مع الشهيد الصدر محققاً

مداخلة نقدية حول الاتجاه التشكيكي بإبداعات الإمام الشهيد الصدر(رض)

يعتبر السيد الشهيد الصدر من كبار الفقهاء ومراجع المسلمين وهذا يعني أنه قد طوى مراحل علمية متقدمة في مختلف العلوم التقليدية، ونريد في هذا المدخل أن نبين اشتراك الشهيد الصدر مع باقي الفقهاء في تبحره في العلوم التي أهلته للوصول إلى درجة الاجتهاد، حتى ننتقل بعد ذلك إلى معرفة الامتيازات العلمية لهذا الرجل الكبير.

لقد أخرجت الجامعات العلمية الإسلامية علماء أفذاذ في مختلف العلوم، كالفلسفة والمنطق والفقه والتاريخ واللغة والأصول والتفسير وعلوم القرآن وعلوم العقيدة والعلوم الطبيعية.

وكان حظ الكثير من العلماء هو التخصص في جانب واحد أو جانبين من هذه العلوم وغيرها، ويندر أن يظهر منهم من جمع بين مختلف هذه العلوم، والذي يتابع السيرة العلمية لأكثر العلماء في بحوثهم وتحقيقاتهم، يجدهم عيالاً على غيرهم في أكثر في علم.

من هنا نتهيأ لمعرفة الميزة الرئيسية في دراسات الفقهاء فلا يصل أحد إلى درجة الاجتهاد ما لم يستقل استقلالاً كاملاً في فهم جملة من العلوم، وعليه أن يقدم البراهين القاطعة على قناعاته وقطعياته ومصادراته العلمية، التي ستفتح أمامه آفاق المسائل والمفردات الشرعية التي يريد معرفة أحكامها والذين مارسوا الدراسات والتحقيقات العلمية يدركون خطورة هذا الكلام، فإن جامعات العالم الرسمية، إنما تؤهل الدارس لاستلام درجة الدكتوراه مثلاً، إذا استطاع إضافة شيء جديد أو بيان شيء خفي في المجالات التي يدرسها هذا الباحث…

والفقهاء يطوون مراحل طويلة للوصل إلى هذه الدرجة البعيدة (درجة الاجتهاد) وليس هذا تعقيداً، وإنما هو أبسط ما يمكن معرفته عن أبعاد وآثار منح درجة الاجتهاد للباحث أو المحقق.

إن معنى أن يكون إنسان ما مجتهداً، هو إعطاءه الأذن القانوني والشرعي في الاعتماد على ما يفهمه من الأدلة الشرعية كنتائج وكأحكام شرعية في مختلف المجالات الفردية والاجتماعية.

ومقدمات هذه الدرجة هي الاعتماد الذاتي على النفس في تكوين الرأي والعقيدة، في كل العلوم التي لها تأثير في معرفة الشريعة، من ذلك مثلاً علوم اللغة وعلم التفسير وعلم الأصول وعلم الرجال.. ولا يكفي لنيل تلك الدرجة أن يكون الطالب قد فهم كل المفردات المطروحة في هذه العلوم ما لم يكوّن له رأياً شخصياً في مختلف هذه العلوم.

ولهذا السبب نجد أن العلماء لا يصلون إلى درجة الإجتهاد إلا بعد: سنين من العناء والجهد والتفرغ الكامل…

التخصص الكامل في جملة من العلوم هو السمة البارزة للاجتهاد…

من الطبيعي إذن أن يتأخر الأساتذة والعلماء في إدراك مدى قدرة الطالب على الوصول إلى درجة الفقاهة والاجتهاد لأن هذه الدرجة إنما تعرف عن طريق المماحكة والمناقشة الدقيقة بين الطالب واستاذه، وقد عرف من سيرة الشهيد الصدر(قده) إنه حصل على درجة الاجتهاد قبل سن الخامسة والعشرين.

ماذا يعني هذا في عصرنا؟

إنه يعني أن الشهيد كان متفرغاً تفرغاً كاملاً للبحث والتحقيق في تلك العلوم، وهذا ما شهد به أساتذته الذين غذوه من علومهم في أوائل دراسته، وعند وصوله إلى ما يسمى (بالبحوث الخارجية)، وهي الدروس التي يعرض فيها الأستاذ كل ما لديه من أدلة حول مسألة من المسائل، ثم يجيب على كل المناقشات التي تطرح، ويمكن اعتبار مناقشة رسائل الدكتوراه مثالاً مصغراً لهذه البحوث.

اشترك الشهيد الصدر مع أقرانه في دراسة الكتب اللغوية المعهود تدارسها في جامعة النجف الإسلامية، كذلك الكتب الفقهية كاللمعة والمكاسب، ودرس أيضاً كتاب الكفاية والرسائل، ثم حضر مع نفس زملائه دروس الخارج.. وكان امتيازه على أقرانه هو المناقشة في الصغيرة والكبيرة من المسائل والبحوث التي يتلقونها، ولم يعرف في حياته الإستسلام العقلي لمقالات الكبار والمحققين.

كان الشهيد يقضي الساعات المتواصلة المتلاحقة في التأمل والتدقيق والتحليل، ولا أدري هل أن ما توصل إليه أخيراً من نتائج خطيرة في مختلف المجالات كان يخطر في ذهنه كلمح البرق ثم يتابع نوره؟! أم كان مجرد احتمالات يسطرها على صفحات الذهن ثم يناقشها لينفذ بعضها ويثبت البعض؟!

لقد كان للشهيد الصدر صفة الرفض العقلي (أي عدم الإستسلام) لكل المسلمات والمصادرات، سواء ما كان منها منطقياً أو فقهياً وأصولياً، وهذا الرفض وليد للمنهج العلمي الذي شادته الجامعات الإسلامية، التي فتحت باب الاجتهاد، فهي تعلم الباحث والمحقق على الاستقلالية الكاملة في الاختيار والاستنباط، لكن بروز هذا الرفض بالشكل الذي ظهر في حياة الشهيد الصدر العلمية ليس واضحاً في حياة الكثير من الفقهاء والعلماء والمحققين.

فالمعروف إن كبار الفقهاء يحصلون على نصيب كبير من تلك الميزة التي هي ضمان الوصول إلى النتائج المستقلة في العلوم التقليدية، ولا يصل الأمر بهم إلى تكوين الآراء خارج حدود هذه العلوم.. فلم نجد فقيهاً كوّن له نظرية في المعرفة الإنسانية، أو أكتشف المذهب الاقتصادي الإسلامي، أو قدم الأدلة المتكاملة على صحة مسائل كثيرة لا تدخل نطاق تلك العلوم التي يطويها الفقهاء… أو اكتشف السنن التاريخية من خلال الدراسات القرآنية.

لقد عرف تاريخ الفقهاء جملة من الفقهاء الفلاسفة والفقهاء الأدباء والفقهاء المؤرخين والفقهاء المتكلمين والفقهاء المفسرين لكن من الصعب وضع اليد على فقيه جمع مختلف هذه العلوم على مستوى التخصص.

لقد كان الشهيد الصدر فيلسوفاً من غير منازع، استطاع تكوين نظرية جديدة في المعرفة، ولقد دخل ميدان النظريات القديمة في المعرفة، وناقشها جميعاً، وانتهى إلى عدم قدرتها الكاملة على طرح النظرية الصحيحة في تفسير المعرفة الإنسانية ثم دخل ميدان النظريات الحديثة، وطاف مع الوضعيين في منطقهم، ومع الفلاسفة المحدثين، لينتهي إلى نفس النتيجة السابقة فما كان منه إلا أن طرح ما يراه صحيحاً، كنظرية جديدة للمعرفة الإنسانية.. وقد يقول البعض أن الفيلسوف هو من يدرس الفلسفة القديمة، ثم يقوم بشرحها وتفصيلها، كالسيد الطباطبائي ونحن نقول أن من يستطيع أن يطرح نظرية جديدة للمعرفة لا تبتني فقط مع الأسس المنطقية والفلسفية التقليدية، فيلسوف بمعنى الكلمة، وهذا ما ينطبق على الشهيد الصدر، فهو من أساتذة (الحكمة المتعالية)، ومن الذين قدموا نظرية جديدة في المعرفة.

وكان الشهيد الصدر فقيهاً محققاً من الطراز الأول، وأصولياً بارعاً تشهد له نظرياته الجديدة في تفسير نشوء العلم الإجمالي وفي كيفية الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري، وفي بيانه لمسلك حق الطاعة.. ويظهر من بحثه للسيرة إطلاعه الواسع على الدراسات الإجتماعية والانثرپولوجية، فهو يتعمق في دراسة الدوافع في تشكيل السلوكيات الاجتماعية المشتركة للجماعات وقد كان الشهيد الصدر عالماً لغوياً، استطاع مناقشة الفطاحل من علماء اللغة وأساتذتها، وقدم نتائج خطيرة في اللغة.. خصوصاً في تفسير المعنى الحرفي.

ولا ننسى للشهيد الصدر تخصصه في العقيدة حيث استطاع الاستدلال على صحة العقيدة الإسلامية بالأدلة التي لم تستخدم من قبل إلا في مجالات العلوم الطبيعية… كما في كتاب الرسالة والمرسل والرسول.

ويكفي الشهيد فخراً أن يكون أول من قارع المدارس الفكرية الوافدة على الفكر الإسلامي من خلال دراسة نفس تلك المدارس ومناقشتها مناقشة علمية هادئة، وكان ينتقد بعض شارحي الماركسية في فهمهم لما طرحه ماركس، وإذا كان (روبرت بي داونز) قد حدد الكتب التي غيرت الدنيا في ستة عشر كتاباً وجعل عشرةً منها خاصة بالعلوم الإنسانية والاجتماعية والسياسية، فنحن نقول أن (روبرت) لم يطلع على تأثير كتابي اقتصادنا وفلسفتنا في العالم الإسلامي، ولو كان قد عرف ذلك لأصبح في كتابه المجال الواسع للحديث عن هذين الكتابين.

ولقد كان الماركسيون في العراق يدرسون الأفكار الماركسية من خلال ما عرضه كتاب (اقتصادنا)، فإن هذا يشهد بمدى الأمانة العلمية التي كان يتمتع بها الشهيد، في نفس الوقت الذي يشهد بمدى الخيانة الفكرية لدى الماركسيين الذين يقرأون نظرياتهم ولا يقرأون مناقشاتها، وهي في كتاب واحد، ثم أن ذلك يكشف عن قدرة الفكر الإسلامي على المواجهة النزيهة المستقلة ضد التيارات الكافرة والمنحرفة، بدون اللجوء إلى التحريف أو إلى أفكار المدارس الفكرية الأخرى، أو اللجوء إلى العواطف الإسلامية المختزنة في ضمير الأمة المسلمة.

وإن هذا يؤكد أيضاً أن الشهيد الصدر كان يطمح إلى أن تتجه الأبحاث الإسلامية في هذا الإتجاه، وقد تحقق ما كان يطمح إليه، فقد أصبحت كتبه مصادر أساسية للدراسات الاقتصادية والفكرية الإسلامية.

وأما التاريخ، فتشهد محاضرات الشهيد التي ألقاها على ثلة من طلابه بالعمق والدقة التي كان عليها في دراسة سيرة الأئمة وأدوارهم الرسالية التي اضطلعوا بها، وكذلك بحثه حول الولاية.

إن ما أريد أن انتهي إليه في هذا المدخل نتيجتان:

1ـ إن الشمول والعمق والدقة والإستقلالية عطاء للمنهج العلمي في المدارزس الإسلامية التي فتحت باب الاجتهاد.

2ـ إن العمق والدقة في حياة الشهيد الصدر العلمية كانت واضحة في كل المجالات العلمية المعهودة لدى طلاب وعلماء الحوزة العلمية، وهي أيضاً سمة بارزة في تحقيقات الشهيد في مختلف شؤون الفكر والمعرفة التي درسها الشهيد(رض).

نظرة عامة إلى التحقيق عند السيد الشهيد:

من الضرورات القائمة واللازمة في كل فكر ومعرفة، التحقيق الذي يستدعي التأمل والتدبر والتحليل في مفردات المعرفة وأجزائها وشرائطها وأدلتها.. والتحقيق منه ما هو سطحي، ومنه ما هو عميق، ومن علامات التحقيق السطحي، إن المحقق لا يضع له برنامجاً لدراسة المسائل، وليس لديه منهج علمي للتحقيق، ولا يملك المقاييس لمعرفة الصحيح أو السقيم، ويعتمد على السماع أو المشهور بين الناس، ويتساهل في دراسة النصوص والمستندات أو البراهين والأدلة، ويتعصب لرأيه وما يتبناه، ولا يملك سعة الأفق والتي تؤهل المحقق المنظر إلى واقع الأمر بكل أبعاده وآثاره أو مقدماته وشروطه، ونتائج التحقيق السطحي نتائج شخصية مبتورة، ليس لها أصل أو أساس سليم، ولا يمكن أن يبني عليها بناء علمي نافع، وهذه النتائج السطحية تضرباً لمعرفة الإنسانية بصورة عامة، وتضر بشكل خاص نفس الباحث، لأنه يحسب إنه توصل إلى الشوط الأخير في دراسة مسائله، مع أن الواقع خلاف ما تصوره، ليس في مثل هذا التحقيق أي ميزة على بحوث الدارسين ودراساتهم، فإن أغلب الباحثين يعتمدون تلك الطرق للوصول إلى تلك النتائج.

ولو أردنا تطبيق هذا المنهج السطحي في التحقيق على بعض الدراسات الإسلامية، فإننا نجد ذلك في الكثير من الكتب الإسلامية التي كتبت في المرحلة التي كان الإسلام فيها في (مرحلة الدفاع)، فنجد الكثير ممن كتب عن إن الإسلام:

1ـ لا يؤمن بالقتال ولا يجعله مشروعاً إلا في مرحلة الدفاع.

2ـ وإن القرآن يتحدث عن علم الذرة والفلك والجغرافيا والكيمياء،…

3ـ وإن الإسلام طرح الإشتراكية منهجاً اقتصادياً.

4ـ إن الإسلام آمن بحرية أصحاب رؤوس الأموال.

5ـ وإن الإسلام لا يمنع من الترف، وغير ذلك من المسائل التي استدل لها بحديث أو آية من الكتاب الكريم، بلا ملاحظة للروح العامة للقرآن، والجو الخاص التي تتحدث عنه الروايات أو الآيات الكريمة، ولو أردنا تطبيق هذا المنهج على الدراسات التاريخية الإسلامية، نجد أن هذا المنهج هو السائد في هذه الدراسات.

والدراسات الأصولية والفقهية أخذت حظها الوافر من هذا المنهج السطحي، فالكثير من الفقهاء ليست لهم نظريات محددة واضحة في القواعد الأصولية، والتي تعتبر الأسس لعلم الفقه واستنباط نتائجه.. فهؤلاء اتباع ومقلدون في هذه القواعد الأصولية، والذي يمارسونه من بحث ودراسة، هو تطبيق تلك القواعد على مسائل فرعية أو جديدة البحث.. فالجديد في دراساتهم هو تطبيق القواعد لا الإضافة إليها أو مناقشتها، والذين استطاعوا تكوين مدرسة أصولية هيمنوا على الساحة العلمية، واكتفى طلابهم بنتائج بحوثهم وسلموا بها تسليماً كاد أن يكون كاملاً.. والدوافع الكامنة وراء التبعية العلمية كثيرة، منها العظمة العلمية لأصحاب المدارس والنظريات الجديدة، ومنها طبيعة الباحث الداعية إلى التقليد، واتباع الغير، وحسن الظن بدراسة العلماء وتحقيقاتهم.. ومن يريد الخروج على هذه المدارس يحتاج إلى طاقة دافعة، وإلى جهد نفسي كبير، يقاوم حالة الخمول والركون إلى الراحة، ومن الطبيعي إن نجد أن من يملك هذه الطاقة والجهد النفسي قليل، والمحققون الأصوليون الذين بذلوا الجهود العلمية الكبيرة في دراستهم الأصولية، وتوصلوا إلى نتائج جديدة وتحقيقات غريبة على الساحة الأصولية، لا يختلفون عن المحققين في مختلف العلوم، فإن (فرويد) يبقى مهيمناً على ميدان علم النفس، ويبقى (آدم سميث) عالم الاقتصاد المبرز، وعلم الفيزياء يتصدره (نيوتن وانيشتاين) ويبقى (اليكسيس كاريل) الرجل الأول في علم التشريح.. والعالم النفسي لا بد أن يدرس تفسير الأحلام، واللاشعور، وعالم الاقتصاد لا بد أن يمر على دراسات (سميث) في الاقتصاد الحر ومن يدرس النسبية، أو يريد دراسة نظام الكون، لا بد أن يمر على مؤلفات (نيوتن وانيشتاين) وطالب كلية الطب لا بد له من دراسة (الإنسان ذلك المجهول).

والدراسات العلمية الحديثة، تطوير أو تشذيب لدراسة أولئك وغيرهم من أعاظم العلماء.. ولا نتصور أن الساحة العلمية تستوعب التجديد في كل دراسات الباحثين.. إن هذا يعني إن العلم سوف يتوقف عن النمو، لأن عدد الدارسين في كل المجالات العلمية كبير جداً، فإذا قدر لهم الوصول إلى نتائج جديدة في كل بحوثهم، فما الذي يبقى للأجيال القادمة من العلماء والدارسين.

وعلم الأصول لا ينسى بناته الأوائل كالمرتضى والطوسي وبن أدريس.. ولا ينسى المتأخرين من الذين شادوا ذلك البناء وأحكموه، كالأنصاري والخراساني والنائيني، والشهيد الصدر يعتبر آخر المحققين من أصحاب المدارس الأصولية.. وبين أولئك الأوائل وهؤلاء المتأخرين، سلسلة من الرجال المحققين لم يعمدوا إلى دراسات قواعد الأصول على ضوء المنهج السطحي المتقدم، بل استفادوا من قواعد التحقيق العلمي العميق.

وعلينا الآن أن نلقي نظرة على هذه القواعد، التي أعتمدها المحقق الشهيد الصدر في مختلف دراساته، واعتمدها المحققون الأصوليون في دراساتهم الأصولية، وعلينا أن نلاحظ أن تطبيق هذه القواعد يحتاج إلى دقة وعمق، لأنها على خلاف الطبيعة الإنسانية التي تركن إلى التقليد واتباع الآخرين، أو الاعتماد على النتائج الناقصة.. وعلينا أن نلاحظ أيضاً، إن هذه القواعد برزت في الدراسات الأوروبية الحديثة في السنوات الأخيرة مع أن علمائنا الأبرار طبقوها في دراساتهم وتحقيقاتهم قبل أن تنشأ جامعات علمية أوروبية.. والسيد الشهيد الصدر طبقها في أوائل دراساته ونتاجاته العلمية بصورة مذهلة.. ويمكن ملاحظة ذلك في كتاب فدك في التاريخ حيث سلم مشهور الفقهاء والمحققين بأن المجتهد القاضي يجوز له الاعتماد في قضائه على علمه الخاص، بحجة أن القاضي يجوز له الاعتماد على قضائه على علمه الخاص، بحجة أن القاضي يجوز له الاعتماد على البينة في قضائه والبينة لا تفيد أكثر من الظن، بينما علم القاضي يعتبر كاشفاً تاماً، فإذا جاز له الاعتماد على الكاشف الظني فمن باب أولى يجوز له الاعتماد على علمه.. والشهيد الصدر يناقش في هذا الدليل، بأن (المشرع) ينظر إلى البينة التي اكتملت شروطها وكأنها علمان لا علم واحد، ولا ينظر إليها بما هي ظن، وينظر المشرع إلى علم القاضي وهو علم واحد فأين الأولوية.

قواعد التحقيق العلمي عند الشهيد الصدر:

أولاً: يعتمد التحقيق العلمي عند السيد الشهيد على برنامج متكامل يمنع من الاستطراد في البحث، والخروج عن دائرته وهدفه، ويستوفي في الباحث كل المقدمات والأدلة المعتمدة.. وهذه البرامج كانت واضحة في دراسات لشهيد الصدر، حيث كان يحدد نقاط البحث ابتداءً وانتهاءً، ويستدل على كل دعاواه من غير أن يعتمد على رأي لا يملك دليلاً أو برهاناً واضحاً، ولم يعهد من السيد الشهيد أن يقفز إلى النتائج التي توصل إليها بلا دراسة موضوعية لمقدماتها.. وأما هدفه من دراساته، فكان هدفاً واضحاً ومحدداً يمكن الوصول إليه عن طريق التحليل والتأمل أو المتابعة والتنقيب، ثم إن أهدافه كانت علمية دقيقة وذات فائدة، وغير متعارضة مع أهدافه العلمية الأخرى، هذا من جهة ومن جهة أخرى، كان هدفه أسمى من الأهداف الشخصية الزائلة، كالشهرة أو الطمع، وإنما أقصى غاياته وأهدافه أن يوضح الحقائق كما هي من غير زيادة أو نقيصة وقد كان الماركسيون يقرأون بعض أفكار المادية الديالكتيكية والتاريخية وغيرها من أفكار الماركسية في كتب السيد الشهيد ودراساته، لأنهم أيقنوا أن السيد الشهيد، وإن ناقش نظريات الماركسية، لكنه اعتمد الحقيقة وعرضها كما هي من مصادرها الأساسية، وقد نجد السيد الشهيد مدافعاً عن بعض الأفكار والنظريات التي لا يؤمن بها، لاعتماد من ناقشها على أسس باطلة وقد يتصدى لإبراز حجة جديدة يستدل بها لنظرية لا يؤمن بها وقد يعتمد مقدمات غير مسلمة عنده للانتهاء إلى بناء متكامل، كما فعل ذلك في اكتشافه للنظام الاقتصادي الإسلامي.. وكان يطمح أيضاً إلى توسيع معارف البشرية، فالأهداف عند السيد الشهيد أسمى من المطامع الشخصية، ولعل من أفضل الأدلة على ما نقول، خلود دراساته وكتبه وانتشارها في آفاق العالم الإسلامي.

ثانياً: التحقيق العلمي عند الشهيد الصدر، يعتمد على منهج متكامل في دراسة المسائل، أو الأدلة والبراهين، ويمتاز المنهج العلمي على المنهج غير العلمي، في إنه يعتمد الدقة في الدراسة، ويعتمد الأدلة التي تنتهي إلى نفس النتائج التي توصل إليها المحقق، ويعتمد هذا المنهج أيضاً على الحياد الذهني والنفس تجاه أي من الافتراضات التي يحتمل انتهاء التحقيق إليها.

وقد أكد الشهيد على أن السبب في إنحراف الأوربيين عن الدين والعقيدة، هو عدم وجود حالة الهدوء النفسي والحياد الفكري تجاه قضية الدين، نتيجة ما حملته الكنيسة واتباعها من حيف وظلم، ومن جهل وغباء في عرض المسائل الدينية وتبرير تصرفات الحكام المتسلطين بالقوة، مما جعل الإنسان الأوروبي ينظر إلى الدين مثل نظرة إلى الحكم والجهل والمرض والفقر، الذي صاحب حاكمية الكنيسة، أو حاكمية المتسلطين الذين كانوا يحظون برعاية الكنيسة.. وأكد السيد الشهيد أيضاً، إنه متى استطاع الإنسان الأوروبي رفع هذا الحياد غير المشروع لجانب الكفر والإلحاد، والخروج عن الدين، يمكنه بسهولة، الإيمان بقضية الدين.. وكان السيد الشهيد يعيب على فلاسفة أوربا وعلمائها وتطبيقهم لمنهج حساب الاحتمال في قضايا العلم، وتخلفهم عن الاستفادة منها لاثبات قضية الدين، والذي ينبغي هو النظر المحايد إلى كل القضايا والشؤون، دينية كانت أو علمية، وأنا أجزم أن (راسل) والكثير من اتباعه لو اطلعوا على مناقشات السيد الشهيد لهذه القضية لآمنوا بقضية الدين، ولعل هذا هو الذي دعا بعض أساتذة الفلسفة إلى أن يطلبوا ترجمة كتاب (الأسس المنطقية للاستقراء) إلى اللغة الإنجليزية… ومن الواضح في حياة الشهيد الصدر أنه لم يكن مقلداً في منهجه العلمي، ولم يكن مطبقا فقط لما طرحه (أرسطو) واتباعه في منطقهم الشكلي، فقد امتاز السيد الشهيد في أنه سار على المنهج الأرسطي في جملة من الأمور، فإنما كان ذلك بعد ثبات صحة هذا المنهج في تلك الدائرة، ثم اكتشف منهجاً جديداً يمكن أن يتمم به نواقص المنهج الأرسطي، ويسد فراغاته، وقد طبقه في الأصول والفقه والعقيدة.

إن الشهيد الصدر من خلال تصحيحه لنظرية المعرفة التي طرحها المنطق الأرسطي، استطاع أن يثبت إن الإسلام يملك رصيداً كبيراً من الأدلة الفلسفية والمنطقية والعلمية، وأثبت أيضاً أن من لا يسلم ببديهيات المنطق الأرسطي ليس له أن يتنكر للعقيدة الإسلامية بدعوى أنها مبنية على تلك البديهيات.. لأن هذا سوف يعتمد على منهج آخر في اثبات قضايا العلم وهذا المنهج صالح لاثبات قضايا العقيدة والعلم في وقت واحد.

وكان الشهيد الصدر مخلصاً للحقيقة، ولم يكن يتعصب لما يراه، أو يكتبه، وقد ناقش بعض ما طرحه هو في كتاب فلسفتنا بعد اكتشافه لنظريته الجديدة في المعرفة، حيث كان يثبت بدليل العلية أن الصورة الذهنية أو المفهوم منتزع من نفس الشيء؛ الخارجي، لأن الصورة حادثة ومعلولة وعلتها الشيء الخارجي.. ناقش هذا الطرز من الاستدلال، بأن دليل العلية العامة يقول، أن هناك علة ما للصورة الذهنية، واثبات أن العلة هي الشيء الخارجي، أو قوة نفسية، أو (س) من الأمور، لا يرجع إلى دليل السببية العام، وإنما يمكن إثبات ذلك عن طريق تطبيق حسابات الاحتمال،.. والإخلاص للحقيقة بهذه الدرجة يثبت أن الشهيد الصدر(قده) لم يكن يهدف من بحوثه ودراساته أهدافاً شخصية وإنما كان يهدف إلى عرض الحقيقة كما هي.. والذي يدل على أن اهتمام السيد الشهيد بالحقيقة وعرضها كما هي، هو هدفه الأول والأخير، انه تعرض لبعض الحقائق التي اكتشفها، أو أبرزها غيره من المفكرين والباحثين، ونسبها لهم، وشكر لهم هذا الاكتشاف، نذكر من ذلك ثلاثة وقائع: ـ

1ـ في كتاب اقتصادنا ذكر السيد الشهيد الاستاذ الجليل الدكتور (محمد المبارك) وقال: (بالإمكان الاعتماد بصورة كاملة في إبراز هذه الأخطاء على ما كتبه الأستاذ الجليل محمد المبارك).

2ـ في كتابه الأسس المنطقية للاستقراء، أعتمد على بعض مصادر حساب الاحتمال المكتوبة باللغة الإنجليزية بعد ترجمتها إلى اللغة العربية، وقال في رسالة له متحدثاً عن الدكتور زكي نجيب محمود وكتابه المنطق الوضعي (أنا اعتز بما جاء فيه ـ كتاب المنطق الوضعي ـ عن الاحتمال، ولا أزال أرجع إليه واستفيد منه).

3ـ ذكر السيد الشهيد في رسالته إلى الفقيه المحقق السيد كاظم الحائري، أنه كان مع تلميذه البارز يعانيان اكتشاف الأسس المنطقية للاستقراء والرسالة كما يلي:

((أجدك في كل شيء مهم حولي، أجدك في الأسس المنطقية للاستقراء حين عشنا معاناة اكتشافها، وأجدك في المفاهيم حين كنت تلاحقني ليلاً ونهاراً بالإشكال تلو الإشكال والسؤال تلو السؤال، وأجدك في تلك الساعات الطوال التي كنا نقضيها نتذاكر ونتحدث، إني أجدك في كل شيء وافتقدك في كل شيء…))[1].

إن الرسالة تكشف عن جانب مهم في حياة الشهيد العليمة والتحقيقية، وهذا الجانب الهام، هو أن الشهيد كان يعتمد على التحقيقات المشتركة في بعض الأحيان.. فلو أن التحقيق الفردي بلغ إلى الدرجة القصوى، فسوف يبقى فردياً، أما لو كان التحقيق مشتركاً، فإنه يعني تلاقح الأفكار وتداول النظر من أجل تقديم معرفة جديدة للبشرية، أو الاستدلال على المعارف البشرية المتداولة، والبحث بصورة عامة في الجامعات الإسلامية فيه مسحة من التحقيق المشترك، فإن الفقهاء في بحوثهم يطرحون ما يرونه من آراء ونتائج على مجموعة من الدارسين والباحثين، ثم تبدأ المناقشات الحرة، والتي تغير آراء هذا الباحث أو ذاك في ما يطرحه ويراه..

والملاحظ في المنهج الذي اختاره السيد الشهيد في تحقيقاته إن الموانع الزمانية والمكانية والسياسية والبيئية لم تكن تؤثر عليه ولا يهمه من أجل اكتشاف الحقيقة وأبرزها، أن تكون العوامل المحيطة به لا تقبل هذه الحقيقة.. وقد كان السيد الشهيد سباقاً في ميادين العمل وميادين التخطيط وميادين الاكتشافات العلمية.. في الزمن والبيئة والمكان الذي لا يعرف بعد شيئاً عن الحكومة الإسلامية، عرض السيد الشهيد الأدلة التي تثبت مشروعية الحكومة الإسلامية في رسالة لا زالت مخطوطة.. ويشكك في بعض بديهيات أرسطو ومنطقة، في بيئة علمية اعتمدت على المنطق الأرسطي في كل علومها.. ويطرح نظريات جديدة، تنسف بعض ما اعتبره جملة من الأصوليين قواعد ثابتة لا تقبل المناقشة.. ويبني بنفسه الأسس للعمل الحركي الإسلامي في وقت لا يستوعب ذلك، ثم يكشف عن كتاب الله القانون التاريخي بصورته العلمية والاستقرائية، ثم يفلسف للثورة الإسلامية أسسها التي تعتمد عليها.

أن المنهج الذي اعتمده السيد الشهيد، والبرنامج الذي كان يسير عليه في تحقيقاته، لا يعرف التساهل.. وقد وقع الكثير من المفكرين في الأخطاء، لا لخطأ في منهجهم، بل لتساهل في تطبيق ذلك المنهج.. وكان السيد الشهيد دقيقاً في تطبيقه لمنهجه العلمي، وكان ينتهي إلى النتائج بصورة طبيعية منظمة، وكان يعطي للتأمل الكثير من وقته، ولم تكن تؤثر عليه العوامل المعيقة، والتي استطاعت منع الكثيرين من مواصلة المسيرة العلمية، أو التعمق فيها، كالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمسلمات العلمية المزعومة.

ومن الصعوبات التي كانت تواجه (جامعة النجف)، عدم الإطلاع على ما يدور في العالم من بحوث حول المعرفة والاقتصاد والسياسة وغير ذلك.. ولم يكن يدور بخلد الكثيرين إن من الضروري البحث في هذه الأمور.. ولكن السيد الشهيد كان من السباقين في هذه الميادين، واستطاع اثبات إن للإسلام رأياً مبايناً لما تراه بحوث المحدثين في تلك المحاولات…

ومن الصفات البارزة في تحقيقات السيد الشهيد التعمق والتحليل الدقيق، وقد عبر عن ذلك العالم الجليل محمد جواد مغنية بقوله (إن الصدر عندما ما يريد إن يحقق مسألة ما، فهو كالذي ينزل إلى أعماق الأرض، ثم عندما يريد الخروج إلى سطحها يفتش عن كل الطرق المؤدية إلى السطح ولا يكتفي بطريق واحد).

ثالثاً: ومن مفردات التحقيق العلمي العميق عند السيد الشهيد، نوع الأدلة.. والجامعات الإسلامية لم تكن لتتبع الأدلة الظنية أو الناقصة، ولكن بعض المحققين الإسلاميين قد يغفلون عن الضعف الذي يكتنف بعض الأدلة، أو يعتمدون على ما اشتهر وذاع بين الباحثين، وقد تؤثر الأجواء العلمية على ذهن المحقق فترصفه عن أن يجترئ على المخالفة.. ولهذا قد ينصرف كثير من العلماء عن مواصلة بحوثهم، لأنها تؤدي إلى مخالفة المشهور.. وقد يحاول بعضهم بمختلف الوسائل التوفيق بين نتائج بحوثهم وبين المشهور، ولو بتشذيب النتائج، وحذف بعض حدودها، وفي الجامعات الإسلامية بالخصوص، ساعدت صفة التقديس والاحترام للعلماء على مثل هذا السلوك.. وقد أثبت التاريخ أن العلماء بعد الشيخ الطوسي لم يكونوا ليجرأ وأعلى التفكير في مخالفة الشيخ (فكانوا مجتهدين مقلدة)، إلى أن جاء ابن ادريس، وبدأ بمجاهرة الخلاف مع الطوسي، وفتح الطريق أمام الأفكار والنظريات المخالفة للشيخ.

وبرز السيد الشهيد في جو يقدس منطق أرسطو، ويخضع لقواعد أصولية معينة، ويستدل على قضايا العقيدة بنوع واحد من الأدلة، ويستنبط في الفقه مفردات فقهية تعالج شؤون الأفراد.. ويستعمل في مجمل العمليات الفكرية الاستدلالية الطرق المعهودة من غير أن يخطر بالبال إن هذه الأدلة ناقصة، أو غير بديهية، وسر هذا كله إن المنطق الأرسطي يضفي على أدلته نوعاً من القطعية والصرامة، فالقياس لا بد أن تكون نتائجه نوعاً من القطعية والصرامة، فالقياس لا بد أن تكون نتائجه صحيحة، والاستقراء الكامل يؤدي إلى القطع، وهكذا.. أما إن يكون ثمة استقراء كامل أو لا يكون، أو إن القياس سوف يعصم الذهن من ناحية الصورة فقط، أما المواد فهي استقرائية، فهذا ما يوجب الشك في تلك الصرامة، لكنه لم يدفع المحققين إلى طلب الدليل والبرهان من ارسطو لأثبات دعاواه.. هذا وغيره دفع بالسيد الشهيد إلى بحث نظرية المعرفة بصورة عامة، وبناء على هذا تكون استدلالات السيد الشهيد مبنية على منطق جديد، ونظرية جديدة في المعرفة.

رابعاً: ومن مفردات التحقيق العلمي عند السيد الشهيد الحفاظ على الحالة النفسية المحايدة تجاه أي من الاحتمالات وكثير من النتائج الخاطئة تنشأ من حالة التعصب بمختلف إشكاله، أو من حالة الإستسلام للعادة أو السيرة المتبعة، أو الشهرة أو الذوق.. وقد صرح السيد الشهيد أن إنحراف أوربا عن الدين ناشئ من مخلفات الكنيسة وتأثيراتها على النفوس، وليس ناشئاً من قصور في قضايا الدين.

خامساً: ومن مفردات التحقيق العلمي العميق عند السيد الشهيد الوضوح في المقدمات والنتائج، وخلو المسائل من الغموض، فقد تكون مفردات مسألة ما واضحة تماماً، ومع هذا نجد أن الباحث ينتهي إلى نتيجة معينة، وحق التحقيق إن تتوضح كل المقدمات المؤثرة في تكوين النتيجة أو اكتشافها، وليس المراد من الغموض هذا الصعوبة في فهم المسائل، بل يراد من الغموض عدم الانكشاف بنحو القطع والجزم،… وما انتهى إليه السيد الشهيد في مختلف العلوم ليس غامضاً أو مهيمناً، وإنما هو من السهولة بمكان، إذا تهيأ للذهن تصور المقدمات وإنكشافها.. ولهذا فأن حجج السيد الشهيد تمتاز بقدرتها على الإقناع.

سادساً: ومن معالم التحقيق العلمي عند السيد الشهيد الأصالة والإبداع وسنتحدث عن ذلك في القسم الثاني إن شاء الله تعالى.

سابعاً: ومن أهم مظاهر التحقيق العلمي البارزة في فكر الشهيد الصدر، الشمول والبحث المستوعب لكل المقدمات والآثار المترتبة، فكان السيد الشهيد يبحث المسألة من الجذور ثم يلاحظ الثمار.. فحين يطرح المسألة، يأخذ موضوعها ليحلله تحليلاً كاملاً، ثم يطرح ما يراه الآخرون بهدوء وحياد، ثم يبدأ المناقشة العلمية،.. وسنرجع إلى بحث هذا الموضوع بصورة أشمل ونحن نعلم إننا لن نصل إلى مستوى الكشف عن معالم التحقيق العلمي عند السيد الشهيد، ولكن هذا لا يمنعنا من أداء حق الشهيد الصدر الذي أفاض علينا من بحر علمه، وشملنا بعنايته وأبوته.

السيد حسن النوري

 

[1] تجد صورة الرسالة في نهاية البحث.