من ملامح التجديد والإحياء في فكر السيّد الصّدر

مداخلة نقدية حول الاتجاه التشكيكي بإبداعات الإمام الشهيد الصدر(رض)

تمهيد

واجه العالم الإسلامي عدداً كبيراً من التحديات الفكرية وعاش عدداً أكبر من الصّراعات الداخلية والخارجية… إنَّ هذه التحديات والصّراعات هزت الكيان الإجتماعي والسّياسي للأمة وقلبت الكثير من الموازين في ولاء الرأي العام للمسلمين ويعود ذلك كله في أسبابه ونتائجه إلى مجموعة كبيرة من التناقضات، بعضها يرجع إلى عمق التاريخ وتراكماته وتجاربه، وبعضها يرجع إلى تحديات فكرية وإجتماعية وسياسية معاصرة، حيث انتهت ومع نهاية القرن الماضي، وخلال هذا القرن بسقوط آخر الأنظمة الإسلامية، بسقوط الدولة العثمانية 1917 م، وسيطرة شبه كاملة لمفاهيم وقيم غربية، وهذا أدى بدوره إلى شبه قطيعة ما بين الإسلام كعقيدة ودين وتشريع وبين واقع الحياة الإجتماعي والفكري والسّياسي… فتحول الإسلام إلى مجرد دين عبادة وطقوس، أقرب ما يكون إلى التراث والعادات الإجتماعية المتوارثة. وهذا بطبيعة الحال غريب تماماً عن واقع الإسلام الفكري والسّياسي، وغريب أيضاً عن واقع التطور التاريخي للعالم الإسلامي… فنشأ نتيجة لذلك نزاع فكري وسياسي واجتماعي بين قيم ومفاهيم الإسلام،، وقيم ومفاهيم جديدة (غربية) لا ترى في الإسلام إلاّ «مسجداً» واحتفالات دينية. إنَّ هذه الأفكار الجديدة، الوافدة أخذت طريقها إلى الأجيال، وأخذت تترسخ في منهج «علماني» يحاول أن يتلائم مع البيئة الإسلامية، بعد الإحتلال الغربي، وتقوم على فكرة «الفصل بين الدِّين والسّياسة»، يستتبع ذلك فصلا فكرياً واجتماعياً وسياسياً للإسلام عن واقع الحياة.

وفي المقابل من ذلك كله جرت ولا تزال محاولات حثيثة لإحياء وتجديد دور الإسلام، وذلك بتجديد الدور الفكري والسّياسي والإجتماعي، بما يتلائم مع واقع الحياة، وتطور هذا الواقع. لقد قاد حركة التجديد والإحياء هذه عدد كبير من المفكرين والعلماء والمثقفين المسلمين، أدركوا خطورة هذه الحالة وآثارها المدمرة على الأمّة وعلى الأجيال القادمة، كالمصلح جمال الدِّين الأفغاني، صاحب فكرة «الجامعة الإسلامية» والشّيخ محمد عبده، وعلماء العراق وإيران ومصر والمغرب العربي، الّذين قادوا انتفاضات فكرية وسياسية، بالإضافة إلى تجمعات وحركات وأحزاب إسلامية، كالإخوان المسلمين في مصر، وحزب الدعوة الإسلامية في العراق، وجماعة العلماء.

لقد واجهت حركة التجديد والإحياء مجموعتين كبيرتين من القضايا:

أولهما: تدور حول (مضمون) وأهداف حركة الإحياء والتجديد، وحدودها الفكرية واتجاهاتها، ودورها في الحياة السّياسية والإجتماعية، كالبحث في تأصيل فكر إسلامي وثقافة شعبية إسلامية تقارع التيارات الجديدة الوافدة مع الإستعمار وثقافاته، وكدور الإسلام في السّياسة وإقامة النظام السّياسي الإسلامي… الخ.

وثانيهما: تدور حول أساليب ووسائل تحقيق مهمات وأهداف الإحياء والتجديد، كالبحث في إعادة النظر في الأطر السّياسية والإجتماعية وكالبحث في أهمية التنظيمات الإجتماعية والسّياسية، ومدى مشروعيتها، وكالإستفادة من المعطيات العلمية والثقافية الحديثة وهي في معظمها معطيات علمية محايدة بطبيعتها.

فأين وقف السّيّد الشّهيد الصّدر (رضي الله عنه) من هذه القضايا البالغة الحساسية، وما هو دوره أثناء توليه إدارة الصّراع في العراق وفي محيطه الفكري والثقافي..؟

وما دمنا قد حددنا دائرة المتابعة في ميدان الإحياء والتجديد في فكر السّيّد الشّهيد الصّدر (رضي الله عنه) فمن الوجوب، وقبل اختيار نماذج من أرائه، أن نقف قليلا للتعرف والإطلاع على مصادره الثقافية، الّتي تأثر بها. وأثرت بدورها في مشروعه في التغيير والإحياء والتجديد الإسلامي، وحددت مفاهيمه في هذا الحقل.

مصادره الثقافية والمعرفية

يبدو جلياً من خلال قراءة متأنية لنتاجات الشّهيد الصّدر الفكرية والفقهية، انه قد اعتمد في تكوينه الثقافي والعلمي على مصادر متنوعة وأحياناً متعارضة في اتجاهاتها، ولم يتوقف عند لون معين من الثقافة والمعرفة. إن تنوع مصادره الثقافية والمعرفية، بالإضافة إلى قابلياته الذاتية، شكلت خزيناً وخلفية هامة في توجهه واتجاهاته الفكرية وأثرت بشكل حاسم في طبيعة المهمة التغييرية الّتي حاول جاهداً الوصول إليها، فهو قد استفاد وبعمق من الدراسات العلمية في الحوزة العلمية، ومن بيئته الأسرية، واطلع بشكل واسع على الثقافات والعلوم الحديثة والمعاصرة، واستوعب التاريخ الإسلامي وعاش تحديات الأوضاع الإجتماعية والسّياسية والفكرية بكل تفاصيلها. يمكننا الإشارة هنا إلى أهم المصادر والينابيع الثقافية والفكرية الّتي اعتمدها السّيّد الشّهيد الصّدر في تكوينه الفكري والفقهي وهي:

أولا: اعتمد السّيّد الشّهيد الصّدر بشكل أساس على الدراسات العلمية في المدارس الدينية، ومقرراتها في ما اصطلح عليه في العراق وايران والهند وباكستان بـ «الحوزة العلمية» أو الدراسات الحوزوية، إن هذه الدراسات الأكاديمية ومدارسها الشّهيرة هي الوريث التاريخي والفكري لمدرسة الكوفة، أولى مدارس الرأي والإجتهاد في الفقه والأصول واللغة والنحو والأدب في تاريخ الإسلام، والنجف الأشرف، حيث درس السّيّد الشّهيد هي جزء جغرافي وروحي لمدرسة الكوفة والّتي أسسها الشّيخ الطّوسي (ت446هـ)…. والدراسة في النجف (في الحوزة العلمية) بطبيعتها غنية في مادتها العلمية، ومتنوعة في مواضيعها، حيث يمكن للطالب ان يدرس العلوم الإسلامية، وعلوم اللغة، بكل فروعها، كالفقه وأصوله والمنطق والكلام والفلسفة، وعلوم الحديث والتفسير…. هذا بالإضافة إلى علوم اللغة العربية، كالنحو والصّرف والبلاغة والعروض، والشّعر والأدب. إنَّ الجزء الهام والإيجابي في هذا اللون من الدراسات هو (الحرية) الكبيرة الّتي يتمتع بها طالب العلوم الإسلامية، فهو حر في اختيار ما يدرس، وحر في اختيار أساتذته وحر في اختيار المواد الدراسية الّتي يطلبها، ان هذه (الحرية) تتيح للطالب في أحيان كثيرة ان يشبع رغباته الثقافية وميوله العلمية، وتتيح له مجالا واسعاً في التخصص والتعمق، وفي أحيان كثيرة تتيح له فرصة في اختزال الوقت وطوي المراحل الدراسية، وهو ما فعله السّيّد الشّهيد الصّدر، فقد استطاع أنْ يوظف هذا (الحرية العلمية) في البحث والدرس ذاتياً أو مع أساتذة، وأن يستوعب مواد علمية غاية في التعقيد اللفظي والبياني، وفي غاية التشعب والدقة والحساسية، فدرس الفقه والأصول والفلسفة والمنطق وعلوم اللغة العربية والتاريخ في فترة وجيزة جداً، فما أن أكمل عقده الثالث من عمره الشّريف حتّى استكمل موقعه العلمي وأجيز بالإجتهاد، وطرح أفكاراً متجددة متطورة في الفقه والأصول والفلسفة والمنطق، وأصبح استاذاً ضليعاً، ونافس اساتذته في الرأي الإجتهادي.

الظّاهرة الّتي نسجلها لهذا المفكر الكبير هي انه في الوقت الّذي تمكن فيه من استيعاب المعطيات العلمية في الحوزة النجفية، فانه قد خرج من هذه الدراسات بحصيلة نقدية، أبرزها الإلحاح علي ضرورة إحداث تغييرات جوهرية في بنية وأساليب المدارس العلمية الإسلامية وضرورة تطويرها، وإضافة مواد دراسية جديدة… وشرع فعلا في إعادة كتابة المقررات الدراسية في الأصول والفقه والفلسفة وفي نفس السّياق جاءت محاولته الجريئة في إعادة تنظيم المرجعية الإسلامية، وهي المشرف على شؤون الدراسات والطّلبة، بالإضافة إلى انها القيادة الروحية والفكرية العليا.

علينا أن نضيف بأن البيئة الّتي عاش في وسطها وأثر فيها وتأثر بها كانت تدعو إلى التجديد والإحياء. فقد حظي السّيّد الشّهيد الصّدر برعاية خاصة من أسرة أخواله، آل ياسين، ومنهم العلماء المصلحون الشّيخ محمد رضا آل ياسين، والشّيخ مرتضى آل ياسين والشّيخ راضي آل ياسين، هذا بالإضافة إلى ما تركته جمعية (منتدى النشر) وكليتها ومدارسها من آثار عميقة في تركيبة ونزوع طلبتها نحو التجديد والإحياء وهو العمل الّذي قاده الشّيخ محمد رضا المظفر بدأب وإصرار في هذه الفترة.

ثانياً: أما المصدر الثاني من مصادر الشّهيد الصّدر الثقافية والمعرفية، فهو ما توفر من كتابات وآراء وأفكار حديثة ومعاصرة، خصوصاً في القضايا الفلسفية والعلمية، والإتجاهات والتيارات الفكرية المعاصرة.

إن الظّرف التاريخي الّذي عاشه السّيّد الشّهيد الصّدر شهد ما يشبه غزواً ثقافياً شاملا،فقد امتلأت المكتبات بنتاج فكري وفلسفي وثقافي غزير، ومتنوع يبدأ من الفكر الماركسي، وينتهي بالثقافات الغربية المختلفة… لقد أحدث هذا الإنفتاح الثقافي تأثيرات عميقة في المجتمع العراقي، فنشأت الأحزاب والتيارات الشّيوعية والماركسية والإشتراكية والديمقراطية… بالإضافة إلى التيارات الإسلامية، كالإخوان المسلمين والتحرير، وحزب الدعوة الإسلامية.

في ظل هذا الإنقلاب العميق في اتجاهات الرأي العام العراقي والإسلامي نشأت الحاجة إلى التغيير والتجديد الديني، في المضمون وفي طريقة العرض. فالرأي والفكر والفلسفة، لا يعارض إلاّ بالرأي الأعمق والفكر المتجدد والّذي يلبي حاجات العصر وشغف الأمّة.

فإنّ قراءة ثانية لجميع ما كتبه السّيّد الشّهيد الصّدر في هذه الفترة، منذ السّتينات وحتّى يوم استشهاده، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان السّيّد الشّهيد كان يقرأ ويتابع وينقد كل ما يدور في عالم الفكر الحديث، فهو على إطلاع كامل على آراء ماركس وانجلس ولينين، وعلى معرفة بالفكر الغربي وثقافاته. ويتابع التيارات السّياسية واتجاهاتها في العالم العربي والإسلامي، بل وقرأ الكثير من الكتب في الأدب العربي، شعراً ونثراً ورواية كما يذكر أحد تلامذته إذ يقول «واقدر انه قرأ الكثير من كتب الأدب العربي، شعراً ونثراً ورواية، حتّى ذلك اللون الّذي لا يعبأ به في النجف أو تصنفه في الكتب اللغوية واللهوية وهي كتب وصل إلى النجف منها الشّيء الكثير إلاّ انها لم يتيسر ان تشيع بسبب التحفظ والنظرة الإستنكارية لها»[1].

ثالثاً: ومن أهم مصادر الشّهيد الصّدر الثقافية شغفه الكبير في دراسة وفهم التاريخ، وخصوصاً التاريخ الإسلامي.. حتّى يمكن القول بأن حضور التاريخ في كتاباته لا ينفك عن كل ما كتبه، وفي كل المجالات الفكرية والسّياسية والفقهية والقرآنية… وهذا ليس مستغرباً عليه، فالبيئة العلمية والإجتماعية، وتحديات العصر الفكرية ألزمته العودة إلى التاريخ.

وبالرغم من أنه لم يكتب في التاريخ كعلم مستقل بذاته باستثناء بحثه المبكر (فدك في التاريخ)، فإنه وظف اطلاعه في التاريخ كمصدر في بحوثه الفلسفية والفقهية والفكرية، ودراساته القرآنية…. فهو عندما يناقش وينقد الماركسية والتيارات الرأسمالية يحتاج دائماً إلى قراءة وفهم التاريخ وعندما يستعرض مفهوم (الإجتهاد) والرغبة في تطوير الحوزة العلمية والدراسات الإسلامية يحتاج إلى دراسة واستيعاب تاريخ وتطور هذه القضايا، وعندما ألقى محاضراته في (التفسير الموضوعي) وبقية كتاباته القرآنية ركز على استخلاص سنن وحركة التاريخ في المجتمع الإنساني[2].

مفهومه للإحياء والتجديد:

وقبل أن نستعرض نماذج من فكر الإحياء والتجديد عند الشّهيد الصّدر، نرى من المفيد أن نشير إلى مفهوم السّيّد (رضي الله عنه) لمسألة الإحياء والتجديد.

يبدو وبشكل مباشر أو غير مباشر إنّ مفهوم السّيّد الشّهيد للإحياء والتجديد الإسلامي يدور في إطار هدف أو أهداف نهائية هو (إحداث تغيير) شامل. والعودة إلى منابع الإسلام الأصيلة: من الكتاب الكريم، والسّنة النبوية، وربط ذلك كله بواقع الحياة المعاصر وقضاياه الإجتماعية والسّياسية والفكرية، فهو يقول مثلا (إنّ الدعوة الإسلامية بحكم كونها عملا تغييرياً انقلابياً في بدايته يستهدف بناء أمّة واستئصال كل جذور الجاهلية منها..)[3].

هذا هو الهدف النهائي من فكرة الإحياء والتجديد، وسنجد السّيّد الشّهيد يلح على هذه الفكرة من خلال استعراضه لتفسير العديد من الآيات القرآنية، كما نلاحظ في (التفسير الموضوعي) أو من خلال تفسيره للآيات القرآنية الّتي تتحدث عن العمل الصّالح، والحرية والتغيير. وهذا يتطلب في رأي السّيّد الشّهيد، التخلص من التبعية السّياسية، والتبعية الإقتصادية، والتبعية في المنهج.

أما أساليب وطرق الإحياء والتجديد فانها تدور في أطرها الإجتماعية والتنظيمية والفكرية العلمية، بين: تنظيمات حزب إسلامي، وجماعة العلماء واطروحة المرجعية الرشيدة والمرجعية الموضوعية، وإعادة بناء وترشيد الدراسات الإسلامية… وهو في كل ذلك يتميز بالمرونة في الإسلوب والوضوح في الهدف.

وكما أسلفنا في بداية البحث ان قضايا الإحياء والتجديد تدور في فكر السّيّد الشّهيد في مجموعتين من القضايا المتداخلة، الأولى في مضمون عملية التغيير ومحتواه الفكري، والثانية في الشّكل والإسلوب.

سوف نختار نموذجين من القضايا الّتي عالجها السّيّد الشّهيد، الأول في المجال السّياسي، والثاني في إطار المؤسسة الدينية والحوزة العلمية.

أولا: حركة الإحياء والتجديد السّياسي

هذا اللون من الدراسات الفقهية الكلامية نشأ في ظل مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وتبلور على أيدي تلامذة الإمام جعفر الصّادق (عليه السلام) وعنهم نقل بقية علماء المدارس الفقهية والكلامية هذا الفقه والكلام فيما اسمي بـ «الفقه السّياسي..» فأول من كتب في هذا الموضوع هشام بن الحكم أحد تلامذة الإمام الصّادق (عليه السلام) فكتب كتاب «الإمامة» وصنف في ذلك أيضاً علي بن اسماعيل التمار حفيد ميثم التمار رضوان الله عليه الّذي ترك كتابين الأول «كتاب الإمامة» والثاني «كتاب الإستحقاق» ثم تبعهم آخرون من علماء الإمامية مثل أبي جعفر الأحول، محمد بن النعمان (الملقب بمؤمن الطّاق)، له كتاب «الإمامة» وكتاب «الرد على المعتزلة في إمامة المفضول». والشّكال صاحب هشام بن الحكم، له أيضاً «كتاب الإمامة» وأبو سهل اسماعيل بن علي نوبخت، له كتاب «الإستيفاء في الإمامة»، «وكتاب التنبيه في الإمامة»[4] وغيرهم كثيرون.

ولذلك فلقد جاء نشاط السّيّد الشّهيد الصّدر في سياقه الفكري والتاريخي الّذي بدأه الأئمة (عليهم السلام) وتلامذتهم وعلماؤهم، في هذا الحقل، اذ شغل الجانب السّياسي حيزاً متميزاً في حياة وفكر السّيّد الشّهيد، وهو الّذي أدى في نهاية المطاف، وبشكل مباشر إلى استشهاده على أيدي عصابات النظام في العراق، فخلال أكثر من ثلاثين عاماً بادر هذا المفكر الكبير إلى بناء وترشيد عدد من النشاطات والتنظيمات السّياسية، مثل حزب الدعوة الإسلامية، وجماعة العلماء وإصدار مجلتها الإسلامية «الأضواء» وساهم مساهمة كبرى في كتابه فقه حركي إسلامي في إطار سعيه المتكامل لإعداد منظومة شاملة من الكتابات الّتي تؤسس لفقه سياسي إسلامي، وفي هذا السّياق جاءت كتاباته «فلسفتنا» و«اقتصادنا» والجوانب الفقهية لمشروع الدستور الإسلامي «لمحة تمهيدية..».الخ

ان محاولة إعادة كتابة «الفقه السّياسي» الإسلامي عملية معقدة جداً ومركبة، وتحتاج إلى الكثير من المقدمات الفكرية، منها مثلا إعادة صياغة المتبنيات الأصولية ذات العلاقة وإعادة النظر مرات ومرات في كيفية نظم مفردات الأحكام والقضايا الجزئية، الفرعية، وإعادة تجميعها على أسس موضوعية استقرائية بهدف الوصول إلى معرفة واستنباط علل الأحكام الكلية، وغاياتها التشريعية…[5].

وهذا يعني في نهاية الأمر البحث في قضايا أوسع وأشمل كالنظر في الدولة الإسلامية وأصل مشروعيتها، وأهدافها، ووظيفتها الإجتماعية، وكدور الأمّة في هرم النظام السّياسي الإسلامي… وهي أمور غابت كلياً أو جزئياً عن نظر القدامى من الجيل الثاني من العلماء والفقهاء بعد جيل الأئمة (عليهم السلام)… وهو ما تبناه السّيّد الشّهيد الصّدر، حيث أعاد الحيوية إلى هذا الميدان فبحث الجوانب الإقتصادية والفلسفية والإجتماعية، وأشار إلى دستورية وقانونية الدولة الإسلامية، وركز على دور الأمّة، ومؤسسات الدولة، واعاد النظر في الموروث الفكري.

يمكننا اختيار ثلاثة مواضيع في الفقه السّياسي تؤكد منهج الشّهيد الصّدر في الإحياء والتجديد:

أولا: شرعية السّلطات في الدولة الإسلامية: أي البحث عن شرعيتها إسلامياً ودستورياً، فالسيّد الشّهيد الصّدر يرى إقامة (دولة القانون) دولة الشّرع والدستور الإسلامي.

وغالباً يقع الاجماع في مسألة الشّرعية ووجوب إقامة الدولة والإمامة، أي أصل مسألة «الدولة الإسلامية»، إلاّ أنه وقع نزاع طويل في الدليل الموجب لذلك، فهل هو بالدليل «الحسي السّمعي»، أي من الكتاب والسّنة أو هو بالدليل «العقلي»… وهذه قضية ذات تاريخ عريق في الفقه (والكلام) الإسلامي، فقد انقسم الفقهاء والمتكلمون إلى أكثر من فريق وجهة، لقد أورد ابن خلدون تعريفاً، تناقله، بما يشبه الإتفاق، جل الفقهاء والمتكلمين الّذين جاءوا بعده فهو يقول ان «الملك منصب طبيعي للإنسان لأنا قد بينا ان البشر لا يمكن حياتهم ووجودهم إلاّ باجتماعهم وتعاونهم على تحصيل قوتهم وضرورياتهم..»[6] ، ثم يضيف فيقول «… ان نصب الإمام واجب قد عرف وجوبه في الشّرع بإجماع الصّحابة والتابعين…»[7] أي بالدليل الحسي السّمعي، ويعتبر ان منصب الإمام وهو رئيس الدولة الأعلى هو «نيابة عن صاحب الشّريعة في حفظ الدِّين وسياسة الدنيا به تسمى خلافة ونيابة..».

أما بقية الفقهاء والمتكلمين فهم يتابعون ما سبق وان طرحه ابن خلدون، اذ يقول أبو يعلى الفراء في «الأحكام السّلطانية»، ناقلا ما قاله الماوردي في «الأحكام السّلطانية»، بأن «نصبة الإمام واجبة، بل حصول الفتنة لازم عندها، اذا لم يكن هناك إمام يقوم بأمر الدِّين والدنيا..»[8]. أما ابن حزم الأندلسي فيشير إلى إجماع المسلمين في ذلك فيقول «اتفق جميع أهل السّنة وجميع المرجئة، وجميع الشّيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة، وان الأمّة واجب عليها الإنقياد لإمام عادل» وهو ما يؤكده ابن تيمية ويفسره بقوله ان «بني آدم لا تتم مصلحتهم إلاّ بالإجماع لحاجة بعضهم لبعض، ولابد عند الإحتجاج من رئيس…»[9].

أما رأي متكلمي وفقهاء الشّيعة المتداول فهو لا يبعد عما أشار إليه ابن خلدون والماوردي وأبو يعلى وابن تيمية وغيرهم مع خلاف في مسألة (الدليل العقلي) أو (الدليل الحسي)، أي (الشّرعي) كما يسميه ابن خلدون، فهم يقولون بأنه (قد دلنا النظر العقلي على أن الحكومة الإسلامية ضرورة وفقاً لما تقضي به الحقائق النفسية والإجتماعية…)[10].

ان كتب «الفقه السّياسي» والكلام مليئة بالتعريفات والشّروح الّتي تشير وتؤكد على الحقائق التالية:ـ

1- وجوب نصب الإمام الّذي هو الرئيس الأعلى في الدولة الإسلامية.

2- وجوب إقامة الدولة الإسلامية، الّتي بها حفظ الدِّين وسياسة الدنيا.

أما السّيّد الشّهيد الصّدر، فانه يقدم لنا عرضاً متجدداً حول شرعية الدولة الإسلامية، والدليل على شرعيتها، وأسسها القرآنية والمنطقية، فهو يقول (ان الدولة ظاهرة اجتماعية أصيلة في حياة الإنسان) وان مهمتها (قيادة المجتمع الإنساني وتوجيهه من خلال ما حققه الأنبياء في هذا المجال من تنظيم اجتماعي قائم على أساس الحقّ والعدل)، وأما الدليل المفسر لهذه الشّرعية الإجتماعية والتاريخية فهو قوله تعالى:ـ

(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيَما اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البيِّنَاتُ بَغْيَاً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الذِّينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم)

(البقرة / 213)

ففي تفسيره لهذه الآية المباركة من الكتاب العزيز يرى مايلي:

1- أنها تفسر مسألة وجوب اقامة الدولة الإسلامية وفي ذات الوقت تفسر سبب نشأة الدولة كتنظيم اجتماعي، فالناس كانوا أمة واحدة، في مرحلة ما، تسودها الفطرة، ويوحد بينها تصورات بدائية للحياة.

2- ثّم ثانياً تطورت العلاقات الإجتماعية، في مرحلة لاحقة، فاتسعت آفاق النظر، وتنوعت التطلعات وتعقدت الحاجات، فنشأ الاختلاف، وبدأالتناقض بين القوي والضّعيف.

3- وثالثاً، وكنتيجة لذلك نشأت الحاجة إلى موازين الحق والعدل، لاستمرار وحدة المجتمع الإنساني في اطار سليم، ايجابي… ولهذه الاسباب نفسها نشأت الحاجة إلى قيام الأنبياء بدورهم في بناء الدولة السّليمة (دول الحق والعدل)، وقد وضع الله تعالى أسسها في الآية المباركة السّالفة[11].

إن السّيّد الشّهيد الصّدر يستكمل رأيه في الدولة الإسلامية وقيادتها الشّرعية فيشير إلى انه قد تولى عدد كبير من الأنبياء الاشراف المباشر على الدولة مثل الأنبياء داود وسليمان وغيرهما. وقضى بعض الانبياء كل حياته وهو يسعى في هذا السّبيل، كما في حالة موسى عليه السّلام… ثم اخيراً استطاع خاتم الأنبياء محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ان يتوج جهود سلفه الطّاهر باقامة انظف واطهر دولة في التاريخ[12].

وأما (الامامة)، بشقيها (الخاصة والعامة) فقد (.. كانت امتداداً روحياً وعقائدياً للنبوة، ووريثاً لرسالات السّماء، مارست باستمرار دورها في محاولة تصحيح مسار هذه الدولة واعادتها إلى طريقها النبوي الصّحيح…

وإن هذه الدولة (الشّرعية) تمارس (وظيفة إجتماعية) هي (تطبيق شريعة السّماء التي وازنت بين الفرد والمجتمع… إن هذا المنهج القرآني الاستقرائي يقوده إلى نتيجة خطيرة، ولكنها واقعية وعلمية فهو يقول (ومن ناحية وظيفة الدولة نرفض إسلامياً (اي شرعياً) المذهب الفردي او مذهب عدم التدخل المطلق (أصالة الفرد) والمذهب الإشتراكي او (أصالة المجتمع) وتؤمن بأن وظيفتها تطبيق شريعة السّماء…)[13].

ثم أخيراً وفي نفس السّياق يأتي دور (الإمامة العامة) او المرجعية والتي تسمى بـ (الإمامة العظمى)، فهي ايضاً امتداد لدور الأنبياء، وهذه الفكرة الأخيرة متفق عليها بين الفقهاء والمتكلمين المسلمين ومن كافة المدارس الفقهية، كما يشير إلى ذلك ابن خلدون وغيره[14].

إن العرض السّابق لاراء السّيّد الشّهيد الصّدر يؤكد على جملة حقائق متجددة في فكره السّياسي:

1- ان السّيّد الشّهيد يتجاوز النزاع التاريخي بين أصحاب (الدليل الشّرعي، الحسي، السّمعي) وأصحاب الدليل (العقلي)، ويتجه بالبحث في منهج استقرائي علمي. فهو يقول: (أمّا ما يسمى بالدليل العقلي الذي اختلف المجتهدون والمحدثون في أنه هل يسوغ العمل به اولا. فنحن وان كنا نؤمن بأنه يسوغ العمل به، ولكنا لم نجد حكماً واحداً يتوقف إثباته على الدليل العقلي بهذا المعنى، بل كل ما ثبت بالدليل العقلي فهو ثابت في نفس الوقت بكتاب أو سنة)[15].

السّيّد الشّهيد يشير بشكل أو بأخر إلى التزامه بمنهج (الاستقراء) في احصاء الأحكام الشّرعية الجزئية، واستخلاص كليات ومقاصد التشريع، وبذلك ينهار النزاع التاريخي بين أصحاب (الدليل العقلي)، وأصحاب (الدليل الحسي الشّرعي) باللجوء إلى استقراء مفردات الأحكام نفسها. فكل ما يثبت بالدليل العقلي فهو ثابت في نفس الوقت بكتاب أو سنة.

وهذا يقودنا مرة اخرى إلى مراجعة مصادر التشريع، سواء في مجال الفقه السّياسي أو في كل واقعة، تحتاج إلى اجابات شرعية، فالسيّد الشّهيد يعيد تصحيح هذه المسألة، فهو يرى أن (الاجماع) و (العقل) ليس مصدر في من مصادر التشريع، كما يتوهم البعض، بل هما وسيلتان من وسائل إثبات الحكم الشّرعي، ولذا «كان المصدران الوحيدان هما الكتاب والسّنة» فقط[16].

2- ثمّ ان مسألة الإستفادة من منهج الإستقراء والمتابعة العلمية لعلل ودوافع الأحكام الجزئية وتأطيرها في جهد أصولي كلي يفتح الأبواب لتطوير الفقه السّياسي الإسلامي[17]، خصوصاً وان هناك (فراغاً) شرعياً قد ترك عمداً من قبل المشرع، يمكن التحرك في محيطة لوضع اجابات شرعية لمسائل وقضايا معاصرة، مثل دور الأمة، وحدود صلاحيات (الإمام) وهو الحاكم الأعلى في الدولة الإسلامية، كل ذلك في الإطار العام لمبدأ «الإجتهاد» المتفق عليه بين الفقهاء والمتكلمين المسلمين، وهذا ما استفاد منه الشّهيد الصّدر كثيراً في تحديد اجابات شرعية لقضايا سياسية كثيرة، منها اباحة انشاء الأحزاب الإسلامية، وتحديد مفهوم (أهل الحل والعقد)، وقاعدة (الشّورى) و(الإنتخاب الحر المباشر)، وهي كلها قضايا وجدت شرعيتها في الدولة الإسلامية، وأصبحت جزءاً من الفقه السّياسي المعاصر.

3- إن القيم والمبادئ الآنفة الذكر ولكي تكون (شرعية) أي دستورية وقانونية، لابد وان تقوم على مؤسسات دستورية منتخبة، تمنع وقوع الإنحراف والإستبداد، فمنصب (الولي) أوالمجتهد المرجع أو (الإمامة العظمى)، ليس مطلقاً في دوره وصلاحياته، فهو من جهة يتم إنتخابه (بالطريق الطّبيعي والتاريخي) من قبل الأمة وفق شروط شرعية وموضوعية، ومن جهة أخرى يخضع لدستور وقوانين مكتوبة في (دولة القانون)، هذا بالإضافة إلى رضاء الأمة ورقابتها وأي خروج عن هذه العناصر الثلاثة، يخرج (الرئيس الأعلى) عن حد الشّرعية، ويجب اسقاطه، وإستبداله[18].

فشرعية السّلطة في الدولة الإسلامية تعتمد على مدى إنسجامها مع خط الأنبياء، ثمّ ارادة ورضاء الأمة، ثمّ احترام والتزام الدستور (أي الشّريعة).

ثانياً: دور الأمة: واذا ما استثنينا ماورد في القرآن الكريم، واستثنينا التجربة النبوية في بناء الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة، فإننا لانكاد نرى دوراً واضحاً للأمة في بناء النظام السّياسي الإسلامي، ان هذا الدور غائب كلياً أو جزئياً تبعاً للنظام القائم، وهو ما انعكس على كتابات الفقهاء في هذا الحقل من الفقه.

إن مفردات مثل (أهل الحل والعقد) و(الإستخلاف) و(الشّورى) مفردات جامعة تشير إلى دور الأمة في السّلطة والحكم، الا ان الملاحظ أنه قد تم في مراحل تاريخية تغييب هذه المفاهيم. يقول أحد الباحثين متسائلا: «.. ولكن من هم أهل الحل والعقد؟ أهم ولاة الإمصار؟ أم قواد الجيوش، أم أعيان الأمة؟ كل ذلك لم يبين»[19] وينقل عن الشّيخ محمّد الخضري قوله انه «.. لا يرى مقنعاً في تراثنا ولم يعرف من لهم حق الإنتخاب الّذين يكون صوتهم محترماً؟ أهم أفراد مخصوصون؟ أهم الأمة بأسرها؟.. فمن هم؟ وغاية ماأمكن شراح هذه القاعدة أن يقولوه أن قالوا: هم أهل الحل والعقد»[20]. ويرى الغزالي أن «الإمامة وهي الرياسة العظمى يمكن أن تنعقد لقرشي واحد مطاع… انشأ شوكة وتشاغل بها واستتبع كافة الخلق بشوكته وكفايته..»[21].

أما إبن خلدون فيفسر لنا نظريته في (العصبية)، فيقول أنها «بمعنى القوة الإجتماعية والسّياسية التي يرتكز عليها الحاكم وينقاد لطاعته غالبية النّاس».

ومن الواضح أن هؤلاء المفكرين والفقهاء وقفوا حائرين أمام «دور الأمة» واضطروا إلى تبرير نظرية (التغلب) على ارادة الأمة، بـ «الشّوكة» وهي كناية عن القهر والاذلال وسلب الارادة.

السّيّد الشّهيد الصّدر يجيب على هذه القضايا، وفق منهجه القرآني، الاستقرائي، اذ يؤكد على دور حاسم للأمة في بناء دولة (الحق والعدل) فيقول:

1- أن الله تعالى وتبارك هو «مصدر السّلطات جميعاً»… الا أن الإنسان والأمة مستخلفة في هذه الأرض فشعار (لا اله إلاّ الله…) يستبطن تحريراً للإنسان. من العبودية والقهر، فالسيادة لله تعالى… وليس لفرد أو طبقة، أو جماعة، أو عرق، أو كتلة بشرية[22]

2- ولذلك فهو يرفض جميع نظريات (التغلب)، فيقول نرفض إسلامياً «نظرية القوة والتغلب، ونظرية التفويـض الإلهي للجبارين، ونظرية العقد الإجتمـاعي ونظـرية تطور الدولة عن العائلة، ونؤمن بأن الدولة ظاهرة نبوية…»[23].

3- ثمّ يضيف مبدأ آخر فيقول «ان السّلطة التشريعية والتنفيذية قد اسندت ممارستها إلى الأمة، فالأمة هي صاحبة الحق في ممارسة هاتين السّلطتين بالطريقة التي يعينها الدستور الشّريعة وهذا الحق حق استخلاف ورعاية مستمد من مصدر السّلطات الحقيقي وهو الله تعالى، ويضيف قوله «.. وبهذا ترتفع الأمة وهي تمارس السّلطة إلى قمة شعورها بالمسؤولية، لإنّها تدرك بانّها تتصرّف بوصفها خليفة الله في الأرض[24].

4- وأمّا (الخلافة العامة) وهي تعبير عن الارادة الجماعية للأمة فهي حق للأمة، على قاعدة (الشّورى) التي حددها القرآن الكريم.

5- ولتوضيح وتحديد مفهوم (أهل الحل والعقد)، الّذي حيرّ العلماء والباحثين في كل كتاباتهم، فانّه «رض» يحيله إلى (الأمة) ويعتبر أن ذلك حقها الشّرعي الثابت فيقول: «ينبثق عن الأمة، بالإنتخاب المباشر مجلس، هو مجلس (أهل الحل والعقد)[25].

إن هذا المجلس (أهل الحل والعقد) يتحمّل مسؤوليّات أساسية منها ترشيح وقبول ترشيح رئيس الدولة الأعلى، إقرار الحكومة، ملء منطقة (الفراغ) بتشريع القوانين، الاشراف على سير وتطبيق الدستور، مراقبة ومحاسبة السّلطة التنفيذية[26].

أن (الأمة) في فكر السّيّد الشّهيد الصّدر يعود إليها إنتخاب رئيس السّلطة التنفيذية، ولها الحق في تعيين المرجع أو المرجعيات وهي القيادة العظمى في الدولة من خلال استفتاء شعبي عام وذلك لأن الأمة هي (صاحبة الحق في الرعاية وحمل الأمانة وأفرادها متساوون في هذا الحق العام أمام القانون، ولكل منهم الحق في التعبير من خلال ممارسة هذا الحق…. وممارسة العمل السّياسي بمختلف أشكاله، كما أن لهم جميعاً ممارسة شعائرهم الدينية والمذهبية)[27].. بل وأكثر من ذلك تتعهد الدولة الإسلاميّة (بتوفير ذلك لغير المسلمين من مواطنيها)[28].

إن القاعدة الفكرية الفلسفيّة الّتي يراها الشّهيد الصّدر في مسألة دور الأمة، مستمدة من (الشّرعية الدستورية) أي من النص (الشّرعي)، أو من الأمة مباشرة، أي بالإنتخاب المباشر أو منهما معاً، وبذلك ترتفع الأمة إلى قمة شعورها بالمسؤولية والكرامة والحريّة كما أراد الله تعالى لها ذلك.

ثالثاً: أمّا القضيّة الاخرى التي حاول الشّهيد الصّدر الاقتراب منها وصياغة خطوطها العامة فهي مؤسسات «دولة الحق والعدل» كما يقول السّيّد الصّدر، فتركيب وبناء الدولة الإسلامية العصرية، والّتي تلبّي طموح المسلمين، وتنطلق من قيم ومفاهيم الإسلام، فهي دولة (الشّرعية) فهي (ترفض الملكية، أي النظام الملكي، وترفض الحكم الفردي بكل أشكاله، وترفض الارستقراطية….) وفي المقابل يطرح الإسلام «شكلا من الحكم يحتوي على النقـاط الإيجابية في النظام الديمقـراطي مع فوارق تزيد الشّكل موضوعية وضماناً لعدم الإنحراف»[29].

ان هذه الدولة تقوم على أسس دستورية شرعية، وبناء مؤسسات (شرعية قانونية)، مستفيداً من منطقة (الفراغ) الشّرعي، وحرية الإجتهاد ومعطيات التجربة الإنسانية، والأصل فيها (الإباحة).

1- فرئيس الدولة الأعلى (الولي) أو المجتهد المرجع أو (الإمامة العظمى) يتم إنتخابه من قبل الأمة.

2- ومجالس الشّورى أو أهل الحل والعقد تحددها الشّريعة (الدستور)، ودورهم محدد في هرم السّلطة والدولة، ولهم وظائف وصلاحيات واضحة.

3- التأكيد على بناء مؤسسات قضائية عليا، ومحكمة للمحاسبة، وإنشاء ديوان للمظالم، إن (الولي) أو المرجع الأعلى لا يقوم بعمله منفرداً، بل يساعده مجلس آخر يتألف من عدد «من المثقفين الروحانيين، ويشتمل على عدد من المؤلفين والمفكرين هذا بالإضافة إلى المجتهدين في العلوم الإسلامية[30].

وبذلك يكتمل بناء وتصور دولة إسلامية تحقق طموح الأنبياء وكفاحهم، وتلبي متطلبات الإنسان في (الحق والعدل)، ان ما كتبه الشّهيد الصّدر، في هذا المجال يشكل إتجاها تجديدياً متطوراً في الفقه السّياسي الإسلامي، ونقلة كبرى في خلق ثقافة سياسية إسلامية عامة، تحتاج إلى المواصلة والدراسة والتأصيل.

ثانياً: الاحياء والتجديد في المؤسسة الدينية

أمّا الوجه الأخر من وجوه التجديد والاحياء، والّتي أولاها اهتماماً جوهرياً ومارسه عملياً، وترك أثاره البعيدة في ثقافة المجتمع الإسلامي، فهو العمل الدؤوب من أجل إعادة تنظيم المرجعية الدينية.المرجع، والدراسات الإسلامية، تجديد حيوية ونشاط العلماء، بناء مؤسسات متكاملة، وربط ذلك كله بالواقع الإجتماعي والثقافي والسّياسي.

ان مسألة تنظيم دور المرجعية والمؤسسات الدينية التابعة لها مسألة ساهمت فيها أجيال من العلماء المصلحين، بل يمكن القول أن الغالبية العظمى من المراجع والعلماء والمثقفين كانوا يعيشون هاجس التغيير، وحاولوا إيجاد حلول لمشاكل وقضايا متراكمة. كالسيّد أبوالحسن الإصفهاني والسّيّد محسن الأمين، والشّيخ محمّد رضا آل ياسين والشّيخ محمّد رضا المظفّر مؤسس «منتدى النشر»…. وغيرهم كثيرون. والسّبب في صعوبة هذه القضية يرجع كما نعتقد أن محاولة تجديد وتنظيم المؤسسة الدينية الإسلامية، المرجعية والدراسة، والوكلاء… يلزمه، وينتج عنه، إعادة النظر في تركيب المرجعية ذاتها، وهذايؤدي، في الظّرف الراهن، إلى توسيع دورها الإجتماعي والسّياسي، مما يؤدي بدوره إلى الإصطدام بالوضع السّياسي وبالنظام السّياسي القائم في العراق، وهي مخاطرة كبيرة في ظل الحصار التاريخي على دور الشّيعة في العالم الإسلامي، ومن جهة أخري يلزمه إعادة النظر في بناء وتركيب المؤسسات المرتبطة بالمرجعية (الفردية) القائمة، وبالحواشي، وهذه ترفض أي تبديل أو تعديل في الموروث التاريخي.

في الواقع أن هناك أسباب ودواع كثيرة تفرض إعادة النظر في المؤسسة الدينية من أبرزها:

1- تراجع دور المرجعية في القيادة والتوجيه، إذا ما استثنينا دور الإمام الراحل الخميني (رض) ودور الشّهيد الصّدر نفسه.

2- إذا كانت المؤسسة العلمية في المرجعية قد حققت نجاحاً علمياً باهراً، فأنجبت أجيالا من العلماء المجددين.. فإن هذه المؤسسة عانت مؤخراً من إنفكاك واضح بينها وبين المجتمع، وعانت من نقص مستمر في طاقاتها البشرية الكفؤة، وبدأت تنغلق على نفسها، بعيداً عن قضايا الحياة المعاصرة.

3- إن من النقود الموجهة للدراسات والمؤسسات الدينية في النجف الأشرف الإصرار غير المبرر على أساليب وطرق قديمة، في الدرس والمقررات العلمية، وقلة الإنفتاح على الدراسات والمناهج الحديثة[31].

هذه هي مجمل الأسباب والعوامل الّتي فرضت إعادة النظر وأوحت بضرورة البحث عن أسس جديدة لتنظيم هذه المؤسسة العتيدة، ذات التاريخ العريق والمشرف… فما هو موقف الشّهيد الصّدر من هذه القضايا؟

أولا: المرجعية

لقد طرح السّيّد الشّهيد سلسلة من الأفكار والتصوّرات بهدف تنظيم المرجعيّة، وتفعيل دورها التاريخي، فقد ساهم في إنشاء (جماعة العلماء) كنواة لمؤسسة دينية، ولعمل جماعي يشرف عليه كبار العلماء والمرجعية، ثمّ طرح أفكاره في (المرجعية الرشيدة) كمحاولة أخرى، ونواة تعمل في ظل المرجعية القائمة، وهي مرجعية (فردية)، وحاول من خلالها ترشيد وتسديد عمل هذه المرجعية، ولكنّه في نهاية المطاف تكاملت رؤيته في هذه المسألة فطرح تصوّراته (للمرجعية الموضوعية)، وهذه الفكرة الأخيرة تسير بإتجاه واحد مع تصورات ومنهج الشّهيد الصّدر، في العمل والفكر، وهي تقوم على أسس موضوعية، أو تتألف من المرجع نفسه، تحيط به عدد من المؤسسات ذات الطّابع الجمعي وليس الفردي… كان السّيّد الشّهيد يقول حول ذلك، (.. فإذا كنّا نؤمن بأن الأساليب تتغيّر وإن كانت النظرية ثابتة، اذن لابد لنا أن نفتح باباً للتفكير في هذه الأساليب…)[32].

إن أهداف هذه المرجعية في نظر الشّهيد الصّدر عديدة ومتنوعة:

1- فهي إمتداد لخط الأنبياء والأئمة، وهي (نيابة عامة) عن المعصوم، فهي اذن قيادة سياسية أو (قيادة وامامة عظمى)، والمرجع المجتهد هو أعلى سلطة في هرم النظام السّياسي الإسلامي.

2- العمل على نشر الثقافة الإسلامية وتربية وبناء المجتمع الإسلامي.

3- تنظيم وتعميق الفكر الإسلامي.

4- العمل على بناء كيان ومؤسسات دينية إسلامية مرجعية لا تتغيّر بتغير المرجع أو موته.

5- العمل على بناء أجهزة تخطّط وتنفّذ المشاريع الإسلاميّة على أساس الكفاءة والتخصّص..

إلا أن للمسألة وجهاً آخر أعمق وأكثر شمولا من مجرّد بناء مؤسسات ذات طابع جمعي، فالّذي يبدو لنا من خلال إستقراء ما كتبه السّيّد الشّهيد وما طرحه من أفكار… انّه لا يرمي إلى مجرّد بناء أو إعادة بناء المؤسسة الدينية،أو تفعيل دورها علمياً وإجتماعياً وفكرياً، بل هو يرمي إلى إعطاء المرجعية دورها السّياسي في الحياة الإسلامية، فالشهيد كما هي عادته يعمل ويفكّر بشكل متكامل وشامل في حقول قد تبدو للوهلة الأولى، وكأنّها منفصلة الا أنّها في حقيقتها تتّصل وتتكامل، وهذا ما لاحظه العديد من الكتاب، أنّه يرمي إلى تحقيق مشروعه التغييري الشّامل، وتحقيق أهدافه الإسلامية بالإعتماد على المرجعية، لنستمع للسيّد الشّهيد الصّدر وهو يحدّد وجهة نظره، فيقول: «إن قضية الإسلام في هذه الظّروف ليست قضية إصلاح، بل قضية إنقلاب، والدعوات الإصلاحية الّتي قامت بانشاء المدارس الدينية تارة، وإصدار الكتب والمجلات الإسلامية تارة أخرى، وتأسيس لجان الوعظ والإرشاد مرّة ثانية، وإن قدمت للإسلام خدمات جلى تذكر فتشكر. ولكنّها لا تعدو جميعاً أن تكون أعمالا جانبية، وليست في صميم المعترك، فإن المعركة الرئيسية الّتي يخوضها الإسلام اليوم مع أعدائه، انّما تستهدف قبل كل شىء استرداد القاعدة للإسلام وجعل العقيدة الإسلاميـة في موضعها الرئيس من حياة الأمة…»[33].

فالمرجع والمرجعيّة حالة سياسية، في فكر السّيّد الشّهيد الصّدر، وهذه الحالة لها مجموعة من الشّروط الشّرعيّة والموضوعيّة، تخرجها من اطارها الفردي إلى الوضع الجمعي، ولذلك فهو عندما يتحدّث عن المرجعيّة، يتحدّث عنها كقيادة شرعيّة أي دستورية، تحكمها مجموعة من المواصفات الشّرعيّة، كالإجتهاد والعدالة، والإلتزام بالإسلام وأهدافه الكبرى، والمرجع بالإضافة إلى مواصفاته الشّرعيّة الذاتيّة هو القائد الأعلى، ورئيس النظام الإسلامي الأعلى، وقائد الجيش، والحافظ للشريعة (الدستور)… وهذه الوظائف حدّدها السّيّد الشّهيد الصّدر، في دراسته المقتضبة (لمحة تمهيدية…)، وليس المرجع في فهم السّيّد الشّهيد مجرّد رجل دين يمارس الفتيا في المسائل الفقهيّة الجزئية، أو يشرف على المؤسسات التعليمية الدينية، أو ينيب الوكلاء عنه، أو يبني مكتبه هنا، أو مدرسة هناك… إن هذه النشاطات وإن كانت جليلة ونافعة، إلا أنّها قطعاً ليست من المهمّات الأساسية (للمرجعيّة)، فالعلماء المجتهدون حكام على الملوك والرؤساء، ولهم (شرعاً)، وبموافقه الأمة ورضاها، حق التدخّل وتسيير الشّؤون العامّة… وهذه هي السّياسة بعينها.

ثانياً:

وأمّا حالة الانكفاء والنضوب في المؤسسات المرتبطة بالمرجعية… فإن السيّد الشّهيد ينظر إليها كجزء من حالة عامّة سائدة… ولذلك فإنّه يرى أنّها ستكون جزءاً من المرجعية المقترحة (المرجعية الموضوعية) ومن خلال بناء مؤسسات مرجعية موضوعية تقوم على الكفاءة والمقدرة، فالعلماء والوكلاء وطلبة العلوم الإسلامية تنتظمهم مؤسسات ولجان مثل: لجنة لتسيير الوضع العلمي والدراسي، وأخرى للبحوث والدراسات، وثالثة للاشراف على المرجعية ومعاونتها أدارياً ورابعة لمتابعة العلاقات الخارجية والاعلام….

ومن الواضح أن بناء أجيال من العلماء والباحثين يتواصل مع الحياة المعاصرة، ويتفاعل معها، مقدمة موضوعية، وشرط أساسي في بناء مؤسسة، أو منظومة مرجعية مؤثرة وقوية، وهو أيضاً ما يشكّل حلقة أساسية في مسعى الشّهيد الصّدر في احداث تغييرات سياسية وفكرية… فالعلماء والمثقّفون الإسلاميون والمفكّرون هم أذرع وأدوات أساسية في (المرجعية الموضوعية)، خصوصاً وان هذه المرجعية تريد أن تمارس دورها في (القيادة) والتغييرات السّياسية والفكرية وفقاً للأسس شرعية، اتفق عليها المسلمون جميعاً.

ثالثاً:

أمّا القضية الثالثة، والّتي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالمؤسسة الدينية الإسلامية (المرجعية) فهي العمل على إعادة النظر في المقرّرات الدراسية، وتنظيم الدراسة فيها، وإعادة النظر في أساليب وطرق بناء الكوادر العلمية، والإنفتاح على رياح المعارف الإنسانية المعاصرة في الفلسفة والعلوم الإنسانية، والإقتصاد والسّياسة… وغيرها. خصوصاً وان الجمود والإستسلام للموروث وهي من القضايا الغريبة في جمودها عن مناهج الرأي والإجتهاد والتطور العلمي، والاصرار على القديم، موضوعاً ولغة لا يستند إلى أي مبرر عقلي أو شرعي، وقد تعرض هذا المنهج في الجمود إلى نقد مستمر حتّى من قبل الطّلبة والعلماء أنفسهم….الا ان السّيّد الشّهيد الصّدر بادر وبنجاح كبير إلى تخطي هذه المسألة عملياً، فكانت كتاباته بمثابة إستجابة لضرورات العصر، ومعطياته، سواء في المضمون أو في الأسلوب والشّكل، أو كتب في الفلسفة والإقتصاد والتفسير الموضوعي والمنطق والفقه والأصول…. بروح العصر.. مستفيداً من معطيات العلوم، ناقداً الجمود على القديم، فهو يقول: «إن الرسائل العملية في الفقه، لم تعد تدريجاً بوضعها التاريخي المألوف كافية لأداء مهمتها بسبب تطور اللغة والحياة، ذلك أن الرسالة العملية تعبر عن أحكام شرعيّة لوقائع الحياة… ووقائع الحياة تتجدّد وتتغيّر…. فاللغة المستعملة تاريخياً في الرسائل العملية كانت تتفق مع ظروف الأمة السّابقة… وأمّا اليوم فقد أصبح عدد كبير من أبناء الأمة قادراً على أن يقرأ ويفهم ما يقرأ اذا كتب بلغة عصره وفقاً لأساليب التعبير الحديث فكان لابد للمجتهد المرجع أن يضع رسالته العملية للمقلدين وفقاً لذلك»[34].

فرحم الله الشّهيد الصّدر، وجزاه الله خيراً،.. فلقد نذر نفسه ووجوده من أجل إبلاغ كلمة الله العليا، وإحداث تغييرات جوهرية بهدف الوصول إلى نظام إسلامي شامل، يقيم العدل والحق.

محمد علي الناصري

[1] انظر الإمام الصّدر.. سيرة ذاتية/ محمد الحسيني (محمد باقر الصّدر دراسات في حياته وفكره).

[2] يراجع تقديمه لكتاب (تاريخ الإماية وأسلافهم من الشّيعة) للدكتور عبد الله فياض.

[3] انظر (تاريخ الإمامية وأسلافهم الشّيعة) د. عبد الله الفياض، ص 5

[4] انظر تفصيلات ذلك في «القاضي ابو يعلى الفراء وكتابه الأحكام السّلطانية» لأبي يعلى الفراء، تحقيق ودراسة د. محمد عبد القادر أبو فارس، ص 14، ص 15، وكذلك انظر كتاب «رياسة الدولة في الفقه الإسلامي» د. محمد رأفت عثمان.

[5] انظر «خصائص التشريع الإسلامي في السّياسة والحكم» د. فتحي الدريني ص 6 9.

[6] مقدمة ابن خلدون، ص 178.

[7] المصدر السّابق، ص 191.

[8] انظر الأحكام السّلطانية، لأبي يعلى الفراة، ص 19.

[9] انظر السّياسة الشّرعية، لابن تيمية، ص 138.

[10] انظر نظام الحكم والإدارة في الإسلام، للشيخ محمد مهدي شمس الدِّين، ص 7.

[11] انظر بحثه (لمحة تمهيدية) للسيد الشّهيد الصّدر، ص 14، وانظر بحثه حول (خلافة الانسان وشهادة الانبياء).

[12] المصدر السّابق، ص 13.

[13] المصدر السّابق، ص 33.

[14] مقدمة ابن خلدون، ص 191.

[15] انظر مقدمة (الفتاوى الواضحة) للسيّد الشّهيد الصّدر

[16] أنظر بحثه في مسألة الإجتهاد، مقدمة (الفتاوى الواضحة).

[17] أنظر خصائص التشريع الإسلامي في السّياسة والحكم، د: فتحي الدريني ص 6.

[18] أنظر (لمحة تمهيدية…) للسيّد الشّهيد الصّدر ص 25 29.

[19] أنظر من أصول الفكر السّياسي الإسلامي ص 386.

[20] المصدر السّابق ص 386.

[21] أنظر الماوردي في الأحكام السّلطانية، والمصدر السّابق ص 386

[22] أنظر «لمحة تمهيدية..» للشهيد الصّدر ص 20 – 21.

[23] أنظر المصدر السّابق ص 33 – 35

[24] المصدرالسّابق.

[25] المصدر السّابق، ص 24.

[26] المصدر السّابق ص 24 – 25.

[27] المصدر السّابق ص 29.

[28] المصدر السّابق ص 33.

[29] المصدر السّابق، ص 35

[30] المصدر السّابق، ص 27

[31] أنظر «تجربتي في التعليم الحوزوي» د. عبد الهادي الفضلي

[32] الإمام الصّدر ودوره في الصّراع السّياسي في العراق سامي العسكري/ من كتاب محمّد باقر الصّدر دراسات في حياته وفكره.

[33] أنظر بحث «الإمام الصّدر في الحركة السّياسية والدولة الإسلامية» د. طالب عزيز الحمداني، تعريب سامي العسكري ص 561 من محمّد باقر الصّدر دراسات في حياته وفكره» دار الإسلام لندن.

[34] أنظر «الفتاوى الواضحة» للشهيد الصّدر ص 96