توضيح لما كتبه الدكتور رفيق يونس المصري

[lwptoc]

الأستاذ الشيخ حسن الجواهري

بعد أن اطلعنا على ما كتبه الدكتور رفيق المصري حول المخاطرة التي منعنا أن تكون مصدر كسب، رأينا أن بحثه يستحق الجواب والتوضيح فنقول: إن المخاطرة لها معنيان:

المعنى الأول: وهو المعنى الذي قصدناه في بحثنا تبعاً لما ذكره السيد الشهيد الصدر وهو: أن المخاطرة هي حالة شعورية نفسية قبل الأقدام علي حالة معينة، وهذه الحالة الشعورية حالة أخلاقية نفسية تغمر الإنسان قبل أقدامه على أمر معين، فمثلاً إذا صمم إنسان علي بيع بيته لعالم ديني محاباة (أقل من السعر السوقي) أو صمم إنسان على اقراض جاره مبلغاً من المال مع تمكنه من تشغيله مضاربة، أو صمم إنسان على بيع سلعته لرجل مستحق نسيئة بثمنها الحال، فيكون هذا الإنسان قد تغلب على نوازع نفسه في الربح وقبل بالخسارة في هذه المعاملات، فهنا نقول: ليس لهذا الإنسان أن يأخذ شيئاً من المال في مقابل هذه المخاطر التي تغلب عليها وهي حالات شعورية نفسية مثل تخوفه من التخلف عن سداد الدين أو التأخر عن سداده أو مخاطرة ثقلبات الأسعار. نعم هذه الحالات النفسية الناشئة من التخوفات المتقدمة قد تغلب عليها وهذا أمر يستحق عليه المدح من قبل الناس.

المعنى الثاني: المخاطرة التي تحمل الخسارة للمال أو للسلعة حين حصول

التلف، كما أن الربح يكون له إن حصل، وهذه هي حالة توقع الخسارة والربح من المعاملة في ظل النظام السليم، وهو معنى تملكه للسلعة أو المال.

وهذا المعنى الثاني هو الذي قصده الدكتور رفيق حين جوز الربح على أساس المخاطرة بينما قصدنا ـ تبعاً للشهيد الصدر ـ المعنى الأول للمخاطرة حينما منعنا الربح استناداً إلى المخاطرة في إقراض المال أو البيع المحاباتي أو البيع نسيئة.

فقد ذكر الدكتور رفيق: أن المخاطرة سبب للكسب في المضاربة وقصد من المخاطرة تحمل خسارة مال المضارب إن حصلت فقال: (وفي هذه الشركة يقدم رب المال ملاً ويتحمل مخاطرة خسارة ماله كله أو بعضه… ومن هنا فإن رب المال يكسب الربح بماله ومخاطرته).

وفي الحقيقة أو هذا الكلام معناه أن الربح يكون الملكية المال إن وجد، كما أن الخسارة تكون عليه إن حصلت، وهذا شيء واضح، فمن قال: إن الربح يكون للمال وللمخاطرة في المضاربة يكون قصده أن الربح يكون لمالك المال، كما أن الخسارة تكون عليه، إذ معنى ملكية المال هو هذا.

ولهذا نسب الدكتور رفيق إلى الفقهاء أن الربح يستحق بالمال والعمل والضمان، وقال: يجب الإنتباه هنا إلى أن الضمان يعني: المخاطرة، ومعنى كلامه أن الربح يستحق بالمال الذي يضمنه صاحبه بحيث تكون خسارته عليه، وهذا شيء واضح لا ينكره أحد فضلاً عن الشهيد الصدر، وعلى هذا الأساس يتبين (على رأي الدكتور رفيق) أن الربح إنما يستحقه الإنسان بما أنه مالك للسلعة أو للمال والخسارة تكون عليه (المخاطرة تكون عليه) فيتمكن المالك أن يزيد في سعر السلعة عند بيعها نسيئة، ومعنى هذا: أن الربح يكون في مقابل العين، كما أنه لو تلفت فهو الذي يخسرها، فقوله: إن الربح إنما يستحق بالمال والمخاطرة هو نفس ما نقوله من أن الربح إنما يستحق في مقابل العين لأن تلفها عليه لو حصل.

ثم إن هذه المخاطرة (بالمعنى الثاني) تنقسم إلى قسمين كما ذكر ذلك الدكتور

رفيق: (حلال وحرام) فالمخاطرة في المضاربة حلال وكذلك في الأنشطة التجارية، فإن كل من يملك سلعة أو مالاً يكون نتاجه له، وهو الذي يتحمل خسارته عند التلف. والمخاطرة في القمار (المسير) حرام بالنص القرآني، فإن الربح في القمار لا يتبع المال، كما أن الخسارة فيه لا تقع على مالك المال.

والمخاطرة في القرض الربوي حرام بالنص القرآني كذلك.

ولكن لنا أن نقول: إن القمار لا تصدق عليه المخاطرة بالمعنى الثاني؛ لأن الربح في القمار ليس ربحاً تجارياً (في مقابل إعطاء شيء) حتى يكون لصاحب المال، والخسارة أيضاً ليست خسارة تجارية (في مقابل أخذ شيء) ولهذا سوف يكون تعليل النهي عن القمار هو أكل المال بالباطل الذي نهت عنه الآية القرآنية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ)(النساء: من الآية29).

أما القرض: فهو ما دام مضموناً على المقترض يكون ربحه للمقترض وخسارته عليه. نعم المقرض: أقدم على القرض بعد أن حصلت عنده المخاطرة التي هي حالة شعورية نفسية قد تغلب عليها باقراضه المال مع تمكنه من الإستفادة منه، وهذه الحالة النفسية الأخلاقية ليست هي من طرق الكسب عند الشارع المقدس.

وعلى هذا اتضح أن المخاطرة التي لم يجعلها الشهيد الصدر من طرق الكسب التجاري هي (المعنى الأول) الحالة الشعورية النفسية في التصميم على الأقدام على البيع المحاباتي أو الأقراض بنفس المال أو بيع السلعة نسيئة بثمن حال، وهذه الحالة يمدح عليها صاحبها، ولكن لا تكون مصدراً للكسب، لأن مصدر الكسب هو أما المال المختزن أو العمل.

وعلى هذا اتضح أن رأي الدكتور رفيق لا يعارض رأي الشهيد الصدر ولا يعارض ما كتبناه حول بحث المخاطرة من بيع التقسيط، وقد حصل التباس عند الدكتور رفيق من لفظ المخاطرة إذ يقصد منها معنى لم يكن مقصوداً عند الشهيد الصدر ولم يكن مقصوداً من بحثنا (بيع التقسيط)، بل المقصود هو المعنى الأول

للمخاطرة وهو بحق لم يكن من طرق الكسب عند الشارع المقدس.

واتضح أيضاً أن معنى المخاطرة (الثاني) الذي يجوز للمالك أن يربح بسلعته ويخسرها إذا تلفت يجوز للمالك أن يبيع سلعته بأكثر من سعرها الحالي. نسيئة، ومرد هذا إلى أن الربح يكون في مقابل العين لا في مقابل الأجل وإن كان الداعي إلى ذلك هو تأجيل الثمن.

ردود سريعة وايضاحات لما كتبه الدكتور (رفيق):

1 ـ قلنا: إن الربح الذي يحصل عليه المالك عند اتجار العامل بأمواله مضاربة يستمد مبرره من ملكية صاحب المال للمال الذي أخذ العامل يتجر به وذلك لقاعدة الثبات في الملكية القائلة: بأن مال الفرد مهما تغير ولو بعمل عامل يبقى على ملك مالكه الأول، وأما عمل العامل واستحقاقه نسبة من الربح إنما يكون بالإتفاق السابق الذي تنازل فيه المالك عن نسبة من ربحه على تقدير حصولها للعامل مقابل عمله.

2 ـ ذكر الدكتور رفيق أن تأجير السلع بحصة من الإيراد أو الربح يجوز، والصحيح عدم الجواز، لأن السلعة هي عمل مختزن، وهو يدخل في الإجارة فقط، ولابد من تحديد الأجرة لتصح الإجارة، أما النسبة فهي ليست محددة، فتدخل في الغرر، ولذلك ذكروا أن من دفع شبكة لغيره على أن يكون الصيد بينهما فالصيد للعامل، ولصاحب الشبكة أجرة المثل.

3 ـ إن قاعدة الخراج بالضمان والنهي عن بيع ما لم يضمن معناهما واحد، وهو: أن المالك له حق النماء والربح بشرط أن تكون السلعة داخلة في ضمانه بحيث يخسرها لو تلفت، وما لم يدخل المال أو السلعة في ضمانه وخسارتها عند تلفها فلا يستحق نماءها وربحها، ومعنى ذلك وجود تلازم بين الملك والتلف وبين النماء والملك (أي بين الضمان والنماء).

ولكن توجد استثناءات لهذه القاعدة هي:

1 ـ (قاعدة التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له) وهذه وإن اختصت بخيار الحيوان والشرط إلا أنها تخص قاعدة الخراج بالضمان حيث يكون الضمان في خيار الحيوان والشرط على غير من ملك المبيع.

2 ـ (قاعدة تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه) فمن أن الملك يكون للمشتري والنماء له، لكن التلف لو حصل فهو على غير مالكه وهو البائع.

3 ـ الغاصب للمال، فمع كونه ضامناً للمال إلا أن النماء لا يكون له بل يكون للمالك، ويكون التلف على الغاصب لا على المالك.

والحمد لله رب العالمين.