها كمجموعة عشرات المرّات، ترجمة عناوينها كما يلي: الإنسان والإيمان (74 صفحة من الحجم الوسط)، الرؤية الكونية التوحيدية (72 صفحة من الحجم الوسط)، الوحي والنبوّة (154 صفحة من الحجم الوسط)، الإنسان في القرآن (88 صفحة من الحجم الوسط)، المجتمع والتاريخ (263 صفحة من الحجم الوسط)، الإمامة والقيادة، الحياة الأخروية أو الحياة الخالدة (58 صفحة من الحجم الوسط). أما كتاب الإمامة والقيادة (الجزء السادس من الأطروحة) فأن القدر لم يسعف مطهري بتأليفه، إنما جمع الناشر المختص بطبع آثاره، عدّد من المحاضرات لمطهري تناولت الإمامة والقيادة بعد الرسول صلى الله عليه وآله، لتأخذ موقعها كتاباً سادساً في المجموعة. وقد قمت بترجمة هذا الكتاب إلى العربية، حيث تجدّد طبعه في إيران ولبنان وسوريا مرّات. ينظر مثلاً: الإمامة، مرتضى مطهري، ترجمة جواد علي كسار، منشورات مؤسسة الثقلين الثقافية، لبنان 1418 هـ.

[7] ـ ينظر: الإنسان والقضاء والقدر، مرتضى مطهري، ط 2، دار التبليغ الإسلامي، بيروت 1402 هـ ـ 1981م.

[8] ـ تجارب محمد جواد مغنية، إعداد عبد الحسين مغنية، دار الجواد، ط 1، بيروت 1400 هـ ـ 1980م.

[9] ـ المصدر السابق، ص 52 ـ 53.

[10] ـ من محاضرة ألقاها السيد الصدر سنة 1385 هـ. ينظر نصها في: ومضات.. مجموعة مقالات ومحاضرات ووثائق سماحة آية الله العظمى الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر، إعداد المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر، ط 1، إيران 1428 هـ، ص 382.

[11] ـ من كلمة توجيهية ألقاها السيد الصدر بعد درسه الأصولي. ينظر: ومضات، ص 23.

[12] ـ المصدر السابق، ص 24.

[13] ـ المصدر نفسه.

[14] ـ المصدر نفسه.

[15] ـ ومضات، ص 374.

[16] ـ المصدر نفسه.

[17] ـ ومضات، ص 375 ـ 376.

[18] ـ ومضات، ص 376.

[19] ـ المصدر نفسه.

[20] ـ للكشف عن أهمية هذين الكيانين العلمائي والحركي المنبثقان من النجف الأشرف، وطبيعة أجواء الولادة وملابساتها؛ ينظر الافتتاحية التي كتبها السيد محمد حسين فضل الله (ت: 2010م) لمجموعة المقالات الافتتاحية لمجلة «الأضواء»، وذلك في: رسالتنا، الدار الإسلامية، ط 1، بيروت 1401 هـ ـ 1981م، المقدّمة، ص 5 ـ 19.

[21] ـ رسالتنا، المصدر السابق، ص 41.

[22] ـ رسالتنا، ص 42، في نص من النادر أن نعثر له على نظير في نصوص الإسلاميين المحدثين، يكتب الصدر عن قيمة التجربة وهو بصدد مناقشة العقليين، ما نصه: «وبذلك ضاعت عليهم فرصة الاستفادة من المعين التجريبي وما يتدفق به من حقائق ونتائج».

[23] ـ رسالتنا، ص 45 ـ 46.

[24] ـ رسالتنا، ص 45.

[25] ـ ينظر: الأسس المنطقية للاستقراء: دراسة تستهدف اكتشاف الأساس المنطقي المشترك للعلوم الطبيعية وللإيمان بالله تعالى، محمد باقر الصدر، طبعة المؤتمر العالمي للإمام الشهيد السيد الصدر، إيران 1426 هـ، ص 577 ـ 578.

[26] ـ رسالتنا، ص 35.

[27] ـ أهل البيت: تنوّع أدوار ووحدة هدف، محمد باقر الصدر، دار التعارف، بيروت بدون تاريخ، ص 55.

[28] ـ اقتصادنا، محمد باقر الصدر، الطبعة الخاصة بالمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر، إيران 1424 هـ، ص 17.

[29] ـ اقتصادنا، ص 30.

[30] ـ المصدر السابق، ص 31.

[31] ـالمصدر السابق، ص 31.

[32] ـ المصدر السابق، ص 30.

[33] ـ المصدر السابق، ص 27.

[34] ـ ينظر في الدلالة على هذه المحاور: المدرسة القرآنية، محاضرات الإمام محمد باقر الصدر، دار التعارف، بيروت 1400 هـ ـ 1980م، ص 37، 45، 46، 72، 50.

[35] ـ المدرسة القرآنية، ص 215.

[36] ـ حيث لا يسعنا إضاءة هذه الفكرة بنصوص نافذة من منظومة الصدر، نكتفي بالإشارة إلى بعضها، حيث ينظر على هذا الصعيد: المدرسة القرآنية، ص 197 ـ 199؛ أئمة أهل البيت، طبعة مؤتمر الصدر، ص 45، 37، 47، 49؛ الإسلام يقود الحياة، طبعة طهران، بدون تاريخ، ص 160 ـ 164، 178.

[37] ـ اقتصادنا، طبعة المؤتمر، ص 42، 411 ـ 412. وقد صرّح في الموضعين، أنه ليس فقط يتبنّى اجتهادات الآخرين لتكوين النظرية، بل ربما كانت بعض هذه الاجتهادات التي يعرض لها ويعدّها مكوّناً في التكييف النظري للمذهب الاقتصادي، مما يخالف متبنياته الفقهية واستنباطه الخاص.

[38] ـ ومضات، مصدر سابق، ص 259 ـ 260.

من محاضرات له عن الإصلاح ووظيفة الحوزة، ينظر: ومضات، ص 92.

[39] ـ من محاضرات له عن الإصلاح ووظيفة الحوزة، ينظر: ومضات، ص 392.

[40] ـ المصدر السابق، ص 393.

[41] ـ تنظر تفاصيل كثيرة في ومضات، ص 389 ـ 396.

[42] ـ مقتطفات من النداء الثالث الذي وجهه الصدر إلى الشعب العراقي. ينظر نصه كاملاً: ومضات، ص 348 ـ 351.

[43] ـ الإسلام يقود الحياة، مصدر سابق، ص 186 ـ 187.

[44] ـ الفكر العربي في عصر النهضة (1798 ـ 1939م)، آلبرت حوراني، ط 3، دار النهار، بيروت 1977م.

[45] ـ أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث، د. فهمي جدعان، ط 2، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1981م.

[46] ـ نظرية التراث، د. فهمي جدعان، عمان 1958م، ص 63 ـ 101.

[47] ـ المصدر السابق، ص 100. الغريب أن هذه الإشارة لم تأت في المتن، بل في هامش الصفحة، وهو ما يعكس نفسياً روحية التهميش التي يعيشها الباحث ويمارسها ضدّ الآخر الذي يجتمع وإياه في الدين الواحد!

[48] ـ المصدر السابق، هامش ص 100.