في وقت مبكر من حياته الشّريفة حمل الشّهيد الصّدر مشروعاً نهضوياً متكاملا لانبعاث الأمة الحضاري ووضعها في مسارها الصّحيح، واستعادة دورها الريادي وفقاً لمتطلبات (المقولات) الإسلامية الأساسية في الفكر الإسلامي، من خلافة وإشهاد وإعمار للأرض.
وكما هي كلمات الإسلام متكاملـة، قويـة، وشاملة، جاء مشروعه الثقافي النهضوي متكاملا قوياً وشاملا، يحكي الترابط العضوي لمقولات الإسلام وقوانينه ومفاهيمه، ويجسّد القيمومة العامة لهذه المقولات على مناحي الحياة، حياة الفرد والمجتمع.
ومشروع من هذا القبيل لا يستوفي حقه عدد من السّطور والكلمات، وان انتظمت بدقة متناهية، واختزلت مراحل الاستدلال والبرهان والشّرح والبيان. ووفقاً لهذه الملاحظة تكرس هذه السّطور نفسها للحديث على جانب مهم من هذا المشروع الثقافي، وهو الجانب الفقهي والقانوني منه، مقارناً بالمشروع الفكري في إطاره الفقهي للسيد محمد حسين فضل الله. وها هنا تبدو المغامرة، إذ كيف يتاح للباحث الخوض في عالمين فكريين واسعين، وفي بحث مقتضب، بل ربما تكون المشكلة قائمة وان أطنب الباحث وتوسع، فهما الشّهيد الصّدر والسّيد فضل الله وان إشتركا في محاور فكرية معينة، فانه يبقى لكل واحد منهما عالمه الفكري الخاص والمتميز.
ومهما يكن من أمر، فما يبرر المغامرة، هو إنتماؤهما لمدرسة فكرية واحدة، وهي مدرسة العلم والعمل (الجهاد)، لنقف على مواطن اللقاء والشّراكة الفكرية ونحدّد العلامات الفارقة لكل منهما.
عبر مقطع زمني طويل تطور الفقه الإسلامي الإمامي تطوراً كبيراً قفز فيه الفقه قفزات هائلة واجتاز مراحل فنية وفكرية عديدة،انتقل فيها من (رحم) الحديث ولغته الخاصة المفعمة بالأسانيد و (العنعنة) الى شيء من الانطلاق والتحرر من (أسْر) هذه القيود، ليعلن عن نفسه، مع الالتزام بمتون هذه الأحاديث، دونما إستعارة من خارج. ومع تطور وتنامي الخبرات وتظافر الجهود أخذ الفقه يكتسب شخصية مستقلة وإطاراً خاصة ليعلن عن شيء من الاستدلال والبرهان بعد أن كان الفقيه يختزل هذه المراحل ليصل الى النتيجة التي هي في الغالب متن الحديث نفسه.
وعلى خلفية إتساع الرقعـة الجغرافيـة للدولة الإسلاميـة وتنامي حاجات المجتمع والأفـراد أخذ الفقيـه يفكر في كيفيـة استنطاق المصـادر الأساسيّة وفقاً لما هـو مأذون به شرعاً. فنشأت مدارس عديـدة في دراسة (الحجج) وطـرق التفكيـر الفقهي ووسائلـه وآلياتـه المشروعة. ومع هذا التطور الكبيـر أنتجت (الذهنية) الفقهية عدداً من (الكتب) التي شكلّت في يوم من الأيام معلماً واضحاً في مسيـرة الفقـه بما تضمنته من ابداع وابتكار. ومع خلو الميدان العلمي من عقليات كبيرة في وقت من الأوقات تظهر عمليـات المحاكاة والتقليـد، والتي مهدّت لانتشار ما عـرف بـ (الشّروح والحـواشي والتعليقات على المتون) ثم تتجاوز هذه المرحلة كلما بزغ نجم هنا وطلع آخر هناك.
هموم الفقيه
اكتسب الفقيه إسلامياً وضعاً حقوقياً وسياسياً لا نظير له في أي مذهب أو إطار فكري غير الإسلام، خاصة على المستوى الإسلامي الشّيعي الامامي، حيث أصبح هذا الوضع من مسلّمات فقه الشّيعة الامامية، لتضفي عليه طابع القيمومة تارة، والولاية والشّهادة تارة أخرى، وان اختلفت الصّيغ القانونية الشّرعية في تصويرها ومداها وسعة دائرتها.
ولم يكن تكريس هذا المضمون الحقوقي والاجتماعي في شخص الفقيه محض رغبة أو إمتيازاً تاريخياً أهّل الفقيه لهذا المستوى المتقدم، وانما هو عبارة عن موقف فكري حمّل على أساسه الفقيه مسؤولية التفكير في الشّأن الإسلامي والعمل في سبيله والتضحية لاجله، وافترض أن تكون همومه كبيرة كماهي هموم الإسلام، وعطاءاته متواصلة كما هي عطاءات الإسلام حية ومتجددة وزاخرة. وكلما اقترب الفقيه من مواقع الإسلام وتجسدت فيه رؤى الإسلام، والتحمت مع روحه وعقله أفكاره ومبادؤه، كان الأقدر على تحقيق وانجاز مهامّه المفترضة، والأجدر على اكتساب حقوق المركز القانوني للفقيه.
هذه الحقيقة أدركها الشّهيد الصّدر مبكراً ووعاها وعياً كاملا قدر وعيه للإسلام وأهدافه وغاياته. كتب رحمه الله (وبقدر عظمة المسؤولية التي أناطتها الشّريعة بالعلماء شدّدت عليهم وتوقعت منهم سلوكاً عامراً بالتقوى والإيمان والنزاهة، نقياً من كل ألوان الاستغلال للعلم لكي يكونوا ورثة الانبياء حقاً)[1].
يناظره موقف السّيد فضل الله تجاه الصّورة القلقة لرجال الدين، حيث انتقد انتقاداً لاذعاًـ عدداً من المظاهر التي يتخلى معها المنتسبون إلى العلماء عن مسؤولياتهم الشّرعية لأعذار واهية، وطالب بأن تكون الامتيازات متناسبة مع المسؤوليات والمهام والالتزامات[2].
وقد حدّد الشّهيد الصّدر فقهياً هدف (الانتاج الفقهي) وعملية الاجتهاد اذ يقول: (وأظن أننا متفقون على خط عريض للهدف الذي تتوخاه حركة الاجتهاد وتتأثر به، وهو تمكين المسلمين من تطبيق النظرية الإسلامية للحياة، لأن التطبيق لايمكن ان يتحقق ما لم تحدد حركة الاجتهاد معالم النظرية وتفاصيلها)[3]. ولذلك لاحظ على الفقهاء استغراقهم في التفكير الفردي وتقزيم الشّريعة وتجزئة الاجتهاد وتضييقه[4].
وانطلاقاً من هذه الملاحظة شرع الشّهيد في مل الفراغ الذي تشكو منه المكتبة الفقهية، فكان كتابه (اقتصادنا) إنعطافاً كبيراً في حركة الاجتهاد والانتاج الفقهي، وكان كتابه (البنك اللاربوي في الإسلام) تحضيراً لاستنزال الفقه الى الشّارع والى حياة المجتمع البشري المسلم، في ظل المعطيات العصرية وتعقيدات الأوضاع الاقتصادية الّتي تخلّف الفقه عن مواكبتها لفترة من الزمن ليست بالقصيرة، وكانت (الفتاوى الواضحة) تجسيداً لهموم الفقيه (المجاهد) والدؤوب على الحركة لخلق اكثر الشّروط ملائمة لانطلاقة حضارية جديدة.
وفي زحمة همومه رحمه الله كفقيه تنبّه الى حجم التحديات والاشكاليات التي تعيق حركة الفقه كعلم وتشريع حاكم يمارس قيمومته أو يفترض أن يمارسها. وحدّد وفقاً لحجم هذه التحديات معالم مشروعه الثقافي (في اطاره الفقهي) لترشيد الذهنية الفقهية وتعميقها من جهة، وتعميم المعطيات الفقهية التي انتجتها حركة الفقه ودورته العلمية الاجتماعية على اكبر قطّاع إجتماعي وتنمية فاعليته في الحياة.
هنا يمكن أن نطل على هموم مماثلة للسيد فضل الله، فقد لاحظ بحق على حركة الاجتهاد أنها أخذت تنأى بعيداً عن الهدف على خلفية شيوع الترف الفكري وسيادته في الأوساط العلمية الحاضنة لحركة الاجتهاد. وفي وقت كان يفترض فيه أن يمارس الفقهاء والمعنيون بحركة الاجتهاد دورهم بجدية تامة لمواكبة العصر والوفاء بمتطلباته استغرق عدد كبير منهم وبغيبوبة طويلة في ضباب الألفاظ وبمزيد من الحذلفة والمماحكة اللفظية، فيما هيمن الأسلوب الفلسفي والطّريقة العقلية المحضة على طرق الاستدلال، (وقد شارك هذا الأسلوب كما يرى السّيد فضل الله في عرض الافكار العلمية، وفي الوقوف أمام هذا التيه من الاحتمالات للفظ الواحد حتّى لا يستقر على حال في ارباك الذوق الأدبي في فهم اللغة العربية بالاعتماد على ظواهرها. لأن الفكر لم يعد يواجه النصوص في صفاء. بل اصبحت الاحتمالات تقفز الى ذهنه قبل أن يواجه النص في عملية استنطاق طبيعية. وقد انعكس ذلك على فهم الشّريعة وأحكامها ومفاهيمها، حيث ارتبكت مداليلها في ذهنه، وانحرفت عن مجراها الطّبيعي في قناعاته.. هكذا بدأنا نعاني من كثير من الفهم القلق للنصوص الدينية في الكتاب والسّنة، كنتيجة للاتجاه اللفظي في مواجهة قضية (الشّكل والمضمون) مما جعلنا نواجه بعض الاجتهادات الفقهية الخاضعة لهذا الاتجاه التي تبتعد عن روح الشّريعة وحيويتها. تبعاً لبعدها عن روح النص وظاهره)[5].
تعميق الثقافة الفقهية
وكان من أبرز معالم مشروعه الشّهيد الصّدر الثقافي خطواته الجريئة ودوره الكبير في تعميق التفكير الثقافي وتأصيله، ومعاناته الفكرية في هذا المجال واضحة على مستوى طرق الاستدلال وقراءة (النصوص) بدقة متناهية وعقلية مرهفة، وملاحظات متعاقبة، فضلا عن البعد الاستثنائي الذي تميزت به دراسات الشّهيد الصّدر بحيث لم يترك لغيره من فقهاء وباحثين زاوية أو جهة يمكن تجديدها. وتلك خصوصية إستثنائية تؤطر دراسات الشّهيد الصّدر على تنوعها، وتصنفها ضمن الابداعات التاريخية لا الرائدة وحسب.
وقد لا تسمح هذه السّطور بمواكبة إبداعه الفقهي تفصيلياً ودوره الريادي فيه لجهة الطّابع الاختصاصي لهذا الميدان، وما يفرضه من قراءة دقيقة ومتأنية للنصوص الفقهية وملاحقتها في ثنايا البحوث والدراسات العالية في هذا المجال. وربما نوفق للاشارة اليها أو إلى بعض معالمها في الفصل الأخير مقارناً بالمنهج الفقهي للسيد محمد حسين فضل الله.
ومهما يكن من أمر فلا يخفى على القراء اختلاف وتباين ثقافاتهم واختصاصاتهم الدور الريادي للشهيد الصّدر في كتابة البحث الفقهي المعمق والمعاصر في آن واحد، والذي تمظهر في كتابه (اقتصادنا) وكتابه (البنك اللاربوي في الإسلام) إلى درجة لم يظهر معها لحد الآن كتاب في المكتبة الإسلامية يوحي بشيء من المضاهاة لهذين الكتابين، في الوقت الذي لم يفكر فيه الشّهيد الصّدر أن يكونا كذلك، بل افترض فيهما معاً انهما بداية الطّريق، وانما مجرد اقتراحات فكرية ولبنات تأسيسية قابلة للتطوير والتأصيل.
وعوداً على بدء يمكن القول أنّ (إقتصادنا) و (البنك اللاربوي في الإسلام) هما الكتابان الفريدان من نوعهما في المكتبة الفقهية اللذان توفّراً على عنصري (المعاصرة) والوفاء بمتطلبات العصر، و (الدقة العلمية) فقهياً.
ولا أجد أدنى مبالغة في تأكيد هذه الملاحظة، فما نتوفر عليه في المكتبة الإسلامية إما أن يكون معاصراً وخالياً من البعد الاختصاصي العلمي فقهياً، وإما أن يكون وفياً للمنهج الفقهي في أروع صوره في وقت تغيب فيه روح العصر غياباً تاماً.
أما على المستوى الفقهي تقليدياً فقد قُدَر للشهيد الصّدر أن يلقي أبحاثه الفقهية العالية في ظرف زمني يقرب من العشرين عاماً، تخرَّج من مجلسه عدد من الفقهاء ومن يقرب من درجة الفقاهة المطلقة، وانتجت هذه الممارسة كتابه الفقهي المعروف بـ (بحوث في شرح العروة الوثقى) في أربعة اجزاء ضخمة، دون ان تكتمل، لتضيع أبحاثه الفقهية الأخرى على خلفية همجية النظام الحاكم.
ولو قدر على الأقل لكتابه هذا الاكتمال لأعطى للمكتبة الفقهية بُعداً لم تألفه الكتب الفقهية السّابقة على قيمتها العلمية والتاريخية باعتبارها بحوثاً تعبر عن ممارسة علمية فقهية كتبت بقلم الفقيه نفسه دونما اختزال أو حرق لمراحل الاستدلال الفقهي كما هي عادة الفقهاء.
وفي المقاربة بين منهج الشّهيد الصّدر والسّيد فضل الله نلاحظ غياب المسافة بينهما تارة فيبدو الانسجام العلامة الفارقة في منهج كل منهما، والافتراق تارة أخرى، ليرسم كل منهما معالم منهجه بعيداً عن الآخر.
وقد يتقاطعان في الوفاء للمنهج التقليدي فقهياً من جهة والإطلال على العصر وقضاياه من جهة أخرى. فما لاحظناه على الشّهيد الصّدر في هذه الخصوصية، تجده في مدرسة السّيد فضل الله حاضراً بقوة وبتميز أيضاً. وقائمة كتبه الفقهية التقليدية: (كتاب الجهاد، النذر والعهد واليمين، كتاب النكاح، القرعة والاستخارة، رسالة في الرضاع) تشي بصحة الملاحظة المشار اليها. فهو في كتبه هذه يحتفظ بالمنهج التقليدي ويستضي بكل ما أنتجه العقل الفقهي على مدى الزمن ليضيف لبنة هنا وينتزع لبنة أخرى هناك بدأت تتآكل على مدى الايام. أما المعاصرة فهي مجاله فضل الله الرحب وسلاحه القوي وخصوصيته الفريدة، التي ربما لا ينازعه فيها منازع، ولا يباريه معها مبار.
وفي قائمة كتبه التي تُصنّف في هذه الزاوية تبدو (خطوات على طريق الاسلام، وقضايانا على ضوء الاسلام، والحوار في القرآن الكريم، والاسلام ومنطق القوة، واسلوب الدعوة في القرآن.والحركة الاسلامية هموم وقضايا) وفيها يمتزج الفكر بالفقه، فتتسلل المسائل الفقهية برفق الى القارئ عبر سطور لم تحمل عناوينها شيئاً من تلك العناوين الفقهية التي ربما لا يتعاطي معها الكثير من الناس.
واذا غابت المسافات وتلاشت بينهما في الاطار العام وفيما أشرنا اليه تحديداً، فربما تطول بينهما في قضايا أخرى، ومن هذه القضايا طريقة الاستدلال الفقهي وتأثره بالعلوم المساعدة. فالسيد الشّهيد فيلسوف وأصولي (نسبة الى اصول الفقه)، وهو بهذه الصّفة يدخل الفقه ويرد عليه معبأ بكل آلياته العقلية وأسلحته الفلسفية، فتتكشف له أسرار وأسرار وتنقدح بذهنه الوقاد إحتمالات واشكاليات، وهو ما يجعل من حقل الفقه واسعاً رحباً عميق الغور وبعيد المنال.
وهذه خصوصية ورثها الشّهيدُ الصّدر وأَورثها آخرين عن كبار الفقهاء من أمثال الشّيخ الانصاري والآخوند والنائيني والعراقي والاصفهائي واستاذه الخوئي، وهي مدرسة متميزة ومتفردة أيضاً، الاّ انها تبدو أقرب إلى الاتجاه العقلي منه إلى الاتجاه العقلائي، ومن يقرأ أبحاث وتعليقات محمد حسين الاصفهاني وآقا ضياء العراقي يدرك حقيقة ما نقول، فما تقرأه في أبحاثهم الفقهية كما هي مصنّفة فعلاً قد يكون إلى الفلسفة أقرب منه إلى الفقه بل أبعد ما يكون عنه.
أما السّيد فضل الله فهو وان كان ينتمي إلى المدرسة نفسها مدرسة النجف الاشرف وتحديداً إلى مدرسة الخوئي والحكيم فانّه ربما يكون أقرب ما يكون إلى مدرسة غيره وربما ينتمي إلى مدرسة السّيد كاظم اليزدي كما لاحظته من خلال تتلمذي عنده بل قد يكون أقرب إلى مدرسة المقدس أحمد الأردبيلي وان كنت متردداً في الجزم بعلاقته مع الأخير، انما ما هو معروف بالنسبة للأول أي السّيد اليزدي تضلعه بالفقه واتجاهه العرفي والعقلاني في فهم المسائل وقراءة النصوص.
بالنسبة إلى السّيد فضل الله فهو لا يخفي إمتعاضه من الطّريقة العقلية وطغيانها في المدرسة الفقهية، وهو غالباً ما يلاحظ عل أكابر الفقهاء دقتهم العلمية وتكييفاتهم الفنية الصّناعية وليثني على مقدرتهم الفذة في هذا المجال، إلاّ أنه لا يجد مبرراً لمجاراتهم في هذا الاتجاه، لأنه يؤكد على أنّ فهم (النصوص) يجب أن يتم بعيداً عن الطّريقة العقلية بل أن الاستغراق فيها قد يورط الفقيه بنتائج بعيدة تماماً عن الفقه والشّريعة.
وقد يكون من الطّريف الاشارة إلى تعليق وموقف عدد من الفقهاء على مسألة فقهية من (العروة الوثقى) للسيد اليزدي من كتاب الاجارة قال: (اذا قال: ان خطت هذا الثوب فارسياً (أي بدرزً فلك درهم، وان خطته رومياً أي بدرزين فلك درهمان).
والموقف الفقهي المعروف هو البطلان وذلك للجهالة اذ اشترط الفقهاء أن يكون العوضان معلومين وليس كذلك في هذا الفرض. بل ربما يكون هذا الموقف هو المشهور عند جمهور فقهائنا بما فيهم اليزدي نفسه، ومال إلى الصّحة عدد آخر منهم المحقق والعلامة الحلي في بعض كتبه والشّيخ الطّوسي في المبسوط.
لكل واحد من الاتجاهين تكييفه الخاص ان للبطلان أو الصّحة، انما الطّريق هو طبيعة التكييفات التي قدمها بعض أنصار اتجاه البطلان ومنهم الشّيخ محمد حسين الاصفهاني الفيلسوف وتبعه السّيد الخوئي في التكييف نفسه بما ملخصه[6]: (ان هذه الاجارة قد يفرض إنحلالها إلى اجارتين متقارنتين على عملين بأجرتين كل منهما في عرض الاخرى، ولا ينبغي الشّك حينئذ في بطلان كلتا الاجارتين لعدم قدرة الأجير على الجمع بين هاتين المنفعتين المتضادتين في وقت واحد، وعليه فوجوب الوفاء بهما متعذر، ومعه لا يمكن الحكم بصحتهما معاً، ولا مرجح لأحدهما على الآخر. وقد يفرض تعلقها بأحد هذين العملين مردداً بينهما، والظّاهر بطلان مثل هذه الاجارة، لأجل أن أحدهما المردد لا تعين له حتى في صقع الواقع فلا يملكه الأجير حتى يملكه للمستأجر، فان ما يقع في الخارج اما هذا معيناً أو ذاك، أما بصفة الترديد فلا تحقق له في وعاء الخارج بتاتاً. وعليه فالعمل المستأجر عليه لا تعين له لدى التحليل لا بحسب الواقع ولا في علم الله سبحانه وتعالى، وذلك لأن من الجائز أن الخياط لا يخيط هذا الثوب أصلاً ولا يصدر منه العمل في الخارج بتاتاً، فعندئذ لا خياطة رأساً لكي يعلم بها الله سبحانه، فانه علمه تابع للواقع واذ لا خياطة فلا واقع ومعه لا موضوع لعلم الله سبحانه حتى يتحقق به التعين الاجمالي الذي ادّعاه البعض لتصحيح المعاملة، وذلك بأن تقع الاجارة على أحدهما المردد عندهما المعلوم في علم الله ان سيختاره الأجير خارجاً، بناء على ضرورة ان أحدهما متعين فعلاً في غامض علم الله وان كان مجهولاً عندنا، وعند تحققه خارجاً ينكشف انه مورد الاجارة ومصبّها).
وقد علّق السّيد فضل الله على رأي السّيد الخوئي وتصويره للمسألة (أقول: أن عالم المعاملات هو عالم العقلاء، والعقلاء يجرون معاملاتهم على حسب حاجاتهم، سواء من خلال الخصوصيات التي تختلف فيها الرغبات أو من دونها، فقد يحدد المتعامل الخصوصيات بشكل لا يحتمل أي ترديد، وقد لا يهمه مثل ذلك التحديد، ويكتفي بأصل موضوع المعاملة تاركاً للآخر بحسب خبرته تحديد هذه الخصوصيات، اذ قد لا تكون مثل تلك الخصوصيات ضرورية إلى حد كبير بحيث لا يقدم على المعاملة لولاها. فاذا كانت المسألة كذلك فتكون صحيحة لأن موضوع الاجارة هو الخياطة مع تخيير الأجير على نوعيتها بين أن تكون خياطة فارسية أو رومية، فالاجارة معينة وهي الخياطة والتخيير أو الترديد في الخصوصية وهي في المقام الخياطة الفارسية أو الرومية. وما ذكره السّيد الخوئي من عدم تعيين موضوع الاجارة حتى في علم الله لجواز تخلف الخياط على الخياطة أصلاً، فهو خلاف الفرض، اذ الفرض هو التزام الخياط بأن يخيط، وهي لا تخلو من الخياطة الفارسية أو الرومية، اذ للمستأجر ان يلزمه بأصل الخياطة التي تتحقق بواحدة منهما. وعليه فلا داعي لكل هذا التكلف في تفسير المسألة فلسفياً، اذ الفرض لا يحتمل مثل هذا التكلف، فيكفي لتصحيح المعاملة في هذا الفرض قيام سيرة العقلاء على الغاء الخصوصيات احياناً اذا لم يكن لها كبير فائدة، فيكون موضوع الاجارة أصل الخياطة)[7].
ولا تعوزنا الأمثلة والشّواهد فهي كثيرة، وجلّها يشير إلى طريقة عقلية تهيمن على حركة الاجتهاد، يشيع معها الاستغراق في الاحتمالات التجريدية والتكييفات الفنية التي قد لا تجد لها في حياة الناس ولو بنسبة ضئيلة جداً مكان أو موقع، فهي إفراز من إفرازات التفكير النظري البحت، مع عوامل أخرى تظافرت جميعها لتثقل حركة الاجتهاد وتؤسره في زاوية بعيدة عن الحياة وشؤون الناس.
وفي وقت كان يفترض فيه أن يتماشي الفقيه مع قضايا الناس ويعيشها عن قرب، تجده يعيش حياة تفصله عنها مئات السّنين، ليستغرق في مظاهر حياتية كانت سائدة زمن الشّيخ المحقق الحلي أو الشّهيد الاول أو الكركي… ولا أدل على ما نقول من فقه (الشّركة) الذي لا يزال ينتمي إلى القرون الاولى، في وقت أفرزت الحياة الاقتصادية ألواناً عديدة من الشّركة لم تخطر على بال فقيه يومذاك ويجهلها معظم الفقهاء اليوم.
وربما تشيع القوالب الجامدة وتسود الاجوبة الجاهزة (المعلبة) بعيداً عن الواقع أو ما يسمى (بالصغريات) بحجة أنَّ القواعد تقتضي ذلك كما هو يتردد كثيراً على ألسنة المتفقهة. ومن ذلك ما يعرف بتزويج الصّغيرة لفرض (رفع الكلفة) وتحليل النظر إلى أمها مثلاًـ ليطلقها الولي بعد ذلك وتكون أمها حراماً على الزوج (المؤقت) الذي أنشأ القبول.
وقد لاحظ السّيد فضل الله كما سمعت منه على الموقف الفقهي السّائد تجاه هذه المسألة أنه (فقه هندسي) بغض الطّرف عن واقع المسألة، لأن المسألة ان صحت كبروياً، فهي غير صحيحة صغروياً، لأن قصد الزواج لم يتم والأمر لا يتعدى (لقلقة) لسان.
ولأن استنكر السّيد فضل الله على رفقائه من الفقهاء طريقتهم في الاستدلال تفصيلياً، وغلبة الطّابع العقلي عليه، فانه سجّل بعض التحفظات على آليات الاستدلال نفسها، أو قل على بعض المفردات السّائدة في حقل أصول الفقه، وهي ملاحظات تستحق الدراسة والتأمل بعيداً عن التهريج والمغالطة أو اللامبالاة.
ومن ذلك معالجته أو موقفه بعبارة أدق من النصوص العامة والنصوص الخاصة، والعلاقة بين هذين الصّنفين وكذلك المقيدة والمطلقة، فانّ علم الاصول يميل إلى تخصيص العام وحمل العام على الخاص باعتبار أنه يمثل القرينة العرفية لتفسير العام بمعونة الخاص كأية قرينة لفظية، كما يعتبر المقيَّد قرينة على ما هو المراد من المطلق.
والسّائد اصولياً هو الصّحيح ولا غبار عليه من حيث المبدأ، إنما الاشكال في تطبيق هذه القاعدة على هذه النصوص، وها هنا يرد اشكال السّيد فضل الله[8]، اذ ان واقع النصوص ربما لا يساعد على ذلك، فنحن نجد مثلاً عامّاً نبوياً ثم نجد بعد فترة طويلة نصاً خاصاً صادر عن الامام الباقر أو الصّادق، وقد يُسأل امام عن مسألة فيجيب بالعام وينطلق السّائل إلى سبيله، ثم يسأل آخر الامام نفسه أو غيره فيجبه بالخاص، فكيف يعتبر هذا الخاص قرينة على المراد من العام.
كما دعا فضل الله إلى طريقة علمية تنسجم مع قواعد اللغة العربية لفهم (النصوص) الدينية، وربما يكون قوله تعالى (حرمت عليكم أمهاتكم…) ثم قوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) فان الحصر الوارد في الآية يؤكد ان المحارم محصورة في ما ذُكر في القرآن والاّ فأي معنى لقوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم) اذا كان ثمة محرمات أخرى كما هو معروف فقهياً على الأقل على مستوى الاحتياط في الفتوى مثل (من زنى بذات بعل حرمت عليه مؤبداً) و(من عقـد على ذات بـعل حرمت عليه مؤبداً) و(من عقد على ذات عـدة حرمت عليه مؤبداً)[9].
وهنا تمتاز مدرسة السّيد فضل الله عن مدرسة الشّهيد الصّدر، وربما يكون موقف الشّهيد الصّدر من الروايات المتعارضة في نجاسة أو طهارة الخمر علامة فارقة بين المدرستين فقد تعاطئ معها الشّهيد الصّدر تعاطياً إمتاز بالدقة العقلية التي انطوت على قدرة كبيرة وهائلة في تحليل الروايات ومقابلة بعضها ببعض، وهو يرتبها أو يُصنّفها في مراتب ليخلص إلى مدى تعارضها واستقراره لينتهي إلى تساقط بعضها وبقاء بعضها الآخر الذي كان لصالح روايات نجاسة الخمر[10]. وهو موقف أملاه عليه مناقشته الحادة مع بعض أكابر الفقهاء وخاصة في حمل روايات الطّهارة على أنها صادرة على خلاف أصالة الجهة.
أما السّيد فضل الله فقد لاحظ مجموع الروايات الواردة في الحكم المشار إليه في مقابل مجموع الروايات الاخرى المضادة[11]، بعيداً عن المنهج العقلي وانسجاماً مع الفهم العرفي للنصوص.
تعميم الثقافة الفقهية
ولأن كان تعميق الثقافة الفقهية هو الأبرز في مشروع الشّهيد الصّدر الثقافي فقهياً، فانه لم يمنعه من التفكير بتعميم الثقافة الفقهية في الوسط الاجتماعي باعتبارها القانون (القيِّم) على حياة الإنسان المسلم والذي يحدد وفقاً لها موقفه تجاه الاشياء والاحداث.
وكما هو العلم بالقانون لا يختص بمواطن دون آخر، فالفقه كـ (قانون) لا يختص بمسلم دون آخر، لانه مشاع والناس فيه سواء. أما موضوع الاختصاص فيه فهو الاستدلال الفقهي وطرقه وحجيته ومستويات نتائجه ومعطياته، فضلاً عن الصّناعة والتكييف الفنيين لأحكامه.
ووفقاً لهذه الملاحظة سعى الشّهيد الصّدر إلى تفعيل الفقه في حياة المسلم وانفتاح الأخير على هذه الثقافة إنفتاحاً مباشراً بعيداً عن الاتكالية المطلقة، وباعتبار أن ما يعرف بـ (الرسالة العملية هي النافذة الرئيسة لإطلال المسلم على الفقه، فقد توجهت جهود السّيد الصّدر إلى إعادة النظر في هذا (الفن) الفقهي ودرجة تفاعل المسلم (المقلِّد) معه وانفتاحه عليه. وقد لاحظ أنَّ هذا النوع من الكتابة الفقهية لازال تقليدياً إلى حد كبير من جهة، ووفياً إلى اللغة القديمة والتقسيم الموروث من جهة اخرى[12]، كما لاحظ على هذا الفن الفقهي (أنه لم يبدأ في كل مجال بالاحكام العامة ثم التفاصيل، ولم تربط كل مجموعة من التساؤلات بالمحور المتين لها، ولم تعط المسائل التفريعية والتطبيقية بوصفها أمثلة صريحة لقضايا أعم منها لكي يستطيع المقلد ان يعرف الأشباه والنظائر)[13]. وبذلك فات على المقلد أن يكوِّن لنفسه ثقافة فقهية.
وقد تخطى الشّهيد الصّدر هذه الملاحظات في رسالته (الفتاوى الواضحة حيث تكفلت ذلك بتعديل كبير في اللغة الفقهية وتغيير جذري للتقسيم الشّكلي لمسائل الفقه وموضوعاته. ولم يأنف الشّهيد الصّدر عن التخلي عن اللغة العلمية (الاختصاصية) ورموزها وطلاسمها، لصالح المسلم (المقلِّد). وحاول قدر الامكان تزويده بثقافة فقهية للأساس الشّرعي، لما اشتملت عليه الفتاوى من أحكام شرعية، والذي عنون له بـ (مصادر الفتوى)[14]. كما تدرج في عرضه للمسائل لغة واصطلاحاً وقاعدة لينتهي في (التطبيقات) المنتزعة من واقع المقلِّد نفسه.
وفي هذا الصّدد تتقاطع هموم السّيد فضل الله وهموم السّيد الصّدر فكل واحد منهما يعيش للعلم والعمل معاً، ويمكن القول من غير مجازفة ان السّيد فضل الله هو الوحيد من أبناء نوعه الذي ما انفك يعيش للناس ويحيا لهم، ولا يدخر جهداً لتعليمهم وتثقيفهم إسلامياً، ولا يزال يعيش (طوارئ) ثقافية لتحقيق هذا الغرض، وقد دأب على الاجابة على أسئلة جمهوره تفصيلياً دونما تعال أو تفضل. وربما أورثته أجوبته التفصيلية لجمهوره متاعب عديدة ومصاعب جمة.
وعلاوة على ذلك فقد تجاوز السّيد فضل الله (البروتوكولات) المرجعية والتي ربما أجبرت العديد من المراجع الفقهية على اللجوء الى أساليب وآليات تقليدية جداً، والتي يفترض فيها ان تكون أهم وسيلة اتصال بين المقلَّد والمقلِّد، فيلجأ (المرجع) الى التعليق على (متن) فقهي، وهو في الغالب لا يفي بمتطلبات العصر ولا ينسجم مع رغبات الجمهور، انما يلجأ (المرجع) في الغالب الى ذلك في محاولة لكسب الاعتراف العلمي في الاوساط الحوزية.
هذا (البروتوكول) المرجعي الخاص لم يعبأ به السّيد فضل الله وقد تجاوزه الى ما يعتقد أنه الأجدى والانفع، فطبع رسالته العملية الموسومة بـ (المسائل الفقهية) في مجلدين، وهي عبارة عن الاستفتاءات الموجهة اليه مباشرة من الجمهور وتم تنسيقها وتبويبها منهجياً. وهذه الآلية الجديدة وان كانت تعاني من بعض المشاكل ولكنها تبقى رغم ذلك الاكثر انسجاماً مع العصر ورغبات المقلدين.
تحديث الخطاب الفقهي
وعلى صعيد الخطاب الفقهي لاحظ الشّهيد الصّدر غياب المنهج الواقعي الذي يجسِّد حقيقة الترابط بين التشريعات الاسلامية، وقيمومتها على حياة المسلم كفرد ومجتمع ودولة. ورفض ضمناً التقسيمات الشّكلية الموروثة لمسائل الفقه باعتبار أنها توحي بالتجزيئية وتغييب عدد كبير من التشريعات في بعض الاحيان، فعمد الى تقسيم جديد يقوم على أساس حضور الحقيقة المشار اليها آنفاً في حياة المسلم، وانطلاقاً من النظرة الواعية لرسالة الإسلام وهدفها في صياغة الإنسان وضع تقسيمه الشّكلي (الرباعي) للفقه كبديل عن التقسيم الموروث، والذي يبدو فيه الفقه اكثر حيوية واكثر انسجاماً مع الهدف والغاية، فشمل تقسيمه: العبادات، الاموال بقسميها الخاص والعام، والسّلوك الخاص، والسّلوك العام.
ومن أسف أن تتعثر جهوده في اكمال المشروع اذ صدر منه الجزء الاول فقط، والذي ضمَّ القسم الاول منه. وانما عمد الى هذا التقسيم دون غيره من التقسيمات الموروثة والمتعارفة في الكتب الفقهية والرسائل العملية خاصة، نظراً الى ما تقدمه هذه الرسائل من انطباع، اذ أن (اكثر الرسائل العملية تقدم عادة الصّورة المحدودة لأنها تتعامل مع فرد متدين يريد أن يطبق سلوكه على الشّريعة، رغم تواجده في مجتمع غير ملتزم بالاسلام منهجاً في الحياة)[15] دونما إشارة الى البعد المجتمعي للاحكام الشّرعية والأبعاد الأخرى المرتبطة بفقه الدولة وحركتها.
أما على مستوى (النص الفقهي) نفسه فانه يفتقر الى تغيير كبير يأخذ بنظر الاعتبار تطور اللغة من جهة وتعقد الحياة وأساليبها ونشوء أوضاع اجتماعية جديدة. لذلك افترض الشّهيد الصّدر في الرسالة العملية ان تكون قادرة على مواكبة (التطور الشامل في مناهج التعبير ووقائع الحياة)[16] ، وهو ما أخذه بنظر الاعتبار في رسالته (الفتاوى الواضحة) وان كان قد تردد في أخذه في بحوثه ودراساته العليا اذ اعتذر عن مثل هذا التحديث على أمل توفر الشّروط الموضوعية لانجازه[17].
وكما تقاطعت هموم السّيد فضل الله وهموم السّيد الصّدر في اشاعة الثقافة الفقهية وتوزيعها وتعميمها في الوسط الجماهيري فقد كانت همومهما واحدة في حقل تحديث الخطاب الفقهي، بل أنَّ قضية التحديث هي الحجر الأساس لتعميم الثقافة، والخطوة الاولى لتحقيقها. ولذلك جاءت الكتابات الفقهية للسيد فضل الله بشكل عام بعيدة عن الحذلقة وخالية من التكلف.
تأصيل التفكير الفقهي
وقد نبّه السّيد الصّدر في وقت مبكر الى ضرورة إعادة النظر في مناهج الفقه في مقام استنباط الحكم الشّرعي والكشف عنه من أدلته المعتبرة شرعاً، وهي مناهج تتحدد أساساً طبقاً لهدف الاجتهاد نفسه، الذي يمكن تلخيصه برفد حركة المسلمين أفراداً ومجتمعاً ودولة.
وكمدخل لهذا التفكير لاحظ الشّهيد الصّدر على الفقيه الشّيعي بشكل عام إنصرافه الى تغطيه حاجات الفرد المسلم فقهياً والاستغراق في تلبية هذه الحاجات على حساب الجانب المجتمعي وفقه الدولة، وهو انصراف أَملته الظّروف التاريخية، حيث أدت إلى انكماش هدف الاجتهاد في وعي الفقيه ليختزله في المجال التطبيقي الفردي فضلاً عن تسرب الفردية الى نظرة الفقيه نحو الشّريعة نفسها، لتسود عدة قواعد فقهية مطلقة من قبيل (الاحتياط) و(لا ضرر ولا ضرار) دونما تمييز بين المجال الفردي والمجتمعي[18]. كما أدى ذلك الى غياب الضّابط الموضوعي للتمييز بين الاحكام الشّرعية والولايتية في عصر النص[19].
وربما تساعد هذه الرؤية إلى حلّ بعض الاشكاليات القائمة لفهم بعض النصوص في المجالات الحيوية تحديداً. وعلى سبيل المثال نشير إلى مسألة حصر الزكاة في (الغلاَّت الاربع)، وهي مسألة خطيرة جداً اذ تستثنى الغلاّت الأخرى على أهميتها ودورها الاقتصادي والمالي في رفد الميزانية العامة.
والموقف الفقهي السّائد يميل إلى حصر الزكاة في هذه الغلاّت الاربع دونما تعد إلى غيرها الاّ بالعناوين الثانوية إن امكن ذلك وهو موقف يتبناه السّيد الشّهيد نفسه، فيما يتبنى السّيد فضل الله موقفاً آخر يقوم على قراءة النصوص الواردة في حصر الزكاة بالغلاّت على أنها أحكام ولايتية بقرينة ما ورد في بعضها (وعفا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ـ عما سوى ذلك) وظهور كلمة (العفو) في هذه الروايات في أنها حكم مؤقت على خلاف التشريع العام مما يعطي القوة للروايات المعارضة والتي تؤكد شمول الزكاة لغير الغلاّت الاربع، لكن يجب التنويه إلى السّيد فضل الله نفسه لا يعطي رأياً حاسماً في المسألة بل يميل إلى الاحتياط نظراً لتعارض الروايات الأخرى، والتي جاءت صريحة في الحصر.
وعلى أساس هذه الملاحظة حذَّر الشّهيد الصّدر من محاولات تقزيم الشّريعة تبعاً للاتجاه النفسي للفقيه، عندما يتجه نفسياً نحو الاحكام التي تتصل بالسلوك الخاص للأفراد على حساب الجانب الاجتماعي وما يتصل بالدولة. وهو نهـج لم يقتصر تأثيره على إخفـاء بعض معالم التشريع بل أدى أحياناً إلى التضليل في فهم النص التشريعي[20].
والموقف نفسه عند السّيد فضل الله فقد حذر أيضاً من مخاطر النزعة الفردية في قراءة النصوص وغياب البعد الاجتماعي، وقد جاء ذلك منه تعليقاً على موقف أحد المحققين البارزين تجاه قتال الكفار ودور المسلم في الدفاع عن وطنه ومقاومة الغزو، واستعان كما يبدو بالنصوص الدينية التي تحرم إلقاء النفس في التهلكة أو تطبيقاً لقاعدة التغرير بالنفس المحكَّمة، اذ كل هذه النصوص من وجهة نظر المحقق المذكور صالحة لاثبات الحرمة ما دام المسلم قادراً على ممارسة شعائره الدينية في ظل السّلطان الكافر. وقد ردّ السّيد فضل الله هذا الاتجاه إلى الطّابع الفردي المهيمن على تفكير الفقيه وغياب البعد المجتمعي عن تفكيره[21].
وقد ترك الطّابع الفردي في التفكير الفقهي بصماته واضحة في النتائج الفقهية فجاءت نتائج الفقه متجزئة وقد فصمت عرى مسائله بشكل حاد وخطير أحياناً، وكمثال على ذلك يقول السّيد الشّهيد: (…. ومن ناحية اخرى لم تعالج النصوص بروح التطبيق على الواقع واتخاذ قاعدة منه، ولهذا سوَّغ الكثير لأنفسهم أن يجزئوا الموضوع الواحد ويلتزموا باحكام مختلفة له، وأستعين على توضيح الفكرة بمثال من كتاب الاجارة، فهناك مسألة: هي ان المستأجر هل يجوز له بدوره أن يؤجر العين بأجرة اكبر من الاجرة التي دفعها هو حين الايجار. وقد جاءت في هذه المسألة نصوص تنهى عن ذلك والنصوص كعادتها في أغلب الاحيان جاءت لتعالج مواضيع خاصة فبعضها نهى عن ذلك في الدار المستأجرة وبعضها نهى عن ذلك في الرحى والسّفينة المستأجرة وبعضها نهى عن ذلك في العمل المأجور. ونحن حين ننظر إلى هذه النصوص بروح التطبيق على الواقع وتنظيم علاقة اجتماعية عامة على أساسها سوف نتوقف كثيراً قبل أن نلتزم بالتجزئة وبأن النهي مختص بتلك الموارد التي صرحت بها النصوص دون غيرها، وأما حين ننظر إلى النصوص على مستوى النظرة الفردية لا على مستوى التقنين الاجتماعي فاننا نستسيغ هذه التجزئة بسهولة[22]. ولذلك جاءت تعليقة السّيد الشّهيد الصّدر على هذه المسألة من كتاب الاجارة في (منهاج الصّالحين) منسجمة إلى حد ما مع هذه الملاحظة فعمم الحكم على سائر الاعيان ولم يقتصر على الاعيان المشار إليها في النصوص[23].
ولكننا مع ذلك نجد السّيد الشّهيد منسجماً مع الاتجاه الفقهي السّائد في التجزئة[24]أحياناً كما في الموقف من بيع العين المستأجرة قبل تمام مدة الاجارة فان الاجارة لا تنفسخ حينئذ وانما تنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدة الاجارة، واذا كان المشتري جاهلاً بالاجارة فان له حق الفسخ أو يمضي المعاملة. أما الامضاء مع الارش فليس وارداً فقهياً فانهم الفقهاء لم يحكموا بذلك الاّ في العيوب الحقيقية وما هو في المقام عيب حكمي فلا يتعدى إليه.
وقد لاحظ السّيد فضل الله على الاتجاه الفقهي العام في هذه المسالة أنه يميل إلى التجزئة. وأنَّ دعوى الفقهاء ثبوت الارش في العيوب الحقيقية بدليل خاص محل تأمل، اذ الروايات الواردة وان اختصت بالعيوب الحقيقية دون الحكمية، فلأنها مورد أسئلة المستفتين، وتقتضي مناسبات الحكم والموضوع التعدي منها إلى العيوب الحكمية لأن الارتكاز العقلائي لا يجد فرقاً بينهما[25].
وربما تكتسي بعض القضايا الفقهية خارج إطار العبادة طابعاً عبادياً خاصاً، مما يؤدي إلى تحديد النتائج الفقهية وقصرها على موارد النصوص على خلفية عدم حجية القياس، وحرمة التعدي إلى الموارد غير المنصوص عليها، ما لم يكن ثمة مبرر شرعي، وهو صحيح في المسائل العبادية وليس ثمة خلاف في بداهته، انما الملاحظ هو تكريس هذه النظرة والاستغراق فيها خارج (مساحة) المسائل العبادية.
ويمكن ان نشير الى مورد يلتقي فيه كل من السّيد الشهيد والسّيد فضل الله، وهو بيع غير المقدور على تسلميه مع الضّميمة، وكذا في الاجارة، وقد إتجه الفقه إلى تصحيح البيع أو الاجارة في مورد ما إذا كان البيع عبداً (آبقاً) وذلك لورود النصوص فيه دون غيره، ولم يتعد (الفقهاء) إلى غيره نظراً إلى أنه جار خلاف القاعدة فيقتصر على مورده.
وقد علّق السّيد الشّهيد على الموقف الفقهي من بيع غير المقدور على تسليمه غير العبد الأبق قائلاً: (المنع عن بيعه مع الضّميمة مشكل بل لا يبعد الجواز بمعنى أنّ كل ما كان يجوز جعل الثمن بازائه ابتداءً يجوز جعله بازاء المجموع منه ومن غير المقدور على تسليمه)[26].
وان تم التعدي منه إلى غيره في البيع فلا يتعدى عند آخرين إلى الاجارة مثلاً فيحكم عندئذ بالبطلان كما هو رأي السّيد الحكيم[27].
وعندما نلتقي بموقف السّيد فضل الله نلاحظ أنه يميل إلى تصحيح المسار العلمي لقراءة النصوص وضرورة التمييز بين النصوص الخاصة بالعبادات والنصوص التي عالجت قضايا لا تمت بصلة إلى العبادة كما هو الحال في البيع والاجارة…
ويعّد هذا المنهج ذاته من الركائز المهمة في مدرسة السّيد فضل الله الفقهية، وقد دعا إليه في وقت مبكر، وتحديداً في بعض مقالاته المنشورة في مجلة (الاضواء) بعنوان (ما خالف كتاب الله فهو زحزف) ونشر بعد ذلك في كتابه (قضايانا على ضوء الاسلام)[28].
وتأسيساً على هذه القاعدة عالج السّيد فضل الله عدداً من الموروثات الفقهية والتي أصبحت مسلّمات فقهية غير قابلة للجدل واعادة التفكير، ومن ذلك موقفه[29] من الروايات التي تحدثت عن حق الزوجة الجنسي على زوجها، والذي حدد بمرة واحدة…. في ظرف كل أربعة أشهر، وربما يكون الزوج مسافراً فيسقط حقها وان طالت المدة، وارتأى أنها مخالفة للقرآن الكريم، لأن حق الجنس للمرأة والرجل معاً، وليس ثمة ما يمكن ان يكون شاهداً على صحة هذه الروايات، ان لم يكن الشّاهد على خلافها.
ومن هذه الزاوية نطل على منهج السّيد فضل الله في حاكمية النصوص القرآنية على الروايات، وكون الاخيرة واردة مورد التطبيق للقواعد القرآنية، ونجد ذلك في محاولاته لفهم المراد من الغناء في الروايات، وهي نتيجة مهمة يمكن أن تحسم اللغط والجدل الدائر بين الفقهاء منذ مئات السّنين، فقد مال السّيد فضل الله إلى ان الروايات لوحدها غير قادرة على (تقعيد) قاعدة يمكن ان تصلح (مرجعاً) للفقيه، وانما الكتاب (القرآن الكريم) هو الوحيد الذي رسم القاعدة بدليل أن الائمة عليهم السلام وهم في مقام الحديث عن الغناء كانوا يشيرون إلى الغناء كمصداق من مصاديق (الزور) أحياناً أو (الاضلال عن سبيل الله) أحياناً أخرى[30]. ولذلك يخرج عن دائرة الحرمة الغناء الثوري والمدائح النبوية وما يقرأ في التعازي…..
وكذلك موقفه من اللعب بآلات القمار بغير مقامرة، فالروايات الواردة في القمار هي الأخرى مصاديق للقاعدة (الأم) وهو ما ورد في القرآن الكريم: (ان الخمر والميسر والأنصاب والازلام رجس من عمل الشّيطان فاجتنبوه)، وكلمة (الميسر) لها في ذهن الإنسان العربي مفهوم، وهو عبارة عن القمار، واللعب القماري، أي اللعب بعوض، وعندما يرد نهي عن اللعب بآلات القمار، فان مناسبات الحكم والموضع تشير إلى ان الحرام هو اللعب بالآلات مقامرة، لأن العرف لا يرى ان اللعب بالآلات من حيث هي آلات حرام.
أما عند الشّهيد الصّدر فربما يكون موقفه الفقهي مما ذكره بعض الفقهاء في مصرف (الهدي) شاهداً طريفاً على النزوع إلى (التقعيد القرآني) أن صحّ التعبير، يقول: (ذكر جماعة من الفقهاء ان الحاج يجب عليه ان يأكل شيئاً من الهدي ويهدي ثلثه إلى بعض الناس ويتصدق بثلثه على بعض الفقراء، واعتبروا الايمان شرطاً فيمن يهدي إليه ويتصدق به عليه. ولضمان تطبيق ذلك مع ندرة الفقير المؤمن في ذلك المكان ذكروا بامكان الحاج ان يتوكل عن فقير ولو في بلده فيقبض الحاج ثلثه نيابة عنه، وبذلك يؤدي الوظيفة الشّرعية. والصّحيح أن هذا التصرف من الاساس ليس بواجب…. ولا يشترط في الفقير هنا الايمان فانّ لكل كبد حرّى أجر، وقد ورد بسند معتبر على الاظهر عن الامام الصّادق(عليه السلام) ان علي بن الحسين (عليه السلام)كان يطعم ذبيحته الحرورية وهم الخوارج الذين يعادون مولانا امير المؤمنين (عليه السلام)واطعام البائس الفقير الذي يأمر به القرآن الكريم لا ينطبق عرفاً على تقبل الحاج للثلث نيابة عن فقير يبعد عن منى مئات الفراسخ ولا يحصل على شيء من الذبيحة فانّ المأمور به عنوان الاطعام لا مجرد انتشار التمليك[31].
ويبقى أن أشير إلى ما يمكن تسميته بالمناسبات التاريخية ودورها في حركة الاجتهاد والافادة من المعطيات العلمية.
وقد كان للسيد الشّهيد الصّدر دور بارز في دراسة عدد من الاحكام الشّرعية في ضوء القرائن التاريخية بما يؤكد نزعته التاريخية الواضحة لدراسة الاحكام والاحاطة بأجواء النصوص من جهة والفتاوي الفقهية من جهة أخرى. ولعل أوضح مثال على ذلك معالجاته الفريدة لا لحل التعارض القائم بين روايات طهارة النجاسة وروايات نجاستها والكشف عن المغالطة السّائدة فقهياً لدى المشهور لحلّ التعارض بحمل روايات الطّهارة على خلاف أصالة الجهة. وكذلك موقفه من روايات طهارة الخمر أو نجاسته ودراستها على ضوء المناسبات التاريخية.
أما السّيد فضل الله فربما يكون الشّاهد الاكثر حيوية موقفه من مسألة حرمة زواج (ابو المرتضع) في أولاد صاحب اللبن، فقد توفر السّيد على دراستها تاريخياً باعتبارها مسألة يفترض أن تكون محل ابتلاء قطاعات واسعة جداً من الناس بحيث يستلزم إشاعة الحكم (وهو الحرمة) ومعروفيته في الوسط الفقهي على الاقل، في الوقت الذي يميل فيه عدد من فقهاء الشّيعة وفي مقدمتهم الشّيخ الطّوسي إلى القول بالحلية، كما ان صدور روايات متأخرة تاريخياً… عن الامامين الجواد والعسكري تثير التساؤل في وقت كان يفترض فيه أن المسألة من الموارد التي يكثر ابتلاء الناس بها، بحيث لا يكاد يعثر الفقيه على رواية واحدة للإمامين الباقر والصّادق(عليه السلام)[32].
وقد يبدو بروز المعلم الأخير واضحاً في الحياة الفكرية للعلمين الصّدر وفضل الله حيث أفاد كل منهما بما أتيح له من المعطيات العلمية بغية الوصول إلى اكثر النتائج الفقهية دقة وأقربها إلى الواقع، في المسائل التي يفترض أن يكون للعلم فيها مكان وله كلمة وموقف.
ولعل من أهم المسائل التي أشار إليها السّيد الشّهيد مبكراً مسألة (مني المرأة) وقد دخلت رصيد السّيد فضل الله باستعانته بتقاير وارشادات أهل الخبرة في الحقل الطّبي بما يعزز موقف الشّهيد الصّدر، وهو موقف يفترض في الفقهاء من أقران الشّهيد الصّدر والسّيد فضل الله دراسته وتحقيقه بدرجة كبيرة من الجدية وروح المسؤولية، كما نلمس اللغه العلمية واضحة في بعض الكتاب الفقهية للسيد الشّهيد ومن ذلك موقفه من طهارة ما يعرف بـ (الاسبرتو)[33].
وربما زاد السّيد فضل الله على الشّهيد الصّدر بحكم اتصاله على العالم الخارجي إفادة من تلك المعطيات وخاصة في مسألة تحديد يأس المرأة أو تحقق الموت لدى الإنسان وهل هو بموت الدماغ أو توقف القلب، ووضع (اللولب) وعقد الأنابيب وغير ذلك.
محمد الحسيني
[1] الفتاوى الواضحة / السّيد الصّدر، ط 8 بيروت دار التعارف، ص 92.
[2] خطوات على طريق الإسلام ط 5 دارالتعارف بيروت ص 78، ص 82.
[3] انظر مقال (الاتجاهات المستقبلية لحركة الاجتهاد) في (الاجتهاد والحياة حوار على ورق) حوار واعداد محمد الحسيني ط مركز الغدير ط 1/ 1996 ص 152.
[4] الاسلام يقود الحياة، دار التعارف ص 78.
[5] خطوات على طريق الاسلام ص 102.
[6] مستند العروة الوثقى كتاب الاجارة السّيد الخوئي ط قم ص 81، ص 82.
[7] فقه الاجارة مخطوط تقريراً لبحث السّيد فضل الله بقلم محمد الحسيني كاتب السّطور.
[8] مجلة المرشد، المنهج الاستدلالي عند السّيد فضل الله محاضرة القاها السّيد فضل الله ص 247 عدد 2 4 / 1995
[9] المصدر نفسه ص 249.
[10] بحوث في شرح العروة الوثقى، السّيد الصّدر، ط قم، مبحث نجاسة الخمر.
[11] أجوبة خاصة من السّيد فضل الله لكاتب السّطور بتاريخ 22 / شوال/ 1417 هـ.
[12] الفتاوي الواضحة ص 96.
[13] المصدر نفسه ص 95.
[14] المصدر نفسه ص 98.
[15] الاسلام يقود الحياة ص78.
[16] الفتاوي الواضحة ص96، ص97.
[17] انظر مقدمه بحوث في شرح العروة الوثقى ج1.
[18] الاتجاهات المستقبلية الاجتهاد والحياة ص156 ومابعد.
[19] نفس المصدر واقتصادنا ط / 20 بيروت دار التعارف ص291.
[20] اقتصادنا ص 291 ويرى ص 284.
[21] خطوات على طريق الاسلام ص 76 وما بعد.
[22] الاجتهاد والحياة ص 158.
[23] منهاج الصّالحين، بتعليقة للسيد الحكيم بتعليقة السّيد الصّدر 2 / 126 ط دار التعارف تصوير.
[24] نفس المصدر 2 / 111.
[25] فقه الاجارة مصدر سابق، مخطوط
[26] منهاج الصّالحين 2 / 27.
[27] نفس المصدر 2 / 107
[28] قضايا على ضوء الاسلام، السّيد فضل الله ط(7) دار الملاك / 1996 ص 40.
[29] كتاب النكاح، تقريرات بحث السّيد فضل الله، بقلم الشّيخ جعفر الشّاخوري ج 1/ 164 ط/ دار الملاك بيروت 1996.
[30] مجلة المرشد، مصدر سابق ص 254.
[31] موجز احكام الحج، الشّهيد الصّدر، ص 167 ط دار الاسلام لندن 1995.
[32] رسالة في الرضاع، تقريراً لبحث السّيد فضل الله، بقلم محمد اديب قبيسي ص 119 ط/ بيروت دار الملاك /1995.
[33] بحوث في شرح العروة الوثقى، 2 / 260.